رئيس الوزراء: تصاعد مطرد فى نصيب الاستثمارات الخاصة مقارنة بالاستثمارات العامة    أحمد أبو الغيط: إسرائيل عرّضت نفسها لمأزق كشف عن عدوانية غير مسبوقة    تدريبات خاصة لحراس الزمالك استعدادًا لنهائي الكونفدرالية    الجدول الرسمي لموعد امتحانات الثانوية العامة 2024 محافظة المنوفية    وصول جثمان زوجة أحمد عدوية لمسجد السيدة نفسية    قرار حكومى باعتبار مشروع نزع ملكية عقارين بشارع السبتية من أعمال المنفعة العامة    الفئة من 401 إلى 500.. تصنيف تايمز العالمي يضم «جنوب الوادي» لقائمة الجامعات الشابة    حريق في طائرة أمريكية يجبر المسافرين على الإخلاء (فيديو)    فيديو| وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن يعزف الجيتار في ملهى ليلي ب أوكرانيا    وزيرا التعليم والأوقاف يصلان مسجد السيدة نفيسة لتشييع جثمان وزير النقل السابق - صور    سكاي: فونيسكا الخيار الأول لخلافة بيولي في ميلان    فانتازي يلا كورة.. الثلاثي الذهبي قبل الجولة الأخيرة في بريميرليج    رئيس جامعة الأقصر: منشآت جميع الكليات جاهزة لاستقبال امتحانات نهاية العام    مد فترة استلام الطلبات لوظائف القطار الكهربائي الخفيف حتى 23- 5- 2024    نقابة المهن الموسيقية تنعي زوجة المطرب أحمد عدوية    «الصحة» توجه إرشادات لتجنب الإصابة بالعدوى خلال فترة الحج.. تعرف عليها    نائب محافظ الجيزة يتابع ميدانيا مشروعات الرصف وتركيب بلاط الإنترلوك بمدينة العياط    لجنة مركزية لمعاينة مسطح فضاء لإنهاء إجراءات بناء فرع جامعة الأزهر الجديد في برج العرب    «كارثة متوقعة خلال أيام».. العالم الهولندي يحذر من زلازل بقوة 8 درجات قبل نهاية مايو    إسباني محب للإنذارات.. من هو حكم مباراة النصر والهلال في الدوري السعودي؟    "الصحة" تنظم فاعلية للاحتفال باليوم العالمي لمرض التصلب المتعدد .. صور    كيف تؤثر موجات الطقس الحارة على الصحة النفسية والبدنية للفرد؟    التموين: وصول 4 طائرات تحمل خمسة آلاف خيمة إلى أهالي قطاع غزة    جامعة الفيوم تنظم ندوة عن بث روح الانتماء في الطلاب    تفاصيل اجتماع وزيرا الرياضة و التخطيط لتقييم العروض المتُقدمة لإدارة مدينة مصر الدولية للألعاب الأولمبية    السفير المصري بليبيا: معرض طرابلس الدولي منصة هامة لتسويق المنتجات المصرية    15 يوما إجازة رسمية بأجر في شهر يونيو المقبل 2024.. (10 فئات محرومة منها)    وكيل الصحة بالقليوبية يتابع سير العمل بمستشفى القناطر الخيرية العام    نجم الأهلي مهدد بالاستبعاد من منتخب مصر (تعرف على السبب)    إطلاق مبادرة لا للإدمان في أحياء الجيزة    طريقة عمل طاجن العكاوي بالبطاطس    فنانات إسبانيات يشاركن في الدورة الثانية من ملتقى «تمكين المرأة بالفن» في القاهرة    الجمعة .. انطلاق نصف نهائي بطولة العالم للإسكواش بمصر    محاولة اغتيال رئيس وزراء سلوفاكيا.. ماذا قال الجاني عن دوافعه؟ (فيديو)    بمشاركة مصر والسعودية.. 