سعر الذهب اليوم الخميس 2-10-2025 يصل لأعلى مستوى وعيار 21 الآن بالمصنعية    متى يبدأ العمل بالتوقيت الشتوي 2025 رسميًا؟ استعد ل تغيير الساعة في مصر    البيت الأبيض: مناقشات حساسة تجري الآن بشأن خطة غزة    "الاحتلال "يهاجم أسطول الصمود وكولومبيا تطرد البعثة الدبلوماسية الإسرائيلية ومظاهرات حاشدة بعدة عواصم عالمية..وحماس: نحيي شجاعة النشطاء    85 شهيدًا فلسطينيًا حصيلة الغارات الإسرائيلية على قطاع غزة خلال 24 ساعة    خطة ترامب لغزة.. قراءة تحليلية في وهم السلام وواقع الوصاية    «رحلة إسقاط الكبار مستمرة».. المغرب يضم البرازيل إلى قائمة ضحاياه    «قولاً واحدًا».. خالد الغندور يكشف رحيل فيريرا عن تدريب الزمالك في هذه الحالة    مصرع أمين شرطة وإصابة آخر فى حادث تصادم بالنوبارية    الداخلية: القبض على مدرس اُتهم بالاعتداء على طالب ابتدائي في الهرم    عبدالله مجدي الهواري: «بحب الفن ونفسي أبقى حاجة بعيد عن اسم أمي وأبويا»    مدير مستشفى معهد ناصر: نستقبل مليوني مريض سنويًا في مختلف التخصصات الطبية.    دعاء صلاة الفجر ركن روحي هام في حياة المسلم    4 أهداف.. تعادل مثير يحسم مواجهة يوفنتوس أمام فياريال بدوري أبطال أوروبا    رياضة ½ الليل| هشام يسلف الزمالك.. إيقاف تريزيجيه.. قائمة الخطيب.. والموت يطارد هالاند    زكريا أبوحرام يكتب: الملاك الذي خدعهم    رئيس مجلس المطارات الدولي: مصر شريك استراتيجي في صناعة الطيران بالمنطقة    إصابة 4 عمال في حادث تصادم نقل وميكروباص أمام كارتة ميناء شرق بورسعيد    قرار هام بشأن شخص عثر بحوزته على أقراص منشطات مجهولة المصدر بالجيزة    السيطرة على حريق شب داخل مخلفات بعين شمس    شهادة صحفي على مأساة أفغانستان الممتدة.. جون لي أندرسون يروي أربعة عقود في قلب عواصف كابول    أكاديمية «أخبار اليوم» في ثوبها الجديد.. وفرحة الطلاب ببدء العام الدراسي| صور وفيديو    اللجنه العامة توافق على اعتراض رئيس الجمهورية على مواد الإجراءات الجنائية    نقل الفنان السوري زيناتي قدسية إلى المستشفى بعد أزمة صحية مفاجئة    3 أيام متواصلة.. موعد إجازة 6 أكتوبر 2025 للموظفين والبنوك والمدارس بعد قرار رئيس الوزراء    حماية العقل بين التكريم الإلهي والتقوى الحقيقية    وصول وفد رسمي من وزارة الدفاع السورية إلى موسكو    مرض اليد والقدم والفم (HFMD): عدوى فيروسية سريعة الانتشار بين الأطفال    تحذير لهؤلاء.. هل بذور الرمان تسبب مشاكل في الجهاز الهضمي؟    أكلة مصرية.. طريقة عمل محشي البصل خطوة بخطوة    الخارجية التركية: اعتداء إسرائيل على "أسطول الصمود" عمل إرهابي    مايولو: سعيد بالتسجيل أمام برشلونة.. نونو مينديش قام بعمل كبير    جوارديولا: لدينا نقطة وسنحصل عليها    «مقتنعوش بيه».. ماجد سامي: كنت أتمنى انتقال نجم الزمالك ل الأهلي    حل 150 مسألة بدون خطأ وتفوق على 1000 متسابق.. الطالب «أحمد» معجزة الفيوم: نفسي أشارك في مسابقات أكبر وأفرح والدي ووالدتي    محافظ الشرقية يكرّم رعاة مهرجان الخيول العربية الأصيلة في دورته ال29.. صور    الجيش الإسرائيلي: إطلاق 5 صواريخ من شمال غزة واعتراض 4 منها دون إصابات    انقطاع مؤقت للاتصالات قرب المتحف المصري الكبير.. فجر الخميس    سعر الذهب اليوم في السودان.. وعيار 21 الآن ببداية تعاملات الخميس 2 أكتوبر 2025    هيئة مستقلة للمحتوى الرقمي ورقابة بضمانات.. 