فى منتصف أكتوبر الماضى أعلنت وزارة الثقافة عن إقامة مؤتمر عام للثقافة والمثقفين، يهدف إلى بحث الوضع الثقافى الحالى وكل ما هو متصل بالشأن الثقافى وإمكانيات تطويره ليتناسب مع المرحلة المقبلة، ووضع رؤى وتصورات جديدة تؤدى إلى تحقيق ما تطمح إليه النخبة المصرية من المثقفين.. وأن يكون السيد فاروق حسنى وزير الثقافة رئيساً للمؤتمر العام وأن يكون الدكتور جابر عصفور مقرراً . وأنه سيتم خلال فاعليات المؤتمر بحث ومناقشة جميع المثقفين والكتاب والأدباء المصريين حول أفكارهم ورؤيتهم لتطوير العمل الثقافى عبر الوزارة وقطاعاتها المختلفة التى تعنى بتطوير ودفع العمل الثقافى. والمؤتمر سيتضمن أوراقاً بحثية للعديد من المثقفين الراغبين فى طرح أفكارهم لتطوير العمل الثقافى ووضع السياسات المستقبلية. ولكن بعد مرور حوالى ثلاثة شهور من الإعلان عن المؤتمر والذى حدد لانعقاده شهر مايو القادم، وجدنا كثيراً من المثقفين لا يعلمون شيئاً عنه !! لذلك كان لابد من الحديث مع المؤيدين والمعارضين لهذا المؤتمر المهم الذى يضع رؤية لمستقبل الثقافة فى مصر حتى عام 0302. * د. إسماعيل والثقافة فى مقالة مهمة كتبها د. إسماعيل سراج الدين رئيس مكتبة الإسكندرية فى 32 يوليو 9002 بجريدة الأهرام تحت عنوان ثقافتنا العربية وثقافة المعرفة كتب: ليست الثقافة كما تعرفون تقاس بحصيلة المعارف والآداب والفنون والآثار التى تمتلكها الأمم فحسب، ولا بمنجزاتها التاريخية فى العلوم والاختراعات بل بقدر ما هى القوة التى تتبقى من كل ذلك لتمثل الطاقة المتجددة والمبدعة للإنسان والقدرة على مواجهة التحديات الطبيعية والبشرية والتفوق على ضروراتها، والفرق بين الثقافات المختلفة يتجسد فى مدى هذه الطاقة وحيويتها. ويضيف د. إسماعيل قائلاً: ورثنا من فترات الركود الحضارى أحادية النظرة فى رؤية القضايا الخلافية، فتعصب كل منا لرأيه ومصلحته واتهم غيره بالخطأ وأشتط فى ذلك حتى رماه بالخيانة أحياناً وبالكفر أحياناً أخرى دون إدراك حقيقى لضرورة التحليل التفصيلى والاعتراف بتعدد الأبعاد فى كل المشاكل والتسليم بتفاوت القدرات لدى الشخصيات العامة، ويؤكد قائلاً: يؤدى هذا التشبث المتعصب بأحادية النظرة إلى الضحالة والسطحية وافتقاد العمق فى التحليل والعجز عن تنمية الوعى بمعرفة دوافع الآخرين وبراهينهم، إنه يشف عن فقر الفكر بمقدار ما يقود إلى تحوله إلى سلوك عدوانى غريزى ومن هنا يفقد قدرته على الحوار ويفتقر إلى روح التسامح ويضيع مفهوم حق الاختلاف. هذه المقالة المهمة للدكتور إسماعيل سراج الدين كان لابد من ذكرها فى البداية لعلها تعرف القارئ ما هى الثقافة وما هى أهم مشكلة يعانى منها المثقف العربى. قبل أن نتحدث عن مستقبل الثقافة فى ال02 عاما القادمة، وأخذ آراء بعض النخبة من المثقفين حول أهم ورقة سيقدمها كل منهم للمؤتمر العام فى مايو القادم (بالطبع إذا طلب منهم هذا)!! * أوراق مهمة الدكتورة نوال السعداوى الطبيبة - سابقاً - بوزارة الصحة والكاتبة والباحثة والحاصلة على عدة جوائز أدبية وفخرية