إنه النور الذى يضىء لتتحرك تلك الصور الساحرة، إنها السينما الفن السابع من الفنون الجميلة التى عرفها الإنسان، هى آخر مولود جميل من مواليد زواج العلم بالفن، إنها الصور التى سافرت حول العالم لتصنع أنماطا جديدة للحياة فى الملابس وبيوت البشر وتخطيط المدن وعلاقات الحب والعداء، منذ أن كانت صامتة إلى أن غنت وتكلمت مرتدية الأبيض والأسود إلى أن صارت ملونة بكل ألوان الطيف.
ومصر هى أول دولة عربية أدركت سحرها فقد كانت نخبها الاقتصادية متمثلة فى طلعت باشا حرب تدرك مبكرا أنها صناعة قادرة على تحسين أنماط الحياة اليومية فى مصر وجعلها صورة محبوبة رائدة فى المحيط الإقليمى والدولى، بالإضافة إلى العوائد المادية الكبيرة، ولذلك أنشأ ستوديو مصر فى إطار دعم الصناعة الوطنية، حيث أدرك حرب أهمية الصناعة الثقافية ولأنه كان يدرك أن الموسيقى والشعر وفنون الكتابة والغناء والاستعراض وبالتأكيد المسرح هو الإطار المرجعى الهام الذى إذا ازدهر نهضت صناعة السينما، فقد قام بدعم الفرق المسرحية المستقلة، والغناء الجاد، وأنشأ الفرقة القومية للتمثيل التى هى نواة المسرح القومى، والتى قدمت للسينما أهم المؤلفين الموسيقيين ومصممى الاستعراض والكتاب، وبالطبع القامات الكبيرة من نجوم التمثيل.
ولذلك ازدهرت صناعة السينما فى إطار داعم من رجال الأعمال الذين تباروا فى إنشاء دور العرض السينمائى فى القاهرة والمحافظات، وآخر عائلة تبنت تلك المهمة كانت عائلة مقار التى بنت تحفا معمارية فى كل أرجاء مصر وهى دور العرض السينمائى الفخمة، والتى نجت آخر دار من الهدم من تلك المجموعة بشراء شركة «ريزادنس» لسينما أسيوط الشتوى، وهى شقيقة دور العرض الفاخرة التى تعود لبواكير النصف الأول من القرن العشرين فى لندن وباريس.
ولذلك فمسألة دعم السينما ولجان إنقاذ الصناعة لن تؤتى أثرها بشكل منفرد سواء بدعم من موازنة الدولة هو عشرين مليون جنيه منحة لإنتاج سيناريو رفيع المستوى تختاره لجنة السينما بالمجلس الأعلى للثقافة، دون عودة شركة مصر للاستوديوهات ودور العرض لوزارة الثقافة لأنها عبء على وزارة الاستثمار.. إذن إنقاذ السينما المصرية لن يحدث إلا بخطط متكاملة يشترك فيها المجتمع المدنى وقوى السوق الحرة والدولة لدعم المسرح والموسيقى وفنون الآداء والكتابة، وهنا ستعود السينما المصرية كجزء من عودة الصناعات الثقافية والسياحة الثقافية حيث عروض الصوت والضوء والفنون التراثية داخل الأماكن الأثرية والعروض المسرحية العظيمة، إن معظم السياح الذاهبين إلى لندن يجتذبهم شكسبير أكثر من ساعة بيج بن، ولأن السير لورانس أوليفيه يعرف ذلك فإن تذكرة المسرح القومى البريطانى تحدد مواعيد الأفواج السياحية الذاهبة إليها، كما أن مهرجان «كان» السينمائى و«أفينيون» المسرحى يساهمان أيضا فى حركة السياحة إليها، كما كانت العروض السينمائية الأولى والمسرح المصرى سببا فى مجئ العالم العربى إلينا، ولكن عندما تحول كل شىء إلى المكسب السريع والاستهلاك الأنانى والبيع والخصخصة والاحتكار.. فقد غابت صور مصر الملونة الجميلة وهى لن تعود بعشرين مليون جنيه من أموال دافعى الضرائب.. لا نعرف لمن تذهب؟ وبأى معيار؟ بل بخطة حقيقية تدرك أن الإصلاح لابد أن يكون منظومة شاملة تؤمن بأن السينما والمسرح هما جزء من رصيد مصر العريق فى الصناعات الثقافية التى يجب أن تعود.. إن الأمر يحتاج لإرادة حقيقية ولتفكير مخلص سليم أكثر من أى ملايين أخرى إضافية بلا طائل.