زمان زمان.. وقد نجحت ثورة يوليو 52 التى كان أحد أهدافها القضاء على الإقطاع وسيطرة رأس المال على الحكم.. فقررت إنصاف الفلاح المصرى والفقير.. وكان قانون الإصلاح الزراعى فى 9سبتمبر ..53 القانون وباختصار حدد الحد الأقصى للملكية الزراعية بمائتى فدان للفرد الواحد.. وما زاد عن ذلك تستلمه الدولة لتعطيه للفلاح بواقع خمسة أفدنة للعائلة.. والفلاح يسدد ثمن الأرض التى تسلمها على أقساط سنوية حتى تمام سداد قيمة الأرض.. فى حين تولت الدولة سداد القيمة الإجمالية لصاحب الأرض الأصلى.. الدولة إذن لم تؤمم الأراضى ولم تستول عليها بالمجان.. الدولة فى حقيقة الأمر أعادت تنظيم الملكية وانحازت إلى الفقراء والفلاحين.. من الواضح أن قانون الإصلاح الزراعى لم يعجب حضرة الإقطاعى الذى كان يملك الأرض بمن فيها من فلاحين.. فحدثت مناوشات عديدة بين ملاك الأرض الأصليين وبين الملاك الجدد.. ووصلت المناوشات وأحداث العنف إلى حد اغتيال زعيم من زعماء الفلاحين وخريج حرب فلسطين التى سافر إليها عام 1948 هو صلاح حسين.. الذى اغتيل على يد مأجورين بقرية كمشيش بالمنوفية فى 30 أبريل عام .66 يعنى تحل ذكراه التاسعة والأربعين هذه الأيام.. اغتيال صلاح حسين أحدث ضجة هائلة بالمجتمع المصرى.. ومن ثم المجتمع العالمى الذى كان يشهد صحوة هائلة لحركات التحرر بالعالم.. فى مصر.. قال جمال عبدالناصر إن اغتيال صلاح حسين فى كمشيش يعنى أن الإقطاع لا يزال موجودا.. لتبدأ لجنة تصفية الإقطاع التى أسسها عبدالناصر بمراجعة شاملة لنتائج الإصلاح الزراعى.. وتقرر فرض الحراسة على أراضى الإقطاع فى قرية كمشيش.. وتم تسليم قصر حضرة الإقطاعى إلى الشعب ليتحول إلى بيت للثقافة يزوره الفيلسوف الفرنسى العالمى جان بول سارتر.. الذى أعلن أنه لن ينسى فى حياته نضال فلاحى كمشيش ضد الإقطاع الذى يقاتل بضراوة من أجل السيطرة على الفلاحين من جديد.. الآن.. وبعد أكثر من ستين سنة يطل الإقطاع برأسه مرة أخرى.. يطالب باستعادة الأراضى التى قبض ثمنها بالفعل.. وهى الأراضى التى آلت ملكيتها للفلاحين نهائيا اعتبارا من 2002 بعد سداد كامل ثمنها للدولة التى تلكأت فى إعطائهم عقود الملكية. الإقطاعى الجديد استغل تقاعس الدولة عن تسليم عقود الملكية.. فلجأ إلى ألاعيب المحامين مع مافيا الإصلاح الزراعى.. الذى يرفض تسليم عقود الأراضى.. الإقطاعى يتلاعب بما حصل عليه بشغل الثلاث ورقات من بيانات من هيئة الإصلاح الزراعى.. لينذر الفلاح على عناوين وهمية يطالبهم بتسليم الأرض.. ودفع قيمتها الإيجارية من عام 2002 وحتى الآن.. ويحصل على أحكام قضائية تقضى بطرد الفلاح الذى لم يستجب لدعوى حضرة الإقطاعى ! الغريب يا أخى.. أن وحدة تنفيذ الأحكام فى العديد من مراكز وقرى الدلتا والفيوم تنحاز تماما للإقطاعى الجديد.. تنزل وحدة تنفيذ الأحكام مدججة بسيارات الأمن المركزى وبمئات من الجنود.. تقوم بإجبار الفلاح على مغادرة الأرض دون قيد أو شرط.. الاعتقالات بالجملة والقطاعى.. هم لا يكتفون باعتقال الفلاح صاحب الأرض.. هم يعتقلون الأهل والأقارب.. يعتقلون الزوجات.. وحتى الزوجة التى تحمل وليدها الرضيع يتم اعتقالها حتى يسلم زوجها نفسه ليوقع على عقود جديدة بالتنازل عن الأرض التى تملكها منذ ستين عاما.. حاجة كده تشبه ما كان يحدث منذ قرون.. أو تشبه ما صوره لنا يوسف شاهين فى فيلم الأرض الذى وقعت أحداثه فى الأربعينيات وتحت حكم الإنجليز.. والدليل أن الأحكام العرفية تفرض على القرى حتى يسلم الهاربون أصحاب الأرض أنفسهم.. ولم يكن ينقص الصورة سوى جنود الهجانة السودانيين يحملون الكرابيج من أجل فرض السيطرة..! القضية خطيرة بالفعل.. يدخلها أطراف جدد.. حيث يوقع محامى الإقطاع على عقود تمليك وإيجار لصالح آخرين.. ليتسع نطاق الخلاف الذى لا يحسم أبدا سوى بالقوة المسلحة للشرطة وللبلطجية أنصار الباشا الإقطاعى..! فى الأسبوع الماضى.. قرر الفلاحون فى قرية سرسو بالدقهلية البقاء فى أراضيهم وفى جيوبهم عقود التمليك وبما يفيد أنهم سددوا قيمة الأرض على أقساط سنوية استمرت خمسين عاما.. إلا أن الشرطة اعتقلتهم وصادرت ما فى جيوبهم من عقود.. الخيبة أن الشرطة لم تعتذر عن العنف المبالغ فيه فى التعامل مع الفلاحين.. الشرطة واجهت الإحراج ومحاضر النيابة تثبت أنها اعتقلت رضيعا بصحبة أمه !! وسوف تمتد حروب الأراضى.. وسوف تتسع.. ولن يحسمها بشكل حقيقى سوى تدخل الدولة التى تخفى رأسها فى الرمال.. وعليها أن تحدد موقفها بالضبط.. فهل هى مع الأصول والمنطق والحق.. أما أنها مع ابن عمه ولا مؤاخذة ؟! ∎