لايحتاج أي منا إلي إعلان الحقيقة الواضحة أمام أعيننا الحقيقة التي تقول أن أحذية الأجيال الكبيرة تدهس الأجيال الشابة، وترقص فوق جثثها لتجمع أكبر كمية ممكنة من الثروة يفرح بعض الكبار بما يملكونه من أرقام ثروات في البنوك، وينسون حق النمو الطبيعي لعشرات المئات من الأجيال الشابة ولايمكن لأي إنسان يملك ضميرا تجاه المستقبل إلا وهو يحاول إزاحة نعال الأحذية الثقيلة والغبية من فوق أعناق الأجيال الشابة واحد من أصحاب هذا الضمير هو إسماعيل سراج الدين مدير مكتبة الإسكندرية، الذي يحدثك بثقة وفخر عن مدي تقديس واحترام مكتبة الإسكندرية للأجيال الشابة، فهو من قاد عدداً من العقول الكبيرة ليقتحموا قلوب وعقول الأجيال الشباب ليختاروا منهم أعدادا قابلة للتعلم، وليقوم هؤلاء الشباب بمشاريع تفوق الخيال في مجالات متعددة، أقربها إلي قلبه شخصيا هو اقتحام عصر المعرفة الرقمية حيث يمكن لنا الاستفادة من كل تطبيقات العلوم، ويمكن لنا أن نستفيد مما يقدمه العلم المعاصر لتطوير حياتنا بمزيد من المعرفة. استطاع إسماعيل سراج الدين تكوين فرق معلوماتية دخلت في منافسة مع شباب الصين وشباب الولاياتالمتحدة، وتفوق المصريون في كم ترويض المعلومات وتطويعها علي الكومبيوتر الفائق السرعة علي كل من الأمريكيين والصينيين، إلي الدرجة التي دفعت مكتبة الكونجرس إلي إهداء مصر معدات شديدة المعاصرة في هذا المجال، وليواصل فريق الشباب بالمكتبة في الإضافة إلي قدرات العالم قدرا هائلا من السيطرة علي المعلومات، وهي جوهر تطوير العلوم والتطبيقات المختلفة، وكان الرائد في هذا الموضوع هو الأستاذ الدكتور مهندس مجدي ناجي، والدكتورة مهندسة نهي العادلي. وإذا أضفنا إلي ذلك مشروع الترجمة الفورية من أي لغة إلي أخري باستخدام الكومبيوتر، وهو مشروع تساهم فيه مكتبة الإسكندرية عبر خبرات معلوماتية شديدة التعقيد، وتتعاون فيه مكتبة الإسكندرية مع الأممالمتحدة في إنجازه معمليا، وهو مشروع يقوده أيضا د.مجدي ناجي ود.نها عدلي، هنا يمكن أن نجد شبابا مصريا يقتحم آفاقا غير مسبوقة في تأسيس عولمة تحترم ثقافات المجتمعات المختلفة دون أن تدهس الثقافة الأمريكية كل الثقافات الأخري وتسحق كل مقومات الأصالة المحلية لأي مجتمع من المجتمعات. فعن طريق هذا النوع من الترجمة الذي يحفظ روح اللغة في أي مجتمع وينقلها من جماعة بشرية إلي جماعة بشرية أخري يمكن لنا أن نستكشف آفاق ما نجهله علي الغير. صحيح أن المشوار إلي ذلك طويل ولكن الطريق الذي بدأ يمكن أن يثمر في عصر تتسارع فيه المنجزات التطبيقية للعلوم بأسرع من خيال أي فرد فينا نحن الستة مليارات إنسان الذين يعيشون علي سطح الكرة الأرضية. ثم جاء المشروع الثاني الذي يؤكد قدرات الشباب المصري، وهو كيفية تبادل الخبرات بين الأجيال، فمن المضحك أن شباب المدارس الثانوية يختارون كلياتهم علي ضوء المجموع لا علي ضوء ما تقدمه تلك الكليات من خبرات، ولذلك شاء د.