موعد صلاة الجمعة بالتوقيت الشتوى الجديد 2025    محافظ المنيا يفتتح ميدان النيل بعد تطويره| صور    بيان مشترك بين البرلمان العربي وبرلمان أمريكا اللاتينية يطالب بمحاسبة قادة الاحتلال    كريستيانو جونيور يبدأ مشواره الدولي مع منتخب البرتغال تحت 16 عامًا    مقتل شخص بطلق ناري في الرأس بظروف غامضة بأسوان    مواعيد تشغيل المترو والقطار الكهربائي مع بدء تطبيق التوقيت الشتوي    تطورات الحالة الصحية لنجل ريم سامي بعد دخوله الرعاية المركزة    عادل المصري: المتحف المصري الكبير مشروع قومي يعكس إبداع التصميم المرتبط بالتراث    إلهام شاهين تتألق بإطلالة فرعونية مهيبة.. تجسد روح مصر الخالدة في افتتاح المتحف المصري الكبير    نصائح لتجهيز الجسم للحمل بعد سن الخامسة والثلاثين    إسرائيل تدرس تكثيف هجماتها فى لبنان بعد تقارير عن تهريب مئات الصواريخ    إدارة ترامب تخفض عدد اللاجئين الذين يُسمح لهم بالدخول سنويا للولايات المتحدة    هنا الزاهد عن افتتاح المتحف الكبير: «مصرية وفخورة»    بتوجيهات شيخ الأزهر..انطلاقة جديدة وتوسُّع لمدرسة «الإمام الطيب» للقرآن الكريم للطلاب الوافدين    على طريقة نفرتيتي.. طلاب القليوبية يحتفلون ب المتحف المصري الكبير    من الطين بنبى أبرج للسماء.. صانع أبراج الحمام: مهنة متوارثة وهذه اسرارها    أشرف الشرقاوي: نتنياهو قضى على أي فرصة لظهور قيادات بديلة في إسرائيل    روبيو: مستعدون لتقديم مساعدات للشعب الكوبي بعد الدمار الذي أحدثه إعصار ميليسا    حصاد الرياضة المصرية اليوم الخميس 30-10-2025    من قلب التاريخ يبدأ المستقبل.. فودافون مصر الشريك التكنولوجي للمتحف المصري الكبير    أمين الفتوى يوضح حكم وثواب قيام الليل    تجهيزات شاملة للطرق والمطارات لاستقبال وفود المتحف الكبير.. فيديو    الأوقاف تُطلق (1010) قوافل دعوية بمراكز الشباب على مستوى الجمهورية    موظف بالمعاش يتهم خادمته بسرقة مشغولات ذهبية من فيلته ب6 أكتوبر    تفاصيل تصميم الدعوات الخاصة باحتفالية المتحف المصرى الكبير.. صور    جيش الاحتلال يتسلم جثمانى أسيرين عبر الصليب الأحمر فى غزة    شاهد|«المجلس الصحي المصري»: إطلاق الدلائل الإرشادية خطوة تاريخية لحماية المريض والطبيب    تناولها بانتظام، أطعمة تغنيك عن المكملات الغذائية الكيميائية    رئيس جامعة سوهاج يلتقي طلابه ذوي الإعاقة ويشاركهم وجبة الغذاء    زاخاروفا: روسيا تدعم فنزويلا في الدفاع عن سيادتها    مصر تحقق نجاحا إفريقيا في اتفاقية التجارة الحرة القارية بعد أربع سنوات    إصابة 4 أشخاص فى حادث انقلاب سيارة ملاكى بالطريق الزراعى فى البحيرة    لا فرق بين «الطلاق المبكر» والاستقالات السريعة داخل الأحزاب    ياسر عبد العزيز يكتب: مصر الكروية كاملة الأوصاف ولكن!    منتخب التايكوندو يحقق المركز الخامس في بطولة العالم بالصين    جماهير الزمالك تنفجر غضبًا بسبب مجلة الأهلي.. ما القصة؟    خالد الجندي: افتتاح المتحف الكبير إنجاز عظيم للرئيس السيسي    محافظ الغربية يرفع يوجه بسرعة تجهيز الشاشات في الميادين استعدادا لحفل افتتاح المتحف الكبير    بعد بيان الأهلي.. موقف إمام عاشور من السوبر المصري (خاص)    وزير الرياضة يصدر قراراً بتشكيل اللجنة المؤقتة لإدارة شئون الإسماعيلي    300 شاحنة مساعدات تغادر معبر رفح البري لدعم الشعب الفلسطيني بقطاع غزة    كواليس هزيمة برشلونة أمام ريال مدريد.. الصحافة الكتالونية تتحدث    ضمن مبادرة «صحح مفاهيمك» وبالتعاون مع وزارة الشباب والرياضة.. الأوقاف تطلق (1010) قافلة دعوية بمراكز الشباب على مستوى الجمهورية    تعرف على مواقيت الصلاة اليوم الخميس 30-10-2025 في محافظة الأقصر    مدمن مخدرات.. القبض علي مسجل اعتدى بالضرب علي شخص وزوجته بالعمرانية    تأجيل محاكمة البلوجر أم مكة بتهمة بث فيديوهات خادشة    تفاصيل قرار جديد للرئيس عبدالفتاح السيسي    تأجيل النسخة الثالثة من المؤتمر العالمي للسكان والصحة والتنمية البشرية 48 ساعة    عاجل الأحد المقبل بدء تسليم أراضي "بيت الوطن" للمصريين بالخارج بالقاهرة الجديدة    المشدد من 3 إلى 15 سنة ل4 متهمين بحيازة أسلحة نارية وذخائر بشبرا الخيمة    وزير الصحة: أصدرنا حتى الآن أكثر من 115 دليلًا إرشاديًا فى مختلف التخصصات الطبية    «نفسي أشتمنا».. يسري نصرالله ينعى المصورين ماجد هلال وكيرلس صلاح    «يوم الوفاء» محافظ أسيوط يكرم أسر الشهداء وقدامى المحاربين    ضبط 100533 مخالفة مرورية خلال 24 ساعة    الرئاسة تكشف تفاصيل لقاء السيسي ب رئيس مجلس الوزراء الكويتي    الرقابة المالية تلزم شركات التأمين بضوابط لسرعة حسم شكاوى العملاء    والد أطفال ضحايا جريمة فيصل: سأحاسب كل من أساء لسمعتنا    مواقيت الصلاة اليوم الخميس 30-10-2025 في الشرقية    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



