18 يوما هزت الكون، وظلت عين الشمس ما تحماشى، وأطل ضى القمر من عيون الثوار، حبلت مصر بالثورة 30 عاما وتمخضت 18 يوما ووضعت الوليد فى الميدان، عمدته بدماء الشهداء، وصار العشق الأبدى للوطن أنشودة الثورة، وكانت أغنية السبوع «عيش.. حرية.. عدالة اجتماعية»، وفاض النهر فى الميادين بعذوبة نضال المصريين، والأقباط بعد91 عاما من ثورة 1919خرجوا بالكنيسة للوطن، حينذاك اكتظ التحرير بأحلام البشر، واحتضن المسجد الكنيسة، ومن منا لم يحلم بمصر القادمة من أعماق الجرح وأحلام الشعراء العشاق، ولكن القهر نهر فينا، غادرنا الميدان.. ولسان حال كل مصرى يقول: «اللهم اجعل عاقبة الفرحة خيرا»، لست أدرى لماذا يخشى المصريون الفرح؟ وبالذات الأقباط؟ هل لأنهم تعودوا أن يزرعوا الثورات ويحصد ما زرعوه آخرون. 1804 قام الشريف عمر مكرم بمساندة أهل المحروسة بأول ثورة تضع وثيقة دستورية، الأولى فى الشرق والرابعة فى العالم بعد الفرنسية والإنجليزية والأمريكية وأمهرت هذه الوثيقة بدماء المصريين وتوقيع شيخ الأزهر الشيخ عبدالله الشرقاوى والبطريرك الأنبا كيرلس الثامن، ولكن محمد على حصد ما زرعه أهل المحروسة، مسلمين وأقباطاً!! انتظر أهل المحروسة 78 عاما حتى يقف عرابى فى عابدين شامخا قائلا للخديوى توفيق: «متى استعبدتم الناس وقد ولدتهم أمهاتهم أحرارا»، وعاد أهل المحروسة للأحلام، وكان فى كتف عرابى البطريرك كيرلس الخامس ولم يتخل عن عرابى حتى حينما تخلى عنة الجميع، ونفيه الخديوى ودفع ثمن ذلك النفى إلى دير البراموس بعد أن اصطدم البطريرك الوطنى مع بطرس باشا غالى الكبير .1892 فى 1919 عانق الهلال الصليب وخطب القمص سرجيوس فى الأزهر والشيخ أبوالعيون فى البطرخانة، ودفع الأقباط مع باقى المصريين من الدماء ما يكفى للمساواة، ولكن لجنة دستور 1923 كادت تصنفهم «أقلية»، ولكنهم أسقطوا ذلك وأسسوا مع أشقائهم فى الوطن الجماعة الوطنية، ولكنهم فوجئوا 1934 بقرار العزبى باشا وكيل الداخلية ب«الشروط العشرة لبناء الكنائس» التى صارت خنجرا فى ظهر الوطن والأقباط، وللعلم دفع المصريون ضحايا فى مقاومة دستور صدقى 1930 أكثر مما دفعوا فى ثورة .1919 رحبت الطبقات الوسطى والفقيرة من الأقباط بثورة يوليو ,1952 ولكنهم فوجئوا بوضع خانة الديانة فى البطاقة، وجامعة الأزهر التى لاتقبلهم رغم أنها تمول من أموال المصريين جميعا!! نصل إلى ثورة 25 يناير 2011، الثورة الخامسة، ونضيف إن شعبنا الثورى لم يصنع خمس ثورات فحسب بل خمس انتفاضات شعبية: 1935 1930 ضد دستور صدقى، ودفع الأقباط من الدماء ما يكفى، ويذكر هنا ويصا واصف «محطم السلاسل»، والذى حطم سلاسل البرلمان ليدخل النواب ليدينوا دستور صدقى، كذلك إصابة سنيوت حنا فى مظاهرة فى المنصورة. وانتفاضة الطلبة والعمال ,1946 وانتفاضة 1968 ضد أحكام الطيران، وانتفاضة 1972 من أجل تحرير الأرض، وأخيرا انتفاضة ,1977 وفى كل هذه الانتفاضات شارك الأقباط ولم يحصدوا ثمار نضالهم حتى بالمساواة المواطنة القادمة!! شأنهم شأن المرأة والفقراء. تفوقت ثورة 25 يناير على ثورة 1919 بالنسبة للمواطنين المصريين الأقباط، ثورة 1919 جعلت النخبة القبطية تخرج من الكنيسة للوطن، أما ثورة يناير فقد خرج فيها الأقباط بالكنيسة للوطن، والفارق كبير فالخروج من الكنيسة يعنى الانفصال عنها سياسيا وقيامياً، أما الخروج بالكنيسة فهو الخروج بقيم ورؤية الكنيسة للوطن، وكلنا شاهدنا 1919 الهلال والصليب، ولكن فى ثورة 25يناير حمل الثوار المسلمون الصليب، وحمل الثوار المسيحيون المصحف، فى ثورة 1919 كانت النخبة القبطية من كبار الملاك والأعيان، وفى يناير2011 كانت النخبة القبطية من الطبقة الوسطى والفقراء، البعد الاجتماعى مختلف، حركة شباب