اسمه بيت هاميل. خبر وفاته وصورته الكبيرة احتلت مكانًا بارزًا على الصفحة الأولى ل«نيويورك تايمز» يوم 6 أغسطس.اشتغل بالصحافة المكتوبة منذ بداية الستينيات من القرن الماضى واستمر لأكثر من أربعة عقود صحفيًا بارزًا وقلمًا متميزًا فى الصحافة الأمريكية وصحافة نيويورك تحديدًا. أسطى الصحافة فى زمن جميل بيت هاميل (85 عاما) كان من أسطوات الكتابة ومن أسطوات الصحافة أيضًا. كان الحكواتى الذى لا يتوقف عن الحكى عما حدث وعما عاشه وشاهده، وأيضًا كان لا يتوقف عن المشى فى شوارع نيويورك والتواصل مع أهلها.. مع صانعى حيوية مانهاتن وصخبها من أجل أن يكتب عن كل هذا بقلم بارع وحس حكواتى يتأمل ويرصد حياة البشر وغالبًا لا يصدر أحكامًا عنهم!. هذا ما كان يراه دور الصحفى فى متابعة الأحداث والتعليق عليها. إنه فى كل الأحوال الحكواتى الذى يحكى وليس الواعظ الذى ينذر وينهى من فوق منبره. هاميل رأس تحرير أكبر صحيفتين شعبيتين تابلويد فى نيويورك «نيويورك بوست» و«دايلى نيوز». نعم، إنه عاش وترك بصماته فى زمن شهد ازدهارًا لمكانة الصحف ونفوذها فى الحياة الأمريكية. ولد فى بروكلين فى 24 يونيو 1935 وكان الابن البكر لأولاد بيلى وآن هاميل وعددهم سبعة. وبيلى وآن من المهاجرين من بلفاست أيرلندا الشمالية. لم يكمل الصبى بيت تعليمه الثانوى قبل الجامعى. إلا أنه علَّم نفسه بنفسه وعمل فى أعمال مختلفة. عام 1960 شهد بدايته مع الصحافة فى صحيفة «نيويورك بوست». فى زمن كانت فيه صالة التحرير حية وصاخبة بكلام الصحفيين وأصوات آلات الكاتبة ودخان السجائر. ومنها انطلقت مسيرة حياته الشاقة والشيّقة التى اختارها وأحبها ..فى عالم الصحافة المكتوبة. كتب عن كل شيء ونشر فى أغلب الصحف والمجلات المرموقة وذات النفوذ. لقد قام بتغطية كل الأحداث التى عاصرها من مواجهات ومصادمات المطالبة بالحقوق المدنية للسود ولغيرهم وصولا إلى هجمات 11 سبتمبر .. إذ كان يعيش بالقرب من برجى التجارة الدولية. كان نجم مجتمع ليس فقط يتابع الأحداث بل أحيانًا يصنعها. كان صديقًا مقربًا لجاكى زوجة الرئيس الراحل جون كيندى. وأيضا للممثلة شيرلى ماكلين وباربارا سترايسند والكاتبة سوزان سونتاج وأغلب نجوم المجتمع النيويوركى. وقد عمل مراسلًا دوليًا وقام بتغطية حروب فى كل من فيتنام ونيكاراجوا ولبنان وأيرلندا الشمالية. كما عاش فى دبلن وبرشلونة ومكسيكو سيتى وسايجون وروما وطوكيو.. كان يريد (كما يقول) أن يكون كاتبًا وصحفيًا مثل الأديب العظيم ارنست هيمنجواى. هاميل كان الصحفى الموهوب المعجون بهوس الكلمة المكتوبة والتعبير الآخاذ وأيضًا المتمكن من أدواته والجرئ فى تصديه وكشفه لما يحدث حوله مهما كان. على الصحفى أن يعيش تفاصيل مكانه وزمانه وأن يكتب عنها بأمانة وصدق وتشوق.. محققًا بذلك ما يسعى إليه ويتمناه القارئ. وهو يصف ما عاشه ومارسه من صحافة ذكر .. لم تكن لدينا نظرة تعالٍ تجاه القراء ولا نعتبرهم أغبياء كنا على يقين بأن لديهم ذكاءً وفهمًا وأنهم قادرون على تلقى كتاباتنا والتفاعل مع مضمونها. بيت هاميل صاحب القلم الشيق كتب أيضًا روايات عديدة.أول رواية له كانت بعنوان «القتل من أجل المسيح» رواية إثارة تتحدث عن مؤامرة تسعى لقتل بابا روما فى يوم عيد القيامة. الرواية صدرت عام 1986. كان وظل عاشق الكلمة الحلوة والحدوتة الشيّقة والإنسان الملفت للانتباه والأجواء التى تحتضن كل هذه الأشياء وتحافظ عليها قبل أن يطويها النسيان. بالتأكيد كان له حق من قال من أصدقائه مع رحيله .. نحن فى انتظار ما سيكتبه بيت هاميل من هناك ..ويرسله لنا هنا .. لنقرأه!! خلال صيف 2020 لأن العزلة الإجبارية (أو الاختيارية) فرضت نفسها على واقعنا وحياتنا ونفسيتنا وعقليتنا فإن متابعتنا لتبعات كورونا ضرورة لا جدال فيها.. ليس فقط لرصد وفهم المتغيرات ولكن لفهم وتفهُّم أنفسنا ومدى قدرتنا على تقبل وتفهم ما حدث وما يحدث والتعايش معه. الإبحار فى زمن كوفيد 19 يعد أصدق وصف لما يجب فعله تجاه الوباء الشرس الذى يحمل المفاجآت المتتالية مثلما هو الحال مع أمواج المحيط الهائج. عفوا .. أطباء النفس البشرية والسلوك الإنسانى عليهم تحديات صعبة ومعقدة فى الشهور والسنين المقبلة. فالنفوس اجتاحتها مشاعر الحزن والغضب والانعزال والتعطش للتفاعل الإنسانى والضياع وفقد القدرة على الاختيار وأيضا الحرمان من المصافحة باليد والتلامس البشرى..والقائمة تطول وقد تتجدد مع مرور الأيام. كل هذه الأمور مطروحة للنقاش والحوار من أجل إيجاد وسائل للتعامل معها والتقليل من عواقبها السلبية بقدر الإمكان. التحديات صعبة وشاقة .. ولن تزول بسرعة!