«العصا الغليظة» فى معركة التنمية والعدالة الاجتماعية
من كهنة آمون إلى الهاربين بأموال البنوك

لم يغِب عن ذاكرتى أبدًا خطواتى الأولى داخل جدران «روزاليوسف» قبل أكثر من خمسة وثلاثين عامًا.. كنت ضمن مجموعة من الشباب تم اختيارهم من إدارة التحرير الجديدة التى اختارها الرئيس الراحل أنور السادات لتولى المهمة الصعبة أواخر السبعينيات الأستاذان عبدالعزيز خميس مديرًا للتحرير وزميله فى قضية مقتل أمين عثمان، والأستاذ مرسى الشافعى رئيسًا لمجلس الإدارة.. أمّا المهمة فكانت إنهاء صراع التيار اليسارى الذى كانت رموزه نجومًا ساطعة فى سماء الصحافة المصرية فى ذلك الوقت.. الهدف تجديد دماء العمل الصحفى بهذه المَجلة العريقة التى نحتفل بمرور مائة عام على تأسيسها بشباب لا علاقة لهم بتيارات سياسية أو أيديولوجيات لم تكن مطلوبة حينها.

لكن ما لم يكن فى الحسبان أن يحتوى الكبار مَن انضموا لكتيبة «روزاليوسف».. قوة هائلة فى فرز وجذب ممن جاءوا ليكتبوا فى كل شىء إلا السياسة.
العكس تمامًا ما شهده الواقع العملى خلال مشوارى الصحفى الممتد حتى الآن.
كنت محظوظة أن أتتلمذ على أيدى الأساتذة محمود المراغى- عبدالله إمام- فيليب جلاب- محمود ذهنى- عبدالستار الطويلة- إبراهيم عزت- مصطفى الحسينى وغيرهم الكثيرين من أساطين الصحافة المصرية.
كل منهم كتب سطورًا على صفحة بيضاء لشابة تخرجت لتوها ويختار لها القدر أن يقود خطواتها الأولى فى بلاط صاحبة الجلالة هؤلاء العظام كل منهم لم يبخل عليها بخبراته؛ بل كانوا نبراسًا يضىء طريقًا طويلاً شاقًا وصعبًا غالبًا ما كان يؤدى لمعارك صحفية مع قامات المال والبيزنس.. وكارتلات الفساد.. ولكن مع كل سبق صحفى موثق بالمستندات كان الانحياز للوطن والمواطن المَقصد خطوات واثقة وثابتة مهدت لها الحرية الكاملة فى كتابة موضوعات اقتصادية شائكة تتضمن أرقامًا جامدة كنت أفك شفرتها بتحويلها إلى حدوتة تصاغ بعبارات شديدة الوضوح والدقة بأسلوب بسيط يلامس عقل وقلب مَن يقرأها دون أن تصيبه بالمَلل.؛ بل تشجعه على القراءة حتى آخر سطر.. ومنها على سبيل المثال حكاية «كهنة آمون» الذين يشعلون سعر الدولار.. وهم باختصار مجموعة من بعض رجال الأعمال المصريين والوزراء السابقين.


