محكمة القضاء الإدارى بمجلس الدولة تلقت دعوى قضائية برقم 21839 لسنة 73 ق، رفعها حسين حسن بدران المحامي بالنقض، والمدير التنفيذي للجمعية القانونية لحقوق الإنسان، ضد رؤساء الجمهورية، ومجلس النواب، و«المجلس القومى لحقوق الإنسان»، لإلزامهم بإصدار قرار إداري بحل «المجلس»، بدعوى انتهاء مدته القانونية، وإستمراره فى العمل بالمخالفة للدستور ولمواد تأسيسه، وعدم قيامه بالواجبات المنوطة به، نتيجة لإفتقاد تشكيله للتجانس، بإعتباره هجيناً مختلطاً من الأنظمة السياسية المتعاقبة، منذ مبارك، مروراً على الإخوان.. ووصفت الدعوى «المجلس» بأنه فى حكم «المنعدم»، بكل ما يرتبط بذلك من آثار، وإعتبرت استمرار اعضاؤه فى تقاضى رواتبهم وبدلاتهم إهدار للمال العام. تشكيل «المجلس» يستند للقرار بقانون رقم «75 لسنة 2013»، الذى قضى بإستمراره لحين انتخاب البرلمان.. مجلس النواب الجديد عقد أولى جلساته فى «14 يناير 2016»، وصوت على القرار، ضمن 340 قرار مماثل صدرت فى غيبته، خلال 15 يوماً، مما لم يسمح بمناقشته، ولا إعادة تشكيل «المجلس»، أو حتى إصدار قرار جديد بالمد حتى «سبتمبر 2016»، نهاية الثلاث سنوات، لذلك أصبح تشكيله منعدم الأثر، وقراراته فى حكم البطلان.. البرلمان حاول مؤخراً تدارك الموقف بتعديل بعض أحكام القانون «94 لسنة 2003» المنشئ ل«المجلس»، ونص فى القانون المعدل «197 لسنة 2017» على تسيير «المجلس» الحالى للأعمال لحين تعيين «المجلس» الجديد، وذلك خلال 30 يوماً من تاريخ العمل بالقانون، أو من تاريخ بدء الدورة البرلمانية التى بدأت أكتوبر الماضى.. وللأسف تم تجاوز المهلتين المحددتين فى القانون، وهو ماتستند اليه الدعوى. سقطات «المجلس» عدم تجانس «المجلس» فى تشكيله أدى الى سقطات لاتتناسب ووضعه، كنصير لحقوق المواطنين السياسية والإقتصادية والإجتماعية، وبوتقة تجمع داخلها مزيجاً من الحكمة والوطنية؛ العضو كمال الهلباوى ترك «المجلس» وسافر للاقامة فى لندن، ليعلن مبادرة تحث جماعة الإخوان، التى ينتمى اليها، على ترك السياسة والتفرغ للعمل الدعوى، متجاهلاً الإجماع الشعبى على رفضها، الذى جسده خروج الجماهير الغفيرة فى 30 يونيو 2013، وكذا إدراجها كتنظيم إرهابى بمقتضى القانون.. رغم ذلك لم يخرج من «المجلس» ولا من البرلمان الذى شكله بياناً يستنكر موقف العضو، بإستثناء تسريبات بأنه تقدم بإستقالته، دون أى تأكيد أو نفى رسمى، ماشجعه على التقدم بمبادرة ثانية تدعو إلى مصالحة شاملة بين الإخوان والسلطة، تشمل الطيف السياسى بمصر!!.. سكتوا له، فدخل بمبادراته، مشجعاً الآخرين على التجاوز. فى الوقت الذى أجمع فيه الشعب على المطالبة بالقصاص العادل، لأرواح الشهداء الذين سقطوا ضحايا للأعمال الإرهابية، خرج عضو «المجلس» ناصر أمين الذي يدير أحد المراكز الحقوقية، لينتقد تنفيذ أحكام الإعدام التى تم تنفيذها ضد أعضاء الخلية الإرهابية التى تورطت فى إغتيال النائب العام، بعد إدانتها بأحكام باتة ونهائية، الدكتور سمير صبرى المحامى، أقام دعوى مستعجلة أمام محكمة القضاء الإدارى، ضد «المجلس»، لإلزامه بإصدار قرار بإيقاف العضو المذكور، لإرتكابه «جريمة الخيانة للوطن، والاستقواء بالخارج، والتدخل فى أعمال القضاء، والتشكيك فى أحكامه»، تمشياً مع الحملة الدولية التى يقودها التنظيم الدولى للإخوان ومنظمة «أمنستى»، للدفاع عن مرتكبى تلك الجرائم الإرهابية. طارق محمود المحامي بالنقض والدستورية العليا وجه إنذاراً لرئيس «المجلس»، طالبه فيه بصفه عاجلة وفورية بإصدار قرار إيقاف عضوية ناصر أمين، وإحالته للتحقيق، وإيقاف جميع المزايا المادية التي يتلقاها نظير عضويته، نظرا لتدخله المباشر فى أحكام القضاء، وانتقاد تنفيذ عقوبة الإعدام النهائية والباته ضد الإرهابيين الذين يروعون المصريين، وهى الصادرة من أعلى سلطة قضائية فى مصر، كما طالب رئيس الوزراء بحل «المجلس» فورا، وإصدار قراراً بإعادة تشكيله، مستنكراً أن تظل الشخصيات المعروف توجهاتها ضد الدولة المصرية متمتعة بعضويته، وتستمر فى الحصول على المزايا المادية والمعنوية المرتبطة بالعضوية. اللجنة العليا لحقوق الإنسان الإشكاليات المتعلقة بحقوق الإنسان أضحت أحد الجبهات الرئيسية للحرب على الإرهاب، لذلك نستطيع ان نتفهم مبررات تكليف رئيس الجمهورية للحكومة بسرعة تشكيل «اللجنة العليا الدائمة لحقوق الإنسان» بهدف حماية تلك الحقوق، وتعزيز الحريات الأساسية، بصورة ممنهجة، وبالتنسيق بين كافة الجهات المعنية، على أن يرأسها وزير الخارجية أو من يفوضه، وبعضوية ممثلى وزارات: «الدفاع، التضامن الاجتماعى، العدل، شئون مجلس النواب، الداخلية»، المخابرات العامة، الرقابة الإدارية، المجالس القومية للمرأة، والطفولة والأمومة، وشئون الإعاقة، وهيئة الاستعلامات، والنيابة العامة.. 13 جهة، ليس من بينها «المجلس القومى لحقوق الإنسان»، وإن سمح القرار لرئيس اللجنة أن يستعين بمن يرى الحاجة للإستعانة بخبراته. السفير أحمد إيهاب جمال الدين مساعد وزير الخارجية لحقوق الإنسان، إستقبل مؤخراً سفراء الدول الغربية والممثل المقيم للأمم المتحدة بالقاهرة، لاستعراض الخطوات التي تنفذها الحكومة بغرض تطوير منظومة حقوق الإنسان الوطنية مؤسسيًا وتشريعيًا وبشريًا، لاسيما إنشاء «اللجنة»، ودورها فى وضع برامج تدريبية للإرتقاء بقدرات الكوادر الوطنية في مجال حقوق الإنسان، وصياغة التقارير الوطنية المطلوب تقديمها لآليات حقوق الإنسان الإقليمية والدولية، والإشراف على جهود إدماج حقوق الإنسان ضمن المناهج التعليمية، ونشر التوعية بها في المجتمع، واقتراح التعديلات التشريعية المطلوبة.. والأهم، عرض برنامج وطنى متكامل لتعزيز القدرات الوطنية، تنفيذًا لما نص عليه الدستور، وتطلع مصر للحصول على دعم شركاء التنمية الدوليون لتنفيذه. ملاحظات جديرة بالإهتمام ويهمنى بهذا الصدد طرح عدة ملاحظات بالغة الأهمية: ا. ان التعريف بالجهود الوطنية للإرتقاء بحالة حقوق الإنسان فى مصر، مهما كان حجمها، ودرجة جديتها، سيظل قاصراً فى عيون الغرب، طالما وجد ان معظم مهام «المجلس القومى لحقوق الإنسان»، وهو التنظيم الوطنى المعنى بالقضية، المعترف به دولياً، قد انتقلت الى «اللجنة» الممثلة للحكومة، بحيث أصبحت اختصاصات «المجلس» تقتصر على «إبداء الرأى وتقديم المقترحات»!!.. وهو لن يقدر ان إتخاذ هذه الخطوة جاء حرصاً على الإنجاز، لا سعياً لتجاوز «المجلس»، لذلك ستظل تقارير «المجلس» أكثر مصداقية لدى المجتمع الدولى من عروض وتقارير «اللجنة»، وذلك فيه إهدار لجهد مخلص وعمل جاد تبذله الدولة. 