المتابع جيدا لتصرفات حزب النور خلال الأيام الماضية، يتأكد أنه يخوض معركة حياة أو موت، لتعويم نفسه على الساحة السياسية، وأن يظل عنصرا غير قابل للاستغناء عنه، فهو يخشى الدفع به نحو دائرة التجاهل والاكتفاء بما يقدم إليه أى أن يعمل وفقا لشروط ومتطلبات المرحلة الراهنة وليس بشروطه ورؤيته، مثلما تعود منذ تأسيسه عقب ثورة 25 يناير، عندما كان الكل يتسابق للفوز بمباركته ومساندته فى الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، وكان يحدد اشتراطاته لكى يدعم هذا الطرف أو ذاك. وبنظرة فاحصة مدققة، فإن النور يخوض معركة بالغة الصعوبة على جبهتين، الأولى تدور مع شركاء العمل السياسى من الأحزاب المدنية الساعية لتشكيل تحالفات تمكنها من حصد غالبية مقاعد مجلس النواب، والتحكم فى مسارات ومضمون التشريعات المنتظر صدورها من البرلمان الجديد. ويتخوف النور من أن تبتلعه التكتلات السياسية الناشئة، ويعلم أنه لن يستطيع بمفرده المشاركة فى الانتخابات البرلمانية ولابد من تحالفه مع قوى أخري، وحينما ينظر حوله بحثا عمن يصلح لمد اليد إليه فإنه يحس بورطة حقيقية، فإذا تحالف مثلا مع عمرو موسى ومراد موافى وغيرهما من الساعين لتكوين تكتل ضخم يستوعب بين جنباته العديد من الأحزاب والحركات، فسوف يدخل فى شقاق مع قواعده التى تنظر لهذا التحالف باعتباره مناهضا للمشروع الاسلامى الذى يتبناه النور. وتضع قواعد النور فى ذهنها أن تحالف الأحزاب المدنية الموصومة بأنها علمانية سيقوم بسن قوانين لا تتماشى مع ما يدعو إليه حزبهم من تطبيق الشريعة وأحكامها وهو ما سيرونه نوعا من التناقض وعدم الاتساق مع الذات، وتلك اشكالية تؤرق قيادات الدعوة السلفية وتجعلهم مترددين فى اتخاذ قرار اللحاق بركب هذا التحالف. وطبقا لما كشفته بعض المصادر المقربة من النور فإن قيادات الحزب طلبت من أعضائها التركيز فى دروس وخطب رمضان على قضيتين، آولاهما الحض على انتخاب مرشحى النور، وثانيتهما التحذير من اختيار المرشحين المنتمين لتحالف عمرو موسى استنادا إلى أن انتخاب الأحزاب العلمانية حرام شرعا. أيضا فإن تلك المصادر أشارت إلى أن النور قرر توظيف 600 مسجد تابع للدعوة السلفية لاقامة معسكرات تدريب داخلها، وأعلنت الدعوة السلفية بالفعل على موقعها الرسمى تنظيم عدة معسكرات بالمساجد الموجودة بالمناطق الفقيرة، وبدأت بمنطقة العمرانية، يلحق بهذا أن الحزب لا يخفى إيمانه بأن العلمانيين ليس لهم علاقة بالدين. فى الوقت نفسه، فإنه يصعب على النور التعاون مع التحالف الآخر الذى يحاول المرشح الرئاسى السابق حمدين صباحى تشكيله، لأن معظم مكوناته تميل قلبا وقالبا للتيار اليسارى المعروف بخلافاته ومواقفه المعادية والناقدة بحدة لجماعات الإسلام السياسى وفى الصدارة منها النور، وتطالب علانية بضرورة تفكيك الحزب الذى قام على اساس دينى بما يتعارض مع الدستور الجديد للبلاد الذى حظر صراحة قيام الأحزاب على قاعدة دينية - النور ينفى ذلك -، فلا توجد ركيزة فكرية ولا سياسية بامكانها تقريب المسافات بين الطرفين. فمن يتبقى ياترى حتى يتحالف معه النور؟ لن يتبقى سوى الحزب الوطنى المنحل الذى له مصلحة فى دخول البرلمان عبر بوابة النور، وما يرجح هذا الاحتمال أن قرابة 60 فى المائة من نواب النور السابقين بمجلس الشعب يرفضون الترشح باسمه فى الانتخابات المقبلة، بسبب اعتراضهم على سياسة الحزب المؤيدة لخريطة المستقبل، وهيمنة الدكتور ياسر برهامى نائب رئيس الدعوة السلفية على مقاليده، فضلا عن أن النور لن يتمكن من التواصل والتنسيق مع أحزاب محسوبة على التيار الاسلامى لموقفها الداعم أو المتعاطف مع جماعة الإخوان، وقد يحل التحالف بين النور والوطنى المنحل مشكلة عويصة للطرف الأول تتلخص فى التمويل ومشاركة المرأة والأقباط وقلة المنافسين الأقوياء. الجبهة الثانية التى تدور عليها معركة النور تتصل بكوادره وأعضائه ومساعى شق الصف ويلعب هذا الدور باقتدار الإخوان الذين أصبحوا - على الأقل ظاهريا - فى حالة حرب مع النور الذى يعتبرون أنه طعن الجماعة بموقفه المؤيد لثورة 30 يونيو، وأنه حان الوقت للانتقام منه. وسبيل الإخوان لتحقيق غايتهم تتمحور حول بث الشك فى نفوس قواعد النور بأن قادتهم باعوا قضية الإسلام، وأنهم ناصروا من يعادون اقامة شرع الله، والإخوان بارعون فى هذا التكتيك ولعلهم احرزوا بعض التقدم فى هذا الاتجاه بدليل ضآلة نسبة السلفيين الذين شاركوا فى الانتخابات الرئاسية، على الرغم من الدعاية التى قامت بها قيادات النور بعد اعلانهم تأييد المرشح الرئاسى عبد الفتاح السيسي. ويخاف النور من اتساع الهوة بين القمة والقاعدة تحت ضربات ومكائد الإخوان الذين لا يتورعون عن مهاجمة مساجد الدعوة السلفية، وشاهدنا كيف جرت محاولة مهاجمة مسجد كان يوجد به برهامى لعقد قران قبل يومين. وما يزعهجم أكثر فى هذا الاطار قرار وزارة الأوقاف بقصر الخطابة بالمساجد على الأزهريين دون غيرهم مما جعلهم يفقدون منابر عديدة كانت تتكفل بنشر رسائلهم ويحشدون من خلالها المزيد من الأنصار والمؤيدين. وانظروا إلى تصريح يونس مخيون رئيس حزب النور بأن قرار الأوقاف يمثل خطرا على الأمن القومى المصري، وقول كادر النور الإعلامى نادر بكار إن ثورة إيران اندلعت بسبب منع الخومينى من الخطابة، وهو تهديد يفصح عن مواطن حيرة وخوف الحزب مما يحمله له المستقبل. لمزيد من مقالات محمد إبراهيم الدسوقي