أنى أحبك عندما تبكينا/ وأحب وجهك غائما وحزينا/ الحزن يصهرنا معا ويذيبنا/ من حيث لا أدرى ولا تدرينا/ تلك الدموع الهاميات أحبها/ وأحب خلف سقوطها تشرينا/ بعض النساء وجوههن جميلة/ ويصرن أجمل عندما يبكينا. يقول الشاعر نزار قبانى عن دموع المرأة: المرأة.. قالوا عنها الكثير، لكن عن دموعها قالوا أكثر، فهناك من تكلم عن نعومتها ويرى أن سلاح المرأة فى دموعها، وغيرهم وصفوها بدموع التماسيح. لكن ربما تكون بعض الذكريات المؤلمة التى تمر بها المرأة عبر حياتها والتى تئن عليها من حين لآخر هى من ألصقت بها تلك الصفة أنها تميل إلى الحزن والبكاء أحيانًا أو كثيرا بلا سبب جوهرى يدعو لذلك. ولكن بعودة سريعة بعمرها إلى الوراء وهى فتاة صغيرة رقيقة بضفائر لا نختلف على إشراقها ورقتها وحنانها الذى أقل ما وصفه بها أحباؤها وتغنوا به سابقًا: «اللى مخلفش بنات مشبعش من الحنية ولا داقش الحلويات»، كانوا هم أنفسهم من اعترفوا لاحقا أن غالبية تلك الفراشات الرقيقة الهائمة تنقلب أحيانًا وفجأة وبدون مقدمات فى شجنها وحزنها غير المبرر إلى أرملة سوداء. ونحن هنا لا نختلف على قوة عمل القناة الدمعية للمرأة.. ولكن نعدد أسباب ومناسبات عملها التى تختلف لدى المرأة الواحدة ما بين لحظة وأخرى.. وما بين هرمونات متقلبة غاضبة وسلاح ناعم قاطع وشوية مشاعر فى طريقة الانطفاء. أبص لروحى فجأة أنا من تنطبق عليه بالتفصيل أغنية الفنان الشعبى عبد الباسط حمودة: «أنا مش عارفنى»، ووقتها فعلا بتنزل دمعتى، هكذا تحكى رنا خالد مضيفة طيران عن مرحلة التحول فى حياتها والتى تصيبها أحيانًا بالاكتئاب. قالت: «جميع من يعرفنى سواء الأهل أو الأصدقاء كانوا ينادونى بالفراشة لأنى كنت بالفعل شخصية منطلقة مبهجة نشيطة وناجحة جدا فى عملى، تزوجت فى منتصف العشرينيات زواج صالونات من شاب مهندس، وبعدها بدأت سلسلة الانهيارات، التى بدأت بمسئولية البيت والزوج، ورغم اتفاقى مع زوجى على استمرارى بالعمل بعد الزواج فإنه تراجع عن اتفاقه تدريجيًا بحجة أنى لست فى حاجة للعمل، برفضه لسفرى أحيانًا، ومرة يتعمد تعطيلى عن مواعيد العمل حتى استنفدت رصيد إجازاتى وبدأ مستواى المهنى فى الانحدار بعد أن كان مشهودًا لى بالدقة والانضباط. تكمل: «وما إن حاولت إعادة ترتيب جدولى مرة أخرى، حتى كانت مسئولية الحمل ورعاية التوأم، وطبعًا أحمد الله على هذه النعمة العظيمة وهى الأمومة، ولكن لم أستطع تجاوز الأمر فى البداية، ولا أتحدث هنا عن عملى ولكن عنى أنا شخصيًا.. كنت فى حالة من الفوضى والارتباك والتوتر لازمتنى منذ الحمل وحتى بعد الولادة وعرفت أنه يسمى اكتئاب ما بعد الولادة، واستمر معى لشهور ورغم أن أهلى كانوا على اتصال بى دائمًا، فوالدتى لا تستطيع خدمتى لأنها مريضة وأنا بنت وحيدة، كانت رحلة دموع لا تنتهى». تضيف: «اضطررت لطلب إجازة طويلة بدون مرتب، وتغير شكلى ومظهرى وشخصيتى ليس إهمالاً منى، ولكن لشعورى بالتوتر والقلق الدائم والوحدة وخاصة بعد سفر زوجى للعمل فى فرع الشركة بإحدى الدول العربية، كنت كلما نظرت فى المرآة أرى امرأة لا أعرفها ولا كنت أتخيل يومًا أن أكون هى، أحيانًا أقنع نفسى بأن كل ده مجرد حلم وهرجع تانى أبدأ يومى بالحمام الجاهز والقهوة اللذيذة وبعدها ألبس وأتأنق وأنزل أركب عربيتى وأنطلق، دلوقتى ممكن أنسى أفطر، حتى صديقاتى زهقوا منى من كتر الاعتذار عن خروجاتهن لدرجة أنهن بقوا ينسوا إنى موجودة، حقيقى بحاول أتعافى من إحساس أن حياتى وقفت على كده بس فعلا مفيش حد ولا حاجة بتشجعنى، طول الوقت كانت محاولات نهوض وفشل وهكذا». من رنا خالد إلى إياد محمود طبيب أطفال قال: بهرب من مراتى أول ما تبدأ تعيط لأنى بحس إنى كالعادة هخسر، دموعها فعلا بتعجزنى عن الكلام أو الفعل.