من مصر والعالم ولها العديد من المؤلفات من الروايات الخيالية ومجموعات قصصية قصيرة ومسرحيات وصدرت لها الأعمال الكاملة وشملت 74 كتاباً. تقول عن مؤتمر المثقفين: أنا لم أسمع عنه ولم أدع إليه ولا لأى مؤتمر خاص بالثقافة فى مصر رغم أننى أدعى من كل بلاد العالم فى مؤتمرات ثقافية وتعليمية.. وهناك خلاف جذرى بينى وبين الثقافة السائدة والثقافة الرسمية الحكومية التى تملك الثقافة فى مصر وتوابعها من أجهزة الإعلام والتعليم.. أنا خارج الحظيرة وليس لى أى مصالح مع النخبة أو الحكومة من الداخل أو الخارج وفى غياب حرية الفكر والإبداع يسود الموظفون والمنافقون والمهادنون فى الثقافة والأدب والفن.. فإذا كان القائمون على المؤتمر هم فى أغلبهم المعاونين لوزير الثقافة وهم أنفسهم سبب الردة الثقافية فأكيد المؤتمر سيفسر رؤيتهم للمستقبل أيضاً !!. أما المفكر الإسلامى جمال البنا فيقول: لو سمح لى بتقديم مقترح أو توصية فى مؤتمر المثقفين فسوف أقدم مقترحا يناقش فيه كيفية الحصول على مزيد من الحرية والنهضة بالتعليم وأهم ورقة هى ضرورة الترجمة وكيفية النهوض بها.. كما أكد على دور الثقافة الجماهيرية.. فقد حدث انتعاش من خلالها فى الرواية والقصة فنحن لدينا عدد ممتاز من الروائيين والسينمائيين والمفكرين وهناك نشاط ملحوظ فى هذه المجالات ولكنها فى حاجة إلى نهضة أكثر، خاصة الثقافة الدينية فهى لازالت فى مكانها تحاول النهوض، ولكن المؤسسة الدينية تقاوم التجديد فلا يوجد أصالة أو خبرة فيما تقدمه، كما أن المكتبة الإسلامية تقدم كتبا منفرة تتحدث عن عذاب القبر والجنة والنار والثعبان الأقرع، وكلها لا علاقة لها بالدين لأن الدين قيم ومبادئ ويدعو إلى النهضة. ثم أضاف البنا قائلاً: أما بالنسبة للكتاب والنشر فإن الحركة التى قامت بها السيدة سوزان مبارك أضافت إلى المكتبة، وشجعت من لا يستطيع أن يدفع ثمن الكتاب على القراءة بشرائه بسعر رخيص. ولكن الكتاب المصرى غير موجود فى الدول الأخرى والحركة الثقافية غير نشيطة فى الخارج ولكن المفكر الإسلامى جمال البنا ينهى حديثه عن مؤتمر المثقفين قائلاً: إن المؤتمر لن يقدم نهضة ثقافية كتلك النهضة التى قدمها طه حسين والسبب فى ذلك هو حصول المؤتمر على صفة الرسمية بإشراف الدولة عليه. ؟ الدكتور سمير غطاس الباحث والصحفى والكاتب ومدير مركز مقدس للدراسات الاستراتيجية يحدثنا عن مؤتمر المثقفين قائلاً: هناك اعتراف من المثقفين فى مصر بوجود أزمة فى الثقافة المصرية وهذه الأزمة لا تخص الثقافة المصرية فقط وإنما هى انعكاس لأوضاع أخرى خاصة موضوع الهوية المصرية المعكوسة على الثقافة وأزمة الحياة السياسية والديمقراطية فى مصر، فالثقافة لا يمكن مناقشتها بمعزل عن قضايا أخرى فى المجتمع والمؤتمر الذى يخطط له يجب أن يربط بين الثقافة والهوية والديمقراطية لأن الثقافة إن لم تستقر على الهوية والديمقراطية فإنها لا تستطيع أن تتجاوز أزماتها قد تتحسن، ولكن ستبقى تعانى من أزمتها. ويختتم حديثه قائلاً: الجيل القديم المسيطر الآن على الثقافة لم