أطلقوا على أنفسهم اسم «كهنة آمون» تسببوا فيما يردون به من إجابات على أسئلة محددة من جانب السفارة الأمريكية فى مصر فى التأثير على توجُّه المستثمر الأمريكى واختياراته للبلد المضيف لأمواله التى يعتزم أن يستثمرها به، وقبل هذا وذاك التوجه المستقبلى للإدارة الأمريكية وهو ما دعا الرئيس الأسبق حسنى مبارك أن يطالبهم بأن يكفوا عن السعى لرفع سعر الدولار لخدمة مصالحهم الضيقة وأن يرفع الجميع أيديهم من لعبة تخفيض الجنيه المصرى وإلا سيتم الضرب بشدة على أيدى العابثين به.. وكان بين هؤلاء الكهنة وزير سياحة سابق- رئيس مجموعة شركات للحديد.. رئيس إحدى كبريات شركات السيارات الأمريكية ورئيس لأحد المنتديات الاقتصادية بالإضافة إلى رئيس أحد المراكز البحثية.. ورئيس أحد مكاتب المحاماة اللامعة.

يتولى الغوص فى أحشاء الاقتصاد المصرى لكشف أوجاعه وتشخيص أوجُه علاجه على أيدى المتخصّصين.. فتطفو ظاهرة الهاربين بأموال البنوك للخارج ويكون السؤال الأهم «متى يتخلص الاقتصاد من ظاهرة «الحَمْل الكاذب»؟!

تبرز الدولة «العصا الغليظة» لاستعادة الأموال الهاربة.. فالنيابة العامة وأحكام القضاء ستكون الرد الحاسم على عدم الجدية.. مع التأكيد على أن الأحكام التى ستصدر ضد أى من هؤلاء لا تنقضى بمُضى المُدة.

حذرنا من خلال تحقيق صحفى من بلطجية الأعمال- إن صح التعبير- الذين يطالبون بمَد آجال السّداد لعقود مع تخفيض المديونية بنسبة ٪50.

مما شجع آخرين من المتعاملين مع الجهاز المصرفى على الخروج بنغمة جديدة هى «اشمعنى أنا»، مطالبين بمساندة الجهاز المصرفى لهم حتى إن كانوا غير متعثرين؛ بل إن أصحاب الصوت العالى اقترضوا مئات الملايين من الجنيهات وتوقفوا عن السّداد.. ولجأ بعضهم لشراء الصحف وإطلاق محطات فضائية ليخلق من خلال هذا البيزنس الجديد المساندة الإعلامية المطلوبة.. ولا ننكر فى هذا الصدد أن نشير وبوضوح إلى ضرورة محاسبة مَن سَهَّل لهؤلاء «لطش» أموال البنوك.. والتفاوض «حسب المزاج» مع العملاء.. كما حذرنا من أن هذه الأموال المنهوبة من البنوك لن تعود- بالطبطبة- والتعامل بالحسنى.

وطرحنا السؤال الذى لم يجب عليه حتى الآن.. ما هو حجم الديون والأصول الرديئة المسجلة بدفاتر بنوك مصر.. وهل تم تنظيف محفظة البنوك من ديون معروفة تمثل «حملاً كاذبًا» كان لا بُدّ من التخلص منه!