ريشة: نسرين بهاء
يكمل: حقيقى دموع المرأة سلاح قوى والست الذكية فقط هى اللى بتعرف تستخدمه إمتى وإزاى، وللأسف مراتى بتعرف تعمل ده كويس. يكمل: لما تكون عاوزة حاجة أو غلطت بدون قصد أو عن أى رفض منى لأحد طلباتها بيكون رد فعلها هادى، لكن عاصف بدموع عاتية تجبرنى على تنفيذ رغبتها بدون تفكير». قال: ورغم إنى بحاول أقنع نفسى بأنها ممكن تستغل ده كنقطة ضعف فإنى فشلت أن أقاومها لأنها بالفعل لا تتصنع البكاء أو الاستعطاف ولكنها بتكون أشبه بطفلة صغيرة بريئة أخدت منها لعبتها أو زعلتها، ورغم أنها عنيدة وقوية الشخصية فإنها رقيقة جدا وهذا ما يجب أن يخشاه الرجال». سر تعاستى «أكثر ما أكرهه من البشر هو القسوة والعنف»، هكذا بدأت أمل فؤاد كلامها عن سبب بكائها كثيرًا فتقول: «شخصيتى سر تعاستى، أنا فتاة تربيت على الأخلاق والجمال والكلام الرقيق، حتى كبرت واكتشفت أنى كنت أعيش فى عالم موازٍ، وكل ما كنت أعرفه عن الحياة هى مجرد خيالات ومثاليات فى حياتى أنا فقط». أضافت: أعشق الرقى ولا أقصد الثراء ولكن رقى الكلام والمشاعر والأسلوب والصفات، ورغم ذلك فأنا لا أعيش فى جلباب أبى الذى لا يسمع إلا أم كلثوم وعبدالحليم.. ولكن بطبيعة سنى «ثلاثينية» أسمع كل الأجيال من المطربين على قدر طربها ورغم تفاهتها أحيانا أيضًا». تقول: مشكلتى كانت مع فارس الأحلام، الرجل النبيل الذى يشاركنى حياتى الوردية، وحاولت الاختيار من بين كثيرين كانوا لا يختلفون جوهريًا عن كونهم «رجل والسلام»، وتخيرت أفضلهم كما اعتقدت، ولكن توالت صدماتى بعد الزواج من سيئ القول واللفظ والفعل، شخصية كرتونية مطلية بالذهب أمام الناس وفى البيت غير كده». أكملت: صدئ وشخصية فارغة، حاولت الإصلاح ولكن لا شىء يجدى، حاولت التأقلم ولكن الحسرة تقتلنى، ولا أجد غير البكاء وسيلة حتى تهدأ نفسى كلما ضقت بحياتى، تلك الدموع الغالية جدا على نفسى وكرامتى تأبى أن أدمع أمام أحد مهما كان السبب أو الموقف الآن لا أستطيع منعها حتى إن زوجى جاحد القلب يستهزئ بى كلما رآنى أبكى ويصفنى بضعيفة الشخصية وكثيرًا ما يتجاهلنى حتى وإن انفجرت فى البكاء لساعات». هرمونات يا مدام من جانبها: تحكى الدكتورة منى حافظ طبيبة أمراض نساء عن أطرف المواقف التى صادفتها مع النساء وتحديدًا أثناء حملهن وهى الفترة التى تتصف بتغير وتقلب الهرمونات بشكل كبير فتقول: «من أطرف المواقف عندما دخلت الحالة غرفة الكشف صامتة والدموع فى عينيها، سألتها: خير بتشتكى من إيه؟ قالتلى مفيش. طبعًا الإجابة دى كان وراها كلام كتير كتماه، المهم خلصنا الكشف وهى طول الكشف بتعيط، طبطبت عليها وسألتها بتعيطى ليه؟ قالت وهى بتنفجر فى البكاء: أصل وإحنا جايين خبطنا قطة بالعربية كانت بتعدى الطريق، وأنا زعلانة أوى، قولتلها: معلش أكيد مش قاصدة تخبطيها، قاطعتنى: «أنا زعلانة أكتر على أولادها أكيد كانوا مستنيينها تأكلهم وتلاقيهم جعانين وبيعيطوا ومحتاجين حضنها وأنا حرمتهم منها، ودخلت فى نوبة بكاء أخرى». تقول د. منى: طبعا كتير ممكن يشوفوا ده تفاهة أو دلع ولكن فعلاً فى ستات فى فترة الحمل بيوصلوا لمراحل عجيبة، بنحاول نهديها وناخد الأمور بهدوء علشان تمر الفترة دى بسلام».
