اكتسب معظم نجوم السينما والمسرح مجدهم الفني وشهرتهم المتألقة وحظهم المادي من وقوفهم علي خشبة المسرح... التمثيل علي خشبة المسرح هو الذي لفت أنظار منتجي ومخرجي السينما والتليفزيون الذين ماكانوا يحضرون العروض المسرحية إلا بحثا عن المواهب الشابة والوجوه الجديدة, فاختطفوهم من فوق خشبة المسرح وأغدقوا عليهم الملايين.. وخضوعا لبريق المال نسي هؤلاء صاحب الفضل الأول عليهم: المسرح.. محمد سعد, محمد هنيدي, أحمد السقا, أحمد حلمي, أحمد عيد, أحمد عز, أحمد رزق, مني زكي, ياسمين عبدالعزيز, ومن قبلهم جيل العمالقة: عادل إمام, سعيد صالح, محمد صبحي, محمود عبدالعزيز, نور الشريف, صلاح السعدني, فاروق الفيشاوي, أحمد آدم, صلاح عبدالله... بدأوا حياتهم علي خشبة المسرح... ومن حق المسرح عليهم أن يردوا إليه بعضا من فضله.. ليس تفضلا ولا منا.. وليس تضحية ولاإيثارا... وإنما هي قيم النبل والشرف والوفاء التي تحتم عليهم ذلك.. أقترح أن يقدم كل من هؤلاء النجوم شهرا واحدا... شهرا واحدا فقط في السنة يمثل فيه علي خشبة المسرح دورا أحبه يوما ما في مسرحية ما, وعليه هو أن يختار الفرقة التي ينتمي إليها سواء من مسرح الدولة أو المسرح الخاص.وأن تقوم نقابة الممثلين بالإشراف علي تنفيذ ذلك المشروع. ياعظماء المسرح المصري: كونوا المثل والقدوة للجيل الحالي والأجيال القادمة.. اجعلوهم يحبوا المسرح كما احببتموه فإنه البوتقة الحقيقية التي تفجر موهبة القادم الجديد وتشعل أحاسيسه وتصقل أدواته الفنية وتعمق تجربته وتخلق منه فنانا حقيقيا ستخطفه السينما أو التليفزيون فيما بعد.. وتحية عطرة للفنان الرائع سمير غانم الذي مايزال يصر علي التمثيل علي خشبة المسرح رغم أنه تجاوز الخمسين من عمره... متعه الله بالصحة والعافية والعمر المديد.. إنني أوجه ذات النداء إلي كتاب الدراما الذين هجروا المسرح إلي السينيما أو التليفزيون وإلا فأين إبداعات علي سالم ولينين الرملي ومحفوظ عبدالرحمن ويسري الجندي وجلال عبدالقوي ومحسن الجلاد ومحمد الغيطي وأبو العلا السلاموني وغيرهم... لا أقول اتركوا ملايين الأفلام والمسلسلات ولكن أعطوا المسرح مسرحية واحدة فقط كل سنة أو سنتين... وأما مسرح الدولة فإن البيروقراطية تخنقه والخوف والرعشة تكبلان يديه وقدميه بسلاسل من حديد... وهانحن ننادي الآن بما نادينا به من قبل عشرات المرات علي مدي عشرات السنين.. ياوزارة الثقافة: أعط كل مسرح استقلاله المادي والفني واتركي له حرية الفعل وجرأة المغامرة الفنية المحسوبة وأبعدي عنه موظفيك من الإدارات المالية والقانونية والرقابية ثم فلتقرأي كشف حسابه بعد عام من الممارسة, فإذا نجح فشجعيه وإذا احتاج إلي تعديل مسار او نصيحة أو ترشيد فارشديه, وإذا فشل فابحثي عن فنانين آخرين وستجدين العشرات من الموهوبين علي مستوي الفن والإدارة.. فقط فكي قيوده يرحمك الله.. المشكلة الأخري المستعصية والتي لابد من أجل إنقاذ المسرح المصري أن تجد لها وزارة الثقافة حلا جذريا وفوريا هي قلة عدد دور العرض المسرحية.. في السنوات العشرين الأخيرة تحولت بعض دور العرض المسرحي إلي دور عرض سينيمائية والبعض الآخر تم هدمه ليتحول إلي عمارات سكنية والبعض الثالث تم إلغاء تبعيته من البيت الفني للمسرح ومنحه إلي دار الأوبرا المصرية.. والأمثلة كثيرة ومختلفة علي سبيل المثال لا الحصر حسبما تعيه الذاكرة الآن: مسارح تم هدمها ولاتزال أطلالا تنعي من بناها: 1 مسرح القاهرة بشارع محمد فريد. 2 مسرح مصر بشارع محمد فريد. 3 مسرح السامر بشارع النيل. 4 مسرح المنتزه بالإسكندرية. مساح تم تحويلها إلي دور عرض سينيمائية: 5 مسرح الحكيم. 6 مسرح الكورسال الصيفي. 7 مسرح الكورسال الشتوي. 