.. مازالت تحتفظ ببيوتها الطينية وفلاحة الأرض في زمن الهجرة لإيطاليا! مدخل كمشيش صورة للإهمال في قرية حاربت الإقطاع «فلاح ابن فلاح والبلد كمشيش.. ثابت علي مبدئي وقولي.. وكلامي تراث للتاريخ هيعيش.. لسه الرجال فيها عايشه باقية ومابتمشيش.. بكلام بسيط وصريح لا فيه غش ولاتدليس».. بهذه الكلمات البسيطة لخص الشاعر عبدالمجيد الخولي طبيعة أهل القرية التي لم تتغير منذ أكثر من نصف قرن مضي، فبمجرد أن تنزل إلي هذه القرية الباسلة تشعر بأن هناك شيئاً ما مختلف، تشعر في وجوه الأهالي بنصف قرن من الكفاح والنضال ضد الإقطاع منذ الملكية مروراً بعبد الناصر وعصر السادات الذي شهد الردة علي قانون الإصلاح الزراعي وتشريد عدد كبير من الفلاحين بمساعدة الأمن وانتزاع أراضيهم وإعادتها إلي العائلات الإقطاعية من جديد. تتسم القرية التي تتبع مركز تلا محافظة المنوفية والتي تبعد نحو 8 كيلومترات عن عاصمة الإقليم مدينة شبين الكوم بالهدوء وبساطة المباني، ولعل اللافت للنظر هو حفاظ المباني الطينية علي مكانتها بالقرية بعكس كثير من القري التي فضل أبناؤها السفر إلي الخارج للبحث عن حياة أفضل وهو ما يفسر زيادة ارتباط أهالي القرية بالأرض وبالكفاح والنضال الذي لم ينقطع طوال نصف القرن الأخيرة. وخلال العقود السابقة علي نضال الفلاحين شهدت كمشيش صنوفا شديدة من الاضطهاد وتحكُم الإقطاعيين في فلاحي القرية سواء كانوا من الأجراء أو المستأجرين أو صغار الملاك. كبار الملاك في كمشيش كانوا يتعاملون مع فلاحي القرية علي أنهم عبيد للأرض يمارسون ضدهم كل صور الاستبداد والتنكيل، بفرض السخرة والاستيلاء علي الملكيات الصغيرة والسجن والتعذيب. وبدأت قصة الثورة الحقيقية لفلاحي كمشيش ضد عائلة الفقي الإقطاعية مع ظهور صلاح الدين حسن الذي أسس تنظيما من الطلاب أبناء القرية حملوا فيه السلاح ضد العائلات الإقطاعية في عهد الملكية، واستمر التنظيم المسلح حتي بعد ثورة 23 يوليو، ففي صيف 1952 قرر الفلاحون هدم سد كانت قد أنشأته أسرة الفقي لتوفير المياه لأراضيها ومنعها عن أراضي صغار الملاك. وفي مطلع 1953 بدأ فلاحو كمشيش في مهاجمة أسرة الفقي، وكانت بداية الأحداث بقرار من صغار الملاك بردم الترعة، فخرج عليهم رجال الأسرة وأعوانهم بالسلاح وأدي الأمر إلي إصابة 17 فلاحًا. وفي 30 أبريل 1966 اغتيل صلاح حسن وهو يسير في كمشيش وسط عدد من رفاقه، وأصبح هذا اليوم ذكري للنضال والكفاح يتم أحياؤها سنويا مع أكبر رموز اليسار المصري وشعراء الثورة. وشهدت القرية في العصر الحديث عودة للتوترات في تسعينيات القرن الماضي وعودة النضال من أجل الأرض مجدداً بعد الردة علي قانون الإصلاح الزراعي الذي بدأ في عصر السادات ولم يتنه حتي الآن، حيث فشل ورثة عائلة الفقي في الحصول علي أحكام بتسليم الأراضي فلجأوا إلي الاستعانة بالبلطجية مستغلين نفوذهم لإرهاب الفلاحين وإجبارهم علي ترك أراضيهم . ولعل أشهر المواقف التي شهدتها قرية كمشيش كانت مع الشاعر أحمد فؤاد نجم عندما أصدر السادات قراراً بمنعه من دخول القرية لحضور مؤتمرها السنوي في أبريل عام 1978 هو ورفيقه الشيخ إمام عيسي وزوجته الفنانة عزة بلبع إلا أنهما أصرا علي الحضور والدخول فاقترح علي الشيخ إمام الركوب وسط حمل الحطب فوق الحمار بينما هو ركب فوق الجمل وعندما اقترب من البحر المار أمام القرية التي أغلقت قوات الأمن أبوابها قفز من فوق الحمار إلي البحر وصرخ ورايا يا مراكبي يقصد بذلك الشيخ إمام الذي نزل خلفه إلي البحر وكادا يغرقان إلا أنهما نجحا في الوصول إلي المؤتمر وفوجئ رئيس المباحث الجنائية بوجودهما ينشدان بين الجماهير وتم اعتقالهما بعد المؤتمر مباشرة.