5 صور من التدريب البحري المشترك (الموج الأحمر- 7)    تعرف على مواعيد عرض فيلم "شرق 12" في مهرجان كان السينمائي    هل يجوز الجمع بين الأضحية والعقيقة بنية واحدة؟.. الإفتاء توضح    ببرنامج "نُوَفّي".. مناقشات بين البنك الأوروبي ووزارة التعاون لدعم آفاق الاستثمار الخاص    بدء التعاقد على الوصلات المنزلية لمشروع صرف صحي «الكولا» بسوهاج    نقابة العاملين الأكاديميين بجامعة كاليفورنيا تجيز إضرابا ردا على قمع احتجاجات غزة    أمير عيد يؤجل انتحاره لإنقاذ جاره في «دواعي السفر»    قرار قضائي جديد بشأن سائق أوبر المتهم بالاعتداء على سيدة التجمع    "العربة" عرض مسرحي لفرقة القنطرة شرق بالإسماعيلية    توقيع بروتوكول تجديد التعاون بين جامعة بنها وجامعة ووهان الصينية    التحقيق مع عاطل لحيازته مخدر الآيس في منشأة القناطر    أعطيت أمي هدية ثمينة هل تحق لي بعد وفاتها؟.. أمين الفتوى يوضح    دون إصابات.. تفاصيل نشوب حريق داخل شقة في العجوزة    أنشيلوتي يقترب من رقم تاريخي مع ريال مدريد    الطاهري يكشف تفاصيل قمة البحرين: بدء الجلسة الرئيسية في الواحدة والنصف ظهرا    الأحد.. عمر الشناوي ضيف عمرو الليثي في "واحد من الناس"    «الداخلية»: ضبط 13 ألف قضية سرقة تيار كهربائي خلال 24 ساعة    يسرا رفيقة عادل إمام في مشوار الإبداع: بتباهى بالزعيم وسعيدة إني جزء من مسيرته    نتيجة الصف الرابع الابتدائي الترم الثاني 2024 عبر بوابة التعليم الأساسي (الموعد والرابط المباشر)    «الأمن الاقتصادي»: ضبط 13166 قضية سرقة تيار كهربائي ومخالفة لشروط التعاقد    مد فترة التقديم لوظائف القطار الكهربائي الخفيف.. اعرف آخر موعد    حلم ليلة صيف.. بكرة هاييجي أحلى مهما كانت وحلة    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 16-5-2024    نجمة أراب أيدول برواس حسين تُعلن إصابتها بالسرطان    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



زمن الانحطاط الثقافى !
نشر في صباح الخير يوم 17 - 01 - 2012

زيارة جديدة لمقالات قديمة أحمد بهاء الدين والانحطاط الثقافى!
يزداد حضورا وتألقا وبهاء رغم غيابه منذ أغسطس عام 6991، والكلام عن الأستاذ المفكر النابه «أحمد بهاء الدين»
- أول رئيس تحرير لمجلة صباح الخير، ولقد شرفتنى المقادير والحظوظ بأن أجلس على نفس ذات المقعد رئيسا للتحرير - لكن يبقى «بهاء» هو «بهاء» الكلمة المحترمة والفكر الرصين والرؤية الثاقبة بعيدة المدى.
وإذا كان بعض أصحاب الأقلام يريحك عدم الالتفات إلى ما يكتبونه أو يقولونه، فإن قراءة «بهاء» أو الاستماع له متعة عقلية وراحة فكرية!
لقد كان «بهاء» أول من نحت وصك عبارة أو مصطلح «انفتاح السداح مداح» وكذلك عبارة «الجهل النشيط» وهو يرصد ويتأمل ويحلل بعض ملامح أو ظواهر ما يراه فى المجتمع!
ولو عاش «بهاء» حتى اليوم - شتاء عام 2102 - وقرأ صحافة هذه الأيام، وشاهد فضائيات هذه الأيام، لربما كان أطلق عليها نفس الوصف السابق.
فأغلب ما نقرأه أو نكتبه للقارئ أو ما تبثه الفضائيات للمشاهد ما هو إلا خلطة عبقرية من السداح مداح والجهل النشيط!!
كل من هب ودب أصبح كاتبا ومحللا وناشطا وشاعرا وأديبًا ومذيعا، الآف الصفحات وآلاف ساعات البث، وأغلبها هو ذلك الجهل النشيط الذى يتباهى به صاحبه أو صاحبته - لا فرق!! هذا الجهل النشيط أو الجاهل النشيط لا يهمه الدقة وصحة المعلومة بل كل ما يهمه كم ستدفع لى فى هذا الذى أقول سواء كان مكتوبا أو مسموعا!!
ولا يهمه أو يشغل باله أن «مصطفى كامل» زعيم الحزب الوطنى الأصلى ليس هو مصطفى كامل «المطرب الشاب» وأن «أحمد زكى» المثقف الموسوعى والكاتب شىء والفنان العبقرى «أحمد زكى» شىء آخر، وأن «على ماهر» أشهر رؤساء وزارات مصر شىء وعلى ماهر لاعب الأهلى المعتزل شىء آخر... إلخ!!
لقد زاد الجهل عن حده، وزادت البواخة والسخافة والتفاهة إلى حد لا يحتمل، لكن يا بخت من رضى بجهله، وسخافته وتفاهته!
