■ نجيب ساويرس وعائلته تبرعوا ب25٪ فقط من الرقم الذى وعد به فى أول لقاء مع الرئيس ■ وزير المالية خفض ضرائب رجال الأعمال الكبار ب7٫5٪ رغم رفضهم التبرع حتى ب5٪ من ثروتهم ■ مجلس المشير طنطاوى جس نبض أهل البيزنس بالتبرع بجزء من ثرواتهم مقابل إغلاق ملف التجاوزات والبلاغات فرفضوا ■ رجال الأعمال أعلنوا عن تبرعات وهمية فى وسائل الإعلام وربطوا بين دعم صندوق مصر والحصول على مزايا وأراض وقرب من الرئيس ■ بعد عام من إطلاق الصندوق رجال أعمال رفعوا شعار لا تبرع ولا استثمار وبعضهم خرج بأمواله من مصر بعد عام من اللقاء الأول بين الرئيس السيسى ورجال الأعمال، وبعد عام على إطلاق الرئيس لصندوق وحساب تحيا مصر.. بعد هذا وذاك يتكرر المشهد ويفتح الملف مرة أخرى.. وفى نفس الموقع بإحدى قاعات فندق الماسة وذلك من خلال الإفطار الذى دعا إليه صندوق تحيا مصر يوم السبت الماضى.. الإفطار ضم كل المتبرعين من رجال أعمال ومؤسسات عامة وخاصة.. وكبار رجال الدولة والدين والاعلاميين والصحفيين.. وعلى الرغم من أجواء رمضان التى تضفى جوا من الهدوء النفسى وعلى الرغم من أجواء القاعة الساحرة والإفطار الشهى.. رغم هذا وذاك فإن اللقاء شهد مواجهة حادة ثانية وربما عاشرة بين الرئيس ورجال الأعمال.. مواجهة بين نمطين فى الحياة أحدهما يرى أن الوطن يستحق أن نمنحه كل ما نملك من الروح إلى المال مرورا بالجهد.. وفريق آخر يرى الوطن الأوزة التى تبيض ذهبا.. وإذا توقفت لأى ظرف عن منحهم الذهب، فربما يتراءى لهم أن يذبحوا الأوزة من باب تحقيق أى مصلحة.. هذه المواجهة بين الفريقين بدأت حتى قبل تولى السيسى الرئاسة وفى لقاءات الترشح.. ولكن جذورها تعود إلى سنوات بعيدة من عهد النظام الفاسد لمبارك. 1- فطور فى الحلق نقلت العديد من الصحف والمواقع بعضاً مما جاء فى كلمة الرئيس السيسى، ولكنها تجاهلت اللهجة الحادة والغاضبة جداً التى استخدمها الرئيس السيسى خلال لقاء الإفطار.. وهى لهجة جعلت الطعام الشهى يقف فى حلق عدد من الحاضرين من كبار رجال الأعمال.. وذلك بحسب تعبير أحدهم.. وآخر قال إنه لم يدرك للحظة الأولى هل ستتحول مأدبة الإفطار إلى حملة تبرعات إجبارية أم لا.. وذلك بعدما قال الرئيس ما بين السخرية والجدية أنتم مش هتتبرعوا ولا إيه وانتو مش هتمشوا من القاعة إلا لما تدفعوا. الرئيس كان غاضبا من حجم التبرعات لصندوق تحيا مصر أو بالأحرى من (تناحة كبار رجال الأعمال) فى التعامل مع فكرة التبرع لمصر وقت أزمتها. وحتى عندما كان الرئيس يتحدث عن نفسه فلم تخلو الكلمات من غضب حاد حينما قال الرئيس: (أنا لو عندى مليار جنيه هاتبرع واهديهم لمصر وهاكل أنا وأسرتى اللى هناكله).. هذه كلمات يؤمن بها معظم المصريين.. ولكن الرئيس لم يقل هذه الكلمات كحقيقة منطقية، بل من باب المقارنة غير المباشرة مع من يملك بالفعل مليارات من الجنيهات أو بالأحرى الدولارات.. ومع ذلك بخلوا على الوطن الذى صنع ثرواتهم وأسماءهم الدولية. الرئيس السيسى لم يكتف بهذه المقارنة.. ولكن ذكر كبار أهل البيزنس بما كانوا يرددونه أيام حكم الإخوان. بعضهم قال إنه مستعد يتنازل عن نصف ثروته لو رحل الإخوان عن حكم مصر.. وبالطبع لم يقل هذا الكلام الشجاع داخل مصر، بل فى قصره المنيف فى دولة أوروبية.. وعندما قام ملايين المصريين بإزاحة الإخوان وضحوا بدمائهم رفض الرجل أن يتبرع حتى ب10% من ثروته الضخمة جداً جداً، ولذلك كان الرئيس السيسى موفقا حينما قال مخاطبا مثل هذه النوعية من رجال الأعمال: (تذكروا 28 يونيو) وكيف كانت مصر يوم 28 يونيو وماقبلها؟ كيف كانت مصر تحت حكم الإخوان.. والابتزاز الذى خضع له بعض كبار رجال الأعمال من خيرت الشاطر وحسن مالك.. حينما استخدم الإخوان أدوات الدولة للضغط عليهم.. وخضعوا ودفعوا. لغة الرئيس أو بالأحرى لهجته الحادة فتحت ألف باب للتخوف والقلق من قبل رجال الأعمال الذين حضروا الإفطار ولم يستطعوا هضم طعام الإفطار. 2- العدالة الانتقالية رغم الحدة والغضب فإن الرئيس السيسى كان يشير أو حتى يلمح إلى إجراءات خاصة.. فهو يؤمن ويؤكد بأن مال الناس مصان فى مصر وثرواتهم وأعمالهم فى مأمن.. وأنه يدعو الناس بالحسنى وباسم الوطنية إلى مساندة الوطن. وهذه الفكرة تحتاج إلى وقفة متأنية لأن تكوين الثروات فى مصر مختلف عما حدث ويحدث فى كل دول العالم الرأسمالى.. فضلا عن نشوب ثورة شعبية تطالب بالعدالة الاقتصادية. فمن الصعوبة بمكان وضع خطوط فاصلة بين حق الدولة أو المال العام والمال الخاص فى ثروات الكثيرين من كبار رجال الأعمال.. وقد أشار السيسى فى لقاء سابق له مع رجال الأعمال خلال فترة الترشيح إلى هذه الفكرة.. عندما ذكر رجال الأعمال بالغاز والأراضى والكهرباء وكل المزايا التى حصلوا عليها طوال فترة حكم مبارك.. وفى ذلك اللقاء أو بالأحرى المواجهة كان السيسى حازما فى طرح فكرة رد الجميل.. وفوجئ من حضروا هذا اللقاء بأن السيسى فى ذلك الوقت يتحدث عن حق مصر فى تكوين ثرواتهم يتجاوز الثلثين. ولا يمكن أن ننسى أو نتجاهل أن بعض كبار رجال الأعمال حصل على ما هو أكثر من أراض بملاليم أو غاز أو كهرباء بأقل من سعر التكلفة.. فبعضهم بنى ثرواته من خلال شراء مصانع وشركات القطاع العام أو المال العام بالأمر المباشر وبالتواطؤ ولو بالصمت والتجاهل مع حكومة رجال الأعمال فى آخر عهد مبارك. ومن ناحية أخرى فإن الكثير من عمليات الخصخصة قد صدرت أحكام قضائية بفساد عمليات البيع.. وهناك أحكام أو بلاغات قيد التحقيق فى عمليات تخصيص أراض عقارية وسياحية.. وذلك بعد أن حقق رجال الأعمال من وراء هذه الصفقات مليارات من الجنيهات.. ولذلك أقول إنه من الصعب فصل ما هو عام عما هو خاص فى ثروات معظم كبار رجال الأعمال.. وبالمثل من الصعب تبرير هذه الثروات المليارية المتراكمة بذكاء خارق لأصحابها.. أو لأنهم اخترعوا جديداً أو أدخلوا لبلدهم خدمة أو سلعة درت عليهم المليارات.. ولكنهم حصدوا الثروات بالرضا من نظام مبارك.. ذلك الرضا الذى ترجم إلى تخصيص لأراض سياحية وعقارية وصناعية.. ذلك الرضا الذى أدخلهم دائرة النفوذ الضيقة فدخلوا فى كل المشروعات.. وفتحت لهم البنوك أبوابها للاقتراض المريح جداً جداً.. وبإعادة جدولة ديونهم للبنوك مرة تلو الأخرى.. ومع كل جدولة تنازل عن أرباح وغرامات التأخير.. وذلك كله تحت شعار (تشجيع الاستثمار). ولذلك فإن الحديث عن التبرع لمصر أو لصندوق تحيا مصر يختزل بحسن نية الكثير من