بنهاية الشهر الحالى تمر الذكرى السنوية الثانية لتأسيس ووفاة لجنة (تواصل) التى رأسها رجل الأعمال الهارب حسن مالك الذراع الاقتصادية لجماعة الإخوان المسلمين والذى كان يرأس فى الوقت ذاته جمعية (ابدأ) لتكون التنظيم الموازى لجميع المنظمات الاقتصادية المصرية مثل اتحاد الصناعات والغرف التجارية وجمعيات المستثمرين ورجال الأعمال. وما جعلنا نعيد فتح ملفات هذه اللجنة.. الأسماء اللامعة التى حملت عضويتها وشاركت فى اجتماعاتها السبعة التى عقدت بفندق كمبنسكى المطل على نيل جاردن سيتى فى القاهرة، والذى كان يتحمل فاتورته أحد الأعضاء عن كل اجتماع شاملة حجز القاعة الفاخرة المكيفة أو الأوراق والتجهيزات الإدارية للاجتماع وحتى مائدة العشاء التى كانت تجمعهم. أما أعضاء اللجنة التى أسست لتكون همزة الوصل بين مرسى المخلوع ومجتمع البيزنس فى مصر فضمت 24 اسما من رموز المال والأعمال.. ولكل منهم حكاية قبل أن نسرد بعضا من تفاصيلها نؤكد أن تشكيل هذه اللجنة تنوعت فيه الأنشطة والممارسون لها وإن ظلت الغلبة للمحبين والمريدين بل والدائرة المقربة من جماعة الإخوان المسلمين وضمت كلاً من:
أسامة فريد المنتمى للصف الثانى داخل التنظيم.. نجل الأب الروحى للجماعة ورفيق حسن البنا.. الذى تجنب مسار والده وأنهى دراسته كمهندس مدنى واتجه للمشاريع التجارية التى توسعت سريعا على مدى عقود.. وعمل فى مجال التسويق العقارى ثم دخل قطاع النسيج وأسس شركة طيران صغيرة وظل ابنا بارا لجماعة الإخوان.. وأطلق عليه داخل التنظيم (دب الاقتصاد المصرى).
وحسب تقرير أصدرته صحيفة الفايننشيال تايمز البريطانية نوفمبر 2012 بدأ فريد فى وضع خطة لانتشار أعماله بإنشاء مجموعة من المصانع الخاصة بتجميع أجهزة الكمبيوتر وتجارة الأدوية وتصنيعها بعد أن دخل فى شراكة مع د. أحمد العزبى أحدالمسيطرين على سوق الدواء فى مصر وعضو أمانة المهنيين بالحزب الوطنى المنحل التى كان يرأسها المهندس إبراهيم محلب رئيس مجلس الوزراء حاليا.. ورئيس شركة المقاولون العرب وعضو أمانة السياسات فى ذلك الوقت.
∎ سمير النجار ذو القرابة مع عمرو موسى يشغل فى الوقت ذاته عضوية جمعية ابدأ ورئيس جمعية رجال الأعمال الزراعيين الذى تولى داخل لجنة تواصل الملف الزراعى لبحث مشاكله وجميع القطاعات المرتبطة به كالإنتاج الحيوانى والأسماك.
∎ صفوان ثابت هو الضلع الثالث من أضلاع هيئة مكتب لجنة تواصل.. صهر الإخوان المسلمين حيث تتحكم شركته فى 70٪ من سوق الألبان فى مصر الذى استطاع أن ينجو من بلاغات عدة قدمت ضده من جمعية منتجى الألبان تتهمه بالاحتكار وإن طالته شائعات تمويل أنشطة المحظورة دون سند دامغ يدفع بمحاكمته.. بل ظل - حتى الآن - بعيدا عن ساحات القضاء.
وتكتمل الأضلاع بحسن مالك الذى رافق المخلوع فى كل جولاته الخارجية من الصين للبرازيل حريصا على أن يؤكد دائما أن لجنة تواصل مهمتها التنسيق بين مجتمع رجال الأعمال ومؤسسة الرئاسة.
وإذا كانت الأسماء السابق ذكرها هى مجلس أركان حرب جماعة الإخوان داخل المجتمع الاقتصادى المصرى.. فعلينا أن نقترب بشكل أكثر تفصيلا من أعضاء هذه اللجنة ال 24 الذين كان الهدف المعلن لعملهم دعم خطة المائة يوم التى أعلنها مرسى وتقديم الحلول للمشكلات التى يعانى منها المنتمون لقطاع المال والأعمال وتقديم دراسات اقتصادية شاملة تدفع العمل فى اتجاهات نمو سريع.