لا أعرف ما هو الاسم الصحيح لذلك كله، وإذا كان لديك «اسم ما» فهو صحيح من زاوية رؤيتك واختيارك، وأدعوك - إذا أذنت لى - أن نحتكم إلى عمنا الأستاذ «بهاء» وتفسيره أو رؤيته، فقد كتب مقالا مهما أثناء رئاسته لتحرير مجلة «العربى» الكويتية الرائعة والمحترمة عنوانه «فى الانحطاط الثقافى.. داؤه ودواؤه»! «سبتمبر 1891 أى منذ 13 عاما».
كتب الأستاذ بهاء يقول «الناس جميعا إذا جلسوا بعضهم إلى بعض أبدوا جميعا دون استثناء سخطهم أو مللهم من كل ما يعرض عليهم فى الصحافة فى السينما فى الإذاعة والتليفزيون أو فى الكتب وهم يتساءلون: أين الكتاب؟ أين الشعراء؟ ماذا يقول فلان وماذا يكتب علان؟ وأين نجوم السينما والمسرح الكبار؟»
ثم يتساءل «بهاء»: هل هذا صحيح؟ أم أنه من طبيعة الإنسان فى كل زمان ومكان، أن يقلل من قيمة الجديد والمعاصر والمتاح له بسهولة، بينما تزداد فى نظره قيمة القديم المعتق لأنه صار نادرا؟!
على أى حال فالمؤكد أن الشعور بالانحطاط العام فى هذه المجالات وأن هذا «الشعور إذا كان خطأ أو صوابا فهو شعور موجود، وهذا فى حد ذاته حقيقة كافية لأن نقف عندها ونتأملها»!
ثم يمضى الأستاذ «بهاء» متحدثا وشارحا انتشار وسائل الإعلام أو ما يحب هو أن يسميه «وسائل التثقيف العام» أو هكذا يجب أن تكون من زمن المخطوطات والكتب والصحف والمجلات ثم الإذاعة والسينما والتليفزيون، وهذه وسائل تذهب إلى البيت وتدخله وتعاشر سكانه مهما كان نائيا، ولا تنتظر حتى يذهب سكانه إليها «لكن الأخطر» والأهم على حد قول «بهاء»: «إنها كما تهم من نال من التعليم، فإنها تخاطب لأول مرة من لا يقرأ ولا يكتب، فهى تخاطب المتعلمين والأميين، وهى أكثر تأثيرا عليهم لأنها بحكم الأمية، وانعدام التكوين الثقافى أقل مقاومة وأقل مناعة لما تقدمه إذا كان نافعا أوضارا».
ثم يتطرق الأستاذ «بهاء» إلى نقطة مهمة حين يؤكد: «أصبحت منابر التثقيف العام من أقدم وسائلها وهى الكتاب إلى أحدثها وهى التليفزيون محكومة باعتبارين معا:
الاعتبار الأول أن جمهورها الأكبر والأوسع صار من الجمهور الأمى، أو شبه المتعلم أو المتعلم غير الناضج، وهذه الوسائل لكى تعيش عليها تفضل أن يكون زبائنها بالملايين من هؤلاء على أن يكون جمهورها آلافا قليلة من المثقفين، وبالتالى انتشر الإنتاج السهل الهابط المستوى، وأحيانا المنحط القائم على الجنس والجريمة والإثارة دون أى قيمة فنية أو اجتماعية، فإذا أردت أن تصدر جريدة ذات مستوى فعليك أن تقنع بعشرات الآلاف من القراء!
أما إذا أردت أن تصدر جريدة توزع الملايين فعليك أن تزيح من ذهنك قضايا المستوى الثقافى والفنى والرسالة الثقافية العامة»!!
∎∎
ثم يشير الأستاذ «بهاء» إلى الاعتبار الثانى وهو الأخطر والأهم، صحيح أنه كتبه فى سبتمبر 1891 إلا أنه يفسر ما يحدث فى يناير 2102 حيث يقول:
«إن وسائل التثقيف العام هذه بحكم تكاثرها وتعددها صارت كالمعدة الشرهة التى مهما أعطيتها من وقود فهى تقول: هل من مزيد؟!
الصحيفة صارت عدة صحف، المجلة صارت عشرات المجلات، الموجة الإذاعية أو القناة التليفزيونية صارت موجات وقنوات وزادت ساعات إرسالها حتى كادت تغطى الأربع والعشرين ساعة فى اليوم، وكل هذا يحتاج إلى إنتاج، إلى طعام للمعدة الشرهة، وهكذا صارت تتلقف أى شىء يقدم إليها لكى تنشره أو تذيعه أو تملأ به ساعات الإرسال التليفزيونى.