8 مسرح وسينيما سفينكس والفضاء الواسع الذي خلفه والذي تحول إلي كوفي شوب نتيجة خلاف علي ملكية الأرض بين وزارة الأوقاف ووزارة الثقافة 9 مسرح الزعيم. 01 مسرح سينيما قصر النيل. مسارح تم تحويلها إلي عمارات سكنية: 11 ملهي صفية حلمي والذي كان محمد صبحي ولينين الرملي قد حولاه إلي مسرح محترم. 21 مسرح الريحاني بالإسكندرية. مسارح تحولت إلي صالات أفراح: 51 مسرح اللونابارك بالإسكندرية. 61 مسرح نجم. مسارح تحولت إلي ملاه ترفيهية: 71 مسرح كوتة بالإسكندرية. مسارح تم استردادها أو إلغاء التعاقدات مع الجهات التي تملكها: 81 مسرح رمسيس( نقابة المهندسين). 19 مسرح الجلاء( اتحاد العمال) 20 مسرح رومانس( نقابة الزراعيين). 21 مسرح الغرفة التجارية( اتحاد الغرف التجارية). مسارح تم تغيير التبعية بقرار وزاري خاطئ من البيت الفني للمسرح إلي دار الأوبرا المصرية: 22 مسرح الجمهورية( ودار الأوبرا, التي تملك المسرح الكبير والمسرح الصغير والمسرح الصيفي في مجمع واحد ولا تستطيع استغلالها بصفة مستمرة طيلة أيام السنة, لا تعرض علي مسرح الجمهورية إلا أسبوعا واحدا أو أسبوعين علي أقصي تقدير ليظل طيلة العام فارغا شاغرا). 23 مسرح معهد الموسيقي العربية( ودار الأوبرا لا تستغله تقريبا علي الإطلاق وإنما تحول إلي مخزن.. آسف.. كانوا يقصدون متحفا). هذا بالإضافة إلي: 24 المسرح القومي وهو المسرح الرسمي للدولة, ومنذ حريقه الشهير عام2008 وهو يخضع لترميمات تكلفت حتي الآن كما يقولون ستة وثلاثين مليون جنيه وحتي الآن لم يفتح أبوابه.. وهذا المبلغ المهول في تصوري كان يكفي لبناء ست دور عرض مسرحية علي الأقل. 25 مسرح الهناجر.. وشأنه أيضا شأن المسرح القومي وقد أنفق عليه حتي يومنا هذا بضعة ملايين من الجنيهات ولم يفتح أبوابه بعد, وكان نافذة مسرحية مشعة بعيدة عن تخبط وزارة الثقافة بفضل مديرته المثقفة الواعية د. هدي وصفي. 26 مسرح الجلاء ويتبع القوات المسلحة التي لا تعرض عليه شئونها المعنوية إلا عدة حفلات معدودة علي أصابع اليد الواحدة طيلة السنة. 27 مسرح الزمالك وقد امتنع عنه المسرحيون لارتفاع الإيجار الذي يطلبه نادي ضباط القوات المسلحة. 28 مسرح الفردوس الذي يتبع جهاز الشرطة وشأنه شأن مسرح الزمالك من ناحية الإيجار. 29 مسرح يوسف السباعي الذي يحتكره التليفزيون إلا أنه حوله إلي مخزن يستخدم لتشوين الأجهزة والمعدات. هذه هي الصورة التي يرسمها الواقع والتي تكشف في وضوح تام كيف تم تدمير المسرح المصري في السنوات العشرين الأخيرة.. وأجرؤ بالقول بفعل فاعل مع سبق الإصرار والترصد, والفاعل هو وزارة الثقافة دون شك, فإذا علمنا أنه منذ قيام ثورة مصر المجيدة في23 يوليو1952, أي منذ ستين عاما, لم تقم حكومات جمهورية مصر العربية المتعاقبة ببناء دار عرض مسرحي واحدة أدركنا مدي الكارثة التي وقع فيها المسرح المصري. إنني لا أقول معلومات يجهلها أولو الأمر,إنهم يعلمونها تماما كما أعلمها ويعلمها كل من له اهتمامات في حقول الأدب والفن.. ليست المسألة إذن مسألة جهل بالمشكلة والحل, ولكن المسألة هي أنهم لا يريدون, للادب والفن أن ينمو ويزدهر ويصل إلي الناس لأنه يشكل خطرا عليهم وعلي وجودهم وكراسيهم ومناصبهم ومكاسبهم المادية.. إنهم يعلمون تمام العلم أن الكلمة في المسرح أو السينما أو التليفزيون أو القصة أو القصيدة هي السلاح البتار الذي يقضي عليهم, ولا أغالي إذا قلت إن الكلمة كانت هي الشعلة التي أضاءت للشباب نورا ونارا فقادتهم إلي ميدان التحرير في25 يناير.2011 إن المسرح المصري في غرفة الإنعاش يلفظ آخر أنفاسه.. أستحلفكم بالله أن تنقذوه. وأقترح عليكم الآتي كحل فوري وجزئي: 1 أن تعود تبعية مسرح الجمهورية ومسرح معهد الموسيقي العربية من دار الأوبرا المصرية إلي البيت الفني للمسرح والبيت الفني للفنون الشعبية. 2 إعادة بناء مسرح القاهرة ومسرح مصر, وهما علي ما أتذكر يتبعان وزارة الثقافة. 3 أن يتم التفاوض فورا للتعاقد مع: نقابات المهندسين والتجاريين والزراعيين واتحاد الغرف التجارية علي استئجار مسارحهم فهي شبه جاهزة للتشغيل. مع اتحاد الإذاعة والتليفزيون بخصوص مسرح يوسف السباعي. الإدارة العامة للشئون المعنوية للقوات المسلحة بخصوص مسرح الجلاء. نادي ضباط القوات المسلحة بخصوص مسرح الزمالك. اتحاد الشرطة بخصوص مسرح الفردوس. والمسارح الأربعة الأخيرة صالحة تماما للتشغيل الفوري. أما المشروع الأعظم المستقبلي فهو مشروع منطقة مسرح البالون والسامر والسيرك القومي وهي منطقة تربو علي العشرين فدانا ويمكن أن يشيد فيها مجمع للفنون يحل أزمة دور العرض بشكل جذري, وقد يحتوي هذا المجمع علي عشرة دور عرض مسرحية وأخري سينمائية وحلبة للسيرك القومي علي أحدث طراز وعدة قاعات كمعارض للفنون التشكيلية..(الرسم والنحت) بالإضافة إلي عدة كافيتريات ومطاعم تستطيع الوزارة من عائد إيجارها أن تنفق علي هذا المجمع وصيانته وتطويره. إن قاعة العرض المسرحي أو السينمائي اليوم لا يجب أن يتجاوز عدد كراسيها المائتين,وبهذا المنطق يمكن أن يتم إنشاء ما يطلق عليه مسرح الحي وسينما الحي, ويتم هذا علي مراحل مستقبلية..وهذا هو المشروع الأعظم الثاني الذي أقترحه. هذه مصر الثقافة.. مصر الحضارة.. التي أحلم بها, وبهذه المناسبة تحضرني هذه القصة العظيمة البالغة الدلالة والتي شاهدتها بعيني وسمعتها بأذني: كانت كوكب الشرق أم كلثوم قد قضت إلي بارئها في الثالث من فبراير عام1975, وفي الذكري الأولي لوفاتها فكرت أكاديمية الفنون التي كان يرأسها د. رشاد رشدي أن تقيم حفلا كبيرا لتأبينها في السابع من فبراير, وأقيم الحفل فعلا الذي كنت أشرف علي إخراجه علي مسرح سيد درويش بالإسكندرية, وحضر الحفل الرئيس الراحل أنور السادات.. بعد انتهاء الحفل وفي طريقه إلي الخروج أبدي الرئيس السادات بعض الامتعاض من أن مسرح سيد درويش لا يرقي إلي منزلة الاحتفال بهذه المناسبة.. وقيل له إنه أفضل ما يوجد بالاسكندرية ثم إنه تحفة معمارية بنيت علي الطراز الفرنسي في القرن الثامن عشر وإنه المقابل لدارالأوبرا بالقاهرة, بل إنه يكاد يكون دار العرض المسرحي الوحيد الموجود بالاسكندرية.. وجه الرئيس السادات الخطاب إلي يوسف السباعي وزير الثقافة آنذاك: المسرح ده يرمم فورا يايوسف وأريد أن أراه العام القادم إن شاء الله في سابق جماله.. ويرد الجميع إن شاء الله يا ريس, وتعلو الهتافات بحياة الرئيس راعي الفن والأدب.. ويرتفع صوت فوق أصوات الجميع: هذا قرار تاريخي يا سيادة الرئيس, إننا نعاني فعلا من نقص شديد في دور العرض المسرحي والسينمائي, إن دورا كثيرة للسينما قد هدمت وبنيت مكانها عمارات شاهقة.. توقف الرئيس السادات وتوقف الركب: ماذا حدث؟ العكس هو المفروض.. في كل عمارة يجب أن يكون الدور الأول منها سينما أو مسرحا.. ثم وجه الرئيس خطابه إلي ممدوح سالم رئيس الوزراء: ممدوح, اعتبر ده قرار جمهوري.. كل عمارة أكثر من عشرة أدوار مثلا يخصص الدور الأول منها لبناء دار عرض مسرحي أو سينمائي.. القرار ده ينشر في الوقائع المصرية وينفذ علي الفور.. يبادر رئيس الوزراء قائلا حاضر يا افندم.. وأشهد أن هذا القرار الجمهوري التاريخي, الشفهي, ومنذ يوم صدوره في7 فبراير من عام1976, وحتي يومنا هذا لم ينفذ ولا مرة واحدة, تصوري يا وزارة الثقافة الحالية ماذا كان يمكن أن يحدث من تحديث وتطوير وثقافة وعلم وأدب لو كان الله قد شاء لمصر أن يتم تفعيل هذا القرار الجمهوري الشفهي!!