«تعرضتْ صديقتى التى تعمل فى واحدة من كبرى الجمعيات الأهلية، للسرقة المالية والأدبية من قِبل الإدارة التى تسيطر على على شئونها منذ أكثر من 40 عاما، أفقدتها القدرة على الإبداع والمنافسة، وحولتها إلى مكتب استثمار أموال! لا تمتلك سوى مهارة التلاعب بالمنح والتمويلات، ورواتب الموظفين، وتزوير التوقيعات والأوراق والمستندات، وتمريرها من خلال الرشاوى التى يقدمونها لفرق من صغار وكبار موظفى الدولة والشخصيات العامة، فقتلتْ قدرات الموظفين، وأفسدتْ ضمائرهم.. وبددت روح الرسالة التى اجتهد المؤسسون الأصليون لتحقيقها، فتحول تاريخها من القمة إلى القاع»! رفضتْ السماح لفريق برنامج الإصلاح فى أوروبا الذى كان يلح للقيام بتصميم وتنفيذ البوسترات الخاصة بالجمعية، رغم أنهم لا يتحدثون ولا يكتبون اللغة العربية، ولا يمثلون رؤية وروح الجمعية.. وبمنتهى الحزم قالت لمدير الهيئة: نحن جمعية عريقة نقوم بتصميم منشوراتنا وبوستراتنا بأفضل مستوى، وبسعر لا يقارن باليورو، كما أننا الأجدر على التعبير عن روح جمعيتنا بلهجتنا المصرية! برافو.. قلتُ لها، وسألت: وماذا كان موقف الخواجة؟ وكيف كافأتكِ جمعيتك فى المقابل؟ الراتب ال Gross وال Net عرفتُ إن الخواجة كان سعيدًا لالتزامها بوعدها أمامه حينما عاد من سفره ووجد البوسترات معلقة فوق الحائط.. ورغم هذا قالتْ: كتب فى تقريره للشركاء الممولين إننا لا نعمل إلا تحت الدفع والضغط، ولم يذكر إننا ملتزمون وأكفاء، ووفرنا آلاف الجنيهات لبرنامج الإصلاح ولجمعيتنا! أجبتها: بالمناسبة، ملاحظته حقيقية على المصريين! واستطردتُ: ولكن لماذا يهتم بالتوفير طالما هناك مخصص مالى للعمل؟ كل الأمر إن الخواجات كانوا يريدون المكافأة لأنفسهم، بالإضافة للتقدير الأدبى من الممولين، ولكن ماذا عن إدارة جمعيتك؟ فأجابت وهى تتأمل أظافرها: لا شىء! فكررت ردها، متسائلة: لماذا توقعتِ التقدير إذن من الخواجة؟ من الطبيعى ألا يكافئك حتى لو كنت عبقرية وهو يدرك أن مديرك لن يكافئكِ! وساخرة أجابتْ: أو ربما كافأنى مديرى بطريقته..على الورق! أو كتب لى مكافأة برقم مذهل، ووقعها بالنيابة عني! اعتدلتْ فى جلستها، وبجدية قالتْ: هل تتذكرين يوم سألتِنى عن راتبى الشهرى الذى أتقاضاه من الجمعية؟ والراتب الذى أحصل عليه لقيامى بمهام إضافية فى برنامج الإصلاح؟ ابتسمتُ قائلة: بالطبع، ولكنى احترمتُ عدم رغبتك فى التحدث عن أمورك المالية.. ابتسمتْ ساخرة، وقالت: لكل شىء وقت! وبدأت تروي: ذات يوم، فوجئتُ بالخواجة يدخل مكتبى بصحبة محاسب برنامج الإصلاح، وببعض الخجل أخبرنى شفهيا أنه اتفق مع المدير على أن راتبى من برنامج الإصلاح سيكون (...) أى مساويًا لحجم راتبى ال Gross وال Net الذى أتقاضاه من الجمعية! وضعتُ يدى على فمى مندهشة، وصرختُ فى وجهها متسائلة: كم؟ وبتهكم سألتنى: فاجأكِ الرقم؟ انتظرى الأكثر إثارة، واستطردتْ: يومها كان تفكيرى منشغلا فى تفسير حديثه هذا كدليل على اعترافه بى هو وهيئته كمديرة للبرنامج! صحيح أن المبلغ الذى ذكره لا يساوى شيئا بالمقارنة مع المبلغ الذى كانت ستأخذه زميلته لو كانت هى المسئولة، ولكن لا يهم المال أمام إفشال هدف الخواجات بالتقليل من شأنى وعدم الاعتراف بى! وثانية ما كرر اعتذاره لصغر المبلغ، فابتسمتُ وأنا أكثر خجلا منه لمعرفته بحجم راتبى الذى تمنحنى إياه الجمعية نظير العمل كل الوقت لمدة سنوات طويلة، فقلتُ لنفسى حينئذ: لماذا يقدرنى هو وهيئته إذا كانت جمعيتى لا تقدرنى؟ وقد وخزنى الإحساس بالألم من هذه الجمعية حينما تخيلتُ أن الخواجة كرر هذا الموقف مع كل زملائى، ومنحهم نفس الرواتب المساوية لرواتبهم بالجمعية.. بغض النظر عن القيمة الحقيقية المقررة ببرنامج الإصلاح! يومها صبرتُ نفسى قائلة: مرتب الإصلاح على مرتب الجميعة.. ويمشى الحال! البركة فى المكافآت نظرتْ لى وقالتْ: على فكرة، لن يضايقنى أن تكتبى قيمة راتبى ليتأكد قراؤك من صدق روايتى! كنتُ مشدوهة مما قالتْ، ومتشوقة لمعرفة المزيد، ولكنى أخبرتها أننى لن أكتب الرقم لأحافظ على صورتها أمام أصدقائها وعائلتها الذين يشهدون إخلاصها والتزامها، ويظن بعضهم أنها تقبض بالدولارات! ابتسمتْ، وقالتْ كلاما كثيرا لم أسمع منه شيئا، حيث انصب كل تركيزى فى محاولتى ألا أجرح مشاعرها، بعدما تأكدتُ بالفعل أنها تتعرض لمؤامرة، ويتم سرقتها طوال الوقت.. ثم جاء برنامج الإصلاح ليكمل عليها! سألتُها إن كان هذا معدل الرواتب فى جمعيتها؟ فقالت: جمعيتنا لديها عدة قوائم برواتب الموظفين.. كل جهة تقدم لها القائمة التى تريد! إن اشتكى الموظفون من ضعف رواتبهم لمجلس الإدارة يقدم المدير المالى قائمة الرواتب الكبيرة للمجلس الذى يتعجب من افتراء الموظفين الذين يقبضون هذه المبالغ ويريدون المزيد! وللشئون يقدم قائمة الرواتب التى نحصل عليها، وللممولين يقدم قائمة الرواتب التى بالدولار ليمنحونا مثلها ولا نرى منها شيئا بالتأكيد! بينما الحقيقة هى إن معظم الموظفين لا يعتمدون على الرواتب، والبركة فى المكافآت المادية والعينية التى تنهال عليهم بلا حساب، بشرط الالتزام بسياسة لا أسمع، ولا أرى، ولا أتكلم عما يرونه ويقع تحت أياديهم من مخالفات وتزوير وغش وفساد! ما شاء الله.. ولكنها ليست مكافآت، بل رشاوى! قلتُ، بينما استطردتْ هى : يمنح هؤلاء، ويهمل ويستبعد غير المرضى عنهم، والحقيقة إن عددهم لا يذكر، وأكاد أكون على رأسهم! وسريعا ما قلتُ لها: لكِ كل الشرف! ولماذا لم تطالبى بتعديل راتبك أصلا؟ سألتُها، ولأول مرة تدمع عيناها أثناء الحوار، وقالتْ: رغم إيمانى إنه ليس لائقًا أن يطالب الإنسان بزيادة راتبه وينتظر الإدارة! ولكنى طلبتُ، بل ومؤخرا كتبتُ للمدير رسالة أخبرته فيها بحجم مصروفاتي! وشرحتُ له، كيف تقلص سوق التدريب التنموى والإعلامى الذى كان يساعدنى فى سد احتياجاتى المادية منذ عام 2011.. وإن قيمة راتبى يجب أن تناسب عملى.. دون النظر لما لدى من مصادر أخرى! منزعجة سألتُها: تستعطفين المدير لزيادة دخلك؟ وبغضب سألتُها: كيف لم تطالبى بتصحيح راتبك ليناسب سنوات خبرتك ووظيفتك مقارنة بسوق العمل؟ كيف قبلتِ هذه الإهانات المتلاحقة؟ وبنبرة حادة: لعلمك هم لا يصدقون أنكِ نزيهة وأمينة.. ولعلهم يتساءلون لماذا ترضى شخصية مثلك بالفتات، فأمثالهم لا يفهمون كلامك عن القيم والرسالة! نظرت لى بابتسامة يائسة، وقالتْ: لستُ مادية، والقليل يكفينى،لكنى اضطررتُ للشكوى حينما اهتز القليل، وبانفعال: كتبت..ولكن منْ يسمع ويستجيب؟ مدير البرنامج أحببتُ أن أعرف كم يقبض المدير وشركاؤه، وإذا ما كان له أقارب فى المكان – كمعظم الجمعيات –؟ فابتسمتْ وأجابتْ: طبعا، وجميعهم يقبضون الآلاف! أما هو فبحسبة بسيطة أجراها له البعض اكتشف إنه يحصل شهريا على ما لا يقل عن 40 ألف جنيه! قلتُ لها: على فكرة ليس مبلغا كبيرا، بالمقارنة مع ما يقبضه مدير جمعية (...) و(...) وغيرهما ممن يحصلون على مبالغ قريبة مما ذكرتِ، كل الفرق إن رواتب جميع الموظفين بهذه الجمعيات مرتفعة - أيضا - بناء على تقييمات وتعديلات تناسب قدرات الموظفين لتوفير سبل العيش الكريم لهم، خاصة وأنكم جمعيات تراعى الإنسان.. فبالأولى عليها أن تراعى الموظف فيكون صادقا ونزيها وهو يبحث عن حقوق غيره! علمتُ أن مديرها هو نفسه مدير برنامج الإصلاح، فتساءلتُ: بأمارة ايه يعنى؟ فقالتْ: قررت الهيئة الأوروبية والممولون منحه الوظيفة بعد قيامه بتعطيل المراكب السايرة للمدير السابق الذى استقال من كثرة التعقيدات التى كان يلاقيها من المدير! رشوة خواجاتى يعنى.. قلتُ، فاستطردتْ: هو المدير.. والخواجة نائبه! تعجبتُ.. ثم أخبرتنى أن المدير لا يحصل على راتب، رغم أنه طالب به كاملا من الممولين الذين رفضوا تماما، وكان هذا مثار تعجب الكثيرين! وجدتُها.. قلتُ لها، مستطردة: هذا يفسر لماذا اتفق مديرك مع الخواجة على منحك أنتِ وزملاءك راتبا ضعيفا ببرنامج الإصلاح.. وسريعا ما خطر ببالى المثل المزعج الذى يقول: الطبق الذى لا آكل منه أبصق فيه! من الواضح أن هذا أسلوب الإدارة فى جمعيتكم! ضحكت عاليا، وضربتنى على يدى، وأخذنا الحوار لمناطق بعيدة عن مشكلتها.. بينما عقلى يتساءل أين وزارة التضامن الاجتماعى من جمعية كهذه؟ أين الأجهزة الرقابية؟ أين الشرفاء بهذا البلد؟ ثم عرفتُ إنها ذهبت لتقبض راتبها الشهرى من صراف الجمعية، ولكنه بمنتهى البساطة أخبرها أنها لن تقبض من خزينته طوال فترة برنامج الإصلاح، بل ستقبض من خزينة محاسب برنامج الإصلاح! سألَتهُ كيف ولماذا؟ فأخبرها أن هذه هى أوامر المدير..