لم تعد هناك أى صعوبة فى النشر، كل منا قرأ الكثير من حياة الكتاب والمفكرين والموسيقيين والصحفيين، وكيف أن كل واحد منهم قاسى وتعب، وربما عرف الجوع سنوات قبل أن يعترف به ناشر، وأن يرى اسمه على شىء منشور ذلك أن الباب كان ضيقا بالفعل وكان الدخول من هذا الباب الضيق يحتاج إلى جهد حصين، وإلى تفوق واضح، أو إضافة مهمة قبل أن يلتقط صاحب الإبداع أنفاسه، ويمر من عنق الزجاجة ويبتدى عمله للجماهير القليلة نسبيا.
وربما مات العبقرى ولم يعرف إلا بعد موته بسنوات، «فان جوخ» الرسام العظيم مات جوعا، ولكن «بيكاسو» الذى جاء فى عصر الإعلام الواسع تكدست بين يديه مئات الملايين التى لا يعرف ما يصنع بها!!
كان هذا الكفاح ماضيا وقد فات.
الآن يستطيع الشاب أن ينشر أول مقال يكتبه فى حياته وأن يرى على شاشة التليفزيون أول رواية تخطر على باله، فالطلب فى هذه السوق أكثر من العرض بكثير فالمشترى فى حاجة إلى شراء الثمار الناضجة مع الثمار الجافة التى تعطنت إنه يريدها كلها، وبالتالى فإن مهمة المنتج البائع صارت فى غير حاجة إلى المعاناة القديمة».
نعم يا أستاذ «بهاء» انتهى زمن المعاناة والتعب وسهر الليالى فى سبيل التجويد «تجويد الصنعة أو المهنة التى تحترفها» هذا زمن «الجاهز» لا «زمن التفصيل» هذا زمن الصحفى الذى يعمل بالصحافة لأنه لم يجد «صنعة» أخرى، فأى «صنعة» أو «مهنة» لها ضوابط وقواعد وأصول، أما الصحفى طبعة 2102 فكل ما يحتاجه ورق فاضى أو شاشة «لاب توب» ويملأها بأى كلام تافه وفارغ وسطحى وسيجد من يتحمس له وينشره ويذيعه على الشاشات، وسيسبق اسمه أو اسمها بصفات من عينة: الكاتب الكبير والكاتبة الكبيرة والشاعر المبدع، والشاعرة الحداثية! إن بعض من يتقافزون من فضائية لأخرى بوصفهم «صحفيون» ربما لم يكتب طوال عشرين عاما سوى عشرين مقالا، لم يقرأها أحد، لكنه يملأ الصفحات والفضائيات صخبا وصراخا وضجيجا ببطولات لم تحدث، وأمجاد تقترب من الأوهام وأضغاث الأحلام.
رحل «بهاء» عن عالمنا فى الوقت المناسب وقبل أن تصدمه روائع غنائية من عينة «بوس الواوا.. شوف الواوا» «أو» «أصل أنت ما بتعرفش» رحل «بهاء» قبل أن يشاهد برامج فضائية تناقش طول العضو الذكرى وتأثيره على نشوة المرأة، رحل «بهاء» دون أن يخطر بباله أن سماوات العالم العربى تمتلئ بفضائيات تفسير الأحلام والمنام والطبيخ حتى هز الوسط والبطن!!
رحل بهاء قبل أن يشاهد على الهواء مباشرة كيف يضرب ضيوف البرامج بعضهم البعض أمام ملايين المشاهدين، وتتطاير شتائم لا نظير لها وسط سعادة المذيعة أو المذيع.
∎∎
وكأن الأستاذ «بهاء» كان يقرأ كف العالم العربى وعقله ومزاجه حين كتب:
«طغيان وسائل الإعلام ذات الانتشار الساحق من صحافة وإذاعة وتليفزيون وهى وسائل تحتاج إلى استهلاك واسع من جهة، وإلى تلبية رغبات نسبة كبيرة من غير المتعلمين من جهة أخرى، صار ضجيجها الترفيهى يغطى تماما على صوت العقل المفكر فى القضايا الأساسية لأى بلد، وهى محنة يعانى منها مفكرو العالم جميعا.
إن حرية الرأى وفتح الباب لتعدد الفكر هو المخرج، هو المخلص، هو صمام الأمان لكل أمة وكل شعب وكل مجتمع وكل نظام، وقهر حرية الفكر قد يكون عمل فرد، كما كان يحدث قديما فى بعض العصور الخالية، وقد يكون عمل آلاف الأفراد والصحف والميكروفونات والكتب، كما يحدث فى أكثر المجتمعات تقدما، والعاقبة فى كلتا الحالتين وخيمة».
∎∎
أستاذ «بهاء» لك الشكر والمحبة والتقدير كاتبا ومفكرا من طراز يندر أن يتكرر فى زمن امتلأ ببهلوانات الكتابة وأراجوزات الفضائيات.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.