شركات المحمول تهدد باللجوء للتحكيم الدولى لمجرد أن المصرية للاتصالات تجرأت على دخول مجال المحمول ■ ضريبة ال5٪ فقط على الأثرياء تشغل غضب رجال الأعمال
■ 72% من السوق يسيطر عليه الأجانب.. وإسرائيل لاتسمح بتملك أجنبى لأكثر من 20%
يقفز رئيس الحكومة المهندس إبراهيم محلب فى الميكروباص والمجمعات الاستهلاكية، وحلف من أول يوم فى الحكومة ألا يشرب المياه المعدنية، أو يلجأ لموكب الحراسة، وربما يعجب البعض بمثل هذه التصرفات، وربما يراها آخرون دليلا على الصلابة والقوة التى يتمتع بها رئيس الحكومة، ولكن هناك اختبارات أخرى لقياس صلابة رئيس الحكومة، ومعارك أخرى غير معركة الأتوبيس يجب أن يخوضها رئيس الحكومة، وهذا الأسبوع أرشح للمهندس معارك اقتصادية، وهى معارك تتطلب بالفعل صلابة وقوة وحسمًا، ولو نجح رئيس الحكومة فى هذه المعارك فأهدى إليه كام كرتونة مياه معدنية، وربما تصل الهدية للعصير، فقد آن الأوان أن يثبت الرجل صلابته فى مجال المواجهات الحقيقية مع أباطرة السوق، مع كبار رجال الأعمال، كريمة أهل البيزنس الذين حصدوا من أعمالهم فى مصر مليارات الجنيهات أرباحًا متراكمة من مشروعات معفية و«مشفية» من الضرائب، وبأراض حصلوا عليها بملاليم، وكله بالقانون، ولكن عندما يمس القانون أو أى إجراء حكومى مكاسبهم وحساباتهم ذات التسعة أصفار فى البنوك تقوم الدنيا ولا تهدأ، هذه القضايا أو بالأحرى الأزمات أرشحها كاختبار عملى لصلابة وحسم الرجل، لأن معركة الجهاد فى الامتناع عن المياة المعدنية لا تليق لا بالرجل ولا بمصر، والقضايا الثلاثة تخص المواطن الغلبان حتى إن بدت قضايا اقتصادية، قضايا تخص حقه فى الحصول على شقة، وحقه فى الحصول على خدمات أكثر دون أن يدفع ضرائب أكبر، وحقه فى شركة محمول مصرية بالكامل بدلا من سيطرة الأجانب على سوق المحمول، نحن فى حاجة إلى رئيس حكومة يدخل معارك حقيقية، معارك يستفيد منها المواطن خاصة الفقير، وأن تجاهد الحكومة فى معارك حقيقية فى مواجهة أصحاب المصالح الذين يعرقلون أى إصلاح يمس بثرواتهم، هذا هو الجهاد الأصغر أما الجهاد الأكبر طبعا فهو جهاد النفس فى الامتناع عن المياه المعدنية.
1 - عاصفة المحمول
يعرف المصريون المثل الشعبى (البيت بيت أبونا، والأغرب يطردونا) وبصراحة لم أجد خيرًا منه كمدخل لهذه القضية، فمنذ عامين تحاول الشركة المصرية للاتصالات وهى شركة مال عام أن تدخل مجال المحمول، وخلال العامين يؤجل الوزراء ورؤساء الحكومة رجلاً ويقدمون الأخرى، والجميع خائف من اتخاذ القرار حتى لاتغضب شركات المحمول الثلاثة، والشركة المصرية للاتصالات لمن لا يتذكر تحملت مسئولية إطلاق أول شبكة محمول فى مصر، وكان ذلك بمناسبة إقامة المؤتمر الاقتصادى العالمى لأول مرة فى مصر، كانت التغطية ضعيفة فى البداية ولكنها تظل صاحبة أول شبكة، وفجأة وخلال حكم مبارك أجبرت الشركة على بيع معظم أسهم الشركة إلى صناديق المعاشات وبنكى الأهلى ومصر، وأجبروا الثلاثة فيما بعد على بيع أسهم فى صفقة مريبة، وهكذا ولدت شركة المحمول الأولى، ومنذ ذلك الحين حرمت المصرية للاتصالات من هذا الحق، دخلت مساهمة فى شركة فودافون، وحاولت اقتناص الشبكة الثالثة فى مزايدة، ولكن اتصالات فازت بالمزايدة بمنتهى الشفافية، ومنذ سنوات تعانى شركة الاتصالات من انهيار التليفون الأرضى، ولذلك قررت أن تدخل الخدمة فيما يعرف الآن «بالشبكة الموحدة»، ولأن شركات المحمول تستخدم البنية التحتية للمصرية للاتصالات، فإن الشركة المصرية ستدخل عصر المحمول من خلال استخدام ترددات الشركات الثلاث، وكله بحسابه، والآن وصل القرار لمجلس الوزراء، وصل لمكتب محلب، ومنذ اقتراب القرار كشرت شركات المحمول عن أنيابها، اللى هيروح التحكيم الدولى، واللى هيروح المريخ، وهناك اعتراض واحد موضوعى لشركة فودافون، فمن حقها أن تشترط تخارج المصرية للاتصالات من الشركة منعا لعدم تعارض المصالح، أما بقية الاعتراضات من نوع أن المنافسة العادلة بينهم وبين الشركة المصرية للاتصالات، فأعتقد أن المصرية للاتصالات هى التى يجب أن تطلب المساواة، فلمدة 18 عامًا تستخدم شركات المحمول تباعا البنية الفنية للمصرية للاتصالات، وتدفع الشركات الثلاث مجتمعة فى مقابل ذلك نحو مليار جنيه للمصرية للاتصالات كل عام، وفيما تحقق الشركات الثلاث أكثر من عشرة مليارات أرباح سنويا، فإن المصرية للاتصالات تحصل على الفتات، أو بالأحرى تحصل الدولة على الفتات.
