«على جثتى أنشر إعلانا يطلب تعيين شخص بمُسمى وهمى ليقوم بعملى الذى لم أقصِر فيه» هكذا قالتْ صديقتى للخواجة حينما أصر على أن تنشر إعلان الوظيفة الجديدة، بناء على رغبة مجلس الإدارة.. تحت مُسمى «استشارى» لعلها تستجيب وتتقبل وجود هذه الوظيفة لشخص لن يحمل لقبها الوظيفى، لكنه سيقوم بكل مهامها، كتمهيد لقيام الخبيرة بهذا الدور، كما ذكرتْ فى تقريرِها. التخطيط الجديد كانتْ منفعلة وهى تُحدِث الخواجة فى مكتبه، وبكل وضوح أخبرتهُ أنه لا تُوجَد قوة تَفرِض عليها القيام بعكس قناعتها سواء كانتْ هيئته الأجنبية أو مجلس الإدارة الذى منح الثقة المطلقة للخواجات ورفض الاستماع لآراء ومقترحات الموظفين المصريين. وبالمناسبة.. استطردتْ حوارَها مع الخواجة، وقالتْ: ولا تُوجَد قوة تجبرنى على الاستقالة، أيضا! فى إشارة للرسالة التى أرسلها إليها يُطالِبها بتحديد موعد استقالتها.. مُرفِقا أسماء زملائه بالهيئة الأجنبية وبعض أعضاء مجلس إدارة الجمعية! حينئذ، احمر وجه الخواجة متظاهرا بالانشغال، هاربا من مواجهتى - تستطرد صديقتي- بينما عقلى مشغول بتذكر الخريطة التى عرضها علينا فى أحد الاجتماعات، راصدا الشعوب بحسب قدرتها على مواجهة المواقف والمشاكل، وكيف أن المصريين من الشعوب التى لا تُفَضِلُ المواجهة! قلتُ لها: لا أفهم.. فكل مشاكلك هو أنكِ تواجهين المشاكل ولاتهربين منها! فنظرتْ لى بنصف ابتسامة، وقالتْ: كان يقصد المدير العام.. الذى دائما ما يتجاهل مخاطبات الخواجة وقراراته ومطالبه، وخاصة القضايا التى تتطلب آراء وقرارات حاسمة.. فى نهاية ذلك اليوم، ولايزال القول لها: كنتُ فى كورس الإنجليزى بالجمعية، حينما دخل الخواجة القاعة باحثا عنى ليخبرنى إن عضو مجلس الإدارة إياه.. يسألنى لماذا لم أنشر إعلان الوظيفة للآن؟ ويريدنى أن أتصل به! وقتها انتفخ وجهى أحمرارا، ونظراتى تتعجب من كم الاستهانة بي؛ فالتقطَ الخواجة نظراتى ومضى بعد ماطلبَ أن أمر عليه بعد الكورس.. ذهبتُ إليه وأنا أعرفُ ثِقل الحوار الذى سيدور بيننا، ولكنه قابلنى بابتسامته المرحبة التى أجَبَرتنى على رد الابتسامة، وكعادته.. بدأ معى حوارًا بعيدا عن الهدف حتى اطمأن لاسترداد هدوئى، ثم بادرنى بالسؤال عن الإعلان. فأجبتهُ بهدوء: لن يكون هناك إعلان.. ولن أسمح لأحد باستغفالي! ولايزال يحتفظ بابتسامته، سألنى: وهل ستَتحَدْين مجلس الإدارة؟ قاطعتُها: يحاول الإيقاع بكِ؟ فأجابتْ: يحاول تخويفى وتهديدى.. واستطَردَتْ قائلة له: المجلس لا يفهم ومتواطئ مع زميلتك، متسائلة: أين كان المجلس حينما طالبتهُ بمساعدتى فى تطوير القطاع قبل ظهوركم فى الصورة؟ انزعج الخواجة من صراحتى، فطالبنى بالتوقف عن النميمة، فبدأتُ أسخر لاتهامى بهذه التهمة! وببعض الانفعال، فتح لى اللاب توب ليعرفنى على التخطيط الهيكلى الجديد، وكيف قررت هيئته ومجلس الإدارة والشركاء أن يضعوا قطاعى تحت قيادة وظيفة جديدة أطلقوا عليها «نائب المدير التنفيذى لنظام التعاون والدعم» الذى يجمع بين قطاع التواصل التعاونى بشقيه الإعلام والعلاقات العامة، وكتابة المشروعات، والتقييم والمتابعة! خطة نواب المدير العام قلتُ لها: إننى لا أفهم هذه المصطلحات، فضحِكتْ مُتسائلة: وتفتكرى المجلس كان فاهمها أو الإدارة التنفيذية؟ وأجابت: لا أعتقد، فالمجلس وثقَ فى الخواجات، وكفى! بينما قُمتُ أنا بشرح الأمر للمدير التنفيذى، حينما أدركتُ أن الخطة هى استبداله بأربعة نواب تحت مُسمى نواب المدير العام! استوقفتُها: تقولين إنكِ التى شرحتِ الأمر للمدير العام؟ ألم يكن شريكا فى التخطيط؟ فأجابت: لا أعلم، ولكن الأكيد إنه لم يكن مدركا لإبعاده! فاستوقفتُها ثانية، وسألتُ: لماذا يبدو الأمر كأن المجلس والهيئة الأجنبية والشركاء يخططون من وراء ظهر المدير؟ ولماذا يتم استبداله وليس الاستغناء عنه ماداموا يرونه غير كفء؟ خاصة وإن عمره لم يعُد مؤهلا للقيادة المنفردة - كما ذكرتِ-! عادتْ بظهرِها للوراء،وقالتْ: هذا ما أحاول الرد عليه طوال حوارنا «لماذا لم يتخذ المجلس قراره بالاستغناء عن الرجل، وعن طاقمه ولو بحجة التكريم لتاريخهم الطويل الذى امتد لما يقترب من 45 سنة عملا بالجمعية؟ وسريعا ما لمعتْ عيناى، وتذكرتُ قولها: أصل الجمعية فى بطنه.. صحيح؟ يفهم النفس البشرية ضحكنا ونحن نسترجع بعض المواقف التى كتبتُها بقصتها، وردود الفعل التى أخبرتُها عنها، ثم قالتْ: بعد التخطيط الجديد، أدركتُ كيف تعاملنا تلك الهيئة الأوروبية كفئران تجارب! وسريعا ما أخبرتُ الخواجة أن هذا التخطيط ليس واقعيا، ولا يوجد مجال للتعاون بين هذه القطاعات، تحت إدارة واحدة، فنظرَ لى مُتسائِلا: إذا كانتْ هذه الوظيفة غير واقعية، فلماذا تريدين الحصول عليها؟ فأخبرتهُ بسعادة: لأننى بالفعل مارستُ العمل بهذه المجالات جميعا، وعندى خبرة فيها! وسريعا ما تجاهل الخواجة قولى، وكأنه لم يسمعنى.. وطلب منى ثانية الاتصال بعضو مجلس الإدارة، فنظرتُ إليه بابتسامة وأنا أغادره قائلة: لن أحادث أحدا، وإذا به ينهض من خلف مكتبه ويقف أمامى بطوله الذى يفوقنى مرتين وقام بسد باب مكتبه ليمنعنى من الخروج، وهو يتصل برقم عضو مجلس الإدارة، ليضعنى أمام الأمر الواقع! وقد أثار ضيقى للغاية، وبمنتهى الإصرار قلتُ له: لن أحدث«…» حتى لو كان على الخط الآن ويسمعنا! وكيف انتهى الموقف؟ سألتُها، فقالتْ: كان الخواجة فى قمة ضيقه لعدم رد عضو مجلس الإدارة على التليفون، وقد بدا عقله مشغولا فى أمور أخرى، دونما ينتبه لانفعالى المتصاعد وأنا آحاول التملص من تحت ذراعيه الممدودتين تمنعانى من فتح الباب! وأخيرا تذكر وجودى، وحاول استعادة ابتسامته وهو يسمح لى بالمرور قائلا: سأترككِ تغادرين على شرط أن تعدينى بأنك ستتصلين بعضو مجلس الإدارة، وتخبريننى بالنتيجة! فقلت له أعدك أننى سأفكر… يومها، تستطرد صديقتى: قلتُ لنفسى وماذا سأخسر؟ سأحدث عضو المجلس لأتيقن من شكوكى أو أنفيها! اتصلتُ به فأرسل لى رسالة يخبرنى بأنه فى اجتماع! ولا أعرف لماذا لم أصدقه، لكنى قلتُ له فى نفسى: معك للنهاية، ثم اتصلتُ به ثانية..فلم يرد! فابتسمتُ لنفسى، وقد أدركتُ أنه يتلاعب بآعصابي! يا شيخة.. ربما كان مشغولا بالفعل، أخبرتُها، فقالتْ: ربما، ولكنه نجح فى هز ثقتى به! مستطردة: الغريب أن هذا الرجل وبعض زملائه يحاولون قيادة جمعيتنا وهم لا يفهمون فى النفس البشرية! هل تعلمين؟ سألتنى، وأجابتْ: كنتُ آتحمل سلوك الخواجة لأنه رغم كل شيء رجل حساس، يفهم فى السلوك والمشاعر الإنسانية! وقد فاجأنى قولها، فقلتُ: يا سلام! مشاعر إيه وهو متآمر ضدك؟ فقالتْ: كنا نلعب على المكشوف، هو و زملاؤه بالهيئة الأجنبية يحاولون الانتصار عليّ، بتعضيد المجلس والشركاء الممولين.. وأنا وحدى بعنادى الذى أخبرنى ذات يومٍ أنه يشبه عناده، منهيا قوله بسعادة: ولسوف نرى من سيفوز! رغم أنه اعترف لى ذات مرة بأنه يعمل لصالح أبناء بلده، أيضا.. فاحترمتُ صراحته!