يستطع تفهم ثقافة جيل الشباب المعاصرين الذين أراهم ينتجون ثقافة أفضل من السابق على الأقل بها تنوع لم يكن موجودا.. صحيح أنها لم تتبلور بعد ولكنها تقدم خيارات متعددة، لذلك يجب إتاحة الفرصة لهذه الثقافة الجديدة لتنمو ولتفرز من داخلها أسماء وتيارات ومدارس جديدة، كذلك يجب مساعدة كل التيارات الثقافية لتنتشر لأن التعددية هى أساس الثقافة كما يجب تكوين هوية واضحة للثقافة المصرية فمهما حاولنا جاهدين تحسين الثقافة فلن تتحسن مادامت هذه المشكلات لم تحل. * الأستاذة عطيات الأبنودى المخرجة السينمائية حدثتنا عن مؤتمر المثقفين قائلة: المجلس الأعلى للثقافة توجد به اثنتان وعشرون لجنة كل لجنة بها ثلاثون مثقفاً بالتالى يكون عددهم أكثر من ستمائة مثقف لو أن كل لجنة قامت بعمل تصور لتخصصها سيكون شيئاً مفيداً جداً. ولكن بما أن الدعوة عامة إذن يجب أن يشارك الشعب بأكمله الدكتور والمهندس والمحامى وغيرهم، فمن وجهة نظرى أن كل فرد من أفراد الشعب مثقف حتى أطفال الشوارع لأن الخبرة التى يكتسبونها تختلف عما يكتسبها غيرهم فالمثقفون ليسوا فقط المشاهير من الأدباء والصحفيين وغيرهم لذلك لابد أن تكون الدعوة عامة لكل الناس. وعن أهم تصور لها لمستقبل الثقافة فى مصر تقول: أنا أتمنى أن تمتلك مصر أكبر أرشيف عالمى للصورة الثابتة والمتحركة فمن الممكن أن تقوم بتجميع الصور والتسجيلات من جميع أنحاء العالم، فمصر بكل تاريخها العريق يجب أن تمتلك دجيتال ميوزيم وتؤكد الأستاذة عطيات على ضرورة المشاركة فى المؤتمر حتى يمكننا تطوير الثقافة المصرية. * أما شباب المثقفين فلهم رأى أيضاً فى مؤتمر المثقفين فيقول: محمد صلاح العزب الروائى والصحفى: أهم شىء يجب أن نقوم بعمله لنهضة الثقافة المصرية هو إلغاء جهاز الرقابة والسيطرة على الإبداع، والاهتمام أكثر بإبداع الشباب، كما يجب أن يكون المسيطرون على المؤسسات الثقافية من جيل الشباب. أما منصورة عز الدين الروائية الشابة فتقول: أهم شىء يجب عمله هو الارتفاع بمستوى التعليم لأنه المفتاح الأول لنهضة أى دولة، فالتعليم لدينا ليس على المستوى المطلوب للنهوض، لذلك يجب أن ننهض بالتعليم وذلك بداية من التعليم الابتدائى وحتى الجامعى فيجب ربط الطلاب بالأدب والثقافة منذ صغرهم وكذلك يجب العمل على محو الأمية ونشر المكتبات العامة بشكل أكبر وذلك لخلق مجتمع قارئ وهو طريق النهوض فى شتى المجالات الأخرى. * الأستاذة هالة البدرى الروائية والكاتبة الصحفية تتحدث عن مؤتمر المثقفين قائلة: إن أهم ما يجب القيام به لمستقبل الثقافة المصرية هو أن تكون الثقافة كقيمة عليا تقوم بأدائها وزارة الثقافة مع الوزارات الأخرى كوزارات التعليم والإعلام والصحة والدفاع وغيرها من الوزارات بهدف تنمية المجتمع المصرى وأهم وزارتين من وجهة نظرها هما التربية والتعليم والإعلام. فقالت: الخطوة الأولى يجب أن تكون بوزارة التعليم على أساسين هما أن وزارة الثقافة بها أكبر شبكة اتصال هى بيوت وقصور الثقافة ووزارة التعليم بها شبكة اتصال أيضاً هى المدارس التى