ترك رجال الأعمال مجالات عملهم الأساسية فى قطاعات الإنتاج والصناعة المختلفة، وكثير منها حقق خسائر وعليها ديون بالمليارات لدى البنوك لم تمنعهم من الاقتراض مجددًا بعلاقات معقدة ومتشابكة سهلت لهم ذلك ليضخوا استثمارات جديدة فى شراء فضائيات لا تمت من قريب أو بعيد لأنشطتهم الأساسية استخدمت فى تصفية حسابات شخصية وعملية.. وإدارة صراعات البيزنس بضراوة جعلت البعض يصف القنوات الفضائية الخاصة بأنها «هيروين القرن القادم»، وهو ما تحقق بالفعل تؤكده أرباح خيالية محققة ومؤكدة.. واستحواذ على نفوذ سياسى واجتماعى بسرعة الصاروخ.

لم يتوقف طموح رجال البيزنس عند شراء الفضائيات فقط؛ بل رصدنا امتدادًا غير متوقع بقيام مجموعة من رجال الأعمال المصريين والعرب بشراء طائرة بوينج 747 لأحد الرؤساء العرب.. شارك فى الشراء مَن يعمل فى الصناعات الغذائية وآخر فى الشكائر والمواسير البلاستيك وثالث فى تجميع وسائل النقل الجماعى لكل منهم «حدوتة»، فعند سؤال أحد أعضاء الوفد المصرى عن حكاية هذه الطائرة وكيف تم تجميع التبرعات اللازمة لشرائها قال ل«روزاليوسف» «إنتوا لحقتوا تعرفوا.. دى الحكاية كلها زيارة ثلاثة أيام».. وكان الهدف بالدرجة الأولى الاستفادة من برنامج النفط مقابل الغذاء.. أمّا «الطائرة» فكان نصيب تبرعه لا يجاوز 150 ألف دولار، وهى محاولة من خلال تقديم هذه الهدية أن نثبت إحساسنا بالعزلة التى تعيش فيها هذه الدولة.. مستطردًا: على فكرة، الطائرة مستعملة وثمنها رخيص والحكاية كلها ماتستهلش الضجة دى.. «بيزنساوى» آخر من أعضاء الوفد قال حاولنا التعامل من منطق مختلف.. فبدلاً من وفود سبقتنا اصطحبت الفنانين المصريين وأقامت حفلات مسرحية لإضحكاك الشعب.. جلسنا جلسة جماعية وقلنا يا ترى ممكن نعمل إيه «للزبون» بتاعنا.. ففكرنا أن نقدم طائرة كمساهمة حقيقية فى كسر عزلة الانتقال داخل مدن هذه الدولة.. وبالفعل تم شراء طائرة مستعملة من الخطوط الجوية الإسبانية قسمنها ثمنها على 16 رجل أعمال منهم ثلاثة مصريين.. فالتجارة- على حد قوله- شطارة، وكل واحد وله «سكته»، هى فى النهاية مبادرة خاصة ولهذا لم يعلم بها مجتمع الأعمال فى مصر. وكل واحد «يشوف» مصلحته. يذكر أن هناك على الأقل مليار دولار تدخل جيوب رجال البيزنس فى مصر من هذه الدولة.. وهو ما دعا وزير الاقتصاد المصرى فى ذلك الوقت د.يوسف بطرس غالى إلى عقد لقاء عاصف بأحد فنادق القاهرة عقب انفراد «روزاليوسف» مع رجال الصناعة والتجارة المتعاملين مع هذه السوق.. حذر فيها من أن مصر لن تسمح بأن تسدد فاتورة مستحقاتها سلعًا غير مصرية تستورده من الخارج لحساب هذه الدولة.. ومن جانبنا شدّدنا تجاملوا كما تريدون مع هذا الرئيس بفريقه «النبى قبل الهدية» ولكن اللى عايز «يفنجر.. يفنجر من جيبه» وليس بفلوس البنوك.. فى ظل ندرة دولارية ملموسة من كافة المتعاملين فى سوق النقد الأجنبي.