ماسبيرو، مثال حى على ذلك، ولعل ماقالة الكاتب الكبير أحمد رجب: «حينما شاهدت فتاة قبطية تصب الماء لشاب سلفى لكى يتوضأ أدركت أن الثورة نجحت». لعل ما اعتبره أحمد رجب نجاحا للثورة هو مادفع القوى الإسلامية.. بالانقضاض على الثورة، ومحاولة إرجاع المواطنين الأقباط إلى أسوار الكنيسة مرة أخرى، لأنه فى الوقت الذى كان الإخوان المسلمون يمسكون العصا من المنتصف، والحركات السلفية تفتى بتحريم الخروج على الحاكم، كان المواطنون الأقباط مع أشقائهم المسلمين.. قد خرجوا مبكرا بعد تفجيرات كنيسة القديسين، فى مسيرة بشبرا بالقاهرة، يطالبون بإسقاط مبارك والعادلى، وقدم للمحاكمة فى العاشر من يناير شباب مسلم ومسيحى بهذا الاتهام، ولذلك كله بدأت غزوة الإسلاميين للميدان، واعتلى فضيلة الشيخ القرضاوى المنصة، ويطرد وائل غنيم، ليس لإعلان انتصار الثورة.. بل للاستيلاء على الثورة، وماتلى ذلك من تأديب الأقباط على دورهم فى الثورة، ذلك الدور الذى قد يفتح المجال لبناء دولة ديمقراطية حديثة، «علمانية» من وجهة نظرهم، ومن ثم فالأقباط كانوا حجر الزاوية فى بناء تلك الدولة، من قبل رؤية الإسلاميين، لهذا لابد من إزاحتهم، ولذلك ومنذ أبريل 2011 (فتنة كنيسة الشهيدين بأطفيح) وحتى حادث الدخيلة (السبت 18 مايو2013) قتل (60) قبطيا، 23فى ماسبيرو و6 فى إمبابة و12 فى منشية ناصر و2فى الفكرية بالمنيا و2بأبوقرقاص بالمنيا و1 فى ليبيا و2 فى دهشور و4 فى العامرية و7 فى الخصوص وأخيرا 1 فى الدخيلة ليصبح الإجمالى 60 شهيداً، إضافة إلى 928جريحا والاعتداء الجزئى أو الكلى ل 24 كنيسة و60٪ من تلك الحوادث فى التسعة شهور الأخيرة بعد اعتلاء الرئيس محمد مرسى سدة الرئاسة، وكل هذه الحوادث تصاعدت بعد حصول الإسلاميين على الأغلبية البرلمانية، إضافة لحرق أبوإسلام للإنجيل وسبه النساء القبطيات والعقيدة وخروجه بكفالة وازدراء ياسر برهامى للعقيدة المسيحية (14) مرة، مسجلين على مواقع «أنا سلفى» و«صوت السلف»، وأبرزهم فتوى تحض السائقين على «عدم توصيل القساوسة للكنائس لأن تلك التوصيلة أشد معصية من توصيل سكير للخمارة»!! وبعدها تمت مكافأته، بانتخابه فى الجمعية التأسيسية للدستور فى الوقت الذى حوكم فية 11 مسيحيا فى محاكمات عاجلة بتهمة الازدراء منهم طفلان، واخيرا وليس آخراً، المدرسة دميانة (21 الثلاثاء)، وفى نفس الفترة تم تهجير 112 أسرة تهجير قسرى فى أسيوط ودهشور ورفح والعامرية لم يعد منها سوى 61 أسرة ، ودارت عجلة تخويف الأقباط من أجل تهجيرهم داخليا فى محاولة لإجراء جراحة «إيكويولوجية» للجسد المصرى.. تمهيدا للتقسيم، أو من أجل دفع القادرين للهجرة خارج الوطن، وبعيدا عن الأرقام غير الدقيقة فإن معدلات الهجرة للطبقات العليا والوسطى القبطية فى ازدياد. يربط بسطاء الأقباط بين الثورة ومايحدث لهم دون أن يدروا أن الثورة كانت «كاشفة» وليست «منشئة»، ولكن للمرة الأولى منذ تأسيس الدولة الحديثة يحكم مصر من هم فى «خصومة» مع المواطنين المصريين الأقباط، وتجلى ذلك فى التصريحات المعلنة من المهندس خيرت الشاطر والدكتور محمد البلتاجى واللذين اتهما الأقباط والكنيسة باتهامات دون بينة، ووصل الأمر إلى اتهام الأقباط فى المقابل للجماعة بالتواطؤ فى الاعتداء على الكاتدرائية المرقسية لأول مرة منذ تأسيس الدولة الحديثة، وبمناسبة تآخى الأزهر والكنيسة على مر التاريخ فقد سبق الاعتداء على الكاتدرائية والاعتداء على مشيخة الأزهر!! وهكذا من الأحلام ما قتل، القضية أكبر من تحول أحلام الأقباط إلى كوابيس، ولكن لماذا ثار المصريون أكثر من أى شعب آخر فى العالم ( 5ثورات و5 انتفاضات فى 200سنة)، ورغم ذلك يبقى السؤال لماذا تكتمل ثورة للمصريين؟ اللهم اجعله خيراً!!