بعد ثورة يناير دخلت الأغنية الوطنية فى «غيبوبة».. ربما للمفاجأة التى باغت فيها «الثوار» قوات النظام السابق حتى أربكت حساباته.. فلم يكن أحد يتصور خطة «الخداع الاستراتيجى» لشباب مصر، ويبدو أنها أيضا أذهلت كبار نجوم الغناء فلم يكونوا على نفس مستوى الحدث فاقتصرت الأغنيات على الاجتهادات لمجرد مسايرة الحدث باستثناء القليل جدا منها.
«يا بلادى أنا بحبك يا بلادى» لعزيز الشافعى ورامى جمال و«إزاى» لمحمد منير - رغم أنها من أغنيات التبشير بالثورة - خرجت وقتها معبرة عنها وبينهما على استحياء أغنية «انحيازى» لعمرو دياب، هذه الأعمال كانت استثناءات قليلة، ولم يجد الإعلام المرئى سوى الاستعانة بمخزون الأغنيات الخالدة لترجمة مشاعر الشعب وهو فى حالة ثورة مثل «صورة» لعبدالحليم و«على الربابة» لوردة و«ثوار» و«على باب مصر» لأم كلثوم و«يا مصر قومى» للشيخ إمام وأحمد فؤاد نجم.. هذه الأغنيات كانت أبلغ تعبير عن ميدان التحرير.. حتى إنها كشفت زيف الأعمال الاستهلاكية التى قدمها كبار المطربين فى مرحلة ما قبل الثورة.
سوء الأحوال فى الشارع السياسى دفع كبار النجوم إلى إعلان حالة «الصمت» بالتوازى مع الأجهزة الإعلامية الرسمية التى أصابها الثوار بالشلل والعجز، بينما اكتفى نجوم الغناء ببرامج اكتشاف النجوم من أجل لقمة العيش والظهور أمام جمهورهم واستغل هذه الحالة المحطات الفضائية فى برامج مثل «ذا فويس» و«عرب أدول» و«صوت الحياة» و«إكس فاكتور» وبذكاء كبير.
وسط هذا الصمت الرهيب والبحث عن مطرب للثورة بحجم العندليب مثلما حدث فى ثورة يوليو عانى الشارع الغنائى من تخبط المشاعر وانقسامها وبين هذه الأجواء أعلنت حالات إبداعية عن نفسها بالجهود الذاتية لتوجيه نداءات للشعب للتوحد بعد الانقسام فى هذه الأجواء خرج أوبريت «آخر نفس فيا»، الأوبريت أشبه ب «البيان الغنائى الثورى»، ومناشدة المصريين الحفاظ على «مصر» قبل فوات الأوان التى مزقتها الكتل السياسية التى غلبت عليها روح المصالح الخاصة والانتقام من بعضها بلعبة السياسة.
الأوبريت شارك فيه 6 مطربين ثلاثة منهم من الأسماء الشهيرة المعروفة وهم لطيفة وخالد سليم وحمادة هلال والثلاثة الآخرون أصوات واعدة وهى محمد راجح وهو ملحن الأوبريت الجميل أيضا ومدين ومصطفى يزن ومعهم الشاعر ملاك عادل هؤلاء تبرعوا جميعا من أجل إخراج هذا الأوبريت وفتح لهم أبواب استوديو محروس عبدالمسيح المهندس هانى محروس.. ملاك وعبدالمسيح ومحمد، (لاحظوا الأسماء) التى تحمل نسيج الشعب المصرى، وهؤلاء اتحدوا فى المعنى والقصد لإخراج هذا الأوبريت البديع وإهدائه للمحطات التليفزيونية.
روعة الأوبريت فى بساطة كلماته التى قدمها الشاعر ملاك عادل التى وصلت إلى مرحلة الرجاء لتوحيد الصفوف والتوحد من أجل هذا الوطن «مسلمين وأقباطا» مع لحن بسيط وصادق للموهوب محمد راجح وتوزيع رائع لمحمد عباس.. عبر فيه الجميع عن ضرورة التضحية فى سبيل هذا البلد وسبقت كلمات الأوبريت كلمة من فريق العمل المشارك فيه يقول: «إلى كل مصرى بيحب بلده بجد».
الأوبريت بدأ بمقدمة موسيقية بسيطة وبديعة صاغها الموزع محمد عباس وتعبر عن حالة شعب فى حالة احتضار كأنه فى غرفة عمليات بأنغام تراوحت ما بين نغمات الإفاقة ونبض القلب فى أجهزة غرفة العمليات تتخللها تنويعة من أذان المساجد وأجراس الكنائس وتنتهى بتوقف النبض عن أرواح الشهداء، ثم يبدأ كل مطرب فى توجيه ندائه لأبناء مصر ببساطة وصدق وتقول كلماته:
حمادة هلال: لو أموت علشان خاطرها الموت ما يوجعنيش.. أنا ممكن أعمل أى حاجة عشان حبيبتى تعيش.
دا هى أهلى ودنيتى وناسى وصحابى وهى أمى وبعد حضن الأم والله ماليش.
مصطفى يزن: أهى دى اللى أغلى على منى ومن النفس والروح ويوم ما حد يمس إحساس مصر روحى تروح.. وطول ما هى بخير باكون مرتاح ومطمن وأما بتعب جوه حضنها كل تعبى يروح مدين: أنا فى البلد دى عرفت قيمة إنى أكون ثائر أنا لما ببعد عن ترابها بحس بالحرمان.
وبعد ما أحس يوم ماليش مكان فيها أحس إنى خلاص فى الكون ده كله مكان.
راجح: أنا مش هاعيش غير فى البلد دى مهما يحصل إيه.
دا أنا كل شارع فيها ليا ذكرى حصلت فيه.. دى فيها أمى وأول بنت حبتها وصاحبى اللى ما تسندش بجد إلا عليه.
خالد سليم: أنا كل حرف فى اسم مصر يساوى عندى كتير.. مش بس بعشق أرض بلدى باخاف عليها وأغير.
ومهما حد فى يوم يفكر إنه يأذيها أنا مش هخاف عشان بلدنا دى ليها رب كبير.
المجموعة: يا رب حافظ على البلد دى وصونها واحميها.. ده أنا أروح فداها وأموت
عشان حبة تراب فيها.. فيه ناس كتير تتمنى تبقى بلدنا محنية ومصر مش هتروح لو راح آخر نفس فيا.
أنا النهارده يا رب راكع مش عشان نفسى.. أنا جى بادعى لبلدى اللى أهم من نفسى.. يا رب خلى بلدنا دايما راسها عالية لفوق ولا أى شبر فى مصر حد يمسه يوم بسوء.
لطيفة: حافظ عليها.. أصل البلد دى عليها بدل العين كتير وأنت اللى قادر أنت اللى عالم أنت الكبير.. والله مصر ما تستاهلش غير كل خير.. يا رب أنت الكبير.. حافظ عليها.
«الأوبريت» طبعة جديدة فى حب مصر يحمل معانى التوسل والرجاء لمن يتاجرون ويزايدون ضد مصالح هذا الوطن.. فهل يتحرك المسئولون فى التليفزيون لإذاعته بدلا من روح التخبط والارتباك الذى يعانى منه المسئولون فيه؟!