ريشة: خضر حسن
وتستطرد الدكتورة منى ضاحكة: «مرة زوجة دخلت تعمل سونار متابعة حمل وأول ما نامت على سرير الكشف بدأت تعيط فسألتها: إيه بيوجعك قالتلى: لا أنا بعيط علشان جوزى مستنى فى العربية ومدخلش معايا يشوف البيبى، فقلتلها: تحبى نكلمه، قالت: لا هو لو مهتم كان دخل معايا، أصل قالى: آجى معاكى؟! قولتله لا فقالى: أوك.. تخيلى بسهولة كده يقول: أوك؟! مشاعر خارج السيطرة فترة العشرينات، مهما اختلفت الأجيال تظل لها سمات مشتركة مهما اتغيرت المسميات أو أساليب التعبير، الحب والمشاعر الجياشة، ذروة الانفعال والتعلق بالطرف الآخر.. وتحكى عن تلك الفترة سما هادى 19 سنة، تقول: «الحب أعظم وأرقى إحساس فى الوجود لكن المشكلة إنه فى نفس الوقت مؤلم جدا، خصوصًا فى تلك المرحلة العمرية، أنا كنت مرتبطة بزميلى وبنحب بعض وطول الوقت بنفكر فى حياتنا ومستقبلنا». أضافت: يومى كان يبدأ بصباحه ع الفون برنة أو رسالة رقيقة وطبعًا ماما عارفة كل حاجة وأنا بحكيلها، وقبل ما ننام نتكلم كتير وكنت بحس بسعادة مجنونة لما أنزل ألاقيه مستنى تحت بيتى علشان يوصلنى لأنه بيغير جدا عليا». تستطرد: اتغيرت وغيرت استايلى ولبسى علشانه وهو كمان كان بيرفض يكلم بنات غيرى وبيقولى إنى زوجة الدنيا والجنة واتعلقت بيه جدا ولكنه فجأة اختفى تمامًا، سألت عنه أصحابه ومفيش أى نتيجة ولا أرقام تليفونه متاحة، وعشت شهرا من غيره بعيط فى الشارع وأمشى زى المجنونة ودخلت فى حالة اكتئاب بسببه وكنت بفتكر كل كلامنا والأغانى اللى بنسمعها سوا وأنهار من العياط لحد ما قررت أحاول أنساه وظهر بعد شهرين تقريبًا وجاى يتكلم معايا وكأن مفيش حاجة بس أنا تجاهلته رغم أن جوايا لسه بحبه». بُعد الحبيب أحد أهم أسباب بكاء سما.. وربما صحيح أنه لا ولن تتوقف دموع المرأة ولكل واحدة أسبابها الخاصة.. وهنا يكشف لنا علم النفس عما تعنيه الدموع وحالاتها المختلفة وأسبابها والأهم وكيفية التعامل معها. سلاح الرقة تقول الدكتورة نهاد صبيح إخصائى صحة نفسية وإرشاد أسرى إنه يجب أن نوضح أولا أن المرأة تبكى والرجال أيضًا لأن هذه طبيعتنا كبشر ولكن نظرًا لأن هناك تشوهات فكرية مجتمعية هى ما تجعلنا نعز البكاء على الرجال رغم أنه شىء صحى جدا، وذلك للأسف نتيجة خطأ التربية للطفل الذكر بأنه رجل ولا يصح أن يبكى رغم أنه وسيلة للتعبير عما بداخله من ألم أو حزن. تكمل: بالنسبة لبكاء النساء فهو متعلق بعاطفتها ومشاعرها ولو أن بعضهن قد يستخدمنه كسلاح، ولكنه حتى كسلاح فهو سلاح جميل لأن أجمل ما فى المرأة ضعفها.. ولا أقصد هنا بالضعف الذل إنما الضعف بالرقة لأن الفكرة ليست قوة أو تفوق عضلى بين الجنسين وإنما هى الرحمة». أما عن الرجل فقالت نهاد: الذى يرى فى بكاء زوجته ضعفًا ويتجبر ويستهين فهو مخطئ لأن عليه أن يهتم لأمرها ويرق ويرأف لحالها». تكمل: «إذا كان يرى دموعها كاذبة أو تافهة فعلى الزوجة فى هذه الحالة أن تتدرب على محاولة التحكم فى مشاعرها لأنها ستشعر بالسوء أكثر لصلابة قلبه ورغم عدم سهولة الأمر، ولكنه أفضل بالتأكيد من بكائك أمام شخص لا يبالى بمشاعرك إطلاقًا». من جانبه يؤكد الدكتور فؤاد الدواش على