صلاح سليمان مستشار المكتبة لشئون البيئة أن ينقي المناخ النفسي الذي يختار من خلاله الشاب مستقبله، فتنقية المناخ النفسي الذي يعيشه الشاب يكون بمعرفة المعلومات التي سوف يدرسها في أي كلية، ولذلك كان هناك إقبال شديد من طلبة المدارس الثانوية علي مجموعات معرفة المستقبل، ويقوم علي قيادة تلك المجموعات من المتفوقين من أبناء الكليات المختلفة، فحين تنشأ صداقة علي ضوء ما تدرسه الكليات من علوم، سنجد الشاب أو البنت يلتحقان بالكلية وأي منهما يعرف بالضبط المجال الذي يمكن أن يدرسه ليتفوق فيه، فلا يكفي أن يختار طالب دراسة هندسة الطيران دون معرفة أن ذلك يحتاج إلي معرفة جذور تيارات الهواء وكيفية مقاومة الأجسام للجاذبية الأرضية، ثم معرفة أي مواد يمكن أن تتم منها صناعة جسم الطائرة، تماما كما يمكن للطالب معرفة كمية الماء المناسبة لزراعة الزهور في الأراضي الصحراوية، وماهي طبيعة كل أرض، وكيف يمكن استصلاح أي أرض مهما كانت طبيعتها، وكل ذلك يمكن حدوثه إن درس الطالب العاشق لعلوم الأحياء والنبات ما يمكن أن يدرسه ويتخصص فيه إن التحق بكلية الزراعة. وقد يكون مشروع دراسة طبيعة الأرض هو مشروع مقترح مني لم تنشأ له جماعة من جماعات استكشاف المستقبل ولابد أن صلاح سليمان العاشق لتبادل الخبرات بين الأجيال الشابة سوف يطبقه عمليا هذا العام. ونأتي إلي فرحة هائلة وسط إحساس الأجيال الشابة بالقهر المصروف لها من زيادة النسل في مصر المحروسة وهو قهر مصحوب بتدهور مستوي التدريس في المدارس العامة، فضلا أن من يتعلمون في مدارس أجنبية علي أرض مصرية يتخرجون من تلك المدارس وهم مسخ بشري لا يتقن اللغة الأصلية، ويحيا علي هامش المجتمع المصري، وهو جيل يذكرني بمصحة في سويسرا يتلقي العلاج فيها أبناء أثرياء أمريكا اللاتينية الذين انبهروا بثقافة الشعب الأمريكي المكون من أخلاط بشرية، وصار أبناء هؤلاء الأثرياء متأرجحين شوقا إلي فهم مجتمعاتهم، مع العجز عن الاندماج فيها، وتلك حقيقة كشفها لنا الفيلسوف جان بول سارتر حين قام بجولة في أوائل الستينيات من القرن الماضي، ولم نلمسها نحن هنا في المنطقة العربية إلا بعد أن انبهرنا بما تقدمه الحضارة الغربية من أسلوب تعليم نحتاجه بالفعل ولكنا نأخذه من خلال تلقين من يتعلمون من أبنائنا احتقار مجتمعاتهم والنظر إليها بتأفف. ويمكن لنا أن نسترد أبناءنا من فوهة هذا الجحيم البراق بأن نحسن من مستوي التعليم في مدارسنا العامة والتجريبية ومدارس اللغات القومية. وهذا ما تحاول أن تفعله المهندسة هدي الميقاتي مديرة القبة السماوية بمكتبة الإسكندرية، فعن طريق مسابقة مثل مسابقة إنتل الأخيرة، استطاعت المهندسة هدي الميقاتي القيام بتدريب مدرسي خمسين مدرسة ثانوية وإعدادية منتشرة علي الخريطة المصرية علي أسلوب التعامل العلمي مع الأفكار الشابة، وكيفية تمهيد الطريق أمامها لتبدع وتشارك عبر مسابقات متوالية لتقديم المخترعات التي تقدمها فرق من الشباب أعمارهم تتراوح بين الرابعة عشرة والثامنة عشرة. وإذا كانت شركة إنتل وهي شركة عابرة للقارات تتعاون مع المكتبة لتشجيع العقول الشابة لتقديم مخترعاتهم كي يستفيد منها الكون، وتشارك تلك الشركة مجموعة من الشركات الأخري مثل ميكروسوفت وغيرها. وحين تتجول بين المخترعات التي قدمتها مجموعات العمل من طلبة المدارس المصرية، ستجد مجموعة شباب قدموا مشروعا يساعد فاقدي البصر علي الحياة بصورة أقرب إلي الطبيعية منها إلي حالة العجز، فهناك من قدم مشروعا يضع جهاز إنذار حساسا يتكون من نظارة وثلاثة حساسات أخري توزع علي جسم الكفيف ويعمل علي تحذيره حتي لا يصطدم بالأشياء أثناء سيره بمفرده سواء في الطريق أو المنزل. ولا أظن أن أحدا في المجتمع المصري لم يهتز قلبه جزعا، ولم ينس أي قلب ما حدث عندما غرقت العبارة السلام في عرض البحر الأحمر، وكيف أزهقت أرواح أكثر من ألف مصري، ومازالت تلك الأرواح تشكو جشع من أداروا حياة المصريين