د.ريم هلال، سيدة سورية الجنسية، فقدت بصرها منذ ولادتها، لكنها نشأت وكبرتْ، وهي تحلم باستكمال دراستها بكافة مراحلها، والجامعية منها، حتى حصلت، على شهادة الدكتوراه باللغة العربية وآدابها، بفضل إرادتها القوية وتصميمها، وبفضل من وقف الى جانبها من الأهل والأصدقاء، وبمثابرتها الدائمة على الدراسة وتحقيق النجاح والتقدم، وهي تعمل حالياً أستاذة بالجامعة، د. ريم كاتبة وشاعرة أيضا، تكتب الخواطر والأشعار، ولديها كتاب باسم:البصر والبصيرة، تشرح فيه سيرتها الذاتية، وطبيعة حياتها والصعوبات التي واجهتها وكيفية تغلبها عليها، حتى وصلت إلى ما وصلت إليه، من تقدم ونجاح، وحقيقة، إن ما نجحت به د. ريم هلال، الشاعرة والكاتبة، يعتبر بمثابة معجزة حقيقية. كعادتي مع كل من التقي بهن ممن أتحاور معهن من السيدات، كان سؤالي الأول لها هو: @من هي السَّيِّدة ريم هلال:الحالة الاجتماعية والعمر والعمل والشهادات والدراسة ومكان الإقامة والهوايات إن وُجِدَت ؟ أنا د. ريم هلال، من مواليد اللاذقية عام 1960م، وُلدتُ كفيفة البصر، لكن بعون الله والمحبّين من حولي، تمكَّنتُ من متابعة دراستي، وحصولي على درجة الدكتوراه، في اللغة العربية وآدابها عام 1998م. وأنا الآن أستاذة جامعية في كلية الآداب قسم اللغة العربية بجامعة اللاذقيّة، كما أنني أديبة وشاعرة، لي العديد من المؤلّفات . @ما هي الأفكار والقِيَم والمبادئ التي تحملينها وتؤمنين بها وتدافعين عنها ؟ وهل شخصيّتكِ قوية وجريئة وصريحة ومنفتحة اجتماعياً ومتفائلة؟؟؟ أؤمن بأن الإنسان، إنسان قبل كلّ شيء، وبعد كلّ شيء، بعيداً عن أيّ انتماء له، أغوص في جوهره حتى الوصول إلى أحاسيسه وألمِه، أنفر من الطائفيّة، الطبقيّة، الإقليمية، العرقية، وكل شيء يفصلني عن أخي البشري، الذي أنتمي وإياه إلى أبوين واحدين، إلى عائلة بشرية واحدة. أما بالنسبة إلى طبيعتي وشخصيّتي، فيقال إنني جد رقيقة، جد ملائكيّة، ربما هذا صحيح، لكن أمام الحق، أمام الخير، أما أمام سوى ذلك، فأمري يختلف تماماً، لست ملاكاً أمام الباطل والشر. @هل أنتِ مع حريّة المرأة اجتماعيّاً، واستقلالها اقتصادياً، وسياسياً ؟ أم تؤمنين بأن المرأة يجب أن تكون تحت سلطة الرجل بكل شيء ؟ مؤكَّداً، أؤمن بحريتها ضمن الصُّعد التي ذكرتَها حضرتك، مؤكَّداً، لا أؤمن بعبوديتها وخضوعها لسلطة الرجل، ما دمتُ أؤمن بحرية أيّ كائن بشري، وبعدم عبوديّته، أو ما دمتُ أتحمَّس بصورة جد مفرطة، حتى حيال حرية العصفور، الذي يلجأ البعض إلى حبسه في الأقفاص، لكن استدراكاً للأمر، ليست كل حريّة إيجابية، إذ ليس من المعقول أن نقول للمرأة: خذي حريَّتكِ الخلقيّة..وافعلي ما شئتِ، لا أؤمن بالحرية التي نادى بها نزار قبّاني لأجل المرأة، هذا الذي إن حاول تحريرها من السلطات التي فرضتها عليها العصور، فقد أخذها هو ليستعبد جسدها، وكل ما يمتُّ إليه بِصِلَة من حليها وزينتها..هذا ليس تحرُّراً. @ما هي علاقتك بالقراءة والكتابة ؟ القراءة بالنسبة لي، هي البحر الذي أودُّ أن أرتوي من ثرائه، قدر ما يسمح به الزمن ، وكم كنتُ أحسُّ بالقهر، والألم، لعدم تمكني من أن أمارس هذه الهواية، التي أهفو إليها متى شئت، ذلك بفعل وجود العائق البَصَري لديّ، واحتياجي إلى من يتفرغ لي دائماً بهذا الصدد. أما الآن، وبعد وجود البرنامج الناطق الخاص بالمكفوفين، فأستطيع أن أعتبر ان نصف حلمي قد تحقَّق، أما النصف الثاني، فلا يزال معلقاً في انتظار ما ييسِّر لي القراءة من الكتب الورقية، ذلك لكون البرنامج لا يقرأ إلا إلكترونيّاً ، والوورد تحديداً. أما الكتابة، فهي وفق منظوري العملية التي لا أزال أجهل آليَّتها، آليَّتها الداخليّة التي تجري في أعماقي، وأعماق أيّ كاتب، بعيداً عن إدراكنا ومعرفتنا. إن كل ما أعرف منها، هو أنها تمثُّلٌ لكلّ ما حصّلتُ قرائيّاً وثقافيّاً، وقبل كلّ شيء حياتيّاً، مضافاً إليها الموهبة التي خصَّ الله بها، بعض البشر دون سواهم، ولعلي أنا منهم . @لمن تكتبين ؟ وما هي طبيعة كتاباتك ؟ هل هي شعر أو نثر أو خلاف ذلك ؟ وما هي الرسالة التي تودِّين إيصالها للقارئ ؟ ومن هم الكتّاب الذين تعدّينهم قدوة لك وتقرئين لهم؟؟؟ فيما يتعلّق بسؤالك حول من أتجه إليهم بكتاباتي، وحول الرسالة التي أحملها من خلال هذه الكتابات، فقد سبق أن تطرقتُ إلى اتجاهي الإنساني في فكري وإحساسي، وبناء على هذا، فقد وجدتُ في الكتابة ورقتي البيضاء، النقيّة، التي أخطّ عبر سطورها كل ما يشغلني، بصدد اتجاهي ورسالتي هذين. وبصورة أكثر شمولاً، أستطيع القول إنني من خلال منظاري الإنساني، أكتب الحياة، بكل من فيها وما فيها، وأصوِّرُ كل ما أجده يستحقّ الوقوف عنده، ذلك بعد أن يكون قد هزَّ أعماقي، وفعل فيها ما فعل. وحول الأجناس الأدبية التي أكتب فيها، فأولاً كان الشعر الذي شكَّلَ بالنسبة إليّ استمراراً لموهبة غنائي، الذي كان من المفترض أن أحترفه، ولم يُتَح لي تحقيق ما أردتُ بصدده، بفعل عوامل تشابكت، وتعقدت عليّ. ثم من بعد الشعر، كان النثر الذي جاء مني استجابةً لرغبة قرّائي، الذين آثروا السهولة في وصول ما أريد قوله إليهم. والأهم من الشعر والنثر ربما، سيرتي الذاتية" البصر والبصيرة "، إذ رويتُ من خلالها تجربتي الحياتية، التي عشتها مع فقد البصر، بكل أبعادها، ولا سيما فيما يتعلق بدراستي عبر مختلف مراحلها. وفيما يتعلق بالكتّاب الذين أوثر القراءة لهم، فهم الذين اتضحتْ لديهم بصورة لا تقبل الشك، عبقرياتهم الأدبية، إضافة إلى من اتسموا بسعة الرؤية نحو حدود الحياة والكون، مثل جبران خليل جبران، أو من مثلوا محيطهم أو قضيتهم، ونقلوهما إلينا بصدق، مثل نجيب محفوظ، وحنا مينه، وغادة السمان ومحمود درويش، ود. سعاد الصباح. @هل تعتقدي أن الشبكة العنكبوتية، وصفحات التواصل الاجتماعي، خدمتْ الكتَّاب والأدباء والشعراء ؟ إلى حدٍّ لا يوصف، ولا يُقدَّر بثمن.. فقط إذا قستُ الأمر على تجربتي الإبداعية، فوضعُها كان قبل تعاملي مع النت شيئاً، والآن أصبح شيئاً آخر تماماً، فمن قبل، كانت كتاباتي محكومة برحمة أصحاب دور النشر، الرحمة المفقودة، ذلك من حيث الوعود غير الصادقة، وسوء التوزيع، وإنْ عبر القطر فقط، لا عربياً أو عالمياً، هذا عدا عن الرقابة الممجوجة من قِبَل الأوساط والأفراد، ووضع الحدود أمام عبور الكتاب . أما الآن، ففي ثوانٍ قليلة، يصل ما يراد كتابته ونشره إلى من هم في أقصى الأرض . وبهذا الصدد، أسألك أستاذ أحمد: لولا هذا التطور الهائل الذي حدث، من أين كان لنا أن نلتقي ضمن هذا الحوار؟ وعبر بلدينا سورية وفلسطين ؟ @ما هي الصعوبات التي واجهتِيها في أثناء حياتك الدراسية ؟ وكيف تغلَّبتِ عليها ونجحتِ ؟ وهل هناك من وقف إلى جانبكِ للمساعدة ؟ وهل للإرادة وقوتها دور في نجاحك ؟ واجهتني في البداية صعوبتان، تتمثَّل إحداهما في عدم وجود مدرسة للمكفوفين في مدينة اللاذقية التي أقيم فيها، وما عنى هذا من اضطراري إلى التعلُّم، وفق طريقة المبصرين، لكن وقوف أمي بجانبي، كان كفيلاً بتذليل العقبات التي اعترضتني بهذا الصدد، إضافةً إلى وقوف أفراد أسرتي وفقاً لِما يسمح به وقتهم، وكذلك بعض المدرِّسات، دون بعضهن، اللائي كنَّ جدّ سلبيّات. أما الصعوبة الثانية، فتتمثَّل في أقراني الأطفال، وغير الأطفال، الذين لم ينشأوا على استيعاب الأوضاع الخاصَّة. لكن برغم كلِّ شيء، حين يمتلك الإنسان إرادته البشرية، والإيمان بالإرادة الإلهية، وما يستتبعهما من الثقة، بما يمتلك من طاقات أخرى، لا بد من أن يمتلك الدعامة الراسخة التي هي كفيلة بأن تسيِّره ما يشاء، من خطوات مديدة، عبر طريقه مهما اعترضته من وهاد ومرتفعات ومنعرجات. @قناعتي تقول: وراء كل عذاب وتخلف امرأة رجل.. ما هو تعليقك سيَّدتي على هذه المقولة ؟ لا شك أن للرجل الشرقي دوره غالباً في تخلُّف المرأة، لِما يضع أمامها من عراقيل تَحُولُ دون تطوُّرها، ولِما يتسبَّب في إحباطها وعدم تشجيعها على تجاوز حالتها غير المريحة، ذلك بدءاً من أبيها، مروراً بأخيها، فزوجها، فالعديدين ممن تصادفهم في حياتها، لكن هذا لا ينفي ما لها هي ذاتها من دور في تخلُّفها وتقاعسها، ذلك لأنها إذا ما صادفت مثل هذه الصعوبات، لا يُفترض بها أن تخضع لها، وترضى بالوضع الذي قولبها ضمنه مجتمعها ألذكوري، بل أن تسعى وتحاول تبديل ما هي عليه، حتى تفرض نفسها بنفسها، وتعمل بما تحقِّق من منجزات على حمل هذا الرجل، على تغيير موقفه حيالها، وتغيير موقف المجتمع بأكمله. مثلاً في كثير من الأحيان، نسمع بأن الناس لا يذهبون إلى طبيبة أو محامية، لثقتهم الأكبر بالطبيب أو المحامي، هنا الخطأ ليس من المجتمع فقط، بل منها هي، التي لم تثبت تفوقها، أو على الأقلّ توازيها مع الرجل. إن عليها في هذه الحال، أن تصبح عالمة في الطب، أو عالمة في القانون، وحينذاك..لا أحد سيقول لها:أنتِ امرأة، وسترى الرجل تلقائيّاً يرفع لها القُبَّعة. @ما هي طموحات وأحلام الدكتور ريم هلال، الشخصية والعامة، التي تتمنى تحقيقها ؟ لا خاص ولا عام، لديّ في طموحاتي وأحلامي، بل إنهما مندمجان في أفق واحد. أنا جزء من الكلّ الإنساني، والكلّ الإنساني عائلتي ومجموعتي. وعلى هذا أحلم في مجال عالمي الأدبي، بأن تنبثّ كلماتي ضياءً عبر الأرض، فلا أبيضَ بين البشر. وعلى صعيد آخر، أحلم بأن أمتلك ثروة وافرة، نعم، أحلم بأن أصبح ثريّة، لا من أجلي أنا، فراتبي جيد، وقد شبعتُ من أشياء كثيرة في هذه الحياة، بل من أجل أن أوزّعها بين أكبر عدد من البسطاء، وأخفِّفَ أكبر قدر من الآلام.