الحقائق ويطوى صفحة الماضى رغبة فى التقدم للمستقبل.. لأن القضية بعد ثورتين شعبيتين تتخذ وجهاً آخر.. وجهاً يعرف فى علم الثورات بالعدالة الانتقالية.. فإذا كنا سنغلق ملفات البيزنس بكل ما فيها وكل ما عليها.. وبكل ظلمها لملايين المصريين واحتكار القلة فيها للثروات.. إذا كنا سنغلق هذا وذاك.. فإن العدالة الانتقالية تحتم أن يدفع من استفادوا من النظام الفاسد والبائد ثمن الانتقال للعدالة الانتقالية الاقتصادية. فى نظرية العدالة الانتقالية لم يتحقق السلام المجتمعى إلا بأن يدفع من استفاد من النظام نسبة مما حقق من ثروة ومكاسب ومغانم.. ويجب هذه الضريبة أن تذهب إلى ملايين المصريين فى شكل خدمات تقدم للفقراء.. يجب أن تذهب هذه الأموال لتحسين أحوال ملايين المصريين ممن ظلموا فى عهد مبارك.. ومن سياساته الاقتصادية التى شجعت الاحتكار، ووضعت ثروات مصر وخيرها فى أيدى حفنة لا تتجاوز المئات.. لا يمكن عبور هذه المرحلة دون ما يمكن تسميته تجاوزا فى العدالة الانتقالية فاتورة المصالحة.. أو ثمن فتح صفحة جديدة. 3- ضريبة الثروة والثورة وهذه الفكرة كانت مطروحة منذ ثورة 25 يناير وفى الأيام الأولى بعد تنحى مبارك.. وفى جلسات كبار رجال الأعمال مع رجال الدولة وتحديدا المجلس الأعلى للقوات المسلحة جرى حوار.. أو بالأحرى جس نبض.. وكان الحوار حول ما الذى يمكن أن يقدمه رجال الأعمال حتى تنتهى العداوة بين المجمتع ورجال الأعمال.. وتغلق ملف البلاغات والقضايا بالتصالح فى إطار قانونى يشمل الجميع وفى هذه الجلسات طرحت أفكارعديدة.. من بينها دفع غرامات ضخمة جداً خلال التصالح فى كل القضايا الاقتصادية.. ومن بينها الاستيلاء على المال العام فى قضايا منح الأراضى أو تراخيص المصانع بالمجان أو بأسعار أقل من المقرر قانونا.. وقضايا التهرب الضريبى والجمركى والاستيلاء على قروض البنوك.. وغيرها من القضايا الاقتصادية.. وفى هذه الحوارات طرحت فكرة صندوق لحب مصر ويطلق على الصندوق صندوق دعم الاقتصاد المصرى.. ولكن اللامبالاة والرفض التام لمثل هذه الأفكار أوقفت فكرة الصندوق.. وطرح أيضا فكرة ضريبة ثورة 25 يناير.. وهى ضريبة تفرض لمدة زمنية محددة على كل من يزيد دخله وثروته على 10 ملايين جنيه.. وقد تبنى فرض ضريبة الثروة فى مصر أحد رموز القطاع الخاص.. وهو الخبير المالى وأحد كبار قيادات هيرمس حسن هيكل.. وأطارت الفكرة صواب عدد لا بأس به من كبار رجال الأعمال.. ليس فقط من باب أن الكبار يكرهون دفع مليم للدولة.. ولكن لأن كبار أهل البيزنس رفضوا فكرة أن عليهم فاتورة يجب أن تدفع بعد الثورة.. وأن للمجتمع والفقراء والطبقة المتوسطة ديناً فى رقبة رجال الأعمال الذين احتكروا ثروات مصر فى عهد مبارك ونظامه.. وفشلت أصوات أهل الحكمة فى هذه الطبقة فى إقناعهم بأن التبرع أو منح القليل سينقذ الكثير. ومن ناحية أخرى فإن المشير طنطاوى لم يتعامل مع هذا الملف بوصفه ملفاً عاجلاً، أو ربما كان المشير يثق أن كبار أهل البيزنس سيتفاعلون مع قضية الصندوق أو الحساب.. 