سنوات طويلة عشناها مع الفانوس الصينى بأشكاله ومسمياته وحركاته المختلفة، من فانوس النجوم والمسلسلات إلى فانوس الزعماء والثوار.. فانوس شاركنا فى كل ظروفنا المختلفة سواء كانت سياسية أو اجتماعية.. صحيح كان ذكاء الإخوة الصينيين واضحا فى نقد المجتمع المصرى عن طريق فانوسهم، ولكن هو بلاشك كان حائط صد بيننا وبين فانوسنا المصرى التراثى القديم.. لكن هذا العام وجدنا فانوسنا المصرى الجميل وقد عاد إلينا ليحتل مكانته الأولى فى شوارعنا وبيوتنا وأيد أولادنا. وفى غمرة التحضيرات لشهر رمضان خرج علينا وزير التجارة و الصناعة «الدكتور منير فخرى عبد النور» بقراره بوقف استيراد الفانوس من الصين وجميع دول العالم.. كنوع من أنواع الاعتماد على الصناعة المحلية وتشجيع الصناعة المصرية التى يتهرب منها المواطن لعدم ثقته فى إنتاجها الجيد.. ومع عودة الفانوس المصرى للأسواق واعتلائه العرش الرمضانى هذا العام.. نزلنا إلى الشارع وتحدثنا مع تجار الفوانيس حول هذا القرار.. وهل هذا القرار سيعود بالنفع عليهم وعلى مصر من حيث تحسين دخلها القومى؟! أم أنه سيكون سببا فى ارتفاع أسعار الفوانيس وعدم إقبال الناس على شرائها؟!.. وهل ستكون هناك أفكار جديدة هذا العام فى الفانوس المصرى بعد اختفاء الفانوس الصينى الذى اعتمد على جذبنا ولفت انتباه الأطفال كل عام بسبب ما يحمله لهم من أفكار جديدة ؟!. • رحل الصينى ورحلت أفكاره.. وعن هذه الأفكار أخبرنى خالد- أحد تجار الفوانيس - ويعمل فى هذا المجال منذ نعومه أظافره قائلا: بعد منع استيراد الفوانيس من الخارج لا توجد أفكار جديدة فى الفوانيس .. لأن الفانوس المصرى ليست به فكرة.. فهو يعتمد على الشكل التراثى القديم.. وأكثره مصنع من الصاج أو قماش الخيامية ويتم تصديره لدول الخليج لأنهم من أكثر الدول التى تفضل هذه النوعية من الفوانيس.. أيضا هذا القرار الذى اتخذ فى آخر وقت أدى إلى ارتفاع سعر الفانوس أضعافًا مضاعفة!!.. لأن الإنتاج قليل والطلب عليه كثير.. حتى الفانوس المصرى أيضا ارتفع سعره.. مما وضعنا ذلك فى مأزق مع المشترى.. فمعظم البضاعة التى نقوم بعرضها هذا العام نصفها من العام الماضى.. وهذا لا يعنى أننى أنتقد قرار المنع، بل معه قلبا وقالبا كى نزيد من دخل البلد، ويكون هناك إقبال أكثر على المنتج المصرى.. ولكنهم منعوا الاستيراد فى الوقت الذى لم يكن فيه إنتاج مصرى كافٍ يغطى الأسواق من الداخل.. وبالتالى الإقبال على شراء الفوانيس ضعيف هذا العام.. فهذا القرار مفيد للبلد بنسبة 30%. يوضح خالد قائلا: أى فانوس باغ أو بلاستيك وبه فكرة سواء كان بينور أو يغنى بحركة فهو صناعة صينية.. أما بالنسبة للفوانيس الخشب والآركت فهى أضعف أنواع الفوانيس وأفقرها لأنها غير عملية بالمرة ولا تجذب المشترى.. فالفانوس الصينى اشتهر بالفكرة والإبداع الذى يجذب نظر الكبير قبل الصغير.. وبالتالى وجوده الآن فى الأسواق سيكون بشكل ضئيل وعالى التكلفة.. وسيتفاجأ المشترى بذلك مقارنة بالسنة الماضية.. سواء كانت هذه الفوانيس مصرية أو صينية الصنع! وأثناء حديثى مع خالد، جاءت سيدة ومعها طفلها تشترى له فانوسًا صغيرًا على هيئة سيارة.. وعندما أخبرها خالد بأن ثمنه 20 جنيهًا صرخت فى وجهه قائلة: «ده كان السنة الماضية ب10 جنيهات» فأخبرها خالد مبتسما بهدوء قائلا: «لأنه يوجد عجز فى الفوانيس هذا العالم، ولذلك أسعاره مرتفعة».. فبعد أن فشلت السيدة معه فى الفصال على سعر الفانوس بأن تأخذه ب 15 بدلا من 20 جنيهًا تركته وهى تتمتم بصوت شبه مسموع قائلة: «حتى ارتفاع الأسعار وصلت للفانوس»!.. ثم أخذت طفلها وذهبت إلى تاجر آخر أملا فى شراء فانوس له، ولكن بسعر أقل. • توفير الدولار.. وأثناء سيرى فى شارع السد تعرفت على «محمد إبراهيم» تاجر وصانع فوانيس ليخبرنى عن رأيه بمنتهى الاستياء قائلا: عرفنا قرار منع استيراد الفوانيس قبل رمضان بشهر، وهذه المدة لم تكن كافية بالمرة لإنتاج كمية تغطى احتياجات السوق.. وبالأخص أن هذا الشهر هو شهر واحد فى السنة.. تنتظره الناس كى تحتفل بطقوسه.. وقد جاء هذا القرار فى سبيل تخفيف العبء وتوفير الدولار.. مع العلم أن كل التجار وأنا واحد منهم، قمنا برفع سعر الفانوس المصرى بعد هذا القرار.. لكن الحقيقة عكس ذلك فعندما انسحبت الأرصدة ورأى المستثمر سقوط الأسهم فى البورصة، قاموا على الفور بإصدار هذا القرار وهو وقف الفانوس الذى يدفع بالدولار.. والدليل على ذلك أنهم فى البداية لم يحددوا نوع الفانوس، بل قرروا منع استيراد الفوانيس من جميع دول العالم وبعد ذلك اختصوا الفانوس الصينى!!.. فأنا مع القرار لو كان فتح مصانع فى العاشر من رمضان وقام باستيراد خامات جيدة وشغل بها الشباب.. كى يستطيع المواطن المصرى شراء المنتج المصرى بخامات نظيفة وعالية الجودة.. ومنها أيضا تعود الثقة مرة أخرى بين المواطن ومنتجات بلده، بدلا من اتجاه المواطن إلى المنتجات المستوردة لأنه فقد الاعتماد على المصرى. ثم يضيف محمد قائلا: قبل دخول رمضان بشهر تأتى الدول العربية كالسعودية والإمارات وغيرها من الدول إلى التاجر و«الصنايعية» فى الورش هنا فى مصر، وتتفق معه على أخذ كمية معينة من الفانوس.. فصاحب الورشة عليه ضغط كبير فى هذا التوقيت من السنة مما يرفع ذلك من قيمة الفانوس المصرى.. فالفانوس أو اللعبة التى كانت تباع ب 25 جنيهًا، لو تمت صناعتها هنا فى مصر سيصل ثمنها ل 35 و45 جنيهًا، ولم تكن أيضا بنفس جودة الألعاب التى نستوردها من الخارج!.. فلست مع هذا القرار لأنه لن يضيف شيئا للبلد إلا إذا تمت دراسته وتطبيقه بشكل صحيح. • لا يوجد جديد هذا العام.. أنهيت حديثى مع محمد لأكمله مع أم كريم- تاجرة فوانيس- لتبدى رأيها قائلة: هذه السنة لا يوجد جديد فى الفوانيس، فكل التجار يعتمدون على فوانيس السنة الماضية التى كانت موجودة فى المخازن.. فهذه الأشكال هى استيراد السنة الماضية.. وهذا تسبب فى ارتفاع الأسعار بشكل واضح.. لكن هناك أقاويل تقول إن اللعبة لن تمنع ولكن شكل الفانوس هو الذى سيمنع، وأقاويل أخرى تقول عكس ذلك.. فمنذ أن صدر هذا القرار ونحن كل يوم نسمع كلامًا مختلفًا عن اليوم اللى قبله.. وتستنكر أم كريم قائلة: لماذ لم نبنِ مصانع ونشغل بها الشباب ونساعدهم ليحققوا طموحهم بدلا من جلوسهم على المقاهى بلا عمل؟!.. لكن توقف استيراد الفوانيس ولم تفتح مصانع لإنتاجها فى البلد، هذا لا يعقل!.. فالتصريح تم إصداره يوم 15، وهذا وضعنا فى موقف محرج مع الناس، وجعلنا نعرض البضاعة بأسعار ضعف ثمنها مقارنة بالسنة الماضية سواء كانت مصرية أو مستوردة.. وبالتالى إقبال الناس ضعيف على الشراء بنسبة 70%.. وهذا ما لاحظته منذ البداية. •