شىء لا يصدقه عقل!! لا عقل مؤمن ولا حتى إنسان كافر بلا دين أوملة!! لا أحد كان يتخيل ولو بنسبة واحد فى المليون أن يحدث ما حدث فى شوارع وحوارى وميادين العاصمة السودانية الشقيقة الخرطوم! مضت عدة أيام على تلك المهزلة التى قادها بلطجية ينتمون للجزائر الشقيقة، وهم يمزقون علم مصر الغالى ويلقون به على الأرض، ذلك العلم الغالى الرائع الذى رفعه أبناء مصر البواسل يوم السادس من أكتوبر عام ثلاثة وسبعين من القرن الماضى على أرض سيناء الحبيبة ورد الاعتبار لكل العرب. لا أصدق أن بعض أبناء الجزائر تفرغوا لمطاردة مشجعى خيرة أبناء مصر، وهم يحملون السكاكين والسيوف والمطاوى والهراوات. اللى يعيش ياما يشوف، لكن ما أبشع وأفظع وأخيب ذلك الذى رآه العالم كله مساء الأربعاء الماضى من أشقاء اللغة والتاريخ المشترك والعروبة وأحلام الوحدة العربية وأمجاد ياعرب أمجاد!! وثوار ولآخر مدى ثوار!! هل هذه هى الجزائر بلد المليون شهيد؟! هل هذه جزائر المناضلة الجزائرية جميلة بوحريد التى لولا الفيلم الشهير الذى أنتجته وقامت ببطولته الفنانة ماجدة وأخرجه العبقرى يوسف شاهين، أقول لولا هذا الفيلم لما سمع ببطولتها أحد!! هل هذه جزائر سنوات الكفاح والنضال واحتضان مصر لثوارها وأبطالها وقادتها، والأسماء لا تعد ولا تحصى من أيام أحمد بن بيللا وهوارى بومدين حتى الرئيس الحالى عبدالعزيز بوتفليقة!! هل هذه هى الجزائر التى ذهب إليها عبدالحليم حافظ ليغنى فى عيد استقلالها؟ وكما فعل حليم فعل مثله عشرات الفنانين والفنانات؟! هل هذه هى الجزائر المناضلة ضد الاستعمار الفرنسى والتى تطوع ضمن صفوف ثوارها ومقاتليها الكاتب المبدع العبقرى الأديب يوسف إدريس وعاد ليسجل ويكتب بقلمه المبدع صفحات وصفحات عما رآه وشاهده. ماذا جرى للأشقاء فى الجزائر؟! وكيف هان عليهم التاريخ وسنوات النضال والعيش والملح والأخوة الأبدية. أين عقلاء وكبار الجزائريين من سياسيين وأدباء ومفكرين يعرفون قدر مصر، ويدركون حق الإدراك مكان ومكانة مصر: السياسة والتاريخ والنضال والأدب والفن. كنت أتمنى أن أسمع صوت جزائرى واحد يستنكر ماحدث ويعتذر عما بدر من هؤلاء البلطجية الجزائريين!! تمنيت لو قرأت أو استمعت لكلمة اعتذار واحدة من أسماء كبيرة: أحمد بن بيللا، جميلة بوحريد، الكاتب محيى الدين عميمود، الشاب خالد وغيرهم ممن يعرفون مصر المكان والمكانة! ياخسارة، خسارة واحدة لا تكفى يامليار خسارة على ما فعله عيال وصبية الجزائر، بموافقة ومباركة من أعلى سلطة فى الجزائر!! العيال كبرت، وكبر معها الجهل والجهالة والغباء وتجاهل أقدار الكبار لعيال وصبية وبلطجية الجزائر أستعيد معهم بعض ذكريات الزعيم التاريخى أحمد بن بيللا.. الذى احتضنته مصر قيادة وشعبا بالحب والسلاح والمال والدعم السياسى حتى نجحت ثورة الجزائر ونالت استقلالها: لقد روى بن بيللا ذكرياته عن مصر، والدور الذى لعبته مصر فى تكوين جيله من خلال كتاب أحمد بن بيللا: حديث معرفى شامل للكاتب الصحفى محمد خليفة، (الكتاب صدر عن دار الوحدة - لندن) وفيه يروى تجربة السجن فى فرنسا وكيف كان لكتاب الفتنة الكبرى لطه حسين أكبر التأثير عليه، ثم سفره إلى مصر عام 2591 ومقابلته لجمال عبدالناصر ومنذ اللحظة الأولى تفاهمنا كأن القلوب تكلمت والله، وبدأت صداقتنا على التفاهم الأخوى والثورى الكامل، كان على الدوام يرسل لى بالكتب كما يرسل لى باسطوانات أم كلثوم، إضافة إلى الأفلام، ليس هناك فيلم مصرى فى تلك الفترة إلا وشاهدته!! ويقول أحمد بن بيللا أيضا: للموسيقى تأثير كبير وعميق علىّ، وبالذات فى حساسيتى الوطنية وفى منظورى الوطنى والعربى، نحن بدأ التفاعل عندنا مع المشرق العربى من الموسيقى، وبالذات من خلال موسيقى وأغانى عبدالوهاب، وسيد درويش، ومحمد عبدالوهاب ساهم مساهمة كبيرة جداً فى إيقاظ المشاعر العربية وحب الحرية، كان عبدالوهاب تاريخاً كاملاً، حتى إن بعض أغنيات عبدالوهاب قامت بدور خاص لوحدها، وذلك مثل أغنية أحب عيشة الحرية، هذه الأغنية فى الثلاثينيات كانت الأغنية الأولى فى الجزائر، وكان الجزائريون فى المدن والأرياف يرددونها فى كل عرس وكل مناسبة. وتحدث بن بيللا عن قراءاته لنجيب محفوظ، ويوسف إدريس، وتوفيق الحكيم.. إلخ. كما تحدث بن بيللا عن الدور الذى قامت به مصر فى مجالات الاقتصاد والزراعة والصناعة والتعليم والتعريب!! ولن تندم مصر على كل ما قدمته للشقيقة الجزائر، لكنها حزينة وغاضبة لأن الكبار فيها من مسئولين ونخبة وأحزاب ومنظمات أهلية لم يأسفوا لما بدر من بلطجيتها. ياخسارة ياجزاير.. يامليار خسارة!!