موجة جديدة من ارتفاع الأسعار شهدتها الأسواق المصرية فى الفترة الأخيرة خاصة السلع الغذائية التى قفزت بنسبة تتراوح بين 7 و20% فى بعض الأحيان، خاصة داخل السلاسل التجارية التى لجأت إلى هذا الارتفاع معللة بأن هناك زيادة فى سعر صرف العملات الصعبة خاصة الدولار واليورو. استكملت السلع الأساسية منظومة ارتفاع الأسعار التى تتبعها الحكومة مع المواطنين بداية من الرفع الجزئى للدعم على المحروقات والطاقة وتحريك أسعار الخدمات مثل الغاز الطبيعى والكهرباء والمياه وغيرها، فى الوقت الذى لم يتحرك راتب الموظف العادى بالشكل الذى يقابل تلك الارتفاعات، فضلا عن الحالة الاقتصادية المتردية التى تعيشها مصر فى الفترة الأخيرة والتى كشفت عنها مؤخرا وزارة المالية التى أصدرت تقريرا يفيد أن عجز الموازنة ارتفع فى سبعة أشهر ليصل إلى 159 مليار جنيه بسبب نقص المعونات القادمة من دول الخليج. • أسعار مرتفعة وكانت السلع الغذائية هى الأكثر تأثرا فى الوقت الحالى بارتفاع سعر الدولار بداية من زيت الطعام الذى عجزت الحكومة عن توفيره بالكامل على البطاقات التموينية، حيث شهد ارتفاعا بنسبة 8% على أغلب العلامات التجارية المتاحة فى الأسواق حيث وصل متوسط السعر عشرة جنيهات بدلا من تسعة. كما ارتفعت أغلب أنواع الجبن فى الأسواق بسبب ارتفاع أسعار الألبان هى الأخرى، حيث رفعت السلاسل التجارية قيمة تلك السلع وعدلت الأسعار أكثر من مرة فى حين كانت المحال الصغيرة هى الأخرى مضطرة لرفع أسعارها نظرا لإصرار الموردين. وقفز سعر السكر إلى 5.5 جنيه للكيلو الواحد بعد أن كان يتراوح سعره بين 4.5 وخمسة جنيهات بسبب فارق السعر فى الطن الواحد الذى زاد بنسبة 100 جنيه.. واستجابة لتلك الزيادة ارتفعت أسعار الخضراوات فى الأسواق، كذلك ارتفع متوسط سعر «السمن» إلى 24 جنيها فى بعض الأحيان للكيلو الواحد بعد أن كان سعرها يتراوح بين 20 و22 جنيها على أقصى تقدير. وأصدر اتحاد الغرف التجارية تقريرا يفيد أن عام 2014 شهد زيادة فى الأسعار وصلت فى المتوسط إلى 8% ليفسر حالة الزيادة التلقائية التى تحدث بشكل منتظم لاستهداف المواطن، خاصة أن جشع بعض التجار قد يكون عاملا فى زيادة الغلاء بعيدا عن الأسباب الحكومية ولكن تبقى عملية ضبط السوق لا توجد لها خطة دقيقة وقوانين رادعة فى حين لا تزال احتكارات القلة تعمل بقوة من أجل تحقيق أرباح قياسية على حساب المواطن ودون مراعاة للظروف التى تعيشها مصر والتى تشهد الكثير من الأعمال الإرهابية. وتحاول الحكومة خفض الأسعار من خلال طرح السعر عبر عربات مجهزة للشباب لبيع المنتجات بأسعار مخفضة، ولكن تبقى التجربة قيد الدراسة بشأن مدى فاعليتها فى كبح جماح الغلاء. • الدولار والتضخم واعتبر فخرى الفقى نائب الرئيس التنفيذى لصندوق النقد السابق ارتفاع الأسعار يرجع إلى عاملين مهمين، الأول هو ارتفاع معدل نمو السيولة فى أيدى المواطنين بحيث تتخطى المعدلات السعرية للسلع المنتجة، وبالتالى ستزداد تلقائيا الأسعار بسبب زيادة التضخم وضعف القيمة الشرائية للعملة.. والثانى هو زيادة سعر صرف العملات خاصة الدولار واليورو وعلى سبيل المثال فمنذ ثورة يناير شهدت سوق الصرف زيادة فى سعر الدولار وصلت إلى 30% هو ما يعنى دون أدنى شك زيادة فى الأسعار. وأوضح الفقى أن مصر من الدول المستوردة للسلع نتيجة ضعف الإنتاج وقلة التصدير ومع ضعف مصادر جلب العملة الصعبة ستزداد مشكلة ارتفاع الأسعار، خاصة أن هناك أكثر من 75% من إجمالى السلع والمنتجات مستوردة من الخارج. وقال الفقى إن ارتفاع سعر الدولار لم يؤثر فقط على السلع الغذائية بل طال أيضا الخامات الأساسية للمصانع والمواد الفعالة فى إنتاج الأدوية، وبالتالى هناك نزيف لرصيد الدولة من العملة الصعبة يجب الالتفات إليه والبحث عن حلول جذرية لمقاومته. واتفق أحمد أبو النور أستاذ الاقتصاديات الحرجة والأزمات بالجامعة الأمريكية مع رأى الدكتور الفقى فى أن سعر الدولار كان عاملا حاسما فى زيادة أسعار المنتجات، ولكنه أضاف أن المشاكل الاقتصادية التى تعانى منها الحكومة فى الفترة الأخيرة يجب أن تجد لها حلا بعيدا عن جيب المواطن. وأشار أبوالنور إلى أنه كلما تحتاج الحكومة إلى زيادة فى الأسعار فإنها تلجأ إلى تحريك المقابل المادى للسجائر بدعوى أنها تعمل فى المقام الأول على مكافحتها عن طريق الضغط على المواطن بشكل غير مباشر فى الإقلاع عنها أو التقليل منها فى حين أنها لا تتخذ هذا المسلك مع الخمور على سبيل المثال، ولم تشهد تلك السلعة أى تحريك كبير فى الأسعار رغم ما تسببه من أضرار جسيمة على صحة الإنسان. وأكمل أبو النور حديثه: أن السلع الغذائية الرئيسية شهدت تحريكا فى الأسعار نتيجة السياسات المالية والنقدية للدولة حيث واجه البنك المركزى مشكلة كبيرة فى تدبير العملة الصعبة لكثير من المستوردين مما ساهم فى زيادة الأسعار بهذا الشكل. وأوضح أبوالنور أنه لم يكن من المنتظر أن تكون زيادة الأسعار قريبة إلى هذا الحد بل هى نوعا ما تحايل من احتكارات القلة لإيهام المواطنين بأن سعر الدولار هو السبب الرئيسى فى الأزمة، فى حين أن المتواجد فى الأسواق حاليا هو البضائع المخزنة فى مصر وليست المستوردة من الخارج بالسعر الجديد للدولار، مما يعنى عدم وجود رقابة دقيقة على المنتجين أو المستوردين.. فى حين كانت الحكومة مضطرة لتحريك أسعار العملة قبل المؤتمر الاقتصادى كى يكون سعر الجنيه مقابل العملات الأخرى مقاربا للواقع. وأضاف أبوالنور أنه فى أغلب دول العالم التى تحاول حماية شعوبها من الجشع والاستغلال تقوم برقابة المنتجات ووضع هامش ربح للسلع لا يتجاوز 30 % بأى حال من الأحوال سواء المصنعة داخل الدولة أو المستوردة من أجل حماية المواطن وحرمان المحتكرين من الحصول على أموال لا يستحقونها، وعندما تتحقق تلك الآلية سيتم تعديل القوانين وتغريم المخالفين. والهدف الأساسى من وراء ذلك هو حماية المجتمع ومساندة الطبقات الفقيرة والمتوسطة. وتطرق أبوالنور إلى وضع الصناعة فى مصر مشيرا إلى أن ارتفاع سعر العملة قد يكون عاملا إيجابيا لو أن مصر تقوم بتصدير كثير من السلع وتغطى احتياجاتها الأساسية ومثال على ذلك ما يحدث فى الصين من عمليات تخفيض مستمر للعملة الوطنية مما يشجع المواطنين على العمل أكثر لتحقيق أرباح من وراء التصدير إلى الخارج. • عوامل كثيرة وترى الدكتورة أمنية حلمى مديرة البحوث بالمركز المصرى للدراسات الاقتصادية أن هناك الكثير من العوامل تضافرت لتتسبب فى ارتفاع الأسعار بداية من الاعتماد على المنتجات المستوردة بشكل كبير وارتفاع تكاليف نقل السلع نتيجة تحريك أسعار الوقود والخطة التى أعلنت عنها الدولة بإلغاء برنامج دعم المحروقات بشكل أساسى بعد خمس سنوات وشرعت فى تنفيذه منذ أشهر بتحريك أسعار الطاقة. وأضافت حلمى أن زيادة الإنتاج هى المحرك الرئيسى لضبط الأسعار بشكل كبير، حيث سيسهم ذلك فى حل الكثير من الأزمات الاقتصادية وهو ما يعنى وجود نوع من المنافسة الكاملة داخل الأسواق مما يسمح بتحسين المنتجات والرابح الأول هو المواطن. وأوضحت حلمى أن انخفاض أسعار البترول والسلع الغذائية العالمية كان من المفترض أن ينعكس إيجابيا على المواطنين فى مصر، ولكن ذلك لم يحدث حتى الآن فلا تزال أسعار البترول كما هى كما طرأت زيادة على السلع الغذائية. وشددت حلمى على ضرورة ضبط السوق من خلال مراقبة هوامش ربح الموردين أو التجار من أجل الحفاظ على استقرار الطبقات الاجتماعية وعدم تضييق الخناق عليها بعد أن عانت لفترة طويلة من ذلك. •