من حق كل من أدخل البسمة لقلوبنا وفرحنا بالثورة ودفع حياته ثمنا لها أن نحتفل معهم، ليس تشاؤماً فى وقت العيد، لكنه رد لاعتبار أسرهم المكلومة بأن يتذكرهم أحد فى العيد، ما هى رسائل عماد عفت لأصدقائه وأين كان الطبيب المبتسم علاء عبدالهادى ومينا دانيال وأحمد بسيونى وغيرهم يقضون العيد. ∎ أول مصاب تواجد صاحب ال 22 ربيعًا، طبيب المستشفى الميدانى، منذ بواكير الثورة بالميدان، يسعف المصابين رغم إصاباته المتعددة، لم يكف عن أداء واجبه وهو أول مصاب للثورة وأول شهيد فى أحداث مجلس الوزراء، ثورجى، ميدانى، محبوب من الجميع، خلوق، لم يدرك وهو يكتب حالته على الفيس بوك «لما أنزل أشوف إيه إللى بيحصل هناك.. استرها معانا يارب» إنها ستكون آخر ما يكتبه الفقيد. مع اقتراب موعد العيد يسافر علاء من القاهرة لمحلة مرحوم بمحافظة الغربية حيث سكنه، يقبل يد أمه بعد اشتياق، يستعد بعدها لقضاء ليلة العيد، يكثر من التكبير والتهليل، يسأل عن أصدقائه وأقاربه، هكذا كان يبدأ علاء استعداده لقضاء إجازة العيد بصحبة العائلة، حيث بدا شقيقه متماسكا رغم ما اعتصره من حزن على فقدان شقيقه وهو يروى لنا كيف كان علاء يقضى العيد، كان متدينا يراعى أبسط وأدق الأشياء لفرحة العيد من ملبس جديد وصلاة مع الأهل والأقارب الذين كان لا يكتمل عيده إلا معهم، لا تتعدى إجازة العيد له سوى خروجة متواضعة مع الأصدقاء وقضاء معظم الوقت بالمنزل مع الأسرة. ∎ جيفارا المصرى جيفارا المصرى، هكذا لقبه أصدقاؤه، مينا دانيال، شهيد أحداث ماسبيرو، التى راح ضحيتها العشرات من الشباب، غدرا إما تحت عجلات المدرعات أو بطلقات رصاص، لم تجد مارى دانيال شقيقة الشهيد مينا دانيال غضاضة أن تقوم بالدور الذى كان يقوم به مينا فى مثل هذا الوقت أن تحتفل بالعيد الأضحى المبارك مع المسلمين، قائلة: العيد ده مش عيد لحد وأنا حاليا أقوم بما كان يفعله مينا حيث كان يحتفل بالعيد مع أصدقائه المسلمين ويخرج معهم للتنزه ولو كان موجودا لذهب للاحتفال فى الميدان. ولم يشعرهم مينا بأى فرق بين مسلم ومسيحى فكان العيد واحدا لهم، وكذلك مارى والتى لفتت النظر أنها تقوم بالمعايدة على عدة أسر من الشهداء منهم نشوى زوجة الشهيد عماد عفت ووالدة الشهيد رامى الشرقاوى ووالدة مصطفى عصام شهيد أحداث بورسعيد. ∎ الشيخ عماد «والله إنى لأجد ريح الجنة على مقربة من ميدان التحرير»، وهناك كانت نهايته، الشيخ عماد عفت، أمين فتوى ومدير إدارة الحساب الشرعى لدار الفتوى، شهيد أحداث مجلس الوزراء، تلقى رصاصة غادرة فى ذات اليوم، الذى خوُن فيه من تضامن مع مطالب الثورة وقتها، عماد عفت بسمة الميدان، لقى ربه وهو بذات البسمة. نشوى عبد التواب زوجة الشيخ عماد تقول: إن العيد أصبح مختلفا لفقدان الحبيب، فالشيخ عماد كان يستيقظ مبكرا، لأداء صلاة العيد، يزور بعدها الأهل والأقارب، لكن الجميع كان ينتظر رسائله المهنئة لاختلافها عن أى رسائل أخرى فكان يرفض أن يرسل رسائل لأصدقائه تم إرسالها مسبقا من أحد له فكان يكتب رسالة خصيصا لكل صديق أو قريب، وكان البعض يحبها والبعض الآخر لا يحبها لأنه كان يمزج دوما الدين بالسياسة بها. على سبيل المثال كانت إحدى تهنئاته بالحج عام 2010 «رزقكم الله تعالى الحج إليه، وتلبية ندائه، والطواف بعرشه، والسعى بين خوفه ورجائه، والوقوف ببابه، والمبيت بساحته، والإفاضة إلى محابه، والإناخة بأعتابه، ورمى أعدائه، وإهداء طاعاته، وتكبير شعائره، وتعظيم حرماته. كل عام أنتم بأجمل ما فى الدنيا: محبته». والأخرى بأحد الأعياد «كل عام ونحن بخير ما دمنا نحافظ على نعمة الرب بإزاحة الظلمة والخونة والمجرمين بشكره سبحانه، وبالتوافق الداخلى والحفاظ على الوحدة التى نصرنا الله تعالى بها، وبالسعى لرفع المعاناة عن المسلمين فى سوريا وليبيا واليمن والعراق