الدين يسر وليس عسرا، والدين الإسلامى دين شامل ومنهج حياة أُنزل من العزيز القدير ليكون لكل العصور بتطوراتها وتغيراتها، ولا يخفى أن للصيام فقها يجب على كل مسلم معرفته، لأن من عبدالله على جهل ضر أكثر مما نفع، ولاشك أن فقهاءنا بذلوا جهدا كبيرا فى دراسة فقه الصيام وبيان أحكامه فى ضوء عصرهم، لكن فى ظروف عصرنا ظهرت قضايا جديدة استوجبت اجتهاد الفقهاء المعاصرين لذا رأى الدكتور سالم عبدالجليل وكيل وزارة الأوقاف الأسبق وأستاذ الثقافة الإسلامية بجامعة مصر للعلوم والتكنولوجيا تقديم هذه الاجتهادات لأهميتها والحاجة الماسة إلى معرفتها تحت عنوان فتاوى رمضانية معاصرة. وقد أصدرت وزارة الأوقاف والمجلس الأعلى للشئون الإسلامية هذه الكتاب للدكتور سالم الذى خص صباح الخير بنشره على حلقتين نتعرض فيهما لموضوعات تكثر فيها الأسئلة وطلب الفتوى. يقول د.سالم عبدالجليل قد راعينا الأخذ بمبدأ التيسير ورفع الحرج فى تقرير الأحكام وهذا ما يتناسب مع روح الشريعة قال صلى الله عليه وسلم إن الدين يسر ولن يشاد الدين أحد إلا غلبه فسددوا وقاربوا وأبشروا. واخترنا أن نبدأ بأسئلة واستفسارات المرض والصيام والأدوية. • ما حكم صوم المريض؟ - يختلف الحكم فى شأن المريض طبقا لحالته: فإذا غلب على ظنه الهلاك أو الضرر الشديد بسبب الصوم، وجب عليه الفطر وحرم عليه الصوم. أما إذا كان يستطيع الصوم، لكن بضرر خفيف ومشقة محتملة، جاز له الصوم والفطر أولى أخذا بمبدأ الرخصة. ويقاس على المريض من كان صحيحا وظن حصول مرض شديد له بالصوم، فقد قال فقهاء المالكية: إن الشخص الطبيعى إذا ظن أن يلحقه من صوم رمضان أذى شديد أو هلاك نفسه وجب عليه الفطر كالمريض. ولذلك قال فريق من الفقهاء: إنه لا يفطر بالمرض إلا من دعته ضرورة المرض إلى الفطر، وبعد أن يأخذ رأى طبيب حاذق. فإذا أفطر المريض وكان يرجى له الشفاء قضى أيام فطره وإن كان مرضه مزمنا ولا أمل فى الشفاء منه أطعم عن كل يوم مسكينا «وجبتين مشبعتين من أوسط ما يطعم أهله». • ما حكم القيء للصائم؟ - إذا تعمد الصائم القيء بطل صومه، أما إذا غلبه القيء فلا يفسد صومه، يؤكد هذا حديث أبى هريرة أن النبى قال: «من ذرعه القيء فليس عليه قضاء، ومن استقاء عمدا فليقض». ولا تعارض بين هذا وبين ما روى عنه بقوله: «ثلاث لا يفطرن الصائم: الحجامة والقيء والاحتلام» لأن هذا مطلق وذاك مقيد بالعمد، والجمع بينهما أولى من العمل بأحدهما وترك الآخر. قال ابن حزم: ويبطل الصوم: تعمد الأكل، أو تعمد الشرب، أو تعمد الوطء فى الفرج، أو تعمد القيء. • ما حكم الأقراص التى توضع تحت اللسان؟ - هذه الأقراص توضع تحت اللسان لعلاج بعض الأزمات القلبية، وهى تمتص مباشرة بعد وضعها بوقت قصير فيحملها الدم إلى القلب فتمنع الأزمة المفاجئة ولا يدخل الجوف منها شيء، وبالتالى فهى لا تفطر، لأنها للعلاج وليست للغذاء، ثم إنها لا تعد أكلا ولا شربا، كما أنها ليست فى معنى الأكل أو الشرب، ولا يدخل منها شيء إلى الجوف، بل هى تذوب تحت اللسان، وإن دخل منها شيء يعفى عنه قياسا على المتبقى من المضمضة والاستنشاق والسواك، لكن لا بد من التنبيه إلى أنها فى حال الصيام لا تؤخذ إلا عند الضرورة، ويمكن لصاحب المرض أن يفطر، لأن المريض يباح له الفطر شرعا وباستمرار المرض معه طوال حياته يأخذ حكم الشيخ الفانى ويفدى بإطعام مسكين عن كل يوم، فإن برئ وقدر على الصوم وجب عليه القضاء. • ما حكم استعمال قطرة الأنف وقطرة العين؟ - من المعلوم أن الأنف منفذ طبيعى إلى الحلق، لذا لو استخدم إنسان القطرة فى الأنف وهو صائم وشعر بطعمها فى حلقه فسد صومه، ويجب عليه قضاء يوم بدلا منه. ومن رأى أنها لاتعد أكلا ولا شربا، وليست فى معنى الأكل أو الشرب يرى بأنها لا تفطر. والمريض بالخيار بين أن يفطر إذا احتاج إليها ضرورة ويقضى يوما آخر، وبين أن يتناولها عند الضرورة أيضا ويظل صائما وعليه أن يتجنب وصولها إلى الحلق. يقال فى قطرة العين ما قيل فى قطرة الأنف. • ما حكم استعمال غاز الأوكسجين للأغراض العلاجية؟ - غاز الأوكسجين هو هواء يعطى لبعض المرضى ولا يحتوى على مواد عالقة أو مغذية ويذهب معظمه إلى الجهاز التنفسى، ومن ثم فلا يعتبر غاز الأوكسجين مفطرا لأنه فى حكم التنفس الطبيعى باعتباره البديل الطبى له. • ما حكم استعمال الدهانات والمراهم واللصقات العلاجية؟ - من المعلوم أن الجسم يحتوى على أوعية لها مسام دقيقة جدا تقوم بعملية امتصاص لما يوضع على سطح الجلد من مراهم ودهون عن طريق شعيرات دموية تقوم بنقله إلى الدم، وحكمها أنها لا تفطر. • ما حكم إدخال القسطرة فى الشرايين للتصوير أو العلاج؟ - إن إدخال القسطرة فى الشرايين ليست أكلا ولا شربا ولا فى معناهما، وإذا فهى لا تفطر وهذا ما أخذ به المجمع الفقهى فى مكةالمكرمة. • ما حكم الغسيل الكلوى فى الصوم؟ - غسيل الكلى إذا صاحبه تزويد للجسم بمواد مغذية سكرية أو غيرها، فإنه يعد من المفطرات، لأن هذه المواد بمعنى الأكل والشرب والجسم يتغذى بها ويتقوى. أما إذا لم يكن معه مواد مغذية فإنه لا يعتبر من المفطرات لأنه مجرد تنقية للدم من المواد الضارة ولا يوجب الفطر، لأنها ليست من المفطرات المنصوص عليها بل إن شبهة الإفطار فيها بعيدة. • ما حكم ما يدخل الجسم عن طريق المهبل : - المهبل : مصطلح طبى يعنى فرج المرأة، والغسول المهبلى والتحاميل والإصبع الفحصى، وهذه محل خلاف بين العلماء، فمنهم من يرى أنها تفطر، ومنهم من يرى أنها لا تفطر، والذى نرجحه هو الرأى الثانى ، لأدلة منها: 1- فرج المرأة ليس متصلا بالجوف، الذى هو الطريق المباشر للطعام والشراب أو التغذية بوجه عام. 2- إن كل ما جاء فى النصوص فيما يتعلق بالمهبل من المفطرات هو الجماع، وهو لا علاقة له شرعاً ولا عرفاً بالغسول المهبلى أو غيره مما يقاس عليه كالتحاميل - اللبوس- والمنظار المهبلى وأصبع الفحص الطبى، وغيرها مما له علاقة بفرج المرأة من حيث التداوى. • ما حكم ما يدخل الجسم عبر فتحة الشرج ؟ - يدخل الجسم عبر فتحة الشرج للعلاج أو الدواء بعض الأشياء كالحقنة الشرجية والتحاميل، وهى لا تفطر، على ما ذهب إليه بعض المالكية والظاهرية وابن تيمية. وذلك لأن الحقنة الشرجية لا تغذى بوجه من الوجوه، بل تستفرغ ما فى البدن،، كما أن المائع الداخل عبر فتحة الشرج لا يصل إلى المعدة، ولا إلى موضع يتغذى به الجسم وأما التحاميل الطبية (اللبوس ) فإنها كذلك لا تفطر، إذ إنها للدواء لا للغذاء، وليست أكلا ولا شرابا ولا ما معناهما. • ما حكم ما يدخل الجسم عن طريق مجرى البول ؟ - يدخل الجسم عن طريق مجرى البول أشياء، منها : القسطرة أو المنظار أو إدخال محلول لغسل المثانة أو مواد مساعدة على تصوير المثانة، وكل هذه الأشياء لا تفطر الصائم إذ ليس بين باطن الذكر والجوف منفذاً، على ما أثبته علم التشريح الحديث. • ما حكم الحجامة والتبرع بالدم ، وأخذ عينة منه للفحص الطبى ؟ - بحث الفقهاء المتقدمون مسألة الحجامة من حيث تأثيرها على الصوم من عدمه ، التى تشبه إلى حد ما التبرع بالدم وأخذ عينة منه للفحص الطبى، حيث يوجد فى كل منها إخراج للدم، وإن كان الهدف من التبرع هو إعانة الآخرين، بينما الهدف من الحجامة أو أخذ عينة هو التداوى. وللفقهاء فى الحجامة قولان : القول الأول : أن الحجامة تفطر، وهو مذهب الحنابلة وإسحاق وابن المنذر وأكثر فقهاء الحديث وابن تيمية، ودليلهم قوله صلى الله عليه وسلم : «أفطر الحاجم والمحجوم». القول الثانى : أن الحجامة لا تفطر ، وهو مذهب الجمهور من السلف والخلف، ودليلهم حديث ابن عباس : احتجم رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو صائم. والقول الثانى هو الذى نرجحه لأنه قول الجمهور ودليلهم قوى . والتبرع بالدم وأخذ عينة للفحص الطبى يقاس على مسألة الحجامة. • ما حكم التطعيم أثناء الصوم ؟ - التطعيم بالفم يفطر بلا خلاف، أما التطعيم بالحقن فلا يفطر على الراجح، لأن الداخل فى الجسم إذا لم يصل الجوف أو الدماغ أو وصل إلى أحدهما من المسام لا يفطر الصائم، كما نص على ذلك فقهاء الحنفية والشافعية.•