«النساء قادمون» هو اسم المسلسل الكوميدى الذى كتبته منذ عدة سنوات وعرضه التليفزيون المصرى.. و «نون النسوة» هنا ليس خطأ لغويا ولكنه تعبير ساخر يقصد به أن النساء فى ثورتهن ضد الظلم الواقع عليهن فى مجتمعنا قد تشبهن بالرجال فى محاولة لاستبدال التسلط الذكورى بتسليط نسائى والسعى نحو قهر الرجال والاستيلاء على مكتسباتهم تهميدا لتحويلهم إلى كائنات منقرضة مثل الغول والعنقاء والخل الوفى.. وينتهى المسلسل بتحقيقهن الكثير من الانتصارات لصالح المرأة وكنت وقتها أتصور أننا فى سبيلنا إلى الدخول إلى عالم المرأة وعصر جديد تكون فيه السيطرة للمرأة خاصة بعد نجاحها فى انتز اع الكثير من المكتسبات الخاصة بقوانين الأحوال الشخصية.. وفى وصولها إلى منصة القضاء.
حتى جاء حكم الإخوان فتفاقمت الرغبة المستعرة إلى العودة إلى «عصر الجوارى» فى ردة حضارية غير مسبوقة.. عبرت عنها مرفت التلاوى فى جلسات استماع معا ضد التحرش التى عقدها المجلس الأعلى للمرأة مؤخرا بقولها إن البرلمان المنحل انشغل بالقضاء على حقوق المرأة.. وبعد ذلك جاءت الجمعية التأسيسية لتستكمل ذلك.. مشيرة إلى خلو خطاب «مرسى» وبرنامجه من تناول قضية أمن الفتاة فى الشارع أسوة بباقى القضايا التى طرحها فالأسر بدأت تخاف من مبارحة الفتيات للمنازل.. حيث تحدث حالة تحرش فى المجتمع المصرى كل ثلاث ثوان.. مطالبة بتفعيل دور الشرطة لتطبيق القانون بكل حزم وتغليظ العقوبة على مرتكبى الجريمة من خلال تخصيص وحدة مكافحة التحرش الجنسى على أن تتولى مسئولية سرعة القبض على مرتكبى الجريمة وتعقب البلطجية وتعيين ضابطات من وزارة الداخلية لتلقى بلاغات التحرش من السيدات بالأقسام وبمديريات الأمن كما طالب المجلس بالإعلان عن أسماء المتحرشين الذين تم القبض عليهم وتنظيم دوريات أمنية من أفراد الشرطة على مدار «42» ساعة فى الشوارع والأماكن العامة وتفعيل دور الهيئات الدينية فى زيادة الوعى المجتمعى مع تخصيص خط ساخن لتلقى بلاغات التحرش.. لكنى كنت أتصور أن جلسة الاستماع تلك والوقفة الاحتجاجية التى سبقتها والتى نظمتها أكثر من «03» منظمة نسائية أمام قصر الاتحادية لتقديم وثيقة مجمعة للدكتور «محمد مرسى» تتضمن جميع مطالب النساء التى يجب أن يشملها الدستور الجديد وتقديم مشروع قانون لتجريم «ظاهرة التحرش» كنت أتصور أن تشمل تلك الوقفة وتلك الجلسة المناداة باتخاذ قرارات حاسمة لمنع «التحرش باسم الدين»، وتجريم تلك الفتاوى المسمومة التى يطلقها الدعاة ضد المرأة ومحاولة تحويل تلك الأفكار المتخلفة إلى قوانين ملزمة يتضمنها مواد تشريعية فى الدستور مثل إباحة زواج القاصرات.
إن الظلاميين يكرهون المرأة التى هى لديهم رمز الغواية.. والفساد.. والإفساد لأنها منبع الرذيلة وأصل كل الشرور.. وأستاذة الشيطان التى تتحول إلى وقود نار جهنم حينما تقوم القيامة وتحين ساعة الحساب.. وتحشد أوراق التكفير الصفراء كل أسلحتها لتكفيرها.. وتمتلئ الأرصفة بكتب التحريم التى من ضمن عناوينها «لم النساء من أهل النار» ويسعى فيها مؤلفوها استنادا إلى تلك الفتاوى الرجعية إلى تحويلها إلى خيمة متحركة تخفى داخلها أى إشارة إلى جنسها. بل أى دليل على طبيعتها ككائن بشرى له ملامح إنسانية حتى تثير غرائز الرجل «ذلك الحيوان الشبق المتحفز دائما للوثوب على الفريسة» فهى عورة كلها عورة من رأسها حتى أخمص قدميها.. حتى أن أحدهم أفتى أن وجهها مثل فرجها عورة.. وبالتالى فإن وجودها فى الحياة ليس إلا وجودا جنسيا كوعاء لتفريغ الرغبة كما يسعون إلى عودتها إلى المنزل لا تبرحه إلا إلى القبر.. ونفيها من فردوس الولاية لأنها تحيض.