4 خبراء يضعون روشتة للتعامل مع «البلوجرز» (خاص)    ستاندرد آند بورز: إغلاق الحكومة الأمريكية يفاقم عدم اليقين في التوقعات الاقتصادية    المطبخ المصري في الواجهة.. «السياحة» ترعى فعاليات أسبوع القاهرة للطعام    السكر القاتل.. عميد القلب السابق يوجه نصيحة لأصحاب «الكروش»    اعتراضات على طريقة إدارتك للأمور.. برج الجدي اليوم 2 أكتوبر    أول تعليق من رنا رئيس بعد أزمتها الصحية: «وجودكم فرق معايا أكتر مما تتخيلوا»    ماذا كشفت النيابة في واقعة سرقة الأسورة الأثرية من المتحف المصري؟    الإسكان عن أزمة قرية بحر أبو المير بالفيوم: تحركنا لدراسة الوضع ميدانيا    أحمد موسى يوجه رسالة للمصريين: بلدنا محاطة بالتهديدات.. ثقوا في القيادة السياسية    أولى هجمات أكتوبر.. الأرصاد تحذر من حالة الطقس اليوم: أمطار رعدية تضرب منطقتين    «التضامن الاجتماعي» بالوادي الجديد: توزيع مستلزمات مدرسية على طلاب قرى الأربعين    إصابة 9 أشخاص في انقلاب ميكروباص على طريق شبرا - بنها    التجربة المصرية في الاستزراع السمكي محور برنامج تدريبي دولي بالإسماعيلية    أرسنال بالعلامة الكاملة في الإمارات ينتصر بثنائية على أولمبياكوس    تسليم 21 ألف جهاز تابلت لطلاب الصف الأول الثانوي في محافظة المنيا    مدير معهد ناصر: اختيار المعهد ليكون مدينة طبية لعدة أسباب ويتمتع بمكانة كبيرة لدى المواطنين    تعرف على مواقيت الصلاه غدا الخميس 2 أكتوبر 2025فى محافظة المنيا    مجلس الدولة يقرر إعادة توزيع اختصاصات دوائر محكمة القضاء الإداري    مجلس حكماء المسلمين: العناية بكبار السن وتقدير عطائهم الممتد واجب ديني ومسؤولية إنسانية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



هويدا طه تكتب : يا دكتور البرادعي لا تتعامل معنا.. عليك بمن هم دون الثلاثين!
نشر في الدستور الأصلي يوم 05 - 03 - 2010

شباب الألفية أمامك فاعتمد عليهم ولا تنزلق بالله عليك وتغلق علي نفسك الباب مع هؤلاء القادمين من مطلع القرن العشرين
جيل الألفية الثالثة مطالب بمقاومة (رجال الخلايا الجذعية) في الحكم والمعارضة علي السواء!
النخبة الملتفة حول البرادعي الآن ستفرزها الأيام فيبقي من يعمل بإخلاص ويغيب من لا يملك أي نية أو استعداد للتضحية
البرادعي
مصر مريضة.. مصر الحكم ومصر المعارضة ومصر النخبة ومصر الجماهير.. وكما يجري الطبيب أشعة مقطعية علي الجسم المريض فيري بوضوح مواقع الخلل.. وضع (مشرط البرادعي) مصر كلها تحت الأشعة الكاشفة فظهرت مواقع العلة.. واتضح في (أسبوع الكشف) الأخير هذا أننا كلنا.. مرضي!