تحاور «روزاليوسف» العديد من أعضاء هذه اللجنة التى اختفت من الوجود باختفاء مرسى ونظامه.. وإن شددوا على ضرورة عدم ذكر اسم أى منهم منعا لتقليب النظام الحالى ضدهم.. فكل منهم يريد أن يبتعد عن دائرة الضوء خاصة بعد الخطاب الأخير للرئيس عبدالفتاح السيسى الذى رأوا منه لهجة تهديدية إذا لم يقفوا إلى جانب مصر حينما خاطبهم قائلا: ( مش هاتقفوا جنب مصر وإلا إيه.. لن أقبل ب 10 مليارات جنيه.. ولا حتى 50 مليار جنيه).
أسماء يشار لها بالبنان فى عالم البيزنس ضمت الشامى والمغربى كما يقول المثل شملتها لجنة تواصل.. سبقها جمعية (ابدأ) التى أسسها أيضا حسن مالك ودشنها فى احتفال فخم ليكتب بها شهادة وفاة جميع المنظمات الاقتصادية الأخرى بعد أن تهافت رجال الأعمال على تقديم طلبات الالتحاق بها والانضمام لعضويتها بحثا عن الأمان لأعمالهم خوفا من أن تلتهمها الجماعة بين ليلة وضحاها.. فكانت الأولوية للمنتمين للإخوان المسلمين ممن يديرون أنشطة اقتصادية، وبعض من المرضى عنهم إلى جانب قائمة انتظار تضم 800 رجل أعمال مصرى ظلوا ينتظرون إشارة الرضا من مالك ورفاقه بالحصول على صك الانضمام لهذه الجمعية.
وحتى تكتمل فصول الإثارة والتشويق كان لابد من أن تضيق الدائرة التى تضم رجال الأعمال من أطياف مختلفة تقدم المشورة وتعقد لقاءاتها بقصر الاتحادية مع المخلوع وشملت كلاً من عمر نبيل عثمان- عبدالرحمن سعودى- أسامة فريد- محمد عبدالسلام الصياد- سمير النجار- محمد يوسف مؤمن- أحمد مكى- شرين عباس حلمى- محمد زكى السويدى- علاء عرفة- المهندس إبراهيم محلب رئيس وزراء مصر حاليا- المهندس حسين صبور- منير إبراهيم الجزايرلى شقيق زوج ابنة حسنة رشيد- محمد المصرى- محرم هلال أمين عام اتحاد جمعيات المستثمرين- حسام الشاعر- أحمد أحمد السويدى- نيازى سلام مؤسس بنك الطعام- هشام سعد مكاوى- حسن مالك- جمال الجارحى- صفوان ثابت- نادر رياض- إبراهيم صالح المدير الإقليمى لمجموعة الخرافى الذى توفى منذ عدة شهور ممثلا عن المستثمرين الخارجين.
يكشف أحد أعضاء هذه اللجنة- الذى رفض أن يذكر اسمه- ل«روزاليوسف» عن بعض كواليس عملها.. فيؤكد أنهم تراضوا أن يترأسهم حسن مالك باعتباره المقرب من الرئيس المخلوع والمحرك الاقتصادى لتوجهات الجماعة، لافتا إلى أنها حتى وإن كانت مظلة وهمية ضمت نجوم المال والأعمال.. كلاً فى قطاعه ما بين التعدين- الزراعة- الغذاء- الاتصالات- الدواء- التشييد والبناء- السياحة- الكهرباء- البترول- الحديد- كان أغلبهم من المريدين وبعضهم اختير ممثلا عن المنظمة التى ينتمى لها كاتحاد الصناعات- الغرف التجارية- رجال الأعمال- المجالس التصديرية- شباب الأعمال.. وإن ربط بينهم جميعا حبل سرى واحد هو الحفاظ على استثماراتهم وكياناتهم التى أسست ونمت فى عهد الرئيس الراحل أنور السادات وحققت طفرات غير مسبوقة طوال الثلاثين عاما الماضية.. و«توحشت» لدى البعض من المقربين من جماعة الإخوان فى عهد المخلوع.. أما الأعضاء ممن لا ينتمون لهذه الجماعة فكانوا يأملون بالانضمام لهذه اللجنة أن يحصنوا استثماراتهم من غدر الإخوان.. أو بالأحرى الحصول على صك النجاة من «مقصلة» القلاقل التى يبرع أعضاء الجماعة فى زراعتها ببعض المصانع ذات العمالة الكثيفة وهى تلك التى وضعوا أعينهم عليها لابتلاعها مثل: مصانع فرج الله ببرج العرب وأبوالعينين بشمال غرب خليج السويس والعاشر من رمضان.. التى أجبرتهم وغيرهم على التلويح بغلق المصانع وتسريح ما بها من عمالة فى مواجهة هذه القلاقل العمالية الدخيلة.
