مشهد حضارى.. بالغ التأثير.. شهدته شوارع وميادين قلب القاهرة صباح يوم الجمعة الماضية.. وامتد إلى صباح اليوم التالى. طابور من الفتيات يرتدين ثيابا بيضاء على الطراز الفرعونى.. ويحملن صورا لشهداء الأقباط فى مذبحة ماسبيرو.. ومن خلفهن مسيرة ضخمة من رجال ونساء وشباب وأطفال يتحركون فى خطوات جنائزية على موسيقى المارشات الجنائزية المعروفة عالميا «ولا هتافات ولا نداءات».. ولا أحاديث جانبية.. وإنما الصمت الحزين الذى يحكى عن شباب شهداء راحوا ضحية التعبير عن رأيهم فيما يحدث فى المجتمع المصرى الآن ضد الأقباط وحقهم فى المساواة والعدل والحرية والكرامة.. وضد تقسيم المجتمع حسب الديانة واعتبار الأقباط غير مرغوب فيهم.. ويا حبذا لو هاجروا جميعا خارج مصر!! تلك الدعاوى المشبوهة من الجهلاء بالتاريخ والدين والتى تسعى لإشعال نيران الفتنة المدمرة والتى يطلقونها عبر شاشات تليفزيونية مريضة أو عبر كتب صفراء وتسجيلات صوتية نكراء!! إنهم لا يهمهم الوطن.. ولا يهمهم الدين.. وإنما يهمهم فقط التخريب والتدمير.. قتلة بلا ضمير! وهذا ما يدركه المواطن العادى الذى يهمه أن يعيش فى سلام وأمان.. ولهذا كان اصطفاف هؤلاء المواطنين على جانبى الطريق فى مشاركة وجدانية رائعة مع المسيرة الجنائزية.. وكذا سكان المبانى على جانبى الطريق والذين خرجوا إلى الشرفات.. يصفقون لهم تلقائيا.. وبوجوه مبتسمة فى طمأنينة.. ناس من بلدنا الطيبة الذين لايريدون سوى العيش فى سلام وأمان.. لا تفرقة ولا كراهية ولا موت وخراب ديار! وهكذا مضت هذه المسيرة الجنائزية ما يقرب من ثلاث ساعات من الكاتدرائية المرقسية بالعباسية إلى ميدان التحرير.. مارة بشوارع وسط المدينة دون أى خلل.. ودون أى احتكاك مع المتربصين لكل ما هو قبطى.. ودون أى تدخل من قوات الأمن! مضت المسيرة فى سلام ورهبة وحزن.. وكأن أرواح الشهداء السبعة والعشرين الذين راحوا ضحية موقعة ماسبيرو اجتمعوا على الحفاظ بجلال المسيرة حتى التحمت بألوف المنتظرين فى ميدان التحرير لينشدوا جميعا فى حب مصر. والعار كل العار للتليفزيون المصرى الذى حبس كاميراته ومذيعيه داخل المبنى ولم يخرج ليسجل هذه اللحظات التاريخية. لقد خسر التليفزيون أن يؤكد بالصورة الحية معنى الوطن!! وخسر المجلس العسكرى أن يعطى تفسيرا مقبولا ومقنعاً لحوادث ضرب النار ودهس المتظاهرين تحت عجلات المركبات العسكرية! ولهذا أصبحت موقعة ماسبيرو علامة فاصلة فى تاريخ ثورة يناير. ولهذا أيضا.. كانت تلك الصلاة الحاشدة. الخاشعة. التى اختتم بها يوم المسيرة الجنائزية. فى كنيسة سمعان الخراز بقلب جبل المقطم. المكان يتسع لعشرة آلاف مصل.. امتلأ عن آخره بالزوار من جميع أنحاء مصر.. وتوالت الصلوات والترانيم المسيحية من فرق كورال عدد كبير من كنائس مصر.. فى تشكيل مذهل وإيقاعات رائعة تردد صداها عبر مكبرات الصوت المزروعة بعناية ودقة فى أرجاء ثنايا جبل المقطم. مع إضاءة تكشف عن روعة هذا المكان المحفور داخل الجبل وكأنك داخل قوقعة كبيرة من الصخور تنقله عبر الشاشات الضخمة إلى كل زوايا وأرجاء المكان. وغابت - كما هى العادة - كاميرات التليفزيون المصرى بكل قنواته وخاصة القناة الموجهة لأوروبا وأمريكا وتخاطب كل المهاجرين عن أرض الوطن. هل هناك إهمال وغباء أكثر من هذا؟ عندك وثيقة رائعة بالصوت والصورة لموقف أقباط مصر مما يحدث لهم.. وثيقة حب للوطن.. وثيقة سلام.. ماذا يريد التليفزيون المصرى.. أكثر من هذه الوثيقة الحية والتى جاءت له عند أطراف أصابعه دون جهد منه ودون أن يتحمل أية أعباء مالية.. وثيقة مجانا ومع ذلك لم يستقبلها ولم يهتم بها!! كان الله فى عوننا!