دراما رمضان هذا العام ترى أن مصر تحولت إلى خانكة كبيرة، وهو الاسم الذى نرمز به فى بلدنا لأى خلل عقلى يصيب أى إنسان فنردد «ده عاوز يروح الخانكة» إشارة إلى مكان العلاج، أو عاوز يروح «العباسية» حيث تتواجد أشهر مستشفى للأمراض النفسية والعصبية، كُتاب الدراما استهوتهم واستسهلوا منطقة السيكودراما للعبور إلى المشاهدين فى أقل وقت ممكن، على اعتبار أن جزءًا كبيرًا من الناس فى مصر يتعاطف دائمًا مع الحكايات الحزينة لأننا شعب «دمعته قريبة» جداً، ودائمًا يميل للحزن رغم أنه ابن نكتة كما يقال، أو أن ابن نكتة كان أمرًا فى الماضى أما الآن نحن شعب ابن دمعة على حسب رأى كتاب الدراما. لذلك وجد أهل الدراما وصناعها ضالتهم فى هذه النوعية من الأعمال، فى الماضى كنا نناقش قضايا تهم الأسرة بصفة عامة.. قضية الإدمان مثلاً تم تناولها فى عشرات المسلسلات لكننا لم نجد جميع الأبطال يعانون من هذا المرض، كما حدث مثلاً فى مسلسل «تحت السيطرة» الذى قدمته نيللى كريم العام الماضى. الدراما أيضاً ناقشت جرائم القتل وفى نفس الوقت لم يكن كل أبناء الحارة بلطجية وتجار مخدرات كما نرى الآن.. الأزمة أو المشكلة كانت جزءًا من المجتمع وليس المجتمع كله.. وهذا هو الفارق بين كتاب بحجم أسامة أنور عكاشة، ومحمد جلال عبدالقوى ومحفوظ عبدالرحمن، ويسرى الجندى، ومحمد صفاء عامر وصالح مرسى وبشير الديك وغيرهم، ممن قدموا المجتمع بكامل فئاته، أما الكتاب الآن فهم يستهلكون العمل فى موضوع واحد وتجد كل أفراد العمل إما مدمنين أو مختلين عقليًا وكأن مصر فى مستشفى الأمراض العقلية، كما يحدث فى دراما هذا العام فى رمضان فأغلب المسلسلات تدور أحداثها فى مستشفى الأمراض النفسية. نيللى كريم التى فتحت الطريق منذ سنوات لهذه النوعية آخرها العام الماضى عندما قدمت «تحت السيطرة» حيث جسدت دور المدمنة التى تتعرض للعديد من المحطات الصعبة فى حياتها تنتهى بها داخل مصحة علاجية، وفى هذا العمل عشنا وكأن البلد كله مدمنون أو خريجو مصحات علاجية. وهذا اللون الأسود من الدراما الذى صدرته نيللى كريم خلال السنوات الأخيرة، والذى أدى إلى ارتفاع أسهمها بشكل كبير وجعلها نجمة مصر الأولى، جعل أغلب النجمات يدخلن نفس النفق الدرامى حتى أصبحت مسلسلات «الخانكة» موضة هذا العام.. نيللى كريم راعية الكآبة والمشاكل النفسية حافظت على طقوسها الرمضانية الدرامية وعادت إلينا بمسلسل «سقوط حر» الذى بدأ بجريمة قتل ترتكبها حيث تقتل شقيقتها وزوجها، ثم تدخل مستشفى الأمراض العقلية وسط أجواء من الشجن والكآبة وصلت لقمتها وذروتها عندما قامت بالتبول على نفسها، وكلها مشاهد تصيبك بالاكتئاب، وكأن البلد والناس «ناقصة هم وغم ومشاكل»، وبالتأكيد الحلقات القادمة سوف تشهد مزيدًا من الكآبة خاصة أن نيللى بارعة فى تصدير هذه المشاهد للمشاهد، وعلى مدار السنوات الأخيرة أصبحت النجمة الأولى بفضل تلك المشاهد.. لذلك أصبح لزامًا عليها تغيير «الكاركتر» حتى لا تصبح فنانة ذات أداء فنى واحد وفى منطقة معينة، نيللى كريم من فرط هذه النوعية من الأدوار استطاعت أن تصبح موضة وتجر خلفها كل نجمات الدراما، وسار على خطى الكاتبة الملاكى لها مريم ناعوم العديد من الكتاب. يسرا هذا العام تقدم أيضاً شخصية مريضة نفسياً، ويبدو على طلتها الأولى هذا الأمر، هذا الخلل النفسى والاتهامات التى تلاحقها تدفعها إلى ارتكاب جريمة قتل الطبيب النفسى المكلف بكتابة تقرير عنها لاستكمال أوراق تعيينها كعضو مجلس شعب، أداء يسرا أيضاً يمنحك قدرًا من الكآبة لسنا فى حاجة إليها، لكن صناع الدراما دائمًا يبحثون من الرائج ويقدمونه، وفقاً لمقاييس الربح والخسارة. غادة عبدالرازق جاءت من حيث انتهى الآخرون حيث أطلقت على مسلسل «الخانكة» اسمًا مباشرًا وصريحًا يمنحك قدرًا من معرفة ما تدور عنه الأحداث، فهى تدخل مستشفى العباسية والحمد لله أنها لم تلتق هناك زميلتها نيللى كريم التى سبقتها فى الدخول مع الفارق أن غادة تم تدبير جريمة أدخلتها إلى المستشفى، والمتابع لغادة عبدالرازق سوف يجد أنها بارعة أيضاً فى أدوار الصراخ والكآبة ولكن للحقيقة ليست بحبكة نيللى كريم. المتابع لدراما رمضان سوف يكتشف أن كل أبناء بلدنا عندهم خلل نفسى وعقلى طبقاً لما صاغه كتاب الدراما، رغم أن حقيقة الأمر تقول إن الخلل الحقيقى لدى كتاب الدراما الذين عجزوا عن تقديم أكثر من خيط درامى نتيجة خلل فى الكتابة والرؤية وربما فى الموهبة.