بعد إقرارها رسميا.. موعد عيد العمال وشم النسيم .. وهؤلاء الموظفون محرومون منها بالقانون    رئيس جامعة عين شمس يبحث مع السفير الفرنسي سبل تعزيز التعاون الأكاديمي    السعيد: الحكومة تستهدف ترشيد الانفاق الاستثماري والتوسع في الإنفاق العام على التنمية البشرية    الرقابة المالية تسمح بحضور الجمعيات العمومية لصناديق التأمين الخاصة إلكترونيا    الجريدة الرسمية تنشر قراري مجلس الوزراء بشأن إجازة شم النسيم وعيد العمال    3 وزراء يؤكدون أهمية الذكاء الاصطناعي في تنمية الدولة.. العدل: الانتهاء قريبا من قانون تنظيم هذه التكنولوجيا.. مصيلحي: ساعد في توصيل الدعم لمستحقيه.. والاتصالات: إعداد المرحلة الثانية من الاستراتيجية    البورصة تخسر 86 مليار جنيه في ختام تعاملات منتصف الأسبوع    100 قرية استفادت من مشروع الوصلات المنزلية بالدقهلية    محافظ بوسعيد يستقبل مستشار رئيس الجمهورية لمشروعات محور قناة السويس والموانئ البحرية    سفير فرنسا: سنواصل جهودنا من أجل إدخال المساعدات الإنسانية إلى قطاع غزة    ترامب يحصل على جائزة بقيمة 1.3 مليار دولار من شركات التواصل الاجتماعي    الجامعة العربية تشهد اجتماع لجنة جائزة التميز الإعلام العربي    أحمد سامي ل في الجول: فوجئنا بانقطاع المياة والكهرباء قبل خوض مواجهة بلدية المحلة    دروجبا: كأس العالم للأندية 2025 فرصة لا مثيل لها ل إفريقيا    مانشستر سيتي ومانشستر يونايتد، تحديد توقيت نهائي كأس إنجلترا    وزير الرياضة ومحافظ شمال سيناء يشهدان ختام مهرجان الهجن    جمارك مطار الغردقة تحبط محاولة تهريب كمية من الحشيش والماريجوانا    وزير العدل: تشكيل لجنة رفيعة المستوى لوضع مشروع قانون ينظم استخدامات الذكاء الاصطناعي    التصريح بدفن جثة طفلة سقطت من أعلى بأكتوبر    إدارة المنيا التعليمية تعلن استعدادها لامتحانات نهاية العام    إحالة أوارق المتهم بقتل شاب وسرقة مقتنياته في الشرقية للمفتي    نجوم الفن ينعون تامر عبد الحميد: رمز في الصبر على البلاء    أحمد زاهر يكشف طريقة خسارة وزنه 20 كيلو في 3 شهور    فيلم "شقو" يحصد 916 ألف جنيه بدور العرض أمس    الإسكندرية للفيلم القصير يشكل لجنة تحكيم نسائية احتفالا بالدورة العاشرة    عبير فؤاد تتوقع ظاهرة غريبة تضرب العالم خلال ساعات.. ماذا قالت؟    فتح أبواب متحف السكة الحديد مجانا للجمهور احتفالا بذكرى تحرير سيناء    صحافة الجنازات!    «الصحة» و«البترول» توقعان اتفاقيتين لتقديم الرعاية الصحية في بورسعيد ومطروح    محافظ المنيا: تنظيم قافلة طبية مجانية في مركز أبو قرقاص غدا    الصحة: 80% من نسبة الأملاح في جسم الإنسان بسبب الأطعمة المصنعة    «نجم عربي إفريقي».. الأهلي يقترب من حسم صفقة جديدة (خاص)    مصرع سائق في حادث تصادم بسوهاج    محافظ كفر الشيخ ونائبه يتفقدان مشروعات الرصف فى الشوارع | صور    دار الإفتاء: شم النسيم عادة مصرية قديمة والاحتفال به مباح شرعًا    هل يحق للزوج التجسس على زوجته لو شك في سلوكها؟.. أمينة الفتوى تجيب    بيلجورود الروسية تكشف عدد الق.تلى المدنيين في هجمات أوكرانيا منذ بدء الحرب    بقرار من الرئيس.. بدء التوقيت الصيفي الجمعة المقبلة بتقديم الساعة 60 دقيقة    سيدات سلة الأهلي يواجه مصر للتأمين في الدوري    نستورد 25 مليون علبة.. شعبة الأدوية تكشف تفاصيل أزمة نقص لبن الأطفال    هل مكملات الكالسيوم ضرورية للحامل؟- احذري أضرارها    اللعبة الاخيرة.. مصرع طفلة سقطت من الطابق الرابع في أكتوبر    السفير طلال المطيرى: مصر تمتلك منظومة حقوقية ملهمة وذات تجارب رائدة    فرج عامر: الفار تعطل 70 دقيقة في مباراة مازيمبي والأهلي بالكونغو    «النواب» يبدأ الاستماع لبيان وزير المالية حول الموازنة العامة الجديدة    مجلس النواب يحيل 23 تقريرًا برلمانيًّا للحكومة -تعرف عليها    خلال الاستعدادات لعرض عسكري.. مقتل 10 أشخاص جراء اصطدام مروحيتين ماليزيتين| فيديو    قطاع الدراسات العليا بجامعة القناة يعلن مواعيد امتحانات نهاية الفصل الدراسي الثاني    متحدث وزارة العمل: تعيين 14 ألف شخص من ذوي الهمم منذ بداية 2023    "ضربها بمزهرية".. تفاصيل مقتل مسنة على يد سباك بالحدائق    جيش الاحتلال الإسرائيلي يقصف مناطق لحزب الله في جنوب لبنان    وزير الأوقاف من الرياض: نرفض أي محاولة لتهجير الشعب الفلسطيني وتصفية قضيته    الرئيس السيسى يضع إكليلا من الزهور على النصب التذكارى للجندى المجهول    رئيس الأركان الإيراني: ندرس كل الاحتمالات والسيناريوهات على المستوى العملياتي    اتحاد الكرة يوضح حقيقة وقف الدعم المادي لمشروع «فيفا فورورد»    مستدلاً بالخمر ولحم الخنزير.. علي جمعة: هذا ما تميَّز به المسلمون عن سائر الخلق    الإفتاء: التسامح في الإسلام غير مقيد بزمن أو بأشخاص.. والنبي أول من أرسى مبدأ المواطنة    علي جمعة: منتقدو محتوى برنامج نور الدين بيتقهروا أول ما نواجههم بالنقول    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



أنا بنت فاطمة محمود البكرى
نشر في صباح الخير يوم 21 - 03 - 2018


د. آمنة نصير
نشأت فى أسرة صعيدية بمعنى الكلمة، ثقافة وتدينًا وثراءً فى الحياة. والدى كبير عائلة آل نصير، ووالدتى فاطمة بنت محمود مصطفى أبو السعود البكرى، قمة فى السخاء وحسن الضيافة للكبير وللصغير وللقادمين من مدن الشاطئ.
تفتحت عينى على ثقافة وحضارة الصعيد، الملتزمة من قبل أمى التى لم تترك كبيرة أو صغيرة فى سلوكى أنا وأختى، إلا وتوقفت عندها، فتقول:«بنات العائلات والأصول لايضحكن بصوت عالى»، وعندما كان يأتينا ضيوف من نساء العائلة، كانت نظرتها تكفى لأن نقرأ فيها ما تريد، فمن ثقافتنا أن الطفلة لا تجلس وسط النساء، أقصد نظرة الأم الدائمة على سلوك أطفالها، وتقبل الأولاد لهذا، لأنها لا تجرح أبناءها أمام الضيوف، وفى نفس الوقت لا تترك الأمر لأن يحدث فيه ما لا يراد منه.. فى الأربعينيات فى «قرية موشا» بأسيوط، كان والدى يوفر لنا صبيًا يأتى لنا بالصحف والمجلات اليومية من المركز، الذى يبعد 15 كيلو عن قريتنا، ويكلفه أن يمر علىّ لأنتقى ما أريده من الصحف والمجلات، قبل أن يدخل البيت، الأمر الذى فرض على القراءة السريعة، منذ كنت فى الصف الثانى الابتدائى.
أذكر أن ناظر المدرسة كان يأخذنى من الصف الثانى، لأقرأ أمام طلاب الصف الرابع وأحرجهم، مما أكسبنى نوعًا من التفتح المبكر، فعرفت أمينة السعيد والمحامية مفيدة عبد الرحمن وسهير القلماوى، التى زرعت فى منذ طفولتى حب أن أعمل بالجامعة.. لم تكن أمى تقرأ أو تكتب، لكن كانت تتحدث الفصحى بطلاقة، ففى قريتنا موشا كان عندنا الكثير من خريجى الأزهر، أيام كان للأزهر دور فى البلاد.
المعركة الأولى
وقفت أمام أبى كبير العائلة، وأنا فى سن 8 سنوات، لأطلب منه أن أكمل تعليمى فى أسيوط، بعد أن أنهيت الأربع سنوات الإلزامية، فنظر إلى باندهاش وغرابة:«ما أنت الولد بيجيب لك الجرايد، اتعلمى منها، وخليكى فى البيت عشان نجوزك».. وهنا انبرت أمى وقالت:«ياحاج، وماله، اسمع كلامها وطاوعها، ونشوف مدرسة حلوة السمعة»، فيقول لها: هنشوف الموضوع ده، فى حوار مؤدب حلو بين رجل وزوجته.. لكنها تأتينى بعيدًا عنه وتقول لى بإشفاق الأمومة وبأسى: «ثقافتنا كده، هيقولوا علينا إيه، إحنا محسوب علينا كل حاجة، اكتفى بما وصلت إليه من التعليم، أنت مثقفة وتقرأى وتكتبى».
لجأت إلى ناظر المدرسة الذى كان يأخذنى للفصول الأكبر لأقرأ لهم، وما زلت أشعر بمذاق تلك اللحظة، رغم مرور 70 عامًا عليها، فجلس مع والدى فى الدوار الكبير، الذى كان يفصله باب ضخم عن مكان النساء، وقال له«ياعم الحاج أنا هدخلها مدرسة داخلى، لن يراها أحد ولا يزورها أحد، سوى أخوها أو أنت لما تيجوا تاخدوها فى الإجازة»، يقصد المدرسة الأمريكية فى أسيوط.. مكثت سنة كاملة فى هذا الصراع، واستعنت بأقاربى الذين كانوا يعيشون فى الإسكندرية وفى القاهرة، خلال زيارتهم لنا، خاصمت البيت كله، وأجلس فى غرفة معزولة، أتعبت أمى وأختى التى تكبرنى بسنة ونصف، وأخى الكبير أحمد الذى كان يكبرنى ب15 سنة، وكان لى أخ اسمه على، توفى فى عمر العشرين فى ثأر بين عائلتى وعائلة أخرى.. وفى يوم قال أبى لأمى: هى آمنة مقاطعانا ولا إيه؟، فقالت: زعلانة، فرد:ولا يهمك هنوديها المدرسة، الناظر هيقدم لها، كانت مصروفات الإقامة فى القسم الداخلى 200 جنيه، بجانب 50 جنيهًا مصروفات الدراسة، وكان مبلغًا يكفى لشراء فدانين ونصف، كانت أكبر وأفضل مدرسة فى الإرساليات التبشيرية فى الشرق الأوسط، وبقيت فيها 12 سنة، وقال أحدهم ما أنفق على تعليم آمنة كان يكفى شراء عزبة كاملة.. الدراسة فى هذه المدرسة، لا تضاهيها أى دراسة موجودة الآن، حتى فى المدارس الدولية، شكلتنى كإنسانة، وساندتنى أمى فى معركة التعليم رغم قولها: «أروح منك فين، إزاى تتغربى وتروحى أسيوط»، وواصلت معركة التحاقى بالجامعة وساندتنى فيها قريبتنا من القرية، عميدة كلية البنات بجامعة عين شمس وقتها، د. فتحية سليمان التى كان والدها قائد الجيش المصرى فى السودان، وسافرت لتتعلم فى لندن، وزوجة وزير التعليم العالى فى الستينيات د. عبد العزيز السيد.
أمى الثانية
أقنعت طنط فتحية مع أقارب آخرين، والدى بأن ألتحق بالجامعة التى لا يوجد فيها اختلاط، ورفض رئيس قسم اللغة الإنجليزية د. أبو العينين أن ألتحق بقسمه، ودلنى على دراسة الفلسفة وعلم النفس، كى أتوازن مع نفسى، بعد سنوات الدراسة فى المدرسة الأمريكية.. طنط فتحية كانت أمى الثانية فى القاهرة، تعلمت من أصدقائها، د. لطيفة الزيات، ود. حكمت أبو زيد، ود. سمية فتحى، ود. صفاء الأعسر، واختار لى د. أبو العينين أن أدرس فى الماجستير فلسفة جمال الدين أبو الفرج ابن الجوزى صاحب مدرسة الحنابلة والفكر السلفى.
طوال هذه الرحلة كانت أمى تشجعنى بقولها:«يامطولة رقبتى يا آمنة..يا مشرفانى ياحبيبتى»نجاحى كان فخرًا لها، وكانت كلماتها تعطينى اعتزازًا نفسيًا وأخلاقيًا، والبنت التى تسمع هذه الكلمات تنشأ قوية أبية، متشبعة بالثقة فى نفسها، وبالعاطفة، فلا تكون مشتاقة لسماع كلمات من هنا أو هناك، ولا تقبل لنفسها بالدنية مهما يكن ثمنها، ولا تقبل الهزيمة، وهو ما بقى بداخلى حتى الآن من أمى، السيدة القوية الإرادة التى لا تنكسر أمام أى أحد. •


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.