وأفغانستان والصومال وغيرها». ورسالة آخرى أرسلها إبان حصار غزة عام 2009 «عيدنا يوم فك أسرانا وقهر عدانا وولاية صالحينا وسيادة راشدينا. كل عام والأمة بك منصورة». وتستطرد نشوى عن إحياء الشيخ عماد للعيد، تقول: إنه كان يواظب على إحياء ليلة العيد دوما ويكثر من التكبير والتهليل حتى لو فى السيارة وينتهز فرصة العيد لزيارة الأهل ولقضاء إجازته، مشيرة إلى أنه كان يحب صلاة العيد بمسجد السلطان حسن ولو كان بيننا لصلاه فى ميدان التحرير. ∎ الشهيد بسيونى أحمد بسيونى المصور الفوتوغرافى والمدرس المساعد بآداب حلوان، شهيد جمعة الغضب، رفض والده وأبناؤه خروجه يومها، لكنه كان ذاهباً لقدره ولا مفر من القدر، ودع أهله قبيل خروجه للميدان، قائلا: «آدم خذ بالك من ماما وأختك سلمى.. بكره هاتكبر وتعمل أحسن من اللى أنا بعمله»، ذهب بعدها لأداء صلاة الجمعة. ذهب بعدها أحمد لمنزل والده ليصافحه وأمه ويوصيهم على زوجته وأبنائه، فأوصته والدته بعدم الذهاب، فيقول لها: «لا تخافى يا أمى هاجيلك سليم إن شاء الله، المهم ادعيلنا ربنا يوفقنا، لو أنا مكتوب لى حاجة هاشوفها، وإن شاء الله ربنا مش هايضيع مجهود الشباب اللى بيتظاهروا بشكل محترم علشان بلدنا ترجع زى الأول وتكون أحسن بلد فى الدنيا». وقبل انسحاب الشرطة من الميدان، صوّب أحد القناصة لأحمد رصاصة غادرة ليسقط بعدها ويلقب بالشهيد إضافة للقبه كمصور محترف، وتقوم سيارة الأمن المركزى بالمرور فوق جسده لتدهسه، وتفر العربة هاربة بعدها من قلب الميدان ومعها قوات الشرطة. وبصوت حزين يتعجب باسم شقيق أحمد، قائلا: توفى والدى فى أحد أيام شهر مارس قبل الماضى قبل أن يثأر لأخى واستشهد أخى فى جمعه الغضب، فكيف يكون العيد؟! ويضيف باسم: أحمد لو كان موجودا بيننا لكان يومه يبدأ من صلاة العيد نذهب بعدها لزيارة والدى ووالدتى ثم نذهب إما لبسيون بمحافظة كفر الشيخ أو الإسماعيلية لقضاء ما تبقى من إجازة العيد، لكن هذا العيد سنكون بالمنزل من أجل والدتى». ∎مجزرة بورسعيد والدة «محمود خاطر» شهيد مجزرة بورسعيد وابن مدينة المنصورة لا تنسى كل ذكريات ولدها فى كل مناسبة تمر بها، وفى عيد الأضحى تتذكر أدق تفاصيل حياة محمود بداية من ليلة العيد التى يقضيها مع أصدقائه حتى الصباح ليذهب إلى المنزل ويستعد لصلاة العيد بملابسه التى أعدتها لتوها، لينزل إلى صلاة العيد ثم يشارك أحد الجيران فى ذبح الأضحية حيث كان يفعل كل عيد، ليحمل فى تليفونه المحمول مقاطع فيديو مسجلة من عملية الذبح يطلع أمه عليها قبل أن يذهب فى نوم عميق. وفى المساء يستيقظ محمود ليستعد للخروج مع أصدقائه يقضى أول أيام عيده بينهم ويكون ثانى أيام العيد من نصيب الأهل والأقارب. تقول «أم محمود» أنها لاتزال حتى الآن تجلس وحيدة لتتذكر صوت أقدام الفقيد على سلم المنزل وتسمع صوت صفيره، كما تتذكر جيدا صوت الأغانى من تليفونه المحمول عندما كان يجلس فى برج الحمام أعلى المنزل. ∎ أم الثوار لا ننسى أن نذكرها كما لم تنس أيا من الشهداء عاملت الجميع برفق ومودة وكانت حاضرة بقوة فى كل أحداث الميدان إبان ثورة يناير، رغم سنوات عمرها التى تخطت الخمسين إلا أنها تستميت فى أن تعاملهم كأبنائها. «ماما خديجة»- كما يطلق عليها الثوار قالت: أى عيد والبيوت كلها مليئة بالشهداء، وأكملت: إن الشهيد يعامل أحسن معاملة اليوم عند ربه أما من هم أحياء ولا يزالون بيننا يعاملون بكل إهانة ولا يجدون ثمن علاجهم». كان غضبها واضحا فى أسلوبها وقالت بحرارة: «لن تجد عندى كلام حلو.. أنا أم للجميع» وفى رسالة وجهتها إلى ذوى الشعور البيضاء - كما أسمتهم- «أرجوكم تنحوا جانبا ودعوا الثورة ليرثها من قاموا بها. السر والأمل فى شبابنا وحدهم من أجل قصاص عادل للشهداء وحقوق مكفولة للمصابين وعدالة اجتماعية لكل المصريين».