أما عن مصر الحكم فلن يكون جديداً أو مدهشاً الحديث عن علاتها.. لا معني حقا لتكرار ما نقوله جميعا كل يوم وكل ساعة عن تلك (البلوي) التي أصابت بلدنا.. فيروسات الفساد والظلم الاجتماعي والتفريط في الوطن - أرضا وكرامة - ورهن المستقبل والمقامرة به واحتكار القلة لكل من الثروة والسلطة وقرارات المصير.. إضافة إلي تقزيم قيمة بلدنا وسحب الثقة من نفوسنا واحتقار الشعب بعد نهبه وإفقاره وتعجيزه ووو.. كل هذا كلام نعرفه جميعا ونعيشه يوميا ففي الشارع المصري..
أما عن مصر المعارضة.. المعارضة الرسمية.. المعارضة الفاشلة.. المعارضة المستأنسة.. المعارضة التي لا تعارض شيئا.. فتلك أيضا وللأسف جزء من (بلوي) مصر الحكم.. فالنظام الحاكم حجّمها وأعجزها فاستجابت كرها ثم صارت مع الزمن تتلذذ برضا بحالة العجز تلك.. الحكم والمعارضة كلاهما جناحا الظلم في بلدنا.. والله علي المستوي الشخصي لا أطيق سماع أحد هؤلاء الممثلين للأحزاب الديكورية! سواء التي تسمي أحزابا مشروعة أو تلك (التكايا) المسماة أحزاباً تحت التأسيس.. كلها أحزاب تشبه مؤسسة الحكم في مصر.. أفراد أقدمهم بلغوا من العمر أرذله ومازالوا يتحدثون عن ذكرياتهم في الطفولة عندما كانوا يشاهدون صواريخ الألمان والحلفاء في الحرب العالمية الثانية! اختطفوا زمنا - بل أزمنة - ليست لهم ومازالوا يستميتون علي إزاحة الأجيال التالية لهم جيلا بعد جيل.. كي يستمروا في خطف بلد وقع رهينة في أيديهم وأيدي حليفهم النظام الحاكم، ولن أنسي أبداً واحداً من هؤلاء وهو يقف أمام كاميرات الفضائيات (التي لم يعرفها زمانهم البعيد!) معلقاً بغضب علي انطلاق حركة كفاية منذ حوالي خمس سنوات: «دوول شوية عيال أنا لا أهتم بهم أنا أنظر إلي مستقبلي السياسي»! أي مستقبل أيها الباقي من زمن حرب الحلفاء والمحور! أما أحدثهم فأذكر عندما كنت في عشرينات العمر في الثمانينيات كان هناك شباب أكبر منا قليلا يشتكون من سطوة مخلفات الحرب العالمية تلك.. وكان هؤلاء ومازالوا يسمون أنفسهم جيل السبعينيات.. الجيل الذي قاوم في البدء تحول مصر عن نهجها الذي عرفته قبل رحيل عبد الناصر، هذا الجيل بالفعل قاوم لكنه تشرذم والزمن يمضي، الآن.. هذا الجيل - عن اختيار أو دون أن يشعر - انضم إلي تلك الفئة التي لا ترحل أبدا وصار مثلهم.. يحاول إزاحة شباب اليوم ويمارس عليهم (وصاية متعالية) في سلسلة من فشل الأجيال لا تنتهي، وعندما كنت في استقبال البرادعي في المطار كغيري من الناس الآملين في مستقبل لا يكون رهينة في أيدي الحكم الفاشل والمعارضة الفاشلة.. كنت أري شبابا في العشرينات يتفجر طاقة واتساءل.. كيف ستتمكنون أيها الورد المتفتح في زمن العشرة الأولي والثانية من الألفية الثالثة من فعل شيء.. وعلي رءوسكم ما زالت تدهس أقدام أجيال الثلاثينيات والأربعينيات والخمسينيات والستينيات والسبعينيات وهلمه جرة!
