كانت خطة رحلتنا أن نمكث فى مدريد أربعة أيام ثم نتحرك لمجموعة مدن تشكل ما يعرف بالأندلس، لكننا لاحظنا مجموعة إعلانات بالفندق عن رحلات للأندلس والعودة فى نفس اليوم وهذه المدن هى: توليدو وكتالونيا وسيجوفا.. أول ما يلفت نظرك فى هذه الصور، الاعتناء العظيم بالآثار العربية، البيوت، الساحات، الزخارف الإسلامية، الآيات القرآنية على الحوائط الحجرية، فلو أغمضت عيونك لشعرت بدبيب خطوات العرب ونداءات الباعة وصيحات الأطفال. ستلحظ لاحقًا القصص بوجهة النظرالإسبانية للتاريخ العربى، تختلف أو تتفق معها ولكنك ستنبهر وتقّدر دائمًا اهتمامهم الذى يستحق الإعجاب والتفكير فى الوقت نفسه. قالت صديقتى ونحن نتصفح برنامج الرحلة: هل لاحظت أن توليدو هى طليطلة!! لنبدأ بعد ذلك فى لعبة ما هو الاسم العربى للمدينة، اكتشفنا البعض وضللنا عن الآخر فمثلًا الأندلس هى أندلوسيا. جرانادا تصبح لدينا غرناطة، جردوبة تعنى قرطبة، سيفيل يقابلها أشبلية، ملاجا كانت ملقا، الهمبرا أى قصر الحمراء، وربما لم نستطع الوصول لأسماء مدن أخرى مثل أستبونة وماربيا وسيجوفيا إلاّ أنها محاولات لوصل الصلة واكتشاف التاريخ من جديد.
مدن الأندلس ساحرة، كنا ننتقل من مدينة لأخرى بفضول أنهكنا، وخصوصًا زيارة قصر الحمراء بغرناطة، صعدنا منحدرًا صعبًا، وكنا آخر من وصل وحصلنا على تصفيق من الفوج المرافق لنا، لننصت بعدها لقصة أبو عبدالله الصغير وكيف قام بتسليم الحمراء فى حال من الضعف، لن أخوض فى القصص التاريخية لما حدث، لكننى أستذكر الحكاية الجميلة وأتأمل فى الجمال الخارق المحيط بكافة التفاصيل للمكان، فندرك أنها محاولة لصنع جنة على الأرض، يميزها نظام للرى يعد معجزة، حتى فى عصرنا الحالى لتسمع خرير الماء يتبعك ويجرى حولك برقة متناهية. الحديث عن الأندلس ممتع ويمكن أن يمتد طويلًا ولكن سأنتقى بعض الأماكن التى استوقفتنى.
قصر فيانا: أول دخول للقصر تعتقد أنك أمام قصر عربى معتاد ولكنك تتحرك مسحورًا من حديقة لحديقة أجمل منها، ممرات ونوافير، وأشجار برتقال، وتماثيل تصب الماء حتى شعرت أنى عبرت بوابات عصور مذهلة وليس بوابات القصر. مسجد قرطبة الكبير: رغم أنه لم يعد مسجدًا ولكنه لا يزال محتفظًا باسمه (المسجد الكبير) فبمجرد دخولك تنتقل لا شعوريًا داخل لوحة (الصلاة فى مسجد قرطبة الكبير)، للفنان الفرنسي جان ليون جيروم، الألوان، المقرنصات، الزخارف لم يتغير غير الاسم والمصلين.
هى عاصمة الأندلس، بمجرد وصولنا احترنا بين التصوير أو الاستغراق فى متعة المكان، فى حديقة ماريا لويزا حيث الجسور وعربات تجرها الخيول وقوارب تجوب البحيرات، بينما الزخارف العربية حولك على المقاعد والجدران. مع الأسف زيارتى لأشبيلية كانت سريعة ووفق اختيارات شركة السياحة قلت لصديقتى نحتاج أن نعود مرة أخرى.
سريعًا ً مرت الرحلة، الأندلس تحتاج الاستغراق بكل مدينة على حدة، لذا لا يمكن أن أغادر دون زيارة حديقة تماثيل سلفادور دالى فى مربيا، أو الطواف فى شوارع أيستبونه بأشجار البرتقال والنوافذ المزينة بالزهور، التماثيل ورقعة الشطرنج العملاقة التى تستوقفك على شاطئ المتوسط. الأندلس تلمس ذكريات نامت فى القلب تعيد بناء الأفكار، تدفعك دون التباكى عليها أن تعيد قراءة التاريخ بروح ومفاهيم مختلفة عن مجرد الترديد، فيها أعترف: تصالحت مع أفكارى وسأعود إليها مرة ثانية ربما قريبًا. 3119