لها التأثير الأكبر فى تكوين الشخصية المصرية ويجب على وزارة الثقافة أن تتدخل مع وزارة التربية والتعليم فى مناهج التعليم فمناهج التعليم تعانى من إنكار للمبدعين والمناهج الدراسية تتجاهل كثيراً من الشعراء والأدباء المعاصرين والمؤثرين فى الثقافة المصرية الآن، ومن الغريب أن الطالب المصرى ابن أعظم الحضارات الفرعونية والقبطية والإسلامية ليس له أى دراية بمدارس التصوير الفنية والنحت ولا يعرف كيف يرى لوحة فنية أو يقرأ قصة وهكذا.. وكذلك يجب ضخ الأموال فى شرايين الثقافة الحقيقية للقرى والنجوع عن طريق قصور وبيوت الثقافة والمكتبات، فأموال وزارة الثقافة يجب ألاَّ تضيع مركزيا على المؤتمرات، ولكن إذا كان لابد من مؤتمرات فيجب نقلها من المركزية فى العاصمة إلى القرى والنجوع وليس عواصم المحافظات لعمل صدمة ثقافية تنويرية للمواطن . * أما المخرج السينمائى صاحب العديد من الجوائز العالمية والمحلية مجدى أحمد على فيحدثنا عن مؤتمر المثقفين قائلاً: من الغريب أن تكون الدولة هى الداعية لهذا المؤتمر مشيراً إلى أن نظرة الدولة للثقافة وموقفها من المثقفين موقف هزلى وتنظر للثقافة نظرة قديمة متدنية، وتنظر للمثقفين على أنهم مجموعة من الأراذل ولذا لا يوجد اعتراف حقيقى بدور المثقف المصرى، فهناك إما تجاهل للمثقفين أو محاولة لاستقطابهم إلى حظيرة الدولة ولا توجد فرصة لإعطاء دور حقيقى للمثقفين لإثبات قدرتهم على الارتقاء بالثقافة والإبداع. ثم أضاف المخرج مجدى أحمد على قائلاً: إن إشراف الدولة على المؤتمر الأول من نوعه بدأت مشاكله من خلال وضع الدولة لسقف المؤتمر وللأوراق المقدمة فيه والدليل على ذلك أنه لم يطلب حتى الآن تقديم أى أوراق بحثية.. وأنا مستغرب لهذا ولم يتم أى دعوات حتى الآن . ورغم ذلك لو طلب منى سوف أقدم ورقة عن السينما المصرية وسوف تشتمل الورقة على دور العرض والرقابة وحرية الإبداع وتغيير مفاهيم الإنتاج السائد، وعن غياب دور النقد وعدم وجود أرشيف للسينما أو وجود ذاكرة للسينما. * أما الدكتور عبدالمعطى بيومى عضو مجمع البحوث الإسلامية فيتحدث عن المؤتمر قائلاً: الثقافة المصرية تحتاج إلى ضبط وتحديد هوية، ولكن الآن ما هوية ثقافتنا هل هى ثقافة عربية إسلامية أم غربية أوروبية تابعة لحوض البحر المتوسط؟! فهذه الأمور ليست محددة بالضبط ولذا فنحن فى حاجة إلى تحديد دقيق لثقافتنا لتتماشى مع تراثنا الثقافى. ولو طلب منى تقديم ورقة بحثية سأقدمها، لأننا فى حاجة إلى تحديد هويتنا الثقافية ولذا فهذه أهم ورقة سوف أقوم بتقديمها حتى تكون ثقافتنا امتداداً للثقافة العربية الإسلامية، والإسلامية بمعناها العقائدى بالنسبة للمسلمين، ولكن هناك معنى أوسع وأكثر شمولاً هو الثقافة الإسلامية بمعناها الحضارى وتكون بالنسبة للمسلمين وغير المسلمين وأنهى حديثه قائلاً: إن المؤتمر لن يكون فعالاً إلا إذا اتخذنا النقاط والتوصيات التى سيتم الاتفاق عليها فى نهاية المؤتمر والقيام بتنفيذها، بعد ذلك نستطيع أن نقول وصلنا إلى منطلق نحدد فيه كل مناهجنا وعلومنا. .