«الملف الأسود» لعلاقات بعض رجال الأعمال بالجهاز المصرفى ظل لسنوات ممتدة مثار تحذير دائم خلال تحقيقات صحفية لأسابيع متتالية وشهور متفرقة كان ل«روزاليوسف» السبق فى طرح وجهات النظر لكافة الأطراف وكشف المستور عما كان يدور وراء الأبواب المغلقة.. طالبنا فيها بإطلاق رصاصة الرحمة على بنوك فقدت صلاحيتها.. وقلنا إن هذه العلاقة الفاسدة ليست من طرف واحد وهم رجال الأعمال؛ بل إن الطرف الأصيل فى هذه العلاقة هو الجهاز المصرفى بأكمله.. وهو بالمناسبة ليس فتاة قاصر.. ضحك عليها رجل الأعمال الشرير «وسقاها حاجة أصفرة».. لتفقد بعدها أعز ما تملك وهو أموالها.. ونبهنا إلى أن مطاردة رجال الأعمال بالإجراءات البوليسية- على خلفية قيام أحد رؤساء البنوك بتقديم قائمة ب166 رجل أعمال للنيابة لتقاعسهم عن سداد مديونياتهم للبنك- لن تستنفد هذه القروض؛ بل كانت سببًا رئيسيًا فى هروبهم.. وفى النهاية يدفع المواطن البسيط ثمنًا باهظا لتأرجح متخذ القرار على أحبال نظريات اقتصادية عالمية ومحلية جعلت الجميع يطارد بعضهم بعضًا.. المنتج والمستهلك.. البائع والمشترى الدائن والمدين.. اللص والسجان.

بالتأكيد هناك إعادة هيكلة للقطاع المصرفى تمت منذ سنوات طويلة.. لكن ما زالت حتى الآن مشكلة المصانع المتوقفة أو المتعثرة بمعنى أوضح وأدق تحتاج لحلول جذرية تصب فى النهاية فى مصلحة الاقتصاد القومى وتنعشه، دائمًا ما كان الانحياز لصالح السواد الأعظم من الطبقة المتوسطة وما دونها بما تكتبه فى مواجهة «بهلوانات» التجار.. الذين لم يجدوا أمامهم سوى رفع الأسعار والاتجاز بقوت البسطاء لتسديد فواتيرهم وحساباتهم المكشوفة بالجهاز المصرفى.

آدم سميث الاقتصادى الأسكتلندى المرموق فى كتابه الشهير «ثروة الأمم» كتب: «قد يلتقى التجار بغرض التسامر والترفيه ولكن سرعان ما يتحول لقاؤهم إلى مؤامرة تحاك ضد المتعاملين معهم من عموم الناس باستخدام سلاح رفع الأسعار». وهو ما نعانى منه جميعًا، فترمومتر الأسعار فى ارتفاع مستمر دون مبرر رغم الهدوء النسبى لسعر الدولار بل وانخفاضه.. ولِمَ لا وأمامنا سوق عريضة من المستهلكين لا مكان فيها لسلعة مكتوب عليها سعرها.. وبالتأكيد لا توجد حتى تسعيرة استرشادية.. لأننا ننتهج سياسة الاقتصاد الحر.

لا أنكر أنه فى فترة ما اختلطت الأوراق.. ولم نعد نعرف من هو رجل الأعمال الحقيقى الذى يبنى وطنه ليضخ الاستثمارات الحقيقية فى شرايين الاقتصاد المصرى.. ومَن هو الثعلب الذى يتلاعب بقوت الناس ويصيد قروض البنوك التى هى فى الأصل مدخرات المودعين فى مصر- وهذا حقيقى- رجال أعمال وطنيون يعملون فى صمت.. لا تعلم عنهم وسائل الإعلام شيئًا ولا يظهرون بها.. وللأسف لا يعرف الناس إلا مجموعة من المختطفين الذين حصلوا على أموال البنوك ثم تعثروا ولم يستطيعوا السداد ورغم ذلك فهم نجوم بعضها تهاوَى وبعضها ما زال فى السماء.. مصر تحتاج لرجال أعمال فيهم رائحة العظيم طلعت حرب الذى لم يفكر مرة أن يتهرب من سداد قرض.. تحتاج لنموذج يماثل أبورجيلة الذى أضاف للدولة بعدًا تنمويًا عندما اهتم برصف الطرق على حسابه للحفاظ على أتوبيساته.. تحتاج لسيد جلال جديد المليونير العاصمى الذى كان له السبق فى المطالبة بإصدار قانون «من أين لك هذا؟» ولم يفرط فى عماله عندما احترقت إحدى شركاته.. بدلاً من نماذج فضّلت الحصول على توكيلات السيارات الفارهة واغتراف أموال البنوك للصرف على حفلات يستوردون أطعمتها من الخارج؛ بل يقوم أحدهم بإرسال بطاقات من الذهب الخالص للمودعين لحفل زفاف ابنه.. وآخر أغلق مصانعه وسرّح عماله ثم حرضهم على التظاهر.. لتصدق ما يمكن أن نقوله «أين أنتم باشوات زمان.. من صعاليك اليوم؟».