4- تجربة السيسى وبعد 30 يوينو بدأت فكرة الصندوق تتبلور وكانت البداية صندوق 306306.. فى ذلك الوقت كان السيسى وزيراً للدفاع ونائب رئيس الوزراء.. وعلم السيسى ضآلة التبرعات من جانب رجال الأعمال فى الصندوق.. وقد كانت أكبر المساهمات من جانب القوات المسلحة.. وخلال لقاءاته مع رجال الأعمال كمرشح رئاسى ثم رئيس فتح الرئيس موضوع دعم مصر بمنتهى الصراحة.. وتعهد عدد من كبار رجال الأعمال بالتبرع بمبالغ محددة.. فتعهد الملياردير المصرى نجيب ساويرس بالتبرع ب 4 مليارات جنيه.. ولم يصل تبرعه هو وعائلته حتى الآن المليار الأولى.. وكان والد نجيب ساويرس قد تبرع ب 100 مليون دولار باسمه، واسم أبنائه الثلاثة.. وزعم الكثير من رجال الأعمال أنهم قدموا تبرعات عينية ومادية بالملايين من الجنيهات.. ولكن جحم ما تبرعوا به بالفعل كان يمثل 10% مما أعلنوا عنه.. وتمثل تبرعات الجيش (مليار جنيه) أكبر تبرع فى صندوق تحيا مصر يليها مجموعة البنوك المصرية بما يقارب 450 مليون جنيه.. وذلك فى إطار حملة اتحاد البنوك ودعم محافظ البنك المركزى هشام رامز.. ثم أموال صندوق 306306 التى آلت لصندوق تحيا مصر.. ومساهمات متواضعة من رجال الأعمال وشركاتهم. وخلافاً لتوقعات الرئيس السيسى لم يصل حب الوطن برجال الأعمال للاقتداء به والتبرع بنصف ثروته الشخصية ولا حتى ربع أو 10% من هذه الثروة.. لا يطلب السيسى الكثير فمشاكل مصر كما قال فى حفل الإفطار أعمق وأخطر مما يتصور الكثيرون.. ولذلك رأى السيسى أن مسئولية رجال الأعمال والأكثر ثراءً هو الدعم والتبرع لمصر.. ولكن ما لم يقوله السيسى إن لدينا أسرتين تبلغ إجمالى ثروتيهما معاً أكثر من 15 مليار دولار.. وهذا الرقم يساوى خمسة أضعاف الاستثمارات الأجنبية المباشرة التى جنتها مصر فى 2014.. و80% من حجم الاحتياطى النقدى وثلاثة أضعاف دخل قناة السويس السنوى.. ولو تبرعت الأسرتان ب 10% فقط من ثروتيهما للصندوق، لارتفع أموال الصندوق ب 10 مليارات جنيه دفعة واحدة.. 5- التبرع بشروط لقد توقع بعض كبار رجال الأعمال أن التبرع لصندوق تحيا مصر على طريقة الحزب الوطنى وسوزان مبارك.. فظنوا أو طمعوا بأن التبرع للصندوق سيمنحهم وضعا خاصا أو قربا ما من السلطة أو يمنحهم رضا رئاسى.. وأن يترجم هذا الرضا إلى مشروعات ومميزات.. وقد صدمهم أن السيسى لا يعرف مثل هذه الصفقات.. فمن يريد أن يستثمر فيجب أن يستثمر وفق شروط وقوانين البلد.. وقد حاول بعضهم أن يلوى ذراع الدولة.. فلم يكتف بعدم التبرع أو التبرع الرمزى، بل توقفوا عن الاستثمارات فى مصر.. ولذلك مزج السيسى فى حفل إفطار تحيا مصر بين الدعوة للتبرع والدعوة للاستثمار.. ولكن المتابع لمواجهات أو لقاءات السيسى مع رجال الأعمال لا يمكن أن يتجاهل أن الغضب كان أقل فى هذا الإفطار.. وذلك على الرغم من حدة لهجة السيسى.. فثمة رسائل للسيسى لرجال الأعمال كانت أقوى وأكثر مباشرة.. رسائل تذكر بما حصدوه من ثروات خلال فترة مبارك.. وأن معظم ثرواتهم قد تكونت من خير وثروة مصر.. وأن عليهم أن يردوا جزءا كبيرا مما حصدوه للبلد.. وربما تترجم الحكومة غضب الرئيس السيسى بقرار عملى جدا.. وهو التراجع عن خفض الحد الأقصى لضريبة الدخل.. فليس من المعقول أو المقبول منح كبار أهل البيزنس تخفيضا قدره 7.5% من الضرائب فى الوقت الذى يرفضون فيه التبرع بنفس النسبة لمصر ولصندوق تحيا مصر.