ويعترف عضو آخر من أعضاء اللجنة أنه خلال لقاء عقد بقصر الاتحادية مع مرسى قال له العضو صراحة: «نريد أن نشعر بالأمان».. وطلبت بأن يتم اختيار مجموعة من رجال الأعمال والمستثمرين- كنت واحدا منهم- اقتصرت وظيفتنا على إعداد بعض الدراسات القطاعية مثل الإسكان والتنمية العقارية- الزراعة الطاقة وترشيد الدعم.. ولكن لم تر هذه الدراسات النور حتى الآن.
ويؤكد آخر من أعضاء اللجنة ل«روزاليوسف» أن لهجة الخطاب التى وجهها الرئيس السيسى لرجال الأعمال والمستثمرين اعتبرها البعض رسالة للفئات الفقيرة من المجتمع المصرى، تؤكد لهم أن رأس الدولة يقف إلى جانبهم.. يساندهم فى مواجهة الفئات القادرة من المجتمع.
فيما رأى فريق آخر من «حيتان البيزنس» أنها لهجة تهديدية لا ينبغى أن تخص رجال الأعمال وحدهم.. ففى المجتمع المصرى فئات أخرى ينبغى مخاطبتها بنفس القوة.. فأصحاب الثروات الفاحشة ليسوا فقط رجال الأعمال والمستثمرين، بل هناك المحامون والأطباء والفنانون والمحاسبون.
ويضيف العضو: من المتوقع أن تختفى الثروات من مصر عن الأعين خلال الفترة القادمة وتعود ظاهرة الثروات المخبأة «تحت البلاطة».. مع تنامى ظاهرة التهرب الضريبى، إذا ما تم تعديل الضرائب وإقرار التصاعدية منها.. ويستطرد: لا يجب أن ننسى أن 60٪ من الاقتصاد المصرى يدور فى فلك أنشطة عشوائية وغير مقننة ضريبيًا.
ويضيف: لا أخفيك سرا أنه خلال لقائى مع رئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب قبل عدة أيام طالبته بحل مشاكل المستثمرين.. الذين بالقطع لن يضخوا استثمارات جديدة فى بلد غير مستقر فى تشريعاته الاقتصادية.. ليس هذا فقط.. بل تظل أعمالهم معطلة لسنوات على الرغم من وجود لجنة بمجلس الوزراء برئاسة وزير العدل ولكنها «صامت» عن عقد أية اجتماعات مما يكشف عن عوار فاضح فى الأداء الحكومى.. ويهدد المؤتمر الاستثمارى الدولى الذى تعتزم حكومة محلب الدعوة له فى نوفمبر القادم بالفشل.
مغازلة الحكومة سمة أصيلة من السمات الشخصية لبعض رجال الأعمال والبيزنس فى مصر.. الذين أتابعهم بدأب طوال ال25 عاما الماضية.. أعرف صغيرهم وكبيرهم من الشورت والشبشب وحتى ارتداء الملابس المنتجة ببيوت الأزياء العالمية الشهيرة .. ولهذا سيظل صندوق «تحيا مصر» خاويا إلا من النذر اليسير الذى قد يمن به البعض من مجتمع البيزنس.. أما ال50 مليار جنيه التى ذكرها الرئيس السيسى فى خطابه فهى تعنى أن يرضى رجال المال فى مصر أن تقتسم ثرواتهم الطائلة التى حققوها مع الدولة.. وهو أمر ولاشك بعيد المنال على الرغم مما فعله رئيسها حينما تبرع بنصف ما يملكه ونصف راتبه لعل الآخرين يضعون فى أعينهم «حصوة ملح» ويقتدون به.. ولكن حتى الآن لا توجد مؤشرات أو دلائل قوية على ذلك.
