صدمة فقدان الأب أو الأم.. صدمة الالتحاق بكلية أو جامعة لم تكن ضمن طموحنا.. صدمة مواجهة واقع مختلف أوالعمل فى وظيفة لا نحبها، صدمة التقدم فى العمر.. صدمة الخروج من المنصب.. صدمة المرض، صدمات خيانة الأزواج والطلاق والتعرض للاغتصاب.. كلها صدمات نعيشها وقد لا نتمكن من التخلص من كل آثارها، تترك فينا ما لا نستطيع أن نبوح به.. قد نؤذى به غيرنا بوعى أو دون وعى. الدكتورة رشا الجندى مدرس علم النفس بجامعة بنى سويف، قدمت بحثًا لعلاج صدمات الشباب، شاركت به فى الكثير من المؤتمرات الدولية. وتحدثت ل«صباح الخير» عن فكرة البحث، واستفادة الشباب منه. • من أين جاءت فكرة بحث عن تخليص الشباب من الآثار السلبية للصدمات التى عاشوها؟ - من خلال تعاملى المباشر مع طلاب وطالبات الجامعة، اكتشفت أن معظمهم يكتمون بداخلهم الكثير من المشاعر والذكريات السلبية، بسبب صدمات تعرضوا لها على مدار سنوات حياتهم، ولم يجدوا من يساعدهم على التخلص من آثارها المتراكمة. اكتشفت أيضا أن نسبة لا يستهان بها لا يستطيعون التعبير بصراحة ووضوح عن تلك المشاعر السلبية، وبالتالى لا يستطيعون التخلص منها، ويعانون فى صمت، وقد تؤثر على حياتهم العملية. المشكلة لا تخص الشباب فقط، ولا طبقة اجتماعية بعينها، بل يعانى منها أشخاص من مختلف الطبقات الاجتماعية والاقتصادية. العلاج يقدم البحث ثلاثين جلسة محددة بالوقت والمحتوى، يخضع لها الشخص لكى يتخلص من الآثار السلبية النفسية التى تكونت بداخله على مدار حياته. وطبق على عينة من طالبات الجامعة فى تخصص معلمات رياض الأطفال، لأنهن سيكن مسئولات عن تربية جيل، وفاقد الشىء قد لايستطيع إعطاءه. ولنضمن سلامة الصحة النفسية للأطفال، لابد من ضمان سلامة الصحة النفسية لمعلميهم، وخلوهم من العقد النفسية، وتستطع أى مؤسسة الاستفادة من هذا البرنامج وتطبيقه على العاملين بها. • كيف نكتشف من يحتاج برنامج علاج الصدمة؟ - لاحظت أن بعض الطلاب يشعرونك بأنهم يحملون حملا ثقيلا، وبعضهم منعزلون، وبعضهم يميلون للاكتئاب، فركزت خلال المحاضرات أن أعطيهم فرصاً للتعبير عن أنفسهم، وطلبت ممن لا يرغب فى مشاركتى، أن يكتب مشكلته ويضعها فى ظرف مغلق حرصا على السرية. ثم تأتى مرحلة التعبير عن طريق السيكودراما، «تمثيل مسرحى لإيصال المعلومات» ثم كرسى الاعتراف «بتهيئة الجو بالإضاءة والموسيقى المناسبة وتقف الطالبة تلو الأخرى أمام زميلاتها لتعبر عن أحاسيسها ومشاكلها، وأقوم بإشراكهم معها فى الحل». فى المرحلة التالية تأتى مرحلة التعرف على الطريقة المناسبة لكل طالبة للتعبير عن مشاعرها، وإعطائهن فرصة التعبير بالطريقة التى تناسبهن. • ما أكثر الصدمات التى يعانى منها الشباب؟ - أولها: الحرمان العاطفى، أو صدمة فقدان الأب والأم، والثانية: صدمة الالتحاق لكلية أو جامعة لم تكن ضمن طموحه. الصدمة الثالثة: خاصة بالخريجين، فمعظمهم يعانون من صدمة مواجهة واقع المجتمع المختلف فى المبادئ والعادات والتقاليد التى تربوا عليها فى منازلهم، أو ما قرأوها فى الكتب، وصدمة العمل فى وظيفة بعيدة عن تخصصه أو طموحه والتى يترتب عليها نسبة عالية من البطالة. وبصفة عامة تعانى مختلف الأعمار من هذه الصدمات، مثل صدمة الانتقال من حال إلى حال، كالتقدم فى العمر أو سحب منصب من الشخص، وصدمة المرض، والصدمات الجنسية، كخيانة الأزواج والطلاق وزنا المحارم والتعرض للاغتصاب.. وهكذا. • هل هناك حالات تمت معالجتها بالفعل؟ - أرفض كلمة العلاج، فهؤلاء الشباب لا يعانون من أمراض، ولكنها تراكمات نفسية سلبية، تم إهمالها إلى أن تطورت فأصبحت تؤثر على سلوكهم الشخصى، وعلى عملهم، وقد يصل الأمر للتأثير على اقتصاد بلد كاملة، لأن الشباب هو الذى يعمل وهو سبب تقدم البلاد. من بين هؤلاء مطرب أصيب بالشلل بسبب خيانة زوجته، واستجاب للمساندة النفسية وتحسنت حالته واندمج مرة أخرى مع المجتمع، واستجابت بعض المراهقات، من صدمات المرض، ومن شبح الثانوية العامة، ومن الضغط النفسى لممرضات الطوارئ والحروق، أبناء الانفصال بين الزوجين، الملل والاكتئاب وغيره. أتذكر طالبة كانت لا تمتلك الشجاعة ولا الجرأة للتحدث أمام زملائها، الآن استطاعت أن تشرح لهن المحاضرة أفضل منى شخصيا. • ما خطوات البرنامج؟ أولا: (التفريغ) بالتعبير عن المشاعر الشعورية واللا شعورية المكتومة، باستخدام وسائل التعبير المختلفة. ثانيا: (التصنيف) تصنيف الحالات المتشابهة والمختلفة. ثالث:ا (التحديد) تحديد الاحتياجات الجماعية والفردية. رابعا: (التطبيق) تنفيذ الجلسات وفقا للتصنيف والتحديد. خامسا: (التقويم) للتأكد من انتهاء الآثار السلبية للصدمات. وأخيرا: (التحصين) ضد أى صدمات جديدة فى المستقبل. ويطبق البرنامج من خلال التحدث مع المتدربين فرديا وجماعيا، بأساليب غير مباشرة كالعصف الذهنى، التعبير عما بداخل النفس بأساليب التعبير المختلة ( الرسم- التمثيل- الكتابة- الغناء- الرقص- المناقش-... إلخ) وفقا لكل شخصية، السيكودراما، اللعب، التأمل، النموذج، الزيارات الميدانية، الحوار والمناقشة، لعب الأدوار (لتفسير الحدث من وجهة نظر الشخص المصاب)، الأنشطة الجماعية، إحياء الوازع الدينى والإيمان بالقضاء والقدر، التخيل، الموازنة ما بين الخيال والواقع، الحب، استحضار العقل الباطن واستخدامه، خط الزمن والرياضة. أخيرا.. أتمنى أن تستفيد الهيئات الحكومية والخاصة بالبرنامج، لضمان صحة نفسية أفضل للعاملين، وأن ى صبح برنامجا تدريبيا لازما لتخرج الطالب أو الطالبة من الجامعة، وشرطا لتعيين موظف فى مصلحة ما، كقائد مسئول عن أشخاص أخرى، فقرارات ومعاملات المسئول لابد أن تكون خالية من أى تراكمات نفسية أو سلبية. •