«شريف وهبة» فنان بكل معنى الكلام، لذلك تأتى زياراته ومشاهداته للمسيحيين واليزيديين والهاربين من شر وإرهاب وجحيم داعش مختلفة تماما عن كل من رأى وكتب من كان فى وفد الكنيسة الكاثوليكية وقوافل الإغاثة، من هنا تأتى أهمية هذه الشهادة الإنسانية التى يقدمها شريف لما رأى فى كردستان- العراق حيث بدأ متسائلا: «بيد داعش.. أم بيد من؟!». سؤال دار فى ذهنى وأنا أقرر السفر لهذا المكان، وبداخلى كثير من الأسئلة التى لا إجابة لها، بأى ذنب؟ ولماذا؟ ومن المسئول؟ وما المصير؟ ورنت فى أذنى كثير من الإجابات التى لم تقنعنى، حتى ركبت الطائرة، إلى تلك الأرض التى حباها الله بكل خصائص النماء والخير والتى عمل فيها آلاف المصريين فى الثمانينيات فكثير من أهل الصعيد كانوا هناك، وكسبوا مالا وفيرا وعادوا يشترون أرضا ويشيدون بيوتا، واستمر ذلك حتى ارتكب صدام جريمة غزو الكويت الأمر الذى ترتب عليه الحروب التى أدت إلى انهيار العراق فيما بعد وسألت شريف: ∎ من أين بدأت رحلتكم؟ وإلى أين وصلتم هناك؟ - وصلنا إلى أربيل العاصمة وكان من المقرر أن نبدأ الرحلة من السليمانية فتحركنا فجرا من مطار أربيل إلى السليمانية مسافرين فى طريق الدوكان، وهذا الطريق هو الآمن لأنه يمر فى القرى الكردية قاطعا جبل الدوكان الرائع والساحر، وهذا الجبل آمن لأن قوات البشماركة الكردية تملأ الجبل يمينا ويسارا، كما أن السيطرات «وهو الاسم الذى يطلقونه على نقاط التفتيش أو الكمين كما نسميها نحن» تسيطر عليها قوات تابعة لحزب الاتحاد الكردستانى الاشتراكى، وأضاف: بينما لحظات الفجر أقبلت كنا وصلنا السليمانية التى تشبه أبوظبى فى هيبتها وعظمتها ونظافتها، بدأنا الحوار الأول مع السيد مصطفى مسئول العلاقات الخارجية بالحزب وكذلك القاضى القاسم أبو مديد وهو اليزيدى الديانة والمتحدث باسم اليزيديين فى السليمانية، وقد دعانا سيادة القاضى لزيارة مزرعة صديق له يأوى بها أسر كثيرة من النازحين اليزيديين وهم جميعا لا يعلمون مصيرهم، من القصص التى سمعناها عن أسرة توفى الأب والأم والأطفال السبعة ركبوا سيارات النقل التى كانت تنقل عشرات النازحين فانقسم الأطفال إلى مجموعتين كل منهما فى منطقة لا تعلم شيئا عن المجموعة الأخرى، وهكذا تفرق الأخوة بعد أن يتمتهم يد الإرهاب القذرة، وفى قرية تالية وفى بيت لأحد قاطنيها وقد أوت لديه عائلتان قريبتان له، وهما سيدتان مسنتان من اليزيديين بلا رجال فقد قتل رجالهما ولم يتبق إلا الأطفال والكنات، وحكت إحداهما أنهما سارتا فى الجبل ستة أيام بدون ماء ولا طعام خوفا من الطريق الذى تسيطر عليه قوات الإرهاب الأسود، وحكت أيضا عن ابنها البكر فى وجود حفيدها أيمن ذى العشرة أعوام، وهذا البكر مريض بالكبد لم يستطع السير على قدميه ولا يوجد من يستطيع حمله ولا يمكن التوقف بجانبه وإلا سيلحقهم كلهم الأذى، فأمرهم البكر بالرحيل وتركه لمصير مجهول، ووسط دموع أيمن لم يستطع كل الحاضرين أن يتوقفوا عن البكاء وسط مشاعر ابن فقد أباه أمام عينيه وحيدا فى الصحراء، وبعد أن نجوا أوجعتهم تلك الذكريات لأنهم فقدوا كل رجال العائلة، والأم التى اضطرت لترك ابنها فى الصحراء وحيدا يواجه مصيرا أسود، بيد من ينقذ هذا البكر لأجل أمه ولأجل ابن فى سن البراعم، ولكن هل نجا بعد كل هذه الأيام لا أحد يعرف مصير الابن مثل كثير ممن اختطفوا أو هربوا فى الجبال. يلتقط شريف أنفاسه وتذهب عيناه اللامعتان إلى المخيم ويكمل قائلاً: شُيد مخيم اللاجئين السوريين فى ناحية عربد فى السليمانية، وظل فارغا بعد أن تم تهجيرهم ورجوع بعضهم واستقرار الآخرين فى أماكن أخرى، وهو المخيم الذى أنشأته الأممالمتحدة ومجهز بالحمامات، وأثناء البدء فى إزالته حدثت تلك الكارثة السوداء، فجاء الأمر بإيقاف الإزالة وإعادته كما أخبرنا مدير ناحية عربد السيد مصطفى هوشيار- ليستقبل بعدها هؤلاء النازحين اليزيديين والشبك «طائفة من الأكراد الشيعة»، وبعض السنة ممن زوجاتهم شيعة أو يعملون فى الشرطة والجيش وهم أيضا كانوا مهددين لأنهم يعملون مع الحكومة، وكل