من أجل الكسب حتي ولو كان الثمن هو موت أكثر من ألف إنسان كان لكل منهم أسرة ومستقبل. وكان من بين الناجين إنسان عاد بأثر لا ينسي في يده، وبما أن لهذا الإنسان ابنا حساسا، فقد ألهمت تلك العاهة هذا الشاب بلال مجدي السيد بمدرسة المحمودية الثانوية الحكومية، ألهمته ليقدم مشروعا يساعد فرق الإنقاذ البحرية وشركات الملاحة، للتغلب علي تلك المأسأة فاهتدي إلي تصميم سترة نجاة لكل مسافر عبر البحر تكون من ضمن وسائل أمن وسلامة تلك المركب أو العبارة وتتميز تلك السترة بأنها تغطي الجسم تماما بحيث تحافظ علي جسم الإنسان من أخطار أسماك القرش والبحر عموماً، وتمد الجسم بالحرارة التي تحفظه مهما كانت درجة حرارة الماء أو الجو، فضلا عن دائرة كهربائية داخل السترة ما أن تلمس الماء حتي تعطي إشارة عبر جهاز محمول يستخدم إشارات تحديد الأماكن ويرسل رسالة طلب إنقاذ، وتم تصميم تلك الأجهزة من خلال برنامج كمبيوتر يقوم بتلك العملية في ثوان ويرسل الإشارة ويحدد المكان. من المؤكد أن هيئات عديدة ساهمت في هذا المعرض العبقري لتلك المواهب الشابة، ولكنها ككل الهيئات المصرية يتم النظر إليها بعيون تحمل الاتهام بالتقصير إلي أن يثبت العكس، فمن يصدق مثلا أن جامعة الإسكندرية تفتح معاملها للطلبة المشاركين في مثل تلك المسابقة، خصوصا أن الجامعات كلها تعاني من قصور في المعامل. ولكن هذا ما جاء علي لسان نائب رئيس جامعة الإسكندرية في تناوله لمدي مساهمة الجامعة في توفير المناخ للمبدعين الشبان. ومن يصدق أن شركة ميكروسوفت قد أتاحت لكل المشاركين في هذا الاحتفال العلمي حق استخدام كل برامجها ماعدا برنامج ويندوز 7 الجديد. وهي الشركة التي أرهقتني شخصيا إلي أن أصلحت خطأ الموزعين لمنتجاتها حين اشتريت منهم برنامجين دفعت فيهما ما يقرب من الألفي جنيه، وأخيرا أرسلت لي بديلا للبرنامجين. تري هل تلعب تلك الشركة دور الحداية التي ترمي قليلا من الكتاكيت لتصطاد بعضا من العقول المصرية الشابة لتطور من نفسها؟ هكذا دارت المناقشة بيني وبين الإعلامي شريف عامر الذي يشرفني بأنه ابني ومنه أتعلم كثيرا، قال لي من الرائع أن نحتفل بتلك النماذج المضيئة، حتي وإن خطفتهم المجتمعات الأخري الأكثر تقدما، فعلي الأقل سيتذكرون عندما يكبرون أننا كنا من احتفل بهم واعترف بمواهبهم أثناء شبابهم. طبعا لا يمكن أن أنهي تلك السطور دون أن أعترف بفضل السيدة بيرهان أمين التي قضت مالا يقل عن ثماني عشرة ساعة من العمل المتواصل كي تمدني بخريطة صناعة الأمل للعقول الشابة، وقلت لها حسنا أنا من جيل آبائك وأنت من جيل أبنائي، وأنت وأنا نقدم احتفالا بفنون احترام الأجيال التي في عمر أبنائك وأحفادي، وهكذا أكون قد وفيت بعضا من ديون من احترموا قدراتي ومنهم الشاعر صلاح عبد الصبور الذي كان يردد لي كلمات من مسرحية البناء العظيم لهنريك إبسن سيأتي لي من يطرق بابي ليقول لي افسح لي الطريق أنا الجيل الجديد، كان يردد الجملة علي مسامعي عندما أشكره علي ما يقدمه لي من رعاية، وها أنا ذا أسمعك وعيونك ترددها لإسماعيل سراج الدين الذي يتيح لك فرصة التعبير عما يدور من إنجازات المكتبة عمليا، عبر جمع المعلومات المكتملة لترسليها لي. وأنت بذلك تلعبين دور من يفسح الطريق أمام جيل أبنائك، وأثق أن إسماعيل سراج الدين وأنت وأنا نؤمن جميعا بأن من أهم ما يمكن أن نقدمه للأجيال الشابة هو أن نرفع من فوق أعناقهم حذاء الدهس أو الإنكار.