ضرورة اليقين بأن البكاء ليس مقصورًا على الرجال، فالبكاء فى ذاته فعل فسيولوجى (مرتبط بوظيفة جسدية)، وهو اشتقاق من انفعال الحزن، والحزن فقدان لشىء محبب». وقال: الغريب أن البكاء الذى هو جزء من الحزن أو الفقدان قد يظهر فى مواقف مثل الأعراس أو المناسبات المفرحة، والأعجب أن المناسبات التى تحمل طابع الفرح ويظهر فيها البكاء، هى مناسبات ظاهرها مكسب (زواج، نجاح..) لكنها فى الوقت نفسه قد تحمل مشاعر غير مباشرة بالفقدان. فقدان الأم لبنتها بزواجها مثلاً». أما عن بكاء الأنثى فكما قال الدواش: هو فقط أشهر وأسرع من بكاء الرجال...بسبب التنميط الثقافى أو التربية.. إذ تخلق الثقافة نمط الإباحة لبكاء النساء..وتخلق نمط التحريم لبكاء الذكور». قال: «أشد وأقوى الشخصيات فى التاريخ الإنسانى، كان النبى محمد صلى الله عليه وسلم كان رقيق القلب كثير العبرات، وأبو بكر من بعده وعمر كان فى وجهه خطان أسودان من البكاء، فالبكاء علامة على رقة القلب والبكاء فى الجلسات النفسية علاج وتنفيس، لكنه فى الثقافة الشعبية انهزامية وفى العلاقات بعضهم يعتبره خضوعًا». دموع تماسيح مازلنا مع الدكتور فؤاد الدواش الذى يصف البكاء بأنه مرآة عاكسة للقلوب أن ظلت قلوب راقية ورقراقة، ويشرح: «أقصد هنا البكاء عن قلب صاف حساس وليس دموع التماسيح»، وبسؤالى عن دموع التماسيح البشرية قال الدواش: كثيرة جدا إلى درجة صعوبة حصرها». أضاف: «واقع الحال فى مدارسنا وبيوتنا لم تعد تربى الأحاسيس إنما أصبحنا نربى العضلات، ونحن نحتاج إعادة صياغة عقل وقلب أمة لكى ننهض من جديد». عن حالات بكاء لا تنسى من العيادة النفسية قال الدواش: «كثير من النساء والرجال، ومن ظروفهم وحالاتهم، والحقيقة أننى المفترض أتعامل مع الحالات تعامل الجراح ولكنى لا أنفى التأثر أحيانًا ولا أنفى العبرة التى قد تدفعنى من البكاء داخلى حتى بكائى الداخلى معهم». أما عماد عادل إخصائى نفسى إكلينيكى ومدرب معتمد جامعة عين شمس فيرى أن بكاء المرأة أحيانًا يكون نتيجة ضعف وأحيانًا سلاحًا تستخدمه بوعى، وهو ما يعتمد على السمات الشخصية لكل امرأة. قال: بعض السيدات يتحكمن فى دوافعهن وانفعالاتهن فتكون الدموع أسهل طريقة للتعبير عن مشاعرهن خاصة مع ما لديهن من بعض الضعف فى المناعة النفسية وعدم القدرة على مواجهة الواقع فيكون بكاؤهن نوعًا من الهروب، أو التنفيس عن مشاعر يكون من الصعب ترجمتها فى جمل فتخرج فى صورة دموع». أضاف عماد عادل: هناك أيضًا الشخصية الحساسة والتى لا تستطيع بسهولة التكيف مع واقع مؤلم أو كلمات جارحة، كذلك مشاعر الإحباط والخذلان والتوتر والخوف من المستقبل أحيانًا». أما عن الشخصيات التى تستخدمه كسلاح لخداع الآخرين بمشاعر غير حقيقية لتحقيق هدف أو طلب أو تلبية رغبة، وسيكولوجية الرجل فى التعامل مع دموع المرأة فقال عماد: تختلف من شخص لآخر فهناك من يرأف ويرحم ويحاول أن يحتويها، كما أن هناك من يتجاهل ويتعامل بشىء من اللامبالاة، بل قد يكون فى معظم الأحوال هو السبب فى بكائها. لكن التعامل السوىّ هو أن يفهم الرجل زوجته ويدرك أن عاطفتها رقيقة عليه أن يتعامل معها بشىء من اللطف واللين».