بين الحقيقة والأسطورة.. تأخذ المعجزة مكانها فى تاريخ الشعوب.. لأن السيد المسيح هو صاحب المعجزة باسم الله.. فإن أقباط مصر لديهم الكثير من الأحداث الإعجازية.. بعض هذه المعجزات شاهدها وصدقها وشارك فيها المسيحيون والمسلمون من أقباط مصر على مر التاريخ. أقدم الروايات المعجزة، التى وردت فى كتب التاريخ سواء بريشة مؤرخين مسيحيين أو مسلمين كانت «معجزة نقل جبل المقطم»- وكما جاء فى «تاريخ البطاركة» لابن المقفع. فإن القصة بدأت بجدال دينى بين يهودى يسمى موسى هو سكرتير لأحد وزراء الخليفة المعز لدين الله الفاطمى وبين نائب بطريرك الأقباط الذى كانت تربطه علاقة طيبة بالخليفة المعز. وأراد موسى أن يسى ء إلى المسيحيين لينهى العلاقات الوطيدة بين البطريرك والخليفة، ولذلك طلب من الخليفة مجادلة البطريرك حتى يظهر كذب الدين المسيحى ، ولكن الخليفة طلب من البطريرك أن يبعث بأحد الأساقفة لتلك المجادلة إذا أراد. وبالفعل أرسل البطريرك أحد أساقفته وبدأت المجادلة وانتهت لصالح النصارى مما اغضب الوزير اليهودى جدًا وذهب للبحث بالإنجيل حتى يوقع المسيحيين فى الشر. وبعد عدة أيام كانت المجادلة الثانية أمام المعز. حيث قال الوزير اليهودى بأنه جاء بإنجيل متى، وهو أحد الأناجيل الأربعة: على لسان المسيح: «لو كان لكم إيمان مثل حبة خردل لكنتم تقولون لهذا الجبل: انتقل من هنا إلى هناك، فينتقل»، ونحن نطالب المسيحيين بتحقيق هذا القول، وإلا يكون دينهم على خير حق!! وبالطبع جذع النصارى ولبس كبارهم وصغارهم المسوح وفرشوا الرماد وذروا التراب على رؤوسهم.. وطالبت الكنيسة الشعب المسيحى بالصلاة والصوم.. لمدة ثلاثة أيام. وطبقًا لرواية «ابن المقفع» فإن البطريرك طلب من الخليفة مهلة ثلاثة أيام لتحقيق الأمر.. وأمر الكنيسة جميعًا بالصلاة والصوم ثم شاهد البطريرك رؤيا لظهور السيدة العذراء مريم تشير إليه إلى شخص بسيط يسمى «سمعان» ويعمل إسكافى، ولم يكن البطريرك يعرفه ولكنه سمعان مشهود له بالتقوى هو الذى سيقوم بنقل جبل المقطم. وