صناعة السينما فى مصر تمر بأزمات متلاحقة، وبعد أن كانت سفير مصر الدائم فى الوطن العربى وأمريكا الجنوبية.. ولعبت دورا مهما فى مواجهة الاستعمار الغربى فى أفريقيا حتى أن فرنسا أنفقت الملايين لتمحو من الذاكرة صورة «جميلة بوحريد» تحولت الآن ومع الألفية الثالثة إلى صناعة عليلة. وضمن فعاليات معرض القاهرة الدولى للكتاب أقام»مخيم الفنون» ندوة تحت عنوان «صناعة السينما- رؤية مستقبلية» لمناقشة القضية. شارك فى الندوة الأديب والكاتب مصطفى محرم، والسيناريست والشاعر مدحت العدل وأداراها الناقد عبد الغنى داود الذى أوضح أن السينما منذ بدايتها تعانى من مشاكل عديدة لكن مع الألفية الثالثة تدهورت صناعة السينما، مطالبا المشاركين بوضع الحلول العملية لتبقى هذه الصناعة فى مصر رائدة كما بدأت. وأشار عبد الغنى داود لضيفه مصطفى محرم قائلا: قدم أعمالا عظيمة كان لها أثرا كبيرا على الجمهور من خلال أكثر من 100 فيلم استطاع خلالها أن يحاكى الواقع المصرى ويقدمه بشفافية، كما فعل فى فيلم «الهروب» هذا الفيلم الذى اقتحم الواقع المصرى وساعده فى ذلك المخرج المتميز عاطف الطيب. وتابع داود الندوة يشارك فيها فارس آخر أيضا وهوالسيناريست محمد العدل التى استطاع أن يقدم فى السنوات عشر الأخيرة سينما مختلفة وجديدة وبعيدة عن الإسفاف وحازت على جماهيرية كبيرة، فقد أستطاع أن يلمس نبض الشباب وأن يضع يده على مشكلاتهم وقدم الكثير من الأفلام الهادفة, ومنها (صعيدى فى الجامعة الأمريكية), و(همام فى أمستردام) , كما قدم مسلسلات مهمة مثل (العندليب) و(محمود المصرى). فقال محرم: منذ بداية صناعة السينما إلى الآن وهى تمر بأزمات متكررة، وقد كتبت مقال عن السينما الإيرانية بعد استضافة إيران، حيث تعرفت من خلال رحلتى هناك على السينما الإيرانية التى بدأت منذ عام 1900 بعد اختراع السينما بخمس سنوات وهو نفس الوقت الذى بدأت فيه السينما المصرية تقريبا فى ذاك الوقت مع بداية العشرينات، ورغم تقارب البدايات السينمائية بيننا وبين إيران فإنها استطاعت أن تحقق تقدما مذهلا فى صناعة السينما. وأشار إلى أنه عندما كتب كتاب السيرة الذاتية عن المخرج يوسف شاهين كان يعمل مقارنة ما بين الأعمال الأولى ليوسف خصوصا الأبيض والأسود مع الأفلام الأمريكية المنتجة فى نفس العام فوجدت أن شاهين قد تفوق تكنيكيا على الأمريكان وفى هذه الفترة كانت السينما المصرية تواكب نظريتها العالمية فى التكنيك، ولكن سرعان ما أصيبت هذه الصناعة بالشلل لعدم تدعيمها بخلاف الدول الأخرى التى تعتبر صناعة السينما صناعة استراتيجية مهمة مثل صناعة الأسلحة. وأكد محرم أنه منذ بداياته مع السينما عام 1962 والأزمات موجودة، وقال: شهدت السينما نهضة على أيدى خيرى بشارة، وداود عبد السيد, ومحمد خان, وأشرف فهمى, وحسين كمال، وآخرون استطاعوا أن ينهضوا بهذه الصناعة. وأشار على أن أكثر ما يستوقفه فى هذه الأيام أن الجمهور يشاهد الأفلام وينساها سريعا ولا تطبع فى ذاكرته مثل أفلام الأبيض والأسود التى مازال الجمهور يتذكرها ويحفظ مشاهدها وهذه الفجوة الموجودة ما بين المتلقى والأفلام الجديدة نتجت عن عدم اهتمام صناع هذه الأفلام بتقديم جديد للمتلقى ولا يهتمون بأى فكر أو ثقافة والأساس هو تحقيق الربح المادى. وعقب الناقد عبد الغنى داود أننا نملك 3 آلاف فيلم روائى 3 آلاف فيلما تسجيليا وألفين فيلم تليفزيونى ومثل هذه النسخ لابد أن تكون أثر مهم نحافظ عليه لما تحتويه من قيم وإبداع. وقدم داود الكاتب مدحت العدل قائلا: إن ارتفاع أجور النجوم تعد من أهم مشكلات السينما الآن. وهنا تدخل العدل قائلا: مسألة الأجور عملية نسبة وتناسب وذكر أن أم كلثوم عام 1928 عندما قدمت أغنينها «كنت أسامح وأنسى الآسية» أخذت أجر 80 جنيها الذى كان كافيا لشراء سيارة فى ذاك الوقت وعرضت الشركة المنتجة على أم كلثوم أن تأخذ نسبة من المبيعات بدلا عن الأجر وهو ما رفضته أم كلثوم وبعد طرح الأغنية وتحقيقها للنجاح اكتشفت أم كلثوم أنها لو حصلت على النسبة كان يمكن أن يصل أجرها إلى 12 ألف جنيه هذا المبلغ الكبير فى هذا الوقت، فموضوع الأجور نسبى ويختلف من زمن لآخر. وقال: هناك بالطبع مبالغة من بعض النجوم فلا يمكن لفيلم تصل تكلفته ل20 مليون جنيه ويحصل بطله على10 ملايين أى نصف ميزانية الفيلم.. والمنتج الجيد هو من يعلم أن الفيلم عملية متكاملة من بطل وقصة وإخراج ولكن للأسف الآن المتحكمون فى السينما ليسوا مصريين. وأكد مدحت أن المنتج الخليجى لجأ لسلاح جديد وهو المسلسلات التركية الرخيصة التى يصدرها لنا وهو ما كان بالغ التأثير على المسلسل المصرى فى العالم العربى.. وأشار إلى أن صناعة السينما بصدد حرب جديدة ضد أعداء الفن وخط الدفاع الأخير للمبدعين هو الجمهور وفعلا لابد أن نتكاتف لكى نعبر من هذه المرحلة الخطرة فى مستقبل الوطن والفن. وهنا أشار الكاتب مصطفى محرم إلى أن تقصير الدولة فى صناعة السينما أتاح المساحة أمام المنتج الخاص للانقضاض عليها وأوضح أنة ضد الكيانات الكبيرة التى تستحوذ على السوق وأكد احتياج السينما لمنتجين مبدعين لتقديم أفلام تساهم فى رفع مستوى الأفلام المصرية والبعد عن الأعمال التى تفتقد الصدق. وعن عدم تقديم السينما المصرية لأفلام تاريخية أو ثقافية قال محرم أن إنتاج مثل هذه النوعية من الأفلام يتطلب ميزانيات ضخمة والشركات الموجودة تقريبا لا تمتلك صناعة وكل ما نملكه مجرد محاولات.. وفى هذا السياق أشاد محرم بالتجربة الإيرانية التى استطاعت أن تغزو كبرى المهرجانات مثل «فينسيا» و»كان» والحصول على جوائز لأنهم يعرفون قيمة صناعة السينما بالرغم من أنها دولة متحفظة وهذا لم يمنعها من تقديم فن راقٍ ومتميز. وأضاف: لا يمكن هنا إغفال دور دولة إيران فى دعم السينما فهى تقد المساعدات للشركات الصغيرة وتدعمها وأضاف أنة لا يجد سببا لإصرار الدولة على تجاهل صناعة السينما واعتبارها شىء ثانوى أو ترفيهى . وعن كتابة السيرة الذاتية ليوسف شاهين فى أربعة أفلام قال محرم: لابد أن نتعامل مع أفلام السيرة الذاتية على أنها عمل فنى بحت بصرف النظر عن حياة المبدعين وهناك فرق بين التاريخ والفن فالتاريخ يقدم الحقيقة الخاصة التى لا يعرفها الكثيرون والفن يقدم الحقيقة العامة الشاملة وكان عند تحليله لأفلام شاهين ينظر لها على أنها أعمالا فنية وإن كانت تعكس نرجسية ضخمة وهى من أضعف ما قدمه شاهين. وحول سؤال عن ارتباط النجم بشباك التذاكر وهل هو عنصر جذب للجمهور؟ أجاب مدحت أن النجم يجذب الجمهور لمشاهدة الفيلم ثلاثة أيام وبعد ذلك يأتى الجمهور حبا فى الفيلم، فالنجم هو فاترينة للجذب.. وعن صناعة النجم أكد مدحت أنها لا تأتى مرة واحدة ولكن بخطوات مرتبة واستشهد بتجربة شركة العدل مع الفنان أحمد السقا التى قدمته فى فيلم «صعيدى فى الجامعة الأمريكية»وعندما كان يكتب دور أدريانو فى فيلم «همام فى أمستردام» كان يكتب الدور لبطل الشركة القادم وبعد نجاح السقا فى تقديم الدور كانت أولى بطولاته «شورت وفانلة وكاب» فصناعة النجم تتطلب منتج ملم بفن هذه الصناعة. وعقب الندوة اختتم «مخيم الفنون»فعاليات اليوم السادس بفقرة فنية قدمتها فرقة»الفرقة المصرية للموسيقى العربية»بقيادة المايستر وفاروق التابلى وقدمت الفرقة أغنيات متنوعة مابين العاطفية والوطنية مثل حلفنى وحبيبتى يا مصر وأحلى بلد وشهد الحفل إقبالا جماهيرا كبيرا. وكان «مخيم الفنون «قد بدأ نشاطه بفيلم تسجيلى عن الفنان الكبير فؤاد المهندس بالتعاون مع المركز القومى للمسرح والموسيقى والفنون الشعبية واستعرض الفيلم مشوار فؤاد المهندس كأحد كبار فنانى المسرح والسينما والتليفزيون وأستاذ الكوميديا الراقية التى قدمها فى أعمال خالدة لا تنسى مثل عودة أخطر رجل فى العالم, وسفاح النساء, وسك على بناتك, وأنا وهو وهى والكثير من الأعمال الناجحة، كما قدم المهندس برنامج إذاعى كان له تأثير كبير بوجدان الشعب المصرى وهو كلمتين وبس وكذلك برع فى تقديم فوازير عمو فؤاد التى لاقت نجاحا كبيرا. جدير بالذكر أن المخيم كان قد عرض فى أولى أنشطته أمس فيلم «المركب» بطولة رغدة, ويسرا اللوزى, وأحمد حاتم, وفرح يوسف, وريم هلال والفيلم من تأليف أحمد مجدى الدهان وهيثم مصطفى الدهان وإخراج عثمان أبو لبن وتدور أحداثه فى إطار تشويقى حول مجموعة من الشباب يفشلون فى تحقيق أحلامهم فيقرروا الهجرة بطريقة غير شرعية عبر مركب ووجودهم عيها يعرضهم إلى للكثير من المشاكل التى وصلت لحد الموت.