كل أزمة تؤثر فينا تدريجيًا فتترك داخلنا بعض الخدوش والاضطرابات، ربما لا نراها لكن تظل داخل أعماقنا تؤثر على قراراتنا، وتبنى شخصياتنا. أخطر من يتأثر بأحداث فيروس كورونا والحالة العامة التى يملأها التوتر والقلق وربما الفزع، هم الأطفال، لذا ينصحنا دكتور إيهاب عيد أستاذ الصحة العامة والطب السلوكى بجامعة عين شمس، باحتياطات كثيرة، حتى لا تترك هذه الفترة أثرها على أطفالنا، بل تستثمر لصالح الترابط الأسرى. يلاحظ د. إيهاب تأثُُّر الأطفال والمراهقين من سن 6 سنوات وحتى نهايات المراهقة، بالأحداث التى يمر بها العالم مع أزمة «كورونا»، فى صورة ارتفاع فى نسبة الخوف والقلق والفزع وتجنبهم لمس الأشياء، وبكاء مستمر، أو انعزال، ونسبة كبيرة من الأطفال يعانون من الوسواس المرضى أنه سيصاب بمرض أو بعدوى، وبالتالى ينعكس هذا فى الامتناع عن استخدام أوانٍ وأكواب معينة حتى لو غسلت جيدًا يظل فى حالة تشكك. هذا النوع من الأطفال يسرف فى نظافته الشخصية، ومع أحداث كورونا نجد لديهم مشاكل جلدية مثل تشققات اليد وجفاف فى البشرة وأحيانًا نزيف فى جلد اليد من كثرة التنظيف، كما أنه يتجنب بشكل مبالغ فيه الأماكن الملوثة مثل الحمام أو أماكن وضع القمامة داخل المنزل، وهذا النوع اسمه «جيرمو فوبيا» وهو الخوف من الجراثيم والفيروسات والميكروبات. أو «ميزو فوبيا» وهو الخوف من عدم النظافة، بشكل مبالغ فيه. هناك أعراض أخرى عضوية مثل سرعة فى ضربات القلب وعرق وارتفاع فى سرعة التنفس، كل هذه الأعراض مرتبطة بأعراض اضطرابات القلق. وأعراض أخرى مثل اضطرابات النوم والأكل فى صورة نوم أو يقظة مستمرة أو نوم متقطع، خوفًا من العدوى والموت، على حسب السن والإدراك والثقافة، هناك أيضًا اضطرابات جنسية. طبيب نفسى أونلاين يرجع د. إيهاب المشاكل النفسية التى يمر بها الأبناء إلى تقصير الآباء والأمهات فى توصيل الشعور بالأمان لأبنائهم، ويمكن للأسر اللجوء لاستشارة طبيب نفسى أونلاين، والكشف على الحالات عن بعد، لأن الطبيب النفسى يمكنه التواصل مع الحالة عن طريق التحدث إليها، وفى حالات الأطفال يمكن أن يصور الأب أو الأم فيديو لسلوك معين لأبنائهما ومن خلاله أستطيع تشخيص الحالة. «تجمع الأسرة بشكل صحى يغير سلوكياتنا للأفضل، لكن الفراغ يمكنه أن يضر بكل شىء ويقتل جميع القيم ويحولها للأسوأ إن لم نفعل أشياء إيجابية، لكن إذا كان داخل المنزل مشاكل وخلافات، هنا يكمن مثلث الخطر: «الفراغ، الطاقة، الضغوط» التى قد تؤدى إلى ارتكاب الجرائم ومنها «الجرائم الجنسية» سواء مع الأبناء أو الأقارب أو مع الجيران. فرصة لدعم الأسرة رغم كل هذه المشكلات النفسية المواكبة لضغوط أجواء كورونا، يرى د. ايهاب أن هذا الوقت فرصة حقيقية لقضاء وقت جيد وممتع مع الأسرة، لإعادة الترابط والتلاحم الذى افتقدناه نتيجة لانشغالنا، ليصبح أجمل فترة فى حياتنا وحياة أبنائنا، من خلال اللعب معهم ألعاب تنمى مهاراتهم العقلية والحسية، التعاون فى عمل أشياء فى المنزل مثل الطعام، لمنحهم الشعور بالأمان وهذه وظيفة الآباء. دور الأسرة أهم الآن، لأن دور المدرسة توقف والحياة الخارجية توقفت، ولهذا فإن دور الأبوين طوق نجاة للأبناء وللأجيال كى نخرج من الأزمة دون خسائر نفسية وسلوكية ربما تحدد مصير هذه الأجيال فيما بعد. ينصح د. إيهاب الآباء بتخصيص وقت لحكى قصص البطولة فى الأزمات، لتصل المعلومة للطفل دون أوامر أو ملل، والنجاح هنا أن نعدل سلوكيات أطفالنا بصورة غير مباشرة. بعض الأطفال كتومين فتظل عالقة فى ذاكرتهم بعض الأشياء التى قد تحدث اضطرابات سلوكية فى مراحل متأخرة أو بعد مرور وقت طويل من انتهاء الأزمة، فنفاجأ بطفل يأتى له كوابيس أو يضع إصبعه داخل فمه أو عنده تبول لا إرداى، ولا يخطر ببال أحد أن هذا العرض تابع لمشكلة انتهت بالفعل منذ وقت طويل. وبعض الأطباء النفسيين وأطباء الجلدية لا يكون لديهم الوقت لكى يعيدوا ذكريات وأحداثًا قديمة مع الطفل، لمعرفة السبب وراء هذا العرض أو المرض فيعطى أدوية كيميائية تعالج ظاهريًا، ولا تعالج المشكلة الأساسية التى تسببت فى وجود العرض.