هؤلاء من قرى جبل سنجار أو شنجار باللغة الكردية وجميعهم أكراد، وقد تعرض الأكراد ل73 حملة إبادة على الهوية وتلك المرة ال.74 أما عن وضع المخيم فهو فى حالة صعبة جدا من الوجع والألم وقصص الهروب المرعبة من يد الإرهاب الأسود، فكثيرون فقدوا زوجاتهم وكثيرون فقدوا آباء وأمهات، أما دموع الأستاذ أحمد «وهو أستاذ لغة عربية» ممثل اليزيديين فى المخيم على 700 فتاة يزيدية تم أسرهن من قبل الإرهاب ولا أحد يعرف مصيرهن كانت دموعا تحمل لوما للمستقبل ولكنها لا تكفر بالله الواحد الأحد، فاليزيديون موحدون بالله ويؤمنون به وليس كما يشاع عنهم من أساطير غير حقيقية، فاليزيدية كما قال الجميع هى الديانة الأصلية لأهل العراق فكل العراق أجدادهم يزيديون قبل الإسلام وقبل المسيحية. وفى خيمة صغيرة يقطن مسنان رجل وزوجته فقدا 27 من عائلتهما بين أبناء وزوجاتهم وبنات وأزواج وأحفاد كُثر وقد قطعوا تماما من الأرض بعد هذه الفاجعة، فصارا لا يتكلمان ولا يقصان أى شىء فقد سمعنا قصتهما من الآخرين، وفى كل هذا نرى أطفالا يلعبون فى الرمال ويمرحون ويحاولون أن يعيشوا طفولتهم، فأى ذنب لهؤلاء يسيرون عراة وحفاة يحتاجون لطعام وملابس للشتاء ويعيشون فى خيم مهترئة من الكارثة السابقة التى حلت بالسوريين، وهم جميعا كبارا وصغارا يناشدون المسئولين لتوفر أماكن أكثر آدمية قبل حلول الشتاء وفصل الجليد الذى يسقط فى تلك المنطقة. ∎ ماذا عن أحوال اللاجئين ودور الكنيسة الأرثوذكسية هناك ووجود المصريين بالعراق؟! - هناك كنيسة السيدة العذراء، وفى الواقع هى مجرد قاعة صغيرة ومساحة من الأرض الفضاء، وهى كنيسة قبطية أرثوذكسية، لم يسلم أبناؤها عبر أراضى العراق التى طالتها يد الإرهاب الأسود، ففتحت أبوابها لقصص مأساوية لعراقيين ومصريين أقباط يعملون فى الموصل وغيرها، وقد امتلأت بأكثر من 70 عائلة ساعدتهم للوصول لها بعد أن تم سلبهم كل ما يملكون بيوتهم وسياراتهم وأموالهم بالكامل، أبو العزايم ذلك المواطن المصرى يعمل حلوانيا بالعراق لأكثر من 27 عاما ومتزوج من عراقية وله منها 3 أطفال وقد هرب من يد الإرهاب وفى السيطرة أوقفوه وقد أخذوا كل ما بحوزته، وما كان يدخره كان قد وضعته الزوجة فى حزام على بطنها، قامت إحدى السيدات التى تنتمى لهذا الإرهاب بتفتيشها وأخذ ما كان على بطنها ثم لطمها على وجهها، وقالوا له: نصرانى لا تخرج بأى دينار من الموصل، وهو يبكى على تحويشة العمر لكنه يحمد الله على خروجه هو وأسرته من يدهم، أما كثير من المصريين فيشتكون من القنصلية التى لم تساعدهم وأجبرتهم على السفر لبغداد للسفارة لاستخراج جواز سفر ومجازفة البعض بذلك، إلا أن السفارة أصدرت وثيقة سفر للقاهرة وأخبروهم فى القاهرة أن يصدروا جوازات سفر جديدة وقد سلبهم الإرهاب حتى من جوازات سفرهم، ولكنهم كيف يشترون تذاكر السفر وهم لا يملكون ثمن تذاكر السفر وحتى لو سافروا من سوف يساعدهم وهم بعيدون عن وطنهم عشرات السنين. أما أبونا شنودة كاهن الكنيسة فيرى ما حدث عودة لأيام الرسل يأكلون معا ويشترون معا ولكل أسرة دور فى الترتيب وعمل الأكل، وإن كانت الكنيسة قد نفدت مواردها لخدمة هؤلاء إلا أنه يرى أن الكنيسة ستظل مسئولة عنهم حتى يعودوا لأماكنهم مرة أخرى. نفس الحال بالكنيسة الكلدانية وهى الكنيسة الثانية فى السليمانية، وإن كانت الموارد قليلة أن الكنيسة ستظل مسئولة عن الرعية، وإن كان حظ النازحين المسيحيين أفضل لأنهم لا يسكنون مخيما تحت رحمة الجليد والبرد القادم فى فصل الشتاء، إلا أن العدد الكبير قد أفقد الكثيرين راحة البال وقلة المياه وموارد الكنيسة إلا أنهم يجتمعون معا يوميا للصلاة ويباركون الله وينتظرون فعلا دوليا كبيرا. إن الوضع الإنسانى فى مخيمات النازحين بشكل عام مزرٍ جدا، فظروف المعيشة متفاوتة فى درجة قسوتها وهناك احتياجات للملبس والطعام والماء النظيف والصرف الصحى كبيرة وكذا للدواء والخدمات الصحية. الجو قارى وقد قارب الصيف الحار على نهايته ويخشى من كارثة واسعة النطاق عند دخول الشتاء وهو قارس البرودة.