وعندما تحاول الشركة الآن وبعد 18 عاما أن ترفع الظلم عنها، تتعالى أصوات أهل البيزنس بالأسطوانات المشروخة، مرة بأن الحكومة بتنافسنا فى رزقنا، ومرة أخرى بأن الحكومة لن تعدل بين الشركة الوطنية وبيننا، وكأنهم لم يجربوا الحكومة المصرية لمدة ثلاثين عاما، وخلال هذه السنوات الطويلة ظلمت الحكومات المتعاقبة القطاع العام وخربته متعمدة، وأفلتت الشركة المصرية للاتصالات من هذا التخريب المتعمد، ولذلك يجب أن يقف رئيس الحكومة بمنتهى الصلابة والقوة أمام محاولات الشركات الثلاث لوقف الشبكة الموحدة، خاصة أنه أمام قضية أمن قومى لأن 72% من سوق الاتصالات يتملكه الأجانب، ومعظم الدول لا تسمح بهذه النسبة، إسرائيل على سبيل المثال لا تسمح للاجانب بتملك أكثر من 15 % من سوق الاتصالات، وإذا تراجع رئيس الحكومة عن إتمام الصفقة مع الشركة الوطنية، فإن تراجعه يؤكد أننا لا نزال فى زمن سيطرة أهل البيزنس على القرار الحكومى، وأن القطاع الخاص لا يزال له اليد العليا فى هذا المجتمع، وبصراحة سيكون التراجع محبطًا لكل الذين تصوروا رئيس الحكومة شايل سيفه؟
مرة أخرى ورينا صلابتك يا محلب.
2 - ضريبة الأثرياء
المعركة الأخرى تخص وزير المالية هانى قدرى، فالرجل قرر أن يدخل عش الدبابير، هانى قدرى يفكر جديا فى فرض ضريبة مؤقتة على الأثرياء، وهذه الضريبة لمدة ثلاث سنوات، وقيمتها 5% فقط، وذلك بالإضافة إلى سعر الضريبة الذى يصل إلى 25%، الضريبة المقترحة ستفرض على الأفراد، وليس الشركات، واقتراح وزير المالية أن تفرض الضريبة على من تزيد ثروته على مليون جنيه، وبذلك الاتجاه يكون وزير المالية قد بدأ فى تحقيق أول خطوة فى العدالة الاجتماعية، وعلى الرغم من أن وزير المالية يخطط لضريبة 5%، ويرفع بذلك سعر الضريبة النهائى إلى 30%، وعلى الرغم من أن الإخوان خفضوا أعلى سعر الضريبة من 30% إلى 25%، على الرغم من هذا وذاك فقد بدأت على الفور الأسطوانات المشروخة من بعض رجال الأعمال، أسطوانات من نوع أن الوقت غير مناسب لزيادة الأعباء على رجال الأعمال، وأن أهل البيزنس يعيشون فى ظروف صعبة وتصعب على الكافر، ولذلك فإن وزير المالية يحتاج إلى دعم قوى وحاسم من رئيس الحكومة، يجب أن يصدر قانون الضريبة على الأثرياء فورا، وربما يمتلك رئيس الوزراء محلب شجاعة وصلابة أكبر، فيضاعف ضريبة الأثرياء ل10%، خاصة أن فرنسا مثلا تفرض ضريبة ثراء تصل إلى أكثر من 60%، وفرنسا لا تمنح رجال الصناعة أو الأعمال الأرض بتراب الفلوس، ولا قدمت لهم الغاز الطبيعى والسولار والكهرباء بأسعار مخفضة، فالثروة التى كونها أهل البيزنس فى مصر كانت ولا تزال من ثروات وخير مصر وبرعاية حكومية تشريعية وتنفيذية على حد سواء، وبصراحة لا يجب أن نستمر فى طلب دعم الأشقاء العرب وفى مصر أكبر ملياردير فى الوطن العربى، ولدينا آلاف من رجال الأعمال والأثرياء يكنزون مئات الملايين فى البنوك الأجنبية، خاصة أن أعضاء نادى (المليارديرات) فى مصر لم يتبرعوا سوى بكام مليون جنيه، فدعوتهم للتبرع لم تؤت ثمارها، نحن لدينا صنف خاص جدا من الأثرياء، يأخذون فقط ولا يعطون، وأمثال هؤلاء لا يصلح معهم النصح أو الاعتماد على الروح الوطنية، بل يجب التعامل معهم بالقانون فهل يفعلها رئيس الحكومة؟
مرة ثالثة ورينا صلابتك يا محلب
3 - ضريبة الشقق المغلقة
فى قلب لندن بنى أحد الأثرياء عمارة، ورفض أن يؤجر شققها، وتقدم أحد المواطنين بشكوى للبلدية ضد مالك العمارة، وكانت هذه الواقعة فى عهد المرأة الحديدية مارجريت تاتشر وهى من أكبر دعاة الاقتصاد الحر، وقد ثارت رئيسة الحكومة، وتضامنت مع الشاكى، وكانت حجتها أن المجتمع له حق على المالك، لأنه يجب أن يستفيد من عمارته، وشغلت هذه القضية الرأى العام إلى أن انتهت بإجبار المالك على تأجير الشقق، فلايوجد حق مطلق بما فى ذلك حق الملكية، وفى مصر أكثر من 5 ملايين شقة مغلقة، فقد قرر أصحابها أنهم غير متضررين من عدم بيعها أو تأجيرها، والتعبير الشائع «خليها مقفولة الشقة لا تأكل ولا تشرب» وهناك جملة أخرى شهيرة «الشقة مقفولة هى هتكلفنا إيه»، وقد تكون الشقة لا تكلفه شيئا، ولكنها تكلف الدولة الكثير، فقد تم بناؤها باستخدام موارد الدولة المحدودة من حديد وأسمنت وأراض، وبدلا من أن تساهم فى حل الأزمة الطاحنة للإسكان، تحولت إلى بيوت أشباح، وبالطبع لم أطالب رئيس الحكومة محلب بفتح هذه الشقق على غرار ما فعلته المرأة الحديدية، ولكننى أطالبه بحل أسهل، وهى تعديل قانون الضريبة العقارية فورا، أو بالأحرى إصلاح الخطايا التى أدخلت على القانون فى عهد حكومة الجنزورى الثانية، فالحل القانونى الوحيد لإعادة هذه الشقق لسوق العقارات هو رفع قيمة الضريبة العقارية على الشقق المغلقة، فكل مواطن يجب أن تكون لديه شقة سكن واحدة وأخرى للمصيف، وما دون ذلك يجب أن يخضع لضريبة عقارية على الشقق غير المستغلة، والضريبة على الشقق غير المستغلة يجب أن تكون ضعف الضريبة على الشقق المستغلة على الأقل، بدون هذا القرار أو التعديل القانونى لن تحل قضية الإسكان، لأن الطلب على الشقق أكبر بكثير من طاقة الدولة على البناء سواء مشروع المليون وحدة أو غيره من المشروعات، وعندما يجد أصحاب هذه الشقق أنفسهم مجبرين على آلاف الجنيهات ضريبة على شققهم المغلقة، فلن يكون أمامهم حل سوى تأجير هذه الشقق للتخلص من عبء الضريبة الكبيرة، وبذلك تدخل سوق العقارات خمسة ملايين شقة جديدة متاحة إما للتمليك أو التأجير، وبنظرية العرض والطلب فستقل أسعار الإيجار والتمليك، وعندما يصر بعض أصحاب الشقق على استمرار إغلاق شققهم فعلى الأقل سوف تستفيد خزانة الدولة من الضرائب المفروضة عليهم، ويمكن استخدام هذه الأموال فى تمويل إسكان الفقراء، هذه معركة مهمة أمام الحكومة والنظام كله، وهذه معركة يمكن أن تكشف عن مدى قدرة صلابة رئيس الحكومة محلب.
لأنها ستحدث ثورة غضب لدى أصحاب الشقق الذين لا ينظرون إلى شىء سوى مصالحهم الخاصة الضيقة، والذين يسيئون استخدام حق الملكية، وأمثال هؤلاء لا يردعهم الامتناع عن شرب المياه المعدنية، ولكنهم يردعهم حكومة بتشرب «بيريل».