لا أحزاب معارضة في مصر.. بل هناك تكايا بعضها رسمي وبعضها تحت التأسيس، وكلها مشخصنة باسم أصحابها.. سواء حزب التجمع (الذي سمي في الثمانينيات تهكما: حزب التأمع!) والمسجل مازال باسم د. رفعت السعيد الذي يحكي في كل لقاء تليفزيوني له عن قصة اعتقاله وهو يرتدي الشورت من قبل ضباط ما كان يسمي حينها القلم السياسي قبل الحرب العالمية! أو حزب الوفد المتأثر بعصر الباشاوات البعيد.. أو الحزب الناصري الذي يتخذ رمزا راح لكبر السن في غياهب الألزيهايمر، أو حزب الكرامة تحت التأسيس الذي كلما سألت عنه أحدا يقول إن عرفه (بتاع حمدين صباحي؟) حمدين صباحي المناضل القادم من جيل السبعينيات.. الجيل الذي يمارس بدوره الوصاية علي من تلاه.. وكأن تلك الوصاية قانون مصري أبدي! أو حزب الوسط وهو بدوره تحت التأسيس وأسسه منشق عن جماعة الإخوان التي تمارس بدورها وصاية طبقية زمنية هائلة في أجيالها أو أو.. كلها تكايا لا تعرف عنها شفافية أو ديمقراطية أو ما إلي ذلك مما وصلت إليه معظم الأمم دوننا.. هل سمع أحدكم عن انتخابات مثلا تغير علي أثرها رئيس أحد تلك الأحزاب وهو حي؟! مثلهم مثل رئيس الدولة الذي يسمي البلد باسمه فعلا وليس مجازا.. تلفت حولك وستجد استاد مبارك، أكاديمية مبارك، ميدان مبارك، جيش مبارك شعب مبارك.. مصر مبارك! ستظل تلك الأحزاب كذلك مسجلة باسم أصحابها إلي أن يرحلوا عن عالمنا.. وإن كان أحد الأصدقاء قال لي ساخرا: لن يرحلوا فهؤلاء مثلهم مثل كهنة الحزب الحاكم يتعاطون (حقن الخلايا الجذعية) فتتجدد خلاياهم! أتذكر الآن مقالا كتبه صحفي شاب عن صفوت الشريف واختار له عنوانا دالا: الرجل الذي لا يموت!
ماذا سيفعل جيل الألفية الثالثة وأمامهم تلك الجدران البشرية تحول بينهم وبين الشمس؟ هذا ليس انتقاصاً طبعاً من محاولات الأجيال السابقة النضالية لكنه تأمل في حالة (وصاية القديم علي الجديد) الحية أبدا في الزمن المصري!.. جيل الألفية هذا مطالب بمقاومة (رجال الخلايا الجذعية) في الحكم والمعارضة علي السواء!
أما مصر النخبة فتلك قضية تثير الأسي.. إذا تحدثت عن النخبة بالمعني الطليعي وليس النخبة بالمعني الطبقي فأنت تتحدث عن (المثقفين المحبطين) ممن ينتمون إلي كل تلك الأجيال المهزومة التي تتراكم فوق بعضها زمنياً.. جميعهم بلا شك تمنوا لمصر حالا غير حالها الماضي بتسارع في طريق الانحدار الحضاري.. لكن لم ينجح أي منهم في فعل شيء.. في صياغة شيء.. يمكن أن تقول (لهم شرف المحاولة) وهذا صحيح.. فقد أسسوا عشرات الجبهات والائتلافات والحركات.. وبقيت جميعها تنشد- عن صدق - مصر أخري غير التي نعيشها وتعيشنا.. لكن لم تخطو تلك الحركات أبعد من سلم نقابة الصحفيين! لذلك تركها النظام تفرح بنفسها وهي تلقي البيانات أمام الكاميرات ليبدو وكأنه ديمقراطي! يسمح لهؤلاء بقدر من (الطنين) لكنه طنين غير مؤثر.. يعلم أن معظمهم - ممن يزاحمون الآن - لن يتقدم الصفوف حقاً إذا تخطي الأمر حاجز الوقوف أمام الكاميرات إلي تضحيات حقيقية لخلاص الوطن!.. ولعل واحداً من المثقفين الذين كانوا (مناضلين) ثم حسموا أمرهم وانضموا إلي (اللي فيه فايدة بصحيح.. جمال مبارك!) كان إلي حدٍ ما محقاً حينما نصح جمال مبارك في جلسة خاصة بألا يتوجس منهم! فهو يعرفهم واحدا واحدا ويوقن أنهم لن يشكلوا خطرا أبدا! فشلت إذن النخبة المتراكمة عبر الأجيال في صياغة مشروع حقيقي وفشلت في تكوين قائد حقيقي للتغيير.. سواء لعلة أو علات فيها أو لأن النظام أمني بوليسي يحول بحسم دون نجاحها في تحقيق شيء ملموس، لكن رغم ذلك فإن استقراء تاريخ الأمم يشير إلي أن النخبة (بالمعني الطليعي وليس الطبقي) مهما كانت صراعاتها الداخلية.. وحتي لو كانت صراعات تافهة..هي دائما التي تقوم بعملية (الإقلاع) في كل مشروعات التغيير الكبري التي قرأت عنها.. هي رغم انتكاساتها وصراعاتها تلتقط أول الخيط.. لذلك بمجرد أن أعلن البرادعي ذات يوم عن احتمالية ترشحه للرئاسة.. استشعرت تلك النخبة أن أملا جديدا يبدو في الأفق فالتفوا حوله منذ اللحظة الأولي.. لكن أمرا لاحظته وقد أكون مخطئة علي كل حال.. بل يارب أكون مخطئة! حدث أن هذا الالتفاف حول البرادعي بدت عليه ملامح المرض المصري المزمن القبيح.. الوصاية من الأقدمين علي الأجيال التالية الأحق بالمساهمة بطاقتها من أجل مستقبلها.. لو تأملتم الوفود التي زارت البرادعي في بيته للتحاور معه والاستماع إليه حول آلية التغيير في المرحلة القادمة.. لرأيتم أشياء غريبة تحدث.. مجموعة من رجال ونساء النخبة (بعضهم مخلص بلا شك) لكن بعضهم تعاطي مع الأمر ببوادر انتهازية سياسية.. وكأن نجاح المشروع حُسم والدولة الجديدة نشأت أو تكاد ويريدون لأنفسهم حجز مكان فيها! وبعضهم تعاطي مع مشروع البرادعي وكأنه امتداد لحركات الاحتجاج العمالية التي لها مطالب فئوية محددة! فتسمع سيدة مثلا تقول للبرادعي ماذا ستفعل لنساء مصر؟! وآخر يناقشه في أحوال عمال مصنع الكتان.. وثالث يسأله عن لوائح الجامعة وما إلي ذلك من عينة سؤال مني الشاذلي (هل تري الدعم يكون نقديا أم عينيا؟!) ثم تري مرشحا للرئاسة من أحد الأحزاب يبدو وكأنه يساومه (نعمل توكيلات ومن يجمع أكثر يرشح نفسه)!
تحاورت مع سائق التاكسي وعندما وصلت البيت دونت فورا الحوار قبل أن تتلاشي تفاصيله من ذاكرتي، ثم كررت الحوار مع حارس العمارة وسائق تاكسي آخر وعاملة منزل تعمل باليومية وآخرين.. وجاء الحوار والله يكاد يكون متطابقا.. ولعلك أيها القارئ العزيز مررت بتجربة مماثلة فهل اختلفت تجربتك عما يلي:
سمعت عن البرادعي؟
- آه دا اللي اتكلم في التليفزيون من كام يوم.. والله راجل باين عليه طيب يمكن يا ست يعمل حاجة ترحمنا من العيشة اللي إحنا عايشينها دي، والله يا مدام ما بانام من الحيرة أعمل إيه طيب اعمل إيه؟ باشتغل طول اليوم من صباحية ربنا لحد بعد نص الليل لكن والله ما عارف أعيش.. ورحمة أمي ما عارف أعمل إيه؟
طيب وهو البرادعي دا يعني ساحر؟ حيعمل إزاي وحده مش لازم برضه نقف جنبه؟
- واحنا نقدر نعمل إيه يعني يا مدام؟ دا كان فيه واحد في شارعنا (واسترسل السائق يروي قصة شاب من جيرته) «مرمي» في السجن وأمه مش عارفة طريقه لحد دلوقتي عشان راح مع الجماعة دوول.. بتوع المظاهرات دوول يعني.
سمعت عن توكيلات يعملوها له المصريين يعني عشان يتكلم باسمنا ويقدر يقف قدامهم؟
- فين ده؟ مسمعتش ولا اعرف فين ولا إزاي.. والله يا مدام أنا طلعت عيني ومستعد اعمل توكيل بس فين وإزاي؟ وهمه برضه حيسيبونا نعمل حاجة كده يعني؟.. دوول يسحلونا.. وانا راجل صاحب عيال ومش عارف حييجي عليهم بكره إزاي.. والله لو فيه واحد كده يعني والله أعملله توكيل (ثم قال بأسي وكأنه يحدث نفسه) والله أعملله توكيل بس قوليلي إزاي وفين وإمتي.. يعني حيعملوا فينا إيه أكتر من اللي عملوه.
وعلي تلك الشاكلة يعاني الناس.. بعضهم لا يبالي ولن يتحرك إيجابيا أبدا حتي لو تعري من كل ما يستره حتي لو بيعت كل مصر وليست أرض توشكي فقط! وهؤلاء موجودون في كل الشعوب.. وبعضهم يريد أن يفعل شيئا (من غُلبه!) لكن أحدا لم يتوجه إليه ليدله علي الطريق.. وهو يريد قائدا مجسدا واحدا يقول له إفعل فيفعل.. لكنه (لا يعرف) كيف وبم يبادر وأين ومتي.. وأظن غالبية المصريين يمكنها أن تتكتل (فقط لو) عرفوا مطالب محددة منهم وواضحة.. كأن يعرفوا بشكل جلي ومبسط كيف ومتي وأين يوكلون قائدهم.. كيف يتابعون خطواته باسمهم.. كيف يوصلون مطالبهم.. وماذا يريد هو أن يفعل وكيف.. فقط لو يرونه بأم أعينهم ويسمعونه.
لكن.. طالما مصر النخبة ومصر المعارضة ومصر الجماهير يغرد كل منهم في وادٍ.. سيلقي مشروع البرادعي مصير الحركات التي أسسها علي مدار السنوات الماضية (المثقفون المحبطون)! لنجد أنفسنا أمام سؤال في تلك المرحلة: كيف تجتمع تلك (الأمصار) علي حدٍ أدني من التوافق لمواجهة مصر الحكم المستبد:
من المؤكد أن للنخبة دورا في عملية (الإقلاع) اللازمة لانطلاق مشروع التغيير.. هناك دائما آباء مؤسسون لكل مشروع (بمعني أنهم يؤسسون ويفتحون الطريق ثم يفسحوا المجال.. لا أن يقبضوا عليه ويحرسونه لأنفسهم دون سواهم من فئات الشعب وأجياله!.. هذا إن نجح!) وتلك النخبة حتي بصراعاتها الداخلية التافهة سيتم فرزها لحظة العمل الجدي.. وهي دائما بتلك الصفة تكون حلقة الوصل بين فكرة المشروع وأجيال الشباب المعني الحقيقي بالانتشار لتنفيذ مشروع يعني أساسا بمستقبلهم.. والنخبة الملتفة حول البرادعي الآن ستفرزها الأيام فيبقي من يعمل بإخلاص لشباب وطنه ومستقبله ويكون مستعدا للتضحيات ولو بدرجات متفاوتة.. ويغيب من لا يملك أي نية أو استعداد لمثل هكذا تضحية.. صحيح أنه سيظل الآن ظاهرا في المشهد.. لا بأس!.. لكنك لن تراه لحظة الجد!
تلك النخبة عليها أن تساعد الشباب في (عملية الانتشار) لتدل الجماهير ماذا تفعل ومتي وكيف؟.. فرجال ونساء النخبة كلهم حول الخمسين من العمر إلي ما شاء الله! لن يتمكنوا من الانتشار بفاعلية كما الشباب.. ولابد من التعالي علي الذاتية عند مد يد المساعدة للشباب، بدفعهم للأمام وليس بإزاحتهم! والحقيقة أن تاريخ نخبتنا المصرية رغم إحباطاته الكثيرة يمتلئ بتلك النماذج المشرفة.. التي عملت علي تربية الكوادر ومساعدة الشباب علي تنظيم طاقتهم لكن.. دون مزاحمتهم..