تتوالى الانفرادات.. والخبطات الصحفية.. فحرية الكتابة المنضبطة على صفحات مجلة «روزاليوسف» منذ اليوم الأول لانضمامى لكتيبة المنتمين لها.. لا سقف لها.. كنت بين أقرانى من الصحف الأخرى مثار حسد لما نتمتع به فى هذه الدار العريقة من جرأة على اقتحام كل ما هو ملغوم من موضوعات تهم الرأى العام.. كنت أقول لهم إننى أتنفس أكسجينًا مختلفًا عنكم أكسجين الحرية.

لم يقتصر اهتمامى الصحفى على الموضوعات الاقتصادية وحدها؛ بل تشابك هذا الاهتمام مع كل ما يخص الشأن العام.. فعن الرقابة الغائبة على تبرعات أهل الخير.. انفردنا بتحقيق موثق عن «المال السايب».

فى جمعية ياسمين الخيام.. نصف مليون جنيه تبرعات لحساب شخصى بين رئيسه وأمين صندوق جمعية «الحصرى».. وبلاغ لقسم العجوزة كشف لغز الحساب 6420.

ولأن «روزاليوسف» دائمًا ما تكون سباقة فى طرح القضايا المهمة التى تؤثر تأثيرًا بالغًا مع الرأى العام وتشكل وجدان الشريحة الكبرى من المواطنين كان إحدى هذه القضايا المهمة «الدعاة والأدعياء».. كان لنا سبق الكشف عن زواج عرفى لأحد مشاهير دعاة الفضائيات من إحدى سيدات المجتمع المخملى ركب خلالها صاروخ الفتوحية الجُدد ليتحول من مجرد موظف بدرجة خطيب وإمام ومدرس متنقل بوزارة الأوقاف لا يتجاوز رابته الشهرى 120 جنيهًا إلى واحد من «الأفيال» فى مجال البيزنس الدينى بكل أشكاله وألوانه.

تتعدد الموضوعات الشائكة التى تم تناولها.. لا نكتفى فقط بتسليط الضوء على أداء رجال الأعمال والقطاع المصرفى والتجار؛ بل تشمل أداءً حكوميًا مترهلاً فى جوانب مختلفة.. ومن بينها ملف فضيحة محطة مياه القاهرة الجديدة التى أهدر فيها 3٫2 مليار جنيه باستخدام مواسير سيئة السمعة على مدار ثلاثة أسابيع متتالية تم إنفاقها لتنفيذ الخطوط الناقلة للمياه العكرة ومآخذها من منطقة طرة بالمعادى مرورًا بروافع هذه المياه وحتى محطة تنقيتها.. ثم خلال هذه التقارير والتحقيقات الكشف عن الفساد الذى شاب التنفيذ.. ليوجه الرئيس السيسي بإعداد تقرير مفصل عن هذه المحطة.

أضحك كثيرًا عندما أتذكر كيف تابعت التشكيل الوزارى لحكومة المهندس إبراهيم محلب الذى قابل المرشحين لتولى الحقائب الوزارية من مكتبه داخل استاد المقاولون العرب.. ظللت جالسة بسيارتى أمام الباب الرئيسى المؤدى إلى قاعة الاجتماعات التى شهدت توافد المرشحين من الوزراء عليها حتى ساعة متأخرة من الليل.. انتهت باقتناص أول حوار صحفى لرئيس الوزراء.. كان أبرز ما قاله لى نحن فى زمن «الأكثر احتياجًا».. وعلى الأغنياء أن يتكفلوا بأنفسهم.. مشيرًا إلى خبرات اكتسبها من الوزير السابق حسب الله الكفراوى بالاهتمام بالبعد الاجتماعى.. مشدّدًا.. انسوا قانون الأهل والعشيرة.. أمّا مشروع قناة السويس الجديدة فهو مشروع كرامة وطنية وأمن قومى.. لافتًا إلى عبارة شديدة البساطة بالغة الأهمية.. «.. إن لم يقم رجال الأعمال بدورهم «الناس هاتدوسهم» فهل يتعظون.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.