بعد النجاح الساحق الذي حققه الثنائي الفنانة نيللي كريم والسيناريست مريم ناعوم في مسلسلهما "تحت السيطرة العام الماضي الذين تصدروا به سباق الدراما الرمضانية، والتي تدور أحداثه حول حياة مدمني المخدرات، وأهمية الدعم النفسي والمعنوي للمدمن في طريق التعافي، اتجهت العديد من الفنانات وكتاب الدراما إلى "السيكودراما" أو فيما يعرف بالخانكة للتصدر في سباق الدراما الرمضانية، وجذب انتباه المشاهد الذي يتأثر بهذه النوعية من الدراما، أبرزهم الفنانة يسرا التي انضمت مؤخرا إلى كتيبة المرضي النفسيين بمسلسلها الذي يعرض حاليا خلال موسم شهر رمضان "فوق مستوى الشبهات". على الرغم من تنوع الحبكات الدرامية بين الأكشن والرومانسة والقصص التاريخية، لكن اللافت في دراما رمضان هذا العام، وجود عدة مسلسلات تتناول القضايا النفسية والحياة الاجتماعية للمريض النفسي مثل مسلسل "فوق مستوي الشبهات" للفنانة يسرا، و "سقوط حر" للفنانة نيللي كريم، ومسلسل "الخانكة" للفنانة غادة عبد الرازق، و "هي وادفينشي" للنجمة ليلي علوي، مما إصاب المشاهد المصري بنوع من الأحباط والاكتئاب، خاصة مع جرعة النكد الزائدة التي حرصت عليها الكاتبة مريم نعوم هذا العام والتي بدت واضحة في مشاهد "سقوط حر". وفي هذا السياق، يقول الناقد الفني طارق الشناوي :"أن نجاح الفنانة نيللي كريم في مسلسل تحت السيطرة، استهوت الفنانات الأخريات في البحث عن "السيكودراما" التي تظهر موهبة الفنان الحقيقية، بعد أن ظلت تلك النوعية من الأدوار بمثابة أبوابا يخشي طرقها الكثير من الفنانون لفترة طويلة من الزمن". وأرجع الشناوي الإقبال على تجسيد شخصية المريض النفسي من جانب الفنانون إلى أنها من الشخصيات التي تلقي صدي واسع وكبير لدي المشاهدين، كما أنها من الشخصيات التي تجذب العديد من المشاهدين منذ أمد بعيد، فيبدأ يتأثر ويبكي ويتفاعل مع المريض وكأنه شخص مقرب منه. ويؤكد الشناوي، أن تقمص شخصية المريض النفسي ليس بالأمر السهل، فالممثل لو لم يستطع ضبط جرعة الأداء سيقع في فخ المبالغة التي تدمر المصداقية، مثلما حدث مع الفنانة نيللي كريم في مسلسل "سقوط حر" الذي يُذاع حاليا خلال شهر رمضان، والتي بدت مبالغة في ادائها، بالإضافة إلى كثافة الدور الذي ارهقت المشاهد نفسيا. ولكن تيقن الشناوي بحدوث مفاجآت ونقلة كبيرة في الحلقات القادمة من المسلسل لثقته الكبيرة في المخرج التونسي شوقي الماجري؛ نظرا لأنه من المخرجين الكبار الذين لديهم رؤية واعية للواقع. ويوضح الشناوي، أن مسلسل "فوق مستوي الشبهات" للنجة يسرا يختلف تماما عن "سقوط حر"، فهو يجمع بين الدراما الاجتماعية والسيكودراما في قالب تشويقي. ويري، أن المسلسلات التي تناقش المرضي النفسيين إذا تم مناقشتها أو تنفيذها تحت اشراف أطباء نفسيون متخصصون لعرض القضية بشكل صحيح، والاشراف على أداء الفنان في المسلسل، حتما سيحتل المسلسل مكانة بارزة في قلوب المشاهدين بعيدا عن اصابتهم بالاكتئاب أو الأحباط. ومن جانبه، يقول الدكتور محمد عادل الحديدي، أستاذ الطب النفسي بجامعة المنصورة، وزميل الجمعية الامريكية للطب النفسي وعلاج الإدمان، أن المسلسلات التي تناقش القضايا النفسية لها جانب إيجابي وسلبي، فمن مميزاتها، رفع الوعي العام لدى المصريين للوقاية من الامراض النفسية ، وكيفية التعامل تجاه الآثار النفسية السلبية على المجتمع ، كما تعمل على تقديم الدعم النفسي لضحايا الصدمات النفسية، وتزيل الرهبة والخوف بداخل قلوب المشاهدين تجاه المريض النفسي، بالإضافة إلى أنها تمد المشاهد بالأسلوب الأمثل في التعامل مع المريض النفسي وأهمية الدعم النفسي له في طريقه إلى التعافي. أما عن الجانب السلبي لتلك النوعية من المسلسلات، يقول الحديدي :" على الرغم من أن هذه النوعية من الدراما تحظي على اهتمام كبير من المشاهدين، إلا أنها لها أبعاد سلبية أخرى، فبعض الأعمال تحتوي على مشاهد مبالغة قد تسبب الأذى النفسي للأطفال وخاصة المراهقين الفئة الأكثر عرضة للاكتئاب، مثلما يحدث في مسلسل "سقوط حر" الذي يحوي على بعض المعلومات المغلوطة تجاه مرض الصدمة النفسية". ويتابع الحديدي :" مرض الصدمة النفسية التي تجسد دوره الفنانة نيللي كريم، هي حالة من الأذى وعدم التوازن والاضطراب في المشاعر التي غالباً ما تؤدي إلى تأثير عقلي وجسدي ناتج عن رد فعل طبيعي للحدث الصادم، فيحدث للمريض اضطرابات نفسية ناتجة عن التعرض للحدث الصادم، تظهر أعراضه خلال 3 : 6 شهور من التعرض للصدمة، وسرعان ما يشفي المريض نهائيا، لكن إذا تواصلت الأعراض لأكثر من 5 سنوات يصبح المرض مزمن يصعب علاجه، ولكن في "سقوط حر" يبالغ في اعراض الصدمة التي تستمر معها لسنوات، وتتعرض للانتكاسة أكثر من مرة بعد أن تتماثل الشفاء". لافتا إلى أن الأعمال الدرامية التي لا تلتزم بمعالجة أبعاد المرض النفسي بشكل علمي صحيح ترسخ مفاهيم مغلوطة لدى الجمهور حول طبيعة كل مرض وأسبابه ومخاطره. ويردف قائلا :" بعض المخرجين وكتاب الدراما يبالغون في الأداء والمرض النفسي لكسب تعاطف المشاهد المصري على حساب نفسية المشاهد والأطفال والمراهقين". ويري الحديدي، أن من الأفضل عند تناول قضية نفسيه الابتعاد عن الموسيقي التصويرية الحزينة والأماكن التصويرية التي توحي بالكآبة، وعدم التركيز على الشخصية المريضة نفسيا أي عرض قصص اجتماعية أخرى بجانب شخصية البطل النفسية، والحرص على عرضها كشخصية طبيعية تمارس حياتها بشكل طبيعي بجانب مرضها، وتجنب تنميط الشخصيات، والحرص على وجود أطباء نفسيون مسؤولون عن الخطوط الدرامية لمثل هذه النوعية من الأعمال لتناول المرض وسبل علاجه بشكل صحيح ؛ حتي لا يُصاب المريض النفسي والمشاهد بالإحباط والأكتئاب. وتقول الدكتورة عبير ناصف أستشاري العلاقات الأسرية وخبيرة التنمية البشرية :" أن الدراما المصرية هذا العام تفتقد المشاعر الايجابية، و الروح الرمضانية، والجو الاسري والعائلي وهو من أهم ما يميز شهر رمضان". مؤكدة أن دراما رمضان هذا العام أدخلت المشاهد في دوامة من المشاعر السلبية من حزن، وقلق، وتوتر، وغموض. وتري، أن الفنانون يبحثون عن مصلحتهم الشخصية فقط في إظهار موهبتهم كفنانين من خلال أدوار السيكودراما ومازال الضحية المشاهد المصري، الذي يصاب بحالة من الاكتئاب تسيطر عليه طيلة شهر رمضان. وتتابع :"اتسمت المسلسلات الدرامية هذا العام بجو مشبع بالاحباط والاكتئاب ، والجدير بالذكر أن الامر تكرر بعدد كبير من المسلسلات هذا العام وكأنها حرب نفسية مقصودة لافساد الروح الايجابية في الشهر الكريم ، حيثُ ركزت الاحداث الدرامية هذا العام على مشاهد العنف والتعذيب في السجون وجرائم القتل والمرض النفسي الذي يصيب المشاهدين بالملل والاحباط". وتوضح، غابت المسلسلات التي ترسخ القيم والمبادئ لدي الأطفال والمراهقين مثل "عمر فؤاد" و "يوميات ونيس"، واحتلت مكانها مسلسلات القتل والبلطجة والحالات النفسية التي تظهرها بصورة مبالغة. وتردف :"إن المسلسلات والأعمال الفنية ما هي إلا تجسيد لعادات وتقاليد وحياه الشعوب ، فعندما تمثلنا الدراما المصرية بهذا التجسيد المخزي من مرضى نفسيين، وعاهرات وخيانة زوجية، وتعذيب بالسجون، وجرائم قتل، ومشاهد عنف، وأعمال السحر والدجل والشعوذة يعتبر إهانة كبيرة لكل فئات الشعب المصري لانها تمثل حياتنا وعاداتنا وتقاليدنا سواء تقبلنا ذلك أو رفضنا ، بجانب أن مشاهدة هذه الدراما يعتبر عامل مساعد ومؤثر على الميول العدوانيه لدى الشباب والمراهقين، فالقنوات الفضائية تركز على جذب أكبر عدد من المشاهدين وتحقيق اعلى نسب مشاهدة وكذلك أعلى الايرادات ضاربة بعرض الحائط كل القيم والأخلاق متغاضية عن مضمون ما تقدمه الاعمال الدرامية أو الرسائل التي تحملها أو التركيز على أهداف العمل الفني سواء ثقافي او اجتماعي او تربوي ". وتؤكد، أن الاعمال الدرامية المصرية باتت فيرس خطير يهدد كل البيوت العربية مهما حاولت الاسرة السيطرة عليه، فهي تؤثر بشكل كبير على أفكار و سلوك الفرد والمجتمع ككل؛ لأنها تعتبر من أهم مصادر البرمجة اللغوية العصبية . ففي علم النفس والتنمية البشرية يحتاج الفرد لتعديل أفكار ما أو سلوك ما الى 21 يوما متصله من البرمجة اللغويه العصبية فما بالك ب 30 يوما من البرمجة السلبية خلال مشاهدة هذه المسلسلات طيله شهر رمضان، فقد يلتقط الأبناء والمراهقين وأيضا الكبار دون وعى نفس تردد الافكار والمشاعر والسلوكيات التي يشاهدونها، ففي الدول المتقدمة لا يسمح للأطفال والمراهقين بمشاهدة أعمال نفسية دون ارشاد عائلي، لذا على الأسر الانتباه لما يشاهدونه أطفالهم من مسلسلات والتحدث معهم حول طبيعة المسلسل وما يناقشه بأسلوب علمي وصحيح.