لا يجب أبدا أن تتوقع تلك النخبة من الجماهير أن تبادر.. الجماهير لا تبادر! ولهذا السبب يكون (الإقلاع) مهمة النخبة وليس الجماهير! الجماهير تُطلب فتستجيب حسب درجة صدق وفاعلية من يناديها.. ربما تكون النخبة أقدر علي رسم الخطوط العريضة للمشروع.. لكن الآليات الصغيرة والتنفيذ يحتاج انتشار الشباب وسط الجماهير.. وانتشار الشباب وسط الجماهير يحتاج مساعدة نخبة لا تتآمر كي تبقي في مشهد تزيح منه الشباب.. وتاريخنا في الفشل المتتالي يدل علي أن النخبة عندما تأخذ علي عاتقها كل شيء.. وتنسب لنفسها كل شيء.. لا تفعل أي شيء!
المعارضة.. المعارضة المصرية الفاشلة!.. لا أعرف كيف لكن لن نيأس من محاولة إقناع رموزها العتيقة أن تكف شر تآمرها هذه المرة (فالبرادعي ليس المشروع الدائم لمصر).. البرادعي هو تلك النقطة الفاصلة بين الاستبداد والحرية.. لحظة انتقالية تاريخية في مسيرة مصر الزمنية.. لابد أن تكون توافقية.. يمكن كذلك للمرشحين الآخرين للرئاسة أن يؤجلوا حلمهم ومشروعهم الخاص إلي ما بعد تلك اللحظة.. إلي ما بعد أن يؤدي البرادعي دوره.. ويمهد لهم الطريق. وأمامهم الوقت علي كل حال!
أما الشباب.. هؤلاء الرائعون ما دون الثلاثين وحولها.. فلدي ثقة فيهم لا أعرف لها سببا.. أستشعرها.. ربما لأنهم لم يتلوثوا بعد مثل معظمنا.. علينا أن نرفع عنهم (تلك الوصاية الغبية) ونفسح لهم المجال مع البرادعي!.. وهنا رسالة خاصة جدا للبرادعي.. لا تحبس نفسك معنا وعليك بالشباب ما دون الخامسة والثلاثين!. هؤلاء يحسون المستقبل ويحسهم يعطيهم طاقة حقيقية لمساندتك.. لا تنزلق بالله عليك وتغلق علي نفسك الباب مع هؤلاء القادمين من مطلع القرن العشرين وعقوده المتتالية!.. شباب الألفية أمامك فاعتمد عليهم..
أما البرادعي نفسه فندعو الله أن يتحمل ما سيلاقيه من كل هؤلاء.. الحكم والمعارضة والنخبة والجماهير! صحيح هو يدرك كل ذلك لكنه لم يعشه بعد! وما بدر ضده من سفه بعض وسائل الإعلام وشذاذ الآفاق ووكلاء مباحث النظام في الأيام الأولي لوصوله ليس إلا تسخين! سيقابل الكثير.. نرجو أن يتحمل، فهو مثل كل فرد فينا.. يحلم أن يترك لأحفاده وطنا حقيقيا.. يشبه علي الأقل الأوطان التي شاهدها بعيدا عن وطننا.. الخرب!
الامتحان الحقيقي لنا حقا إن أردنا إثبات أننا نريد أن نترك لأبنائنا وطناً حراً وليس سجنا كبيرا.. أن نتسامي علي ذواتنا ونعمل علي إفساح الطريق لهم.. الشباب، نساعدهم بالطبع فلا يصح أن نقف مكتوفي الأيدي.. ولا يصح أن نبخل عليهم بخبراتنا حتي خبرات الفشل منها! لكن نترك لهم الفرصة للتعبير عن أنفسهم بثقة.. هذا واجب وطني وليس منة من أحد.. ولو تحقق هذا حقا.. لو فقط خمسون في المئة منا يتعالي علي ذاته فسوف ينجح مشروع أولادنا بقيادة البرادعي لبناء وطن حر!.. أما إذا أصررنا بأنانية علي مزاحمتهم.. فلن ينجح البرادعي.. سنمزقه ومشروعه إربا!.. ولن ينال شبابنا الفرصة.. وربما يحبط ويمضي به الزمن وتجري عليه القوانين المصرية الأبدية فيغلق الطريق علي من يليه.. في سلسلة غبية من الفشل المتتالي! لو لم نتسام علي صغائر أمانينا الشخصية.. لن نترك لأبنائنا وطنا بل بالكاد.. جدران حظيرة!


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.