تخيل أنك تستيقظ من نومك، فتجد حولك بشرا لا تعرفهم ولم ترهم من قبل، علي الرغم من أنهم يدعَّون معرفتك تمام المعرفة، فتجد حولك ممرضة تقنعك بأخذ الدواء لأنك مريض بالزهايمر منذ سنتين، وعند رفضك للدواء محاولا تبليغ الشرطة تجد أمامك خادمة تحاول إقناعك بأنها تعمل منذ فترة، والجنايني الذي تعود قطف زهور الصباح، تنهال عليك الاتصالات من سوسو وغيرها يعاتبانك لنسيانك لها بعد قضاء ليلة جميلة. ويحاول الجميع إقناعك أن عدم تذكرك لهم ناتج عن عدم مواظبتك علي الدواء والمفاصلة في روشتة الدكتور!! هذه هي الفكرة الأساسية التي يطرحها الزعيم عادل إمام بقوة. كوميديا اجتماعية من خلال شخصية محمود شعيب تاجر الجملة بالموسكي الذي كلما أراد الاستنجاد بشيء ليقنع من حوله بأنه غير مريض ولا يعرفهم، يجد الموقف ضده، لدرجة أنه بدأ للحظة يشك بأنه مريض فعلا، لكنه ظل مصرا علي الثقة في نفسه، مما جعله يصرخ علي «حامد» - ضياء الميرغني - الذي كان يقوم بكل أعماله ليسأله عن هؤلاء الغرباء، فيؤكد له حامد «عشرة العمر» أنهم موجودون منذ سنين، كل الظروف أظهرت أن محمود شعيب مريض بالفعل حتي صوره القديمة لم يتذكر منها إلا اثنين من أصدقائه هو شافعي - أحمد راتب - وعمر المحامي - سعيد صالح، وكانت بداية الاستنجاد بأبنائه، الذي تشاجر معهم منذ عدة أشهر، وهو «أحمد رزق» الذي قدم دور كريم وسامح «فتحي عبد الوهاب»، وطلب منهم أن يحضروا الشرطة لاصطدامه بأشخاص جاءوا لزيارته ويدعون أنهم أصدقاؤه، وكانت صدمة محمود شعيب عندما أخبره أبناؤه أن هؤلاء هم أصدقاؤه الذين يسهرون معه يوميا !! وينصحه الدكتور بالراحة التامة، وأخذ الدواء وعندما استطاع الفرار من المنزل وذهب ليشكي لصديقه شافعي «أحمد راتب» الذي أقنعه أنه مريض بالفعل بمرض «الزهايمر» منذ فترة ومع ذلك أخذ يحارب فكرة المرض، وعندما سأل عمر المحامي صديقه منذ زمن التجارة علم أنه في إحدي دور الرعاية فذهب لزيارته وعلم أنه مريض بالزهايمر، وهنا تأتي روعة الفيلم في أقوي مشاهده والذي جمع بين سعيد صالح وعادل إمام وهو جالس بجواره ليذكره بنفسه وعلامات المرض تكسو وجه سعيد صالح. فيتذكر عندها صديقه محمود شعيب وصديقه شافعي وأبناءه الذين هجروه منذ عام، وأثناء محادثتهم وجد محمود أن صديقه يتبول لا إراديا دون أن يشعر بشيء، فتأمر الدكتورة «إسعاد يونس» والتي اقتصر دورها في هذا المشهد القوي الممرضة بحضور «حفاضات»، فيغادر محمود ويأخذ في البكاء، وهو يلقي علي صديقه آخر نظرة تحمل معاني الألم والأسي لما وصل إليه وعزاءه لنفسه خوفا من أن يأتي الدور عليه.. فيذهب إلي منزله مستسلما تماما لأخذ الدواء، حتي لا تتدهور حالته كحالة صديقه ثم يكتشف محمود شعيب أن هناك لعبة من خلال حواره مع السباك الفنان «يوسف عيد»، وتأكد أنه ليس مريضا. واعترفت له الممرضة أن كل ما حدث كان من تخطيط كريم وزوجته نجلاء وسامح بالاشتراك مع صديقه شافعي وكل العاملين في المنزل ليقنعوه بأنه مريض زهايمر ويتم الحجر عليه، ليسدد أبناؤه ديونهم وطلبت منه أن يعفو عنها وعن الخدم لأنهم غلابة. وبدأ محمود شعيب الشروع في نفس اللعبة بأنه مريض بالفعل وليس علي المريض حرج، ولكن كان الغرض من اللعبة تربية وإصلاح أبنائه من أول وجديد.. فتبدأ مطاردات «عادل إمام» لأبنائه بشكل كوميدي كما تعودنا ولم يواجههم بأنه كشف لعبتهم ولكنهم استمروا في البحث عن أمواله، وكانوا علي استعداد للقيام بأي شيء حتي وإن كان تهريب «كوكايين» لسداد الرهينة حتي تم ضبطهم في المطار ليأخذوا درسا في السجن لبضعة أيام، حتي تم الكشف أن «الكوكايين» عبارة عن دقيق !! «الزهايمر» فيلم قوي، ولكن المؤلف نادر صلاح الدين اختصر هذا المرض في مشهد واحد وهو مشهد «سعيد صالح» علي الرغم من أنه «مرض العصر»، وكانت ستصبح سابقة للمؤلف إذا ناقش أبعاد هذا المرض وخطورته، ولكن عبقرية الممثلين وحضورهم القوي «غطوا» علي ثغرة السيناريو، فالفيلم أشبه بالسيمفونية، المايسترو فيها الرائع عادل إمام وفريق العزف من الوجوه الشابة الذين تكاتفوا لتقديم فيلم في إطار كوميدي اجتماعي. فيتغير إيقاع الفيلم بين الكوميدي والتراجيديا، وهو ما أعطي للعمل جمالا مميزا ليجمع بين الجنون والابتسامة، وهذا ما وفق فيه المخرج عمرو عرفة، موسيقي «عمر خيرت» دائما تلعب علي وتر «حالتك المزاجية» فتجعلك تبكي في مشهد وتبتسم في آخر وتعيش حالة الحب أحيانا.