ولنقترب أكثر من الصورة الحقيقية لثروات رجال الأعمال فى مصر نعود لنهايات حكومة نظيف حين أعلن وزير ماليته الهارب د.يوسف بطرس غالى أن إجمالى حصيلة الضرائب من مجتمع الأعمال بعد تخفيض الحد الأقصى لها إلى 20٪ كضريبة قطعية بلغت خلال 2010 «60مليار جنيه» نجد أنه بحسبة بسيطة.. إذا كانت العشرين فى المائة من صافى الربح الذى حققه رجال الأعمال أو العاملون فى الأنشطة الخاضعة للضريبة تمثل هذا الرقم فال 80٪ تعنى ببساطة أنهم استأثروا بمئات المليارات من الجنيهات لانعلم أين تذهب وكيف تم توظيفها وهل هُربت خارج مصر أم لا؟ وهو أمر يستلزم مناقشته بجدية.. بدلا من الاكتفاء بتأييد الإجراءات والقرارات التى اتخذتها حكومة محلب مؤخرا بعد أن أجبرها رفض الرئيس السيسى للموازنة التى قدمتها على تصويب أرقامها.. ولأننا بالطبع لن نتهم مجتمع الأعمال بالانتهازية السياسية إلا أن الاجتماع الطارئ الذى عقده الاثنين الماضى اتحاد جمعيات المستثمرين - الذى يضم 27 جمعية - على الأقل - على مستوى جميع المحافظات لم يكن لتوحيد رؤية عشرات الآلاف من المستثمرين حول كيفية ضخ أموال لصندوق تحيا مصر.. بل إلى جانب عبارات التأييد لما أجبرت الحكومة على اتخاذه من إجراءات.. خرج علينا محرم هلال أمين عام هذا الاتحاد والعضو البارز فى لجنة تواصل ليؤكد فى عبارات وجمل مطاطة تستوعب الماضى والحاضر وتبتلع المستقبل أن الأعضاء اتفقوا على إرسال وثيقة لرئيس الوزراء المهندس إبراهيم محلب العضو السابق - أيضا - بلجنة تواصل والذى استقال منها عقب قبول استقالته من رئاسة شركة المقاولون العرب وتوجهه لاستلام عمله بإحدى الشركات السعودية بعد أن علم أنه أصبح قاب قوسين أو أدنى من وضع اسمه على قوائم الممنوعين من السفر من جانب جماعة الإخوان المسلمين بعد أن رفض الانصياع لبعض توجهاتهم.. وجاءت الوثيقة من خمس ورقات تحمل عنوانا عريضًا «العمل الوطنى للبناء الاقتصادى على المدى الطويل والقصير والمتوسط» وشملت مجموعة من العناصر منها:
- وقف استيراد أية سلعة لها مماثل محلى - ولنا فى احتكار الحديد نموذج صارخ على تطبيق مثل هذا الاقتراح.
- تحصيل المتأخرات الضريبية التى تصل إلى 60 مليار جنيه.
- فرض رسم تنمية على ذوى الدخول المرتفعة بنسب متفاوتة من 2٪ وحتى 5٪ لأكثر من 20 مليون جنيه حتى ثلاث سنوات.
- التصدى للتهريب الجمركى الذى بلغ حجمه 25 مليار جنيه.
- شراء جميع احتياجات الحكومة والشرطة والجيش من الإنتاج المحلى فيما عد ما لا ينتج فى مصر. - ترشيد الإنفاق الحكومى.
هذا بعض من أهم ما جاء بهذه الوثيقة التى تغافلت ربما سهوا أو عن قصد عن الالتفاف حول دعوة الرئيس عبدالفتاح السيسى لرجال الأعمال للقيام بدورهم فى إعادة التوازن الاجتماعى للمصريين بفئاتهم المختلفة.. أما تساؤل الرئيس عما إذا كانوا سيقفون بجانب مصر وإلا.. فلا حس أو خبر.
وإذا كان من المأثورات الحكومية أنك إذا أردت دفن موضوع عليك أن تحيله إلى لجنة.. فيبدوا أنه أصبح من مأثورات بعض رجال المال والأعمال فى مصر: أن اقتسام الثروة سيظل شعارا مرفوعا من الخدمة وليذهب صندوق «تحيا مصر» إلى الجحيم.