الكثير منا لمجرد كونه مختلفًا عن الأغلبية، يواجه العديد من أشكال الظلم والتنمر برغم أنه لم يرتكب أى خطأ أو جريمة، هو فقط خُلق مختلفًا عن الباقين، مميزاً من الخالق عن غيره، أو صاحب قدرات خاصة، فتصبح هذه جريمته التى تجعله منبوذًا طيلة حياته، وتجعله يواجه كافة أشكال الإيذاء والإساءة، لتقليل ثقته بنفسه. ريم يحيى، الحاصلة على ماجستير فى الآداب، ولدت قبل ميعادها نتيجة خطأ طبى ولم يتم وضعها فى حضانة، فأصيبت بشلل دماغى، نتج عنه حركة لا إرادية لرأسها ويديها، وحرص والداها على تعليمها رغم أنه كان من الصعب أن تلتحق بأى مدرسة، فتعلمت من المنزل من المرحلة الابتدائية حتى الثانوية، وكانت تذهب أوقات الامتحانات فقط، وتجلس فى لجنة خاصة، ويخصص لها مساعد للكتابة لعدم قدرتها على الكتابة بنفسها. وبعد تفوقها وحصولها على المركز الرابع على مستوى المدرسة فى المرحلة الثانوية، بدأت المرحلة الأصعب فى حياتها وهى المرحلة الجامعية، فى البداية التحقت بكلية آداب بنات عين شمس، قسم علم النفس، وفى أول يوم تذهب فيه للجامعة فرحة مستبشرة بيومها الدراسى الأول، يقابلها الأستاذ فى المحاضرة الأولى ويفاجئها بسؤال لم تكن تتوقعه «أنتِ إيه اللى جابك هنا» لترد «التنسيق يا دكتور اللى دخلنى الكلية والقسم!» فينهى الأستاذ كلامه بسخرية قائلا «أدخلى أصلها ناقصة»، تعلق ريم: «لو وضع أى شخص نفسه مكانى فى ذلك الموقف أمام 700 فتاة داخل المدرج، لشعر بحزن وظلم وكره لعجزه الذى جعله أداة لسخرية الآخرين». يومها قررت ريم ألا تستكمل دراستها فى الجامعة، لكن بعد نصيحة من أهلها لحرصهم على استكمالها لدراستها ذهبت إلى الجامعة مرة أخرى، وقامت بطلب تحويل إلى قسم الإعلام، رغم رفض أهلها لهذا القسم لعدة أسباب منها أنه من الأقسام الصعبة التى تحتاج حركة دائمة وعملا مستمرا، ولكن ريم لم تستمع لتلك النصائح واستكملت دراستها فى قسم الإعلام بكلية الآداب. تنمر دراسات عليا وفوجئ الجميع بحصولها على الترتيب الثانى على دفعتها، وقررت بعد التخرج أن تتقدم للحصول على درجة الماجستير فى الدراما، ولم يتم قبول تعيينها بالجامعة بسبب عجزها، وأثناء أدائها لاختبارات اللغة للتقدم إلى الماجستير، فالمعروف عن اختبار التويفل أنه يحتاج إلى سرعة فى الكتابة ويعتمد على الكم الكبير من الأسئلة، فطالبت بوقت إضافى لأن من يقوم بالكتابة لها فى الاختبار يستغرق وقتا أطول من المتاح للأسئلة، ففوجئت بهجوم عنيف من أستاذ اللجنة ليقول لها بكل سخرية «إنتى أصلا إللى زيك ملوش تويفل». مشكلة ريم الأساسية هى عدم تقبل المجتمع للآخر المختلف، فالمجتمع يجهل تلك الثقافة، وليس لديه الوعى بأن ذوى القدرات الخاصة، بشر ولهم حقوقهم مثل أى شخص داخل المجتمع، رغم أن الجميع يعلم أن من لديه مشكلة أو مرض وينجح ويتغلب على كل ذلك، هو شخص مميز وليس منبوذًا، فتقول ريم إنها شكرت الله لعدم تعرضها لهذا المجتمع فترة تعليمها ما قبل الجامعى، وأنها تلقت التعليم من المنزل. فكرت ريم فى توجيه رسالة للمجتمع، فسجلت فيديو نشرته على صفحتها الشخصية على فيس بوك، تحكى فيه عن المشاكل التى واجهتها بسبب إعاقتها، وتطلب من الجميع تقبل الآخر المختلف، حصل على ملايين المشاهدات ودعمها الكثيرون بالفعل، لكن واجهت ريم بعض التعليقات السخيفة التى تنفر منها ومن قدراتها. ورغم هذا لم تفارقها ابتسامة الأمل، فما زالت صامدة أمام كل تلك التحديات، وبعد حصولها على درجة الماجستير فى الدراما التليفزيونية، تسعى لاستكمال دراستها للحصول على الدكتوراه، وتتمنى أن تقف الدولة بجانبها وبجانب كل من لديهم قدرات خاصة، واستغلال قدراتهم فى أعمال تنفع المجتمع.•