ومن هنا فإن الشيخ الشتام مثلا الذى وصم الفنانة «إلهام شاهين» بالدعارة واعتلاء الرجال لها هو «متحرش دينى» يبيح لنفسه العدوان اللفظى على المرأة بصفتها كائنا دونيا محرضا على الفسق والفجور وتستحق النبذ والاحتقار واللعنة والتأديب والتقويم باسم الفضيلة ومكارم الأخلاق ولم لا وقد نصب نفسه حارسا على أبعدية المثل وحاميا لتعاليم الدين ونواهيه.
أما الشيخ «ياسر برهامى» فقد قرر إمعانا فى ازدراء واحتقار المرأة أن يقوم وبضربة واحدة قاتلة بالدعوة إلى تعقبها حتى فى طفولتها سعيا وراء تلك الطفولة ووأدها بإعادة «عصر الجوارى» وتجارة الأعراض بتزويج القاصرات فى التاسعة من عمرهن.. وليس مهما أن تكون الطفلة قد بلغت وفى حالة تضررها من الجماع.. يمكن الاكتفاء بالمفاخذة.
وإذا كان هؤلاء الظلاميون يعانون من جهل واضح وفاضح بجوهر الدين الذى كرم المرأة وقدرها.. فإن الطامة الكبرى والكارثة الحقيقية هى فى اختلاط الخطاب الدينى بالخطاب العلمى بل المفارقة المذهلة أن يكون التحرش الدينى ليس من قبل الرجال فقد امتدت كراهية المرأة واحتقارها واعتبارها مخلوقا غرائزيا مشتعلا بالرغبة الجنسية العمياء الجامحة.. امتدت إلى المرأة نفسها التى تشارك هؤلاء الشيوخ المتطرفون نظرتهم الدونية للمرأة.. ومفهومهم المتخلف للعذرية وتصورهم المريض أن مقياس الشرف الوحيد هو النصف الأسفل من جسد المرأة وأن ختان الإناث عفة وسلوك إيماني فها هى مستشارة الرئيس لشئون المرأة والمسئولة عن ملفها وهى طبيبة صحة عامة.. تجمل قبح المجزرة الإنسانية وتسميها عملية تجميلية وتتحرك فى دائرة ثقافة التحريم والتجريم فتحلل البشاعة والبربرية التى تتمثل فى بتر البظر.. وتستكمل تجميل قبح الفعل الإجرامى فتهون من بشاعته بوصفه أنه عادة متأصلة ولا يعيب تنفيذه إلا أنه يتم عادة قبل سن البلوغ.. المهم أنه فى النهاية وقاية لشرف المؤمنة وحفاظا لعرضها وعفافها وليس عدوانا على الجسم البشرى وتحرشاً ضد المرأة باسم الدين وجوراً علي حقها في المتع الجنسية المشروعة المهم أن يستمتع الرجل ولا شأن للمرأة بذلك على الإطلاق فهى ليست سوى آلة للإنجاب.
واستكمالا للتحرش الدينى.. عقد مؤخرا برعاية أمانة المرأة بحزب الحرية والعدالة المؤتمر الأول للمرأة العربية اتهمت فيه نساء جماعة الإخوان المسلمين الفنانات لأنهن يقمن بتشويه صورة المرأة المسلمة حيث إن ما تقدمه الفنانات من فن ليس إبداعا حقيقيا وإنما إساءة لصورة المرأة المسلمة بوجه خاص وينبغى ضرورة الالتزام بمفهوم الحق وهو التمسك بالشريعة الإسلامية مصدرا رئيسيا للتشريع لتحقيق مصلحة الإنسان على الأرض.
إنهم متحرشون ومتحرشات فى دولة دينية تتيه زهوا بردة حضارية نعيش فى كنفها وندعى أنها مدنية.