بينما كانت الصواريخ الأمريكية تنطلق من بوارج الأسطول السادس الأمريكى.. لتدك القاعدة العسكرية السورية بمطار الشعيرات.. لتحرق الأخضر واليابس على أرضنا العربية الغالية.. فتقتل البشر وتدمر الحجر.. وتهدم البنى التحتية التى أنشأها الشعب السورى بدمائه وعرقه وجهده عبر عشرات السنين.. أقول بينما كان كل ذلك يحدث.. كانت مدينة شرم الشيخ عروس سيناء الجميلة.. تستكمل زينتها لتحتفل بختام مهرجانها الدولى الثانى للمسرح الشبابى.. فى جو مشحون بالعواطف المحبة والنبيلة لمصر.. لاحتفائها بضيوفها العرب والأجانب من فنانى ومبدعى المسرح.. وتفتح ذراعيها مرحبة ببركان الغضب المكبوت فى صدور شباب المسرح العربى والأجنبى.. الذين عبروا بصدق وحرية تامة عن مشاعرهم الغاضبة.. والمتمردة.. والساخطة على الأوضاع العربية المتردية.. التى تعانى منها المنطقة العربية بأكملها.. فكانت مأساة الهجرة غير الشرعية هى القضية البطلة لعدد من العروض المشاركة.. وألقت الأزمة السورية بظلالها على بعض العروض.. وجاء الإحساس بالغربة والبحث عن حرية التعبير والديمقراطية.. فى مقدمة القضايا التى طرحت نفسها بشدة على موضوعات بعض الأعمال المسرحية التى شاركت فى فعاليات هذه الدورة.. التى استمرت لتسعة أيام وتنافس خلالها 17 عرضا مسرحيا من 17 دولة عربية وأجنبية.. ضمن المسابقة الرسمية للمهرجان، وأجدنى هنا مضطرا لأن أربط هذا المهرجان الدولى.. بهذا الحدث الجلل.. وهو ضرب قاعدة الشعيرات الجوية بالصواريخ الأمريكية.. الذى أيدته للأسف معظم الدول العربية.. وتحفظت عليه مصر.. وأدانه بشدة مندوب بوليفيا فى مجلس الأمن حين قال: «لسنا أغبياء!!.. لقد ضللنا الأمريكيون فى 2003 ليغزوا العراق.. والآن أرى أن الأسلحة الكيميائية ليست إلا ذريعة للتدخل العسكرى الأمريكى فى سوريا.. وأن الولاياتالمتحدة تتصرف كما لو أنها (شرطى العالم والمحقق والقاضى) إنها تضلل المجتمع الدولى.. والضربة الجوية فى سوريا تمثل تهديدًا للسلام.. وتخالف مبادئ وميثاق الأممالمتحدة». ورغم هذا الخلاف الحاد بين مواقف الدول العربية المؤيدة.. والمتحفظة.. تجاه هذا الاعتداء الغاشم على الأراضى السورية.. فإن كل الفنانين العرب على أرض مصر من المشاركين فى مهرجان شرم الشيخ.. اجتمعوا هنا على قلب رجل واحد.. فكانوا فى أحضان مصر أكثر من أشقاء.. وأصدقاء.. فنانين ومثقفين.. توحددت مشاعرهم المرهفة.. وجمعهم الهم القومى العام.. والهم الوطنى الخاص.. وأوجاعهم الشخصية.. وأحلامهم المجهضة والمؤجلة جيلاً بعد جيل! ففى أحضان عروس سيناء.. أحسوا بالأمن والأمان.. وقدموا عروضهم بحرية تامة على خشبة المسرح.. وعلى الشواطئ.. بين السياح الأجانب والعرب والمصريين.. وقدموها فى الشوارع والساحات بين الجمهور العادى الذى انبهر بالتجربة وشارك فيها.. فارتجل الكلمات والتعليقات.. وشارك فى العرض المسرحى.. وهذا ما عبر عنه بحس دافئ جميل الإعلامى التونسى لطفى البحرى حين قال: «تحياتى لكم جميعا، ونحن فى حضن مصر، مصر السفينة، مصر العروبة، نقول لها جميعا وبصوتنا العالى الذى يشق الآفاق، نقول تحيا مصر، أرضا طيبة، وشعبا عظيما، وقيادة حكيمة.. تحيا مصر». فما تفعله الثقافة والفنون تعجز عنه السياسة والمؤتمرات.. هنا توحد الفنانون والمثقفون العرب من جميع البلدان.. وهنا أيضا نظر إلينا الضيوف الأجانب المشاركون فى المهرجان بإعزاز وتقدير.. ففى هذا الجو الآمن يعيش الفن.. ويتنامى الإحساس بالحرية والحياة.. وهذه هى الأسلحة التى ستقضى على الإرهاب.. وهذه هى الثقافة البديلة لتفكيك بنية الفكر الإرهابى المتطرف.. فليس هناك أمضى من سلاح الفن والثقافة والحرية لمواجهة الإرهاب الأسود.. وقديما قلت على هذه الصفحات: «فرقة مسرحية تغنيك عن كتيبة أمن مركزى»، وليس هناك أقوى من الموت.. سوى نبض الحياة.. فوسط تظاهرة فنية وثقافية رائعة.. انطلقت منذ أيام فعاليات الدورة الثانية لمهرجان شرم الشيخ الدولى للمسرح الشبابى.. الذى تقدم للمشاركة فيه هذا العام أكثر خمسمائة وخمسين عرضا مسرحيا.. من 83 دولة عربية وأجنبية.. وانتهت باختيار 17 عرضا مسرحيا تمثل 17 دولة.. ومشاركة متميزة لتونس ضيف الشرف لهذه الدورة. وتأتى هذه الدورة لتؤكد اكتمال حلم شباب المسرح.. الذى تحقق بقدر هائل من الجهد والتفانى الذى بذله الفنان والمخرج الشاب مازن الغرباوى.. رئيس المهرجان.. حيث قال فى كلمته: «تضافرت جهود عدد كبير من الزملاء الذين شاركوه هذا الحلم الذى بدا مستحيلا فى وقت من الأوقات.. لولا معاونة كثير من الجهات على رأسها وزارة الثقافة ووزارة الشباب والرياضة.. ومحافظة جنوبسيناء.. وهيئة تنشيط السياحة». حيث تكونت اللجنة العليا للمهرجان من مازن الغرباوى رئيسا.. وعضوية الفنانة وفاء الحكيم والدكتورة إنجى البستاوى والفنان الأردنى على عليان.. ومعتز التومى من تونس وفابيو إبراهام من إنجلترا.. وفهد الهاجرى من الكويت.. وحافظ خليفة من تونس.. وكرَّم المهرجان هذا العام كلا من الفنان نضال الشافعى.. والفنان سامح حسين.. والناقد شاذلى فرح.. والمخرج محمود جمال.. والممثلة اللبنانية راندا أسمر.. والممثلة التونسية شاكرة الرماح.. أما لجنة المشاهدة فكانت برئاسة الفنان محسن منصور وعضوية وفاء الحكيم.. د. أحمد عبدالعزيز.. والدكتورة إنجى البستاوى.. والكاتب إبراهيم الحسينى.. أما لجنة التحكيم الدولية فمكونة من الدكتورة سميرة محسن والفنان الكويتى داوود حسين والدكتورة شادية زيتون من لبنان والدكتور تيتو لورفيس من الأرجنتين وديتر توب من ألمانيا.. والناقدة السورية الدكتورة أثير محمد على أستاذ النقد بجامعة آوتونوما بمدريد، والناقدة بوبولينا نيكاكى من اليونان. وشهد حفل الافتتاح عدد كبير من نجوم المسرح المصرى.. وضيوف مصر من الفرق المسرحية المشاركة.. بحضور وزير الثقافة حلمى النمنم.. واللواء خالد فودة محافظ جنوبسيناء.. وسفير تونس بمصر.. حيث قال فودة إن محافظة جنوبسيناء تدعم هذا المهرجان.. معربا عن أمله فى أن تتحول مدينة شرم الشيخ لمدينة للفنون.. مطالبا وزير الثقافة بتنظيم مهرجان للموسيقى العربية فى شرم الشيخ.. وأكد حلمى النمنم أن الفن هو الحياة.. والمسرح يعنى الحرية.. وما أحوج أمتنا العربية فى هذا الوقت بالتحديد للحرية والحياة!.. وقدمت الفنانة لقاء سويدان فعاليات حفل الافتتاح الذى أحيته أوركسترا وزارة الشباب والرياضة بقيادة المايسترو عزالدين طه.. وكان مسك الختام الفنان الكبير لطفى بشناق الذى تجلى بالشعر والغناء حتى الساعات الأولى من صباح اليوم التالى.. فتجاوبت مع الفرق المشاركة.. بعد أن حركت كلماته ونغماته أوجاع الشجن العربى.. فانطلقت الوفود العربية تردد خلفه الأغانيات الوطنية الرائعة. • تكريم كرم مطاوع وعقد المهرجان ندوة تكريمية للفنان والمخرج كرم مطاوع شارك فيها الفنانة سهير المرشدى والفنانة حنان مطاوع.. والدكتور حسن عطية والدكتور عمرو دوارة وأدارها الناقد محمد الروبى رئيس تحرير جريدة مسرحنا.. وقالت سهير المرشدى: كرم مطاوع كان ممثلا عظيما ظلم نفسه بالإخراج الذى أخذ كل وقته.. وقالت حنان مطاوع : هذه المرة الأولى التى أحضر فيها تكريما لأبى.. لذلك أنا فخورة بذلك.. وأضافت: كرم مطاوع هو حبيبى وشقيقى وأنا النسخة الأخرى منه.. ومن أهم الندوات التى عقدت الندوة الدولية للقاءات المهنية بعنوان (الفضاءات المفتوحة) وأدارها الناقد المسرحى د. حسن عطية الذى أثرى كل ندوات المهرجان بثقافته الموسوعية عن المسرح وقضاياه.. وبمشاركة كل من د. سامح مهران رئيس أكاديمية الفنون السابق ورئيس المهرجان الدولى للمسرح التجريبى والمعاصر.. الذى أضاءت أفكاره المتجددة جوانب متعددة خلال الندوات.. والناقد اللبنانى هشام زين الدين وإبراهيم الحارثى كاتب مسرحى سعودى.. وعقد المهرجان 6 ورش مسرحية فى مختلف عناصر العرض المسرحى. • تكريم خالد جلال وكانت أكثر الندوات إمتاعا لشباب المسرحيين هى ندوة تكريم المخرج والفنان خالد جلال.. وحضرتها الفنانة سميحة أيوب والفنانة سهير المرشدى والفنانة سميرة محسن والفنان محمود الحدينى والناقد د. حسن عطية والفنان الجميل محسن منصور ولسعد الجاموسى مدير أيام قرطاج المسرحية وأدار الندوة الشاعر محمد بهجت والكاتب محمد الروبى والناقد باسم صادق.. بدأت الندوة باستعراض لرحلة خالد جلال الفنية.. حيث رصد خلالها محطاته الفنية من المسرح الجامعى مرورا بمسرح الشباب ودراسته فى روما وعودته إلى مصر.. انتهت فعاليات والمجلة ماثلة للطبع.. ولم تعلن نتائج العروض الفائزة بعد.. وإلى اللقاء فى الملتقى القادم بإذن الله.•