إذا درسنا المنطقة العربية بعد الاحتلال الأوروبى، وقت أن كانت إيطاليا تحتل ليبيا، نجد أن الدهاء البريطانى تمكن من التأثير على الرأى العام السودانى فى طلب الاستقلال عن مصر فى العام .1956 وكان لقيام ثورة 23 يوليو فى مصر أثره الواضح على الوطن العربى، خصوصا ليبيا والسودان، حين أصبح الرأى العام فى البلدين متلاحما مع الثورة التى حملت شعارى القومية والاشتراكية. ويجب أن نتذكر وثيقة مهمة، وهى «ميثاق طرابلس» فى عام ,1970 التى وقع عليها كل من جمال عبدالناصر ومعمر القذافى وجعفر نميرى، واستهدفت إعداد وتعبئة البلدان الثلاثة للتكامل عن طريق الوحدة، وقد تطورت الأوضاع عربيا ودوليا منذ ذلك الوقت، ودفعت سياسة كامب ديفيد العرب فى اتجاه الخضوع للسياسة الغربية والصهيونية، وزاد تفاقم الأوضاع مشروع الشرق الأوسط الجديد الذى يستهدف القضاء على الدولة الوطنية، وصولا للقضاء على الأمة العربية، تحت مسمى «الربيع العربى»، وما استتبع ذلك من دمار وتوترات وإرهاب فى العديد من الأقطار العربية، وأدى إلى احتلال العراق وليبيا بعد فلسطين، ولا يزال الخطر محدقا للأسف، ويهدد كل البلدان العربية، خصوصا مصر وليبيا والسودان. وهنا لابد من التركيز على الحاضر واستشراف المستقبل. ∎ أولا: مصر والسودان وليبيا لابد أن نعرف أن مشروع الشرق الأوسط الجديد الذى صدقت عليه الولاياتالمتحدةالأمريكية منذ العام 1983 والاتحاد السوفيتى- حين كان قائما- اتجهت أمريكا لتنفيذه بدهاء شديد، للتخلص من العراق وصدام حسين، والضغط تجاه فرض التطبيع مع الكيان الصهيونى، بإقناع الحكام العرب أن السلام هو الخيار الاستراتيجى، فى حين أن العدو الصهيونى يتوسع فى بناء المستوطنات، وتجاهل القانون الدولى. وفى ليبيا شنت أمريكا الحرب ضدها فى خليج سرت فى العام ,1981 ثم الهجوم على مدينتى طرابلس وبنغازى فى محاولة لقتل القذافى بالإغارة على منزله. أما فى السودان فانتشرت دعوات العنصرية والانشقاق، حين دعمت الولاياتالمتحدة جون جارانج الذى صعد خلال الثمانينيات فى حربه ضد الحكم المركزى، ولكى يكون لتلك الأطروحة صداها، يقدم الإخوان المسلمون على انقلاب عسكرى فى العام 1989 برئاسة عمر البشير، ويدخل السودان فى حمى الحرب والانفصال، فإذا به يقسم اليوم بين شمال وجنوب، وربما شرق وغرب، وتتدهور الأوضاع سياسيا واجتماعيا. أما فى مصر فقد استطاعت أن تتجاوز الأحداث بثورة 30 يونيو 2013 عندما تحالفت القوات المسلحة مع إرادة الشعب، وإن كان التآمر على مصر لايزال داخليا وإقليميا وخارجيا. ∎ ثانيًا: استيعاب الأحداث ما تمر به مصر وليبيا والسودان خطير، ويتداخل مع ما يمر به الوطن العربى، لأنه حلقة من حلقات تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد تنفذه قوى تأتمر بأمر الولاياتالمتحدةالأمريكية، وتحديدًا قطر وتركيا، والسبب عدم وجود مشروع قومى عربى. ويضاف لذلك دور إثيوبيا التى تسعى ومن ورائها عن طريق سد النهضة لتطويق مصر من الشرق والغرب والجنوب، إذن فالخطر لايزال يتهدد مصر ليس فقط عن طريق الإرهاب فى سيناء، وإنما بسبب المخطط الإرهابى الإمبريالى الصهيو قطرى تركى، الذى يلتف حول مصر وليبيا والسودان، عبر أفريقيا ويفرض على القوى الوطنية والقومية فى البلدان الثلاثة اللقاء لدراسة الأمر على المستوى الشعبى، وعدم الانخداع مطلقًا بالمواقف الرسمية فى كل من ليبيا والسودان، لأنهما يدوران فى المخطط الغربى بقيادة قطر وتركيا. ويجب أن يركز اللقاء الشعبى فى البلدان الثلاثة على القيام بالآتى: - توحيد الرؤى لدرء الخطر المشترك الذى يهدد المنطقة. - إقرار خطة مشتركة لمواجهة التطرف والإرهاب. - توجيه الأنظمة الحاكمة والضغط عليها لعدم الاستجابة للضغوطات الإقليمية والدولية «كالحرب ضد داعش»، لأنها حرب على العرب. - الدخول فى حوارات وشراكات للعمل الشعبى ثقافيًا وسياسيًا. - خلق منظومات وحدودية لتعبئة الرأى العام باعتبار المنطقة تتحد على مستوى المصلحة والأمن القومى ورد العدوان. ∎ ثالثًا: مشروع قومى استراتيجى لم يعد ممكنًا أمام العرب خصوصًا بعد ثورة 30 يونيو، التراجع عن أخذ ما يجرى بعين الاعتبار، لأن الموقف لم يعد يحتمل التردد واللامبالاة، لأن المخطط المعادى له هدف واضح وهو تفتيت المفتت، وعدم الاعتراف بالوطن العربى، واستبداله بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا. والهدف المعلن اليوم هو داعش لشن الحرب على العرب، والدور على مصر لتوريطها تمهيدًا لتمزيقها. ولذلك فإن طرح فكرة الاتحاد العربى الإفريقى من شأنها أن تهز الأوضاع وتخنق الخيانات وتشق طريق المستقبل برؤية عصر العولمة، وهذا تحدٍ أمام المثقفين والسياسيين أصحاب الوعى والخيال السياسى.