إحسان عبدالقدوس اسم دخل التاريخ ولن يغادره! إحسان عبدالقدوس الظاهرة الصحفية والأدبية والسياسية والفكرية والإنسانية، قيمة لا ينبغي إنكار ما قدمه لمصر وللصحافة وللرواية، وإسهامه المهم في التعبير عن قضايا وهموم المرأة ومساندتها بغير حدود.لم يفلت ولد أو بنت من أبناء جيلي والأجيال التي سبقتني من تأثير ما يكتبه إحسان عبدالقدوس: صحفياً وروائياً وسينمائياً أيضاً. ومن لم يقرأ لإحسان مقالة أو قصة قصيرة أو روائية فقد شاهد عشرات الأفلام السينمائية المأخوذة عن رواياته الأدبية، وخذ عندك: أنا حرة، البنات والصيف، في بيتنا رجل، الراقصة والطبال، العذراء والشعر الأبيض، حتي لا يطير الدخان، أبي فوق الشجرة، وغيرها وغيرها. والكتابة عن إحسان عبدالقدوس ومشواره الصحفي والسياسي والأدبي لا يكفيها كتاب أو أكثر، إنها تحتاج لجهد وفكر وبحث جاد قد يستغرق سنوات وسنوات!! صحيح أن الكتابة عن إحسان القيمة والمعني والتاريخ لا تنتظر مناسبة أو توقيتاً، لكن شهر يناير هو شهر إحسان ففي أول يناير عام 9191 جاء مولده، وفي 11 يناير سنة 0991 رحل إحسان عبدالقدوس أي منذ عشرين عاماً!! في أحد كتب إحسان عبدالقدوس كانت المقدمة لافتة للنظر، وكانت بمثابة خطاب إلي جمال عبدالناصر، سطور الخطاب وثيقة تاريخية وسياسية مهمة تستحق القراءة الآن! كتب إحسان عبدالقدوس يقول: اكتشفت خطاباً كتبته لجمال عبدالناصر عام 5591، ودهشت لأني لا أتذكر أبداً أني كتبت خطاباً لأي رئيس جمهورية، ولعل هذا الخطاب هو الوحيد الذي كتبته ثم نسيته بل إني لا أذكر إذا كنت قد أرسلته إلي جمال عبدالناصر فعلاً، أم أني اكتفيت بكتابته ثم ألقيت به في درج النسيان. ومع قراءة الخطاب بدأت ذاكرتي الضعيفة التي تعذبني بضعفها تستيقظ فتذكر ملامح تبدو باهتة من وراء عشرين عاماً مضت.. كانت الصحافة أيامها لم تؤمم بعد، وكانت الرقابة المفروضة عليها ثقيلة عنيفة، وكنت أنا صاحب روزاليوسف وحتي أهرب بنفسي وبروزاليوسف من ثقل الرقابة كمشت صفحاتها السياسية، وفتحت صفحات أوسع للمواد الاجتماعية والأدبية، وهو نفس السبب الذي جعلني أيامها أطالب بتأميم الصحافة، لأن الرقابة كانت قد وصلت إلي حد أن أصبحت الصحف أقرب فعلاً إلي ملكية الدولة. وكنا أيامها نتحمل كل هذا الثقل، لأن الثورة كانت تخطو خطوات ناجحة قوية وكان جمال عبدالناصر في أزهي انتصاراته بعد تأميم قناة السويس، وفشل الاعتداء الثلاثي حتي أصبح الكثيرون منا يعطونه الحق في كل شيء حتي في فرض هذه الرقابة العنيفة.. إن النجاح يبرر كل الأخطاء. ويمضي إحسان عبدالقدوس قائلاً: وكانت لقاءاتي الشخصية بعبدالناصر قد تباعدت كما تتباعد دائماً مع أي رجل مسئول، لأني غالباً لا أستطيع أن أساهم في تغطية مطالب المسئولين، وأصبحت آراؤه الخاصة فيما ينشر بروزاليوسف تصلني إما عن طريق الرقابة أو عن طريق أصدقاء مشتركين. وعبدالناصر رغم ما كان عليه من تفتح فكري، كان في أحيان كثيرة يبدو متحفظاً إلي حد التزمت في اختيار الكلمة التي تقال والموضوع الذي يبحث حتي خارج مجال السياسة، ولذلك فعندما تعمدت إهمال السياسة والتفرغ للأدب لم أسلم من تزمت عبدالناصر، وقد سبق أن رويت كيف اعترض علي كلمة الحب عندما كنت أكررها في الإذاعة قائلاً في نهاية كل حديث: تصبحوا علي خير.. تصبحوا علي حب!! وعرض علي أن أستبدلها بكلمة محبة أي أقول: تصبحوا علي محبة، ولكني اعتذرت، وقلت له إني أحاول أن أفرض استعمال كلمة حب بمعناها الصحيح، وتوقفت أيامها عن حديث الإذاعة وإلي اليوم، وعبدالناصر بدأ يستعمل كلمة حب. ويبدو أن عبدالناصر أيامها كان يقرأ قصص البنات والصيف التي كنت أنشرها في روزاليوسف فأرسل لي عدم موافقته علي ما ينشر أو علي الأقل عدم رضائه.. وفي الوقت نفسه كنت قد فتحت في روزاليوسف صفحات للأبحاث الدينية، وكان زميلي الدكتور مصطفي محمود في مرحلة معينة من مراحل فكره الديني، وكان ينشر دراسات دينية اعترض عليها أيضاً جمال عبدالناصر، ولعلي عندما أبلغت بهذه الاعتراضات رأيت أن أرد عليها برسالة بدلاً من الاعتماد علي نقل الكلام عن طريق الأصدقاء، وهي الرسالة التي لا أدري إذا كنت قد أرسلتها إلي عبدالناصر فعلاً أم احتفظت بها في درج النسيان. وقد رأيت أن أنشر اليوم هذه الرسالة لأساهم بها في موجة نشر الذكريات والمذكرات، فليس لي مذكرات لم تنشر، كل مذكراتي أنشرها وما أعجز عن نشره في مقال أنشره في قصة وألبسه لشخصية أخري من خيالي، وإنما أنشر هذه الرسالة لأنها ترد علي ضجة قامت حول قصة من القصص المنشورة ضمن هذه المجموعة من القصص، ولأنها تعبر عن نقاش لايزال يدور بيننا حتي اليوم، وعن مواضيع لم نجد لها بعد عشرين عاماً حلاً ولا أماناً إنما ازددنا ضياعاً وغرقنا فيها حتي أطراف أنوفنا.. وهذه هي الرسالة كما كتبتها منذ عشرين عاماً. أما نص رسالة إحسان للرئيس عبدالناصر بكل ما تضمنته من أسرار ودهاليز وخفايا وخبايا فموعدنا معها الأسبوع القادم.