2. ويفرض ذلك بالضرورة سرعة تجاوز أزمة «المجلس»، بإعادة تشكيله وفق معايير موضوعية ثابتة، تطيح بالعناصر التى تشكل إمتداداً لتنظيمات إرهابية محظورة، أو تلك التى أثبتت عدم قدرتها على العطاء، مع إعطاءه وضع «المراقب» داخل «اللجنة»، لضمان مشاركته المنتظمة فى فعالياتها، دون المساس بإستقلاليته، مما يسمح ل«اللجنة» بالإستفادة من تجربة «المجلس» الطويلة فى العمل الحقوقى، والخبرات المتراكمة لدى كوادره الشبابية. 3. كذلك ينبغى التنبه الى أهمية تقارير المنظمات غير الحكومية لدى المجتمع الدولى، وتفهم أسباب جنوحها، التى ترجع فى معظمها الى أزمة ثقة بينها وبين الدولة، وإشكاليات تتعلق بمصادر تمويلها.. ولاشك فى ان مراجعة الدولة لقانون الجمعيات تعتبر بداية طيبة لإستعادة الثقة، وسد الثغرات، ينبغى البناء عليها، على نحو يحول هذه المنظمات الى شريك داعم للجهد الوطنى، وتعكس صورة إيجابية لها مصداقيتها الدولية. 4. ان انجح أنشطة المجلس هو «المشروع القومى لنشر ثقافة حقوق الإنسان»، الذى استهدف الإرتقاء بتلك الثقافة لدى الفئات المؤثرة فى المجتمع، بدأ ب«الموجهين والمدرسين، المشرفين الإجتماعيين والرياضيين، المحامين، الإعلاميين، وطلبة الجامعات»، غطى أعداداً محدودة بالمحافظات، من أسوان لمطروح وإمتد حتى العريش، لكن قصور الميزانية أوقفته 2009.. أحداث فوضى يناير 2011، وفترة حكم الإخوان، وما أعقبها من إرهاب أسود، فرض إستئنافه، بمفاهيم جديدة، تستوعب ضحايا الإرهاب ضمن فئاته المستهدفة، وتعالج ماذرعه التطرف داخل مجتمعات وأسر أضحت الأولى برعاية مؤسسات الدولة، حتى لا تنشأ أجيال من الضحايا تعانى من أزمة نفسية، أو براعم تحمل نفس المفاهيم المتطرفة المغلوطة. 5. ان عودة مصر لدورها العربى والأفريقى يفرض إهتمام «المجلس» بتنظيم دورات تدريبية للمدربين، والإشراف على تنفيذ دورات لإستهداف الفئات الأكثر تعرضاً لتأثير الإرهاب، بالمشرق والمغرب العربى، وفى دول الساحل والصحراء، والقرن الأفريقى، تلك الفئات التى تشكل خطراً على المجتمع خاصة «الطلبة الذين تلقوا مناهج داعشية، زوجات وأطفال شهداء الإرهاب، ضحاياه الذين خضعوا لولاياته، أو وقعوا فى الأسر، او تعرضوا للإيذاء، وأسر الإرهابيين الذين لم يتورطوا معهم...».. ذلك جهد حتمى إذا أردنا تطويق «توابع» الإرهاب على مستقبل الوطن. مصر لن تقدم نفسها للعالم بوجه أكثر إشراقاً من جهد مهنى منظم للإرتقاء بثقافة حقوق الإنسان لدى الفئات الأكثر تضررا من الإرهاب بالمنطقة العربية وافريقيا، وهى أحد الإضافات الثرية التى يمكن ان تقدمها، بعد عودتها لتبوء مركز القيادة بالمنطقة ورئاستها لمنظمة الوحدة الأفريقية.. هدف قومى نبيل، يتطلب سرعة تشكيل «المجلس»، وتحقيق المزيد من التنسيق والتكامل بينه وبين «اللجنة».. فهل يتحقق ذلك قريبا، أم يضل الطريق وسط إنشغالات البرلمان؟ّ. •