جامعة المنيا تستضيف أسبوع شباب الجامعات ال 14    أسعار الذهب في ختام التعاملات اليوم السبت 2025.12.27    حزم بالجمارك والضرائب العقارية قريبًا لتخفيف الأعباء على المستثمرين والمواطنين    فتح المطارات للاستثمار |شراكة تشغيلية مع القطاع الخاص دون المساس بالسيادة    مصر و20 دولة عربية وإسلامية تعلن رفضها اعتراف إسرائيل باستقلالية إقليم أرض الصومال    فرنسا ترحب باتفاق وقف إطلاق النار بين تايلاند وكمبوديا    انطلاق مباراة تونس ونيجيريا في كأس أمم أفريقيا 2025    النصر يحطم أرقام دوري روشن بانطلاقة تاريخية بعد ثلاثية الأخدود    الأهلي يفوز على الكويت الكويتي ويتوج بالبطولة العربية لكرة الماء    رصاصة أنهت الخلاف.. مصرع حداد في مشاجرة بالأسلحة النارية بشبرا الخيمة    هنا شيحة ناعية داوود عبد السيد.. «ترك لنا أفلامًا ما زالت تعيش»    شاهد أولى كواليس «حد أقصى» بطولة روجينا | رمضان 2026    سهر الصايغ وعمرو عبد الجليل يتعاقدان على «إعلام وراثة» | رمضان 2026    الوطنية للانتخابات تعلن انتهاء اليوم الأول من التصويت بإعادة الدوائر ال19    كواليس الاجتماعات السرية قبل النكسة.. قنديل: عبد الناصر حدد موعد الضربة وعامر رد بهو كان نبي؟    218 فعالية و59 ألف مستفيد.. حصاد مديرية الشباب والرياضة بالمنيا خلال 2025    نيجيريا ضد تونس .. نسور قرطاج بالقوة الضاربة فى كأس أمم أفريقيا    خبيرة تكشف طرق الاختيار السليم للزواج وتوقعات الأبراج 2026    خبير تشريعات: توثيق 1500 فيديو لمرشحين خلال 6 جولات يشتكون من انتهاكات    وزير الصحة يكرم الزميل عاطف السيد تقديرًا لدوره في تغطية ملف الشئون الصحية    الجيش السوداني يعلن استعادة السيطرة على منطقة الداكنوج بكردفان    موجة جوية غير مستقرة بشمال سيناء تتسبب بإغلاق ميناء العريش    النائب أحمد سيد: السياحة قضية أمن قومي وصناعة استراتيجية تقود الاقتصاد الوطني    الدفاعات الجوية الروسية تسقط 111 مسيرة أوكرانية خلال 3 ساعات    جهود لإنقاذ طفل سقط في بئر مياه شمالي غزة    معهد بحوث البترول وجامعة بورسعيد يوقعان اتفاقية تعاون استراتيجية لدعم التنمية والابتكار    تأجيل قضية فتى الدارك ويب المتهم بقتل طفل شبرا الخيمة لجلسة 24 يناير    تعليم العاصمة تعلن انطلاق البث المباشر لمراجعات الشهادة الإعدادية    خبير نووى: الأوروبيون فقدوا أوراق الضغط وإيران تتحرك بحرية فى ملف التخصيب    تجربة رائدة لدمج التعليم بالإنتاج فى كفرالشيخ |أرباح مليونية بالمدارس الزراعية    وزير الإسكان يتفقد مشروع "حدائق تلال الفسطاط" بمحافظة القاهرة    مسؤول سابق بالخارجية الأمريكية: واشنطن لن تسمح لإسرائيل بشن هجوم على إيران    صادر له قرار هدم منذ 22 عاما.. النيابة تطلب تحريات تحطم سيارة إثر انهيار عقار بجمرك الإسكندرية    ألمانيا تغلق مطار هانوفر بعد رصد مسيرات في مجاله الجوي    هل يجوز المسح على الخُفِّ خشية برد الشتاء؟ وما كيفية ذلك ومدته؟.. الإفتاء تجيب    وزير الطاقة بجيبوتي: محطة الطاقة الشمسية في عرتا شهادة على عمق الشراكة مع مصر    يصيب بالجلطات ويُعرض القلب للخطر، جمال شعبان يحذر من التعرض للبرد الشديد    جولة في غرفة ملابس الأهلي قبل مواجهة المصرية للاتصالات بكأس مصر    السجن 10 أعوام وغرامة 50 ألف جنيه لمتهم بحيازة مخدرات وسلاح ناري بالإسكندرية    شوربة شوفان باللبن والخضار، بديل خفيف للعشاء المتأخر    الأرصاد: السحب تتشكل على جنوب الوجه البحري وتتجه للقاهرة وتوقعات بسقوط أمطار    بعزيمته قبل خطواته.. العم بهي الدين يتحدى العجز ويشارك في الانتخابات البرلمانية بدشنا في قنا    عمومية الطائرة تعتمد بالإجماع تعديلات لائحة النظام الأساسي وفق قانون الرياضة الجديد    الدكتور أحمد يحيى يشارك باحتفالية ميثاق التطوع ويؤكد: العمل الأهلى منظومة تنموية    الرقابة المالية تصدر نموذج وثيقة تأمين سند الملكية العقارية في مصر    افتتاح مشروعات تعليمية وخدمية في جامعة بورسعيد بتكلفة 436 مليون جنيه    تعذر وصول رئيس اللجنة 40 بمركز إيتاي البارود لتعرضه لحادث    27 ديسمبر 2025.. أسعار الحديد والاسمنت بالمصانع المحلية اليوم    المستشار حامد شعبان سليم يكتب عن : المطلوب " انابة " بحكم " المنتهى " !?    موعد مباراة السنغال والكونغو الديمقراطية بأمم أفريقيا.. والقنوات الناقلة    المستشفيات الجامعية تقدم خدمات طبية ل 32 مليون مواطن خلال 2025    الصحة: فحص 9 ملايين و759 ألف طفل ضمن مبادرة الكشف المبكر وعلاج فقدان السمع لدى حديثي الولادة    عشرات الشباب يصطفون أمام لجان دائرة الرمل في أول أيام إعادة انتخابات النواب 2025    زاهي حواس يرد على وسيم السيسي: كان من الممكن أتحرك قضائيا ضده    فلافيو: الفراعنة مرشحون للقب أفريقيا وشيكوبانزا يحتاج ثقة جمهور الزمالك    أخبار × 24 ساعة.. موعد استطلاع هلال شعبان 1447 هجريا وأول أيامه فلكيا    لماذا لم يتزوج النبي صلى الله عليه وسلم على السيدة خديجة طيلة 25 عامًا؟.. أحمد كريمة يُجيب    خشوع وسكينه..... ابرز أذكار الصباح والمساء يوم الجمعه    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



خطاب من إحسان إلى عبدالناصر
نشر في صباح الخير يوم 20 - 01 - 2015

عاش إحسان عبدالقدوس حياة حافلة ومازال، وطوال سبعين عاما - وأعوام أخرى كثيرة إن شاء الله - ظل إحسان إنسانا مستنير العقل والفكر والتصرف والسلوك.
واخترنا أن ننشر هنا خطابا أرسله إحسان إلى جمال عبدالناصر عام 1955 يشرح فيه حياة الكاتب واهتماماته ودوافعه ومدى مسئولية رئيس التحرير فى إتاحة الفرصة لكل من يكتب فى التعبير عن رأيه واجتهاده وتحمل مسئولية ما ينشر على الناس.

اكتشفت خطابا كتبته لجمال عبدالناصر عام 1955..
ودهشت.. فإنى لا أذكر أبدا أنى كتبت خطابا لأى رئيس جمهورية. ولعل هذا الخطاب هو الوحيد الذى كتبته ثم نسيته، بل إنى لا أذكر إذا كنت قد أرسلته إلى جمال عبدالناصر فعلا، أم أنى اكتفيت بكتابته ثم ألقيت به فى درج النسيان.
ومع قراءة الخطاب بدأت ذاكرتى الضعيفة التى تعذبنى بضعفها تستيقظ فتذكر ملامح تبدو باهتة من وراء عشرين عاما مضت.
كانت الصحافة أيامها لم تؤمم بعد وكانت الرقابة المفروضة عليها ثقيلة عنيفة. وكنت أنا صاحب «روزاليوسف» وحتى أهرب بنفسى وبروزاليوسف من ثقل الرقابة.. كمشت صفحاتها السياسية وفتحت صفحات أوسع للمواد الاجتماعية والأدبية.. وهو نفس السبب الذى جعلنى أيامها أطالب بتأميم الصحافة، لأن الرقابة كانت قد وصلت إلى حد أن أصبحت الصحف أقرب فعلا إلى ملكية الدولة.
وكنا أيامها نتحمل كل هذا الثقل لأن الثورة كانت تخطو خطوات ناجحة قوية، وكان عبدالناصر فى أزهى انتصاراته بعد تأميم القناة وفشل الاعتداء الثلاثى حتى أصبح الكثيرون منا يعطونه الحق فى كل شىء حتى فى فرض هذه الرقابة العنيفة.. إن النجاح يبرر كل الأخطاء، وكانت لقاءاتى الشخصية بعبدالناصر قد تباعدت كما تتباعد دائما مع أى رجل مسئول، لأنى غالبا لا أستطيع أن أساهم فى تغطية مطالب المسئولين، وأصبحت آراؤه الخاصة فيما ينشر بروزاليوسف تصلنى إما عن طريق الرقابة أو عن طريق أصدقاء مشتركين.
وعبدالناصر رغم ما كان عليه من تفتح فكرى، كان فى أحيان كثيرة يبدو متحفظا إلى حد التزمت فى اختيار الكلمة التى تقال والموضوع الذى يبحث حتى خارج مجال السياسة، ولذلك فعندما تعمدت إهمال السياسة والتفرغ للأدب، لم أسلم من تزمت عبدالناصر.. وقد سبق أن رويت كيف اعترض على كلمة «الحب» عندما كنت أكررها فى الإذاعة قائلا فى نهاية كل حديث «تصبحوا على خير.. تصبحوا على حب».
وعرض عليّ أن أستبدلها بكلمة «محبة» أى أقول «تصبحوا على محبة» بمعناها الصحيح، وتوقفت أيامها عن حديث الإذاعة وإلى اليوم.. وعبدالناصر بدأ يستعمل كلمة «حب».
ويبدو أن عبدالناصر أيامها كان يقرأ قصص «البنات والصيف» التى كنت أنشرها فى «روزاليوسف»، فأرسل لى عدم موافقته على ما ينشر أو على الأقل عدم رضائه.. وفى الوقت نفسه كنت قد فتحت فى «روزاليوسف» صفحات للأبحاث الدينية. وكان زميلى الدكتور مصطفى محمود فى مرحلة معينة من مراحل فكره الدينى، وكان ينشر دراسات دينية اعترض عليها أيضا جمال عبدالناصر.. ولعلى عندما أبلغت بهذه الاعتراضات رأيت أن أرد عليها برسالة بدلا من الاعتماد على نقل الكلام عن طريق الأصدقاء، وهى الرسالة التى لا أدرى ولا أذكر إذا كنت قد أرسلتها إلى عبدالناصر فعلا أم احتفظت بها فى درج النسيان.
وقد رأيت أن أنشر اليوم هذه الرسالة، لأساهم فى موجة نشر الذكريات والمذكرات، فليس لى مذكرات لم تنشر، كل مذكراتى انشرها وما أعجز عن نشره فى مقال أنشره فى قصة وألبسه لشخصية أخرى من خيالى.. وإنما أنشر هذه الرسالة لأنها ترد على ضجة قامت حول قصة من القصص المنشورة ضمن هذه المجموعة من القصص، ولأنها تعبر عن نقاش لايزال يدور بيننا حتى اليوم، وعن مواضيع لم نجد لها بعد عشرين عاما حلا ولا أمانا، إنما ازددنا ضياعا وغرقنا فيها حتى أطراف أنوفنا.
وهذه هى الرسالة كما كتبتها منذ عشرين عاما.
••
السيد الرئيس جمال عبدالناصر
عزيزى السيد الرئيس..
تحية حب وشوق..
أبلغنى صديقى «الأستاذ هيكل» رأى سيادتكم فى مجموعة القصص التى نشرتها أخيرا بعنوان «البنات والصيف»، وقد سبق أن أبلغنى نفس الرأى السيد حسن صبرى مدير الرقابة واتفقت معه على تعديل الاتجاه الذى تسير فيه قصصى.
ورغم ذلك فإنى أريد أن أشرح لسيادتكم الدافع والهدف اللذين يدفعاننى إلى كتابة قصصى لا دفاعا عن نفسى، بل فقط لأكون قد أبلغتكم رأيى.
أنا لا أكتب هذه القصص بدافع الربح المادى، فإنى مازلت أقل كتاب القصص ربحا، ولا أكتبها بدافع الرغبة فى رفع توزيع المجلة، فقد كنت أكتب هذه القصص فى الوقت الذى لم تكن المجلة فى حاجة إلى رفع توزيعها، وقبل الثورة، عندما كنت أكتب فى قضية الأسلحة الفاسدة، وأثير حملاتى على النظام القائم. وكان عدد «روزاليوسف» الواحد يباع بعشرين قرشا.. فى نفس الوقت كنت أكتب قصة «النظارة السوداء»، وأنشرها مسلسلة، وهى قصة تصور مجتمع المتمصرين تصويرا صريحا جريئا.
وإذا كان رفع توزيع المجلة يعتمد على نشر القصص المسلسلة، فإن القصص الاجتماعية الصريحة ليست وحدها التى ترفع التوزيع، وقد سبق أن نشرت فى «روزاليوسف» قصة «فى بيتنا رجل» وهى قصة وطنية خالصة ليس فيها مشكلة حب ولا مشكلة جنس، ورغم ذلك فقد رفعت هذه القصة من توزيع المجلة، أكثر مما رفعته قصة «لا أنام» مثلا التى تدور حول مشكلة عاطفية. وذلك كما هو ثابت فى كشوف توزيع المجلة.
فأنا لا أتعمد اختيار نوع معين من القصص. أو اتجاه معين.. لكن تفكيرى فى القصة يبدأ دائما بالتفكير فى عيوب المجتمع. وفى العقد النفسية التى يعانيها الناس، وعندما أنتهى من دراسة زوايا المجتمع أسجل دراستى فى قصة.. وكل القصص التى كتبتها كانت دراسة صادقة جريئة لعيوب مجتمعنا، وهى عيوب قد يجهلها البعض، ولكن الكثيرين يعرفونها.. وهى عيوب تحتاج لجرأة الكاتب حتى يتحمل مسئولية مواجهة الناس بها.. ومنذ سنين عديدة، وجدت فى نفسى الجرأة لتحمل هذه المسئولية.
والهدف من إبراز هذه العيوب هو أن يحس الناس بأن أخطاءهم ليست أخطاء فردية، بل هى أخطاء مجتمع كامل.. أخطاء لها أسبابها وظروفها فى داخل المجتمع.. ونشر هذه العيوب سيجعلهم يسخطون، وسيؤدى بهم السخط إلى الاقتناع بضرورة التعاون على وضع تقاليد جديدة لمجتمعنا، تتسع للتطور الكبير الذى نجتازه. وتحمى أبناءنا وبناتنا من الأخطاء التى يتعرضون لها نتيجة هذا التطور.. وهذا هو الهدف الذى حققته قصصى.. لقد بدأ الناس يسخطون، لكنهم بدل أن يسخطوا على أنفسهم، وبدل أن يسخطوا على المجتمع، سخطوا على الكاتب.. أى سخطوا على أنا.. ولكنى كنت مؤمنا بأن مع استمرارى وتصميمى سينقلب السخط عليّ، إلى سخط على عيوب المجتمع، ومن ثم يبدأ الناس فى التعاون على إصلاح ما بأنفسهم.
وإن ما أراه يا سيدى الرئيس فى مجتمعنا لشىء مخيف، إن الانحلال والأخطاء، والحيرة، والضحايا.. كل ذلك لم يعد مقصورا على طبقة واحدة من طبقات المجتمع، بل امتد إلى كل الطبقات.. وحتى الطبقة الثورية بدأ الجيل الجديد منها ينجذب إلى مجتمع الخطايا.. وأصبحت البيوت المستقرة التى تقوم على الخلق القوى والتقاليد القويمة، بيوتا لا تمثل مجتمعنا بل تمثل حالات فردية متناثرة هنا وهناك.
وقد أبلغنى صديقى هيكل أن سيادتكم قد فوجئت عندما قرأت فى إحدى قصصى «البنات والصيف» ما يمكن أن يحدث داخل الكبائن على شواطئ الإسكندرية.. والذى سجلته فى قصصى يا سيدى الرئيس يحدث فعلا، ويحدث أكثر منه، وبوليس الآداب لن يستطيع أن يمنع وقوعه، والقانون لن يحول دون وقوعه.. إنها ليس حالات فردية - كما قلت - إنه مجتمع.. مجتمع منحل.. ولن يصلح هذا المجتمع إلا دعوة.. إلا انبثاق فكرة، تنبثق من سخط الناس، كما انبثقت ثورة 23 يوليو.. لهذا أكتب قصصى.
وفى جميع فترات التاريخ كان هذا هو دور كاتب القصة.. وقد كان الكاتب الفرنسى «بلزاك» يكتب قصصا أشد صراحة من قصصى.. قصصا تدور فى مخادع بنات الداخلية فى المدارس، وفى أقبية الرهبان والراهبات فى الأديرة، وفى القصور والأكواخ.. وثار الناس على بلزاك فى عصره. ولكنه اليوم يعتبر مصلحا اجتماعيا، وقصصه تترجم بالكامل فى الاتحاد السوفيتى، حيث يعتبر هناك أحد المعاول التى هدمت الطبقات الاجتماعية المنحلة.. وغيره كثيرون من كتاب القصة، مهدوا بقصصهم للإصلاح الاجتماعى.. وبين كتاب العصر الحديث أيضا تقوم قوة الكاتب على قدرته على إبراز العيوب الاجتماعية، دون أن يطالب بوضع العلاج لها، إن مهمته تقتصر على «التشخيص» أى على إبراز المرض ونتائجه.. ألبرتومو رافيا فى إيطاليا وجان بول سارتر فى فرنسا وهيمنجواى وفولكر فى أمريكا..و .. و.. وغيرهم عشرات كلهم يكتبون قصصا أكثر صراحة وبشاعة من قصصى، ورغم هذا فهم يرشحون لجائزة نوبل.
وحاول كثيرون من الكتاب فى مصر أن يحملوا هذه المسئولية المازنى فى قصته «ثلاثة رجال وامرأة» وتوفيق الحكيم فى قصته «الرباط المقدس» و.. و.. و..، ولكن ثورة الناس عليهم جعلتهم يتراجعون وظهرت الطبقة التى تليهم من كتاب القصص، فتعرضوا لتصوير عيوب المجتمع وأخطائه، عقده الجنسية، ولكنهم صوروها بعيدا عن الجو الواقعى، فلم يتأثر الناس بها، أو صوروها داخل الطبقة التى لا تقرأ.. الطبقة الفقيرة، فلم تحس بها الطبقة القارئة لأن كل طبقة تعتبر الطبقة الأخرى عالما وحده.. عالما بعيدا لا يهمها ما يجرى فيه.
وكل ما فعلته أنا بعد ذلك، هو أننى تحملت المسئولية بما فيها مسئولية سخط الناس على واعتقدت سواء خطأ أم صوابا أن قصصى تؤدى دورا فى التمهيد لإصلاح المجتمع بتجسيم عيوبه.. لعل سيادتكم تذكر أننى قد حادثتكم كثيرا عن الدور الكبير الذى يمكن أن يؤديه الأدب القصصى وساهمت تحت رعايتكم بمجهود كبير فى تنشيط الحياة الأدبية فى مصر سواء بتجميع الأدباء والكتاب فى الهيئات الأدبية المختلفة أو برفع مستوى كاتب القصة المادى والأدبى، ولم يكن لى أى كسب شخصى من وراء هذه الجهود ولم أحقق فعلا كسبا أدبيا ولا كسبا ماديا، بل إن دار روزاليوسف خسرت ثلاثة آلاف جنيه فى مشروع الكتاب الذهبى نتيجة نشر قصص الناشئين، لم يكن لى أى غرض إلا الجرى وراء إيمانى.
يبقى بعد هذا ما حدثنى به الزميل هيكل، عن دعوة الاتحاد فى صحف روزاليوسف والمقالات التى ينشرها مصطفى محمود.. وقد أوقفت نشر مقالات مصطفى محمود الخاصة ببحث فلسفة الدين ولكننى أحب أن أرفع إلى سيادتكم رأيى فى هذا الموضوع حتى أكون قد صارحتكم بكل شىء.
إنى مؤمن بالله يا سيدى الرئيس.. لست ملحدا ولعلك لا تعرف أننى أُصلى.. ولا أُصلى تظاهرا ولا نفاقا، فإن جميع مظاهر حياتى لا تدل على أنى أُصلى، ولكنى أُصلى لأنى أشعر بارتياح نفسى عندما أُصلى، ورغم ذلك فإنى أعتقد أن ديننا قد طغت عليه كثير من الخزعبلات والأتربة، والتفسيرات السخيفة التى يقصد بها بعض رجال الدين إبقاء الناس فى ظلام عقلى حتى يسهل عليهم أى على رجال الدين استغلال الناس والسيطرة عليهم، فى حين أنه لو تطهر الدين من هذه الخزعبلات ونفضنا عنه هذه الأتربة لصح ديننا، وصحت عقولنا ونفوسنا.. وسهل على قيادتكم أن تسير بالشعب فى الطريق الذى رسمته له.
ومن أجل هذا بدأت منذ زمن طويل أنشر فى روزاليوسف مقالات تبحث فى الدين ولم أكن أنا أشترك بقلمى فى هذه المقالات، لأنى لست رجل دين، ولكنى دعوت إليها فريقا من رجال الدين المتحررين.
ومن الكتاب الذين أعتقد أنهم درسوا وقرأوا إلى الحد الذى يتيح لهم الكتابة فى الدين، وقد سبق مثلا أن نشر الدكتور محمد خلف الله مقالا فى روزاليوسف يؤكد فيه أن القرآن لا يمنع زواج المسلمة من الكتابى أو من المسيحى وهى دعوة جريئة ولكن الدكتور خلف الله أستاذ فى الدين ودراسته وعلمه تخول له أن يحمل مسئولية مثل هذه الدعوة و.. و..، وهكذا كنت أعطى الفرصة لكثير من الكتاب ليبحثوا فى الدين معتقدا أن فتح هذا الباب سيؤدى حتما إلى رفع مستوى الوعى الدينى وقد وقع كثير من الأخطاء نتيجة فتح الباب لمقالات مصطفى محمود مثلا، ولكن لا شك أننا خرجنا بجانب هذه الأخطاء بمقالات فيما كان لها أثر كبير فى التفكير الدينى وكان آخر ما حاولته هو أنى حاولت تصفية الأحاديث النبوية، ودثر الأحاديث التى لا يمكن أن تنسب إلى نبينا كحديث، «خير اللحم ما جاور العظم» أو «الذبابة على جناحيها داء وعلى الآخر دواء» و.. و..، إلخ، وهى للأسف أحاديث معترف بها وتنشر فى المجلة التى تصدرها وزارة الأوقاف فدعوت أحد علماء الأزهر وكتب مقالا عن الأحاديث النبوية حذفته الرقابة.
وهذا هو الهدف والدافع اللذان يدفعاننى إلى التعرض للمواضيع الدينية.. لا لأنى ملحد بل لأنى مؤمن، ولأنى أعتز بإيمانى من أن يكون إيمانا لا يقره عقلى.
وبعد يا سيدى الرئيس
إن كل ما قصدته بخطابى هذا هو أن أظل محتفظا بثقتك فى وأحتاج إليك كسند وأخ.. وقد عشت حياتى كلها أشعر بالوحدة بين الناس، وأكافح وحدى ضد دسائس الناس وظلمهم لى دون أخذ من كفاحى شيئا إلا استمرارى فى الكفاح.
المخلص
إحسان عبدالقدوس
هذه هى الرسالة التى كتبتها عام 55 لجمال عبدالناصر وبين كلماتها ما يعبر عن مدى ثقتنا فيه وحبنا له فى هذه الفترة.. فترة الخمسينيات التى وصفها الرئيس السادات بأنها كانت فترة الانتصارات وقبل أن تبدأ فترة الستينيات التى وصفها السادات بأنها فترة الهزائم والتى أخذت منا كثيرا من الحب الذى يجمعنا بعدالناصر.
وما قلته أيامها فى هذه الرسالة هو نفس ما أقوله ويقوله معى الكثيرون إلى اليوم.. حدود أدب القصة وحدود الفكر الدينى فإننا ما زلنا فى نفس الحدود لم نتقدم ولا خطوة واحدة طوال عشرين عاما مضت.•


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.