بمجرد دخولك قرية «كمشيش» الباسلة التابعة لمركز تلا بالمنوفية تلمس فى وجوه الأهالى نصف قرن من الكفاح والنضال ضد الإقطاع منذ الملكية، مروراً بعبدالناصر وعصر السادات الذى شهد الردة على قانون الإصلاح الزراعى وتشريد عدد كبير من الفلاحين بمساعدة الأمن وانتزاع أراضيهم وإعادتها إلى العائلات الإقطاعية من جديد. بدأت قصة الثورة الحقيقية لفلاحى كمشيش ضد الإقطاع مع ظهور صلاح الدين حسن الذى أسس تنظيماً من الطلاب أبناء القرية حملوا فيه السلاح ضد العائلات الإقطاعية فى عهد الملكية، واستمر التنظيم المسلح حتى بعد ثورة يوليو، وفى 30 أبريل 1966 اغتيل صلاح حسن وهو يسير فى كمشيش وسط عدد من رفاقه، وأصبح هذا اليوم ذكرى للنضال والكفاح يتم أحياؤها سنوياً مع رموز اليسار المصرى وشعراء الثورة. يقول السيد حلمى مقلد ابن عم صلاح حسين، ««فى السنة اللى استشهد فيها ابن عمى، كنت أدرس فى الإسكندرية بكلية الزراعة، وقتها كان الخير موجوداً، وكان هناك معهد خاص للقطن وهو الوحيد من نوعه فى الشرق الأوسط، لكن المعهد أغلق أبوابه، وصناعة القطن نفسها وقفت». يتحسر الفلاح المثقف على أحوال قريته، ويتذكر كيف اختلف كل شىء فجأة منذ اغتيال صلاح حسين، وحتى اليوم، لم تتوقف الأمور عن التحول إلى الأسوأ، يقول: «كنت ألتقى صلاح حسين باستمرار خلال فترة وجودى فى الإسكندرية، كان بمثابة الأخ الأكبر، وكانت حادثة اغتياله مفاجئة لنا جميعاً، ونحن نحيى ذكراه فى 30 أبريل من كل سنة، لكن حتى ذكراه لم تعد تلقى إقبالاً واحتفاءً فى الفترة الأخيرة». يتذكر الرجل الستينى العقبات والمشاكل التى اعترضتهم طوال 46 عاماً، منذ وفاة صلاح حسين وحتى اليوم، وبها ما بها من نوادر ومواقف قاسية، يقول: «دائماً كان النظام الحاكم يحاول منعنا من إحياء الذكرى، لأنها كانت تجمع كل القوى الوطنية والثورية فى مصر، والحكومة كانت ترفض تلك التجمعات، وأذكر فى سبعينيات القرن الماضى أنه تم منع الشيخ إمام والشاعر أحمد فؤاد نجم والمطربة عزة بلبع من دخول القرية، فذهبوا إلى قرية مجاورة وتنكروا فى ملابس أخرى وارتدت عزة بلبع جلابية سوداء، واستقلوا حماراً ودخلوا فى غفلة من الحكومة». للعصر المباركى تجربة خاصة، يحكيها الرجل: «كنا دايماً نتعامل مع الذكرى باعتبارها شىء محظور، وطوال الوقت كنا نصر على إقامة الذكرى، وفى عهد مبارك كان الأمن يوجد على الطريق قبلها بأربعة أيام، ويحولوا خط سير السيارات بعيدا عن كمشيش، كانوا يمنعوا كل السيارات القادمة من القاهرة، كانت بمثابة إرهاب لأهالى القرية، لكن الأمر اختلف فى السنوات الأخيرة، وعندما نواجههم يقولون نحن هنا لنحميكم، وكان فيه ناس من أمن الدولة تيجى عشان تعرف بنعمل إيه». يخطئ من يتصور أن الثورة أعادت لذكرى صلاح حسين زهوتها، يقول مقلد: «دلوقتى مع النظام الجديد لم يعد هناك منع لإحياء الذكرى، لكن الأزمة أصبحت داخلنا، الاختلافات اللى غرقت فيها الحركة الوطنية بعد الثورة ضيعت طعم الذكرى، اللى كانت بتتجمع فيها كل القوى على اختلافها، كان فيه إخوان ويساريين، واشتراكيين وغيرهم، كلنا كنا ضد النظام الفاسد، دلوقتى العقد بدأ ينفرط، الإخوان اللى ملهمش برنامج زراعى مفهوم حكموا البلد، والنظام الرأسمالى لسه شغال فى تدمير مصر، والنضال أصبح على القنوات الفضائية، وكل واحد بقى مشغول بنفسه»، ويختتم: «فى الذكرى الأخيرة حضر للقرية خالد على وأحمد حرارة، وممدوح حمزة، وكمال الهلباوى، واعتذر عن عدم الحضور محمد البرادعى». أخبار متعلقة: «الخضرة» تغرق فى الصرف الصحى.. والأهالى يصرخون: بيوتنا أصبحت مأوى للحشرات والحيوانات الضالة ولاد العم والحكومة يتحدان ضد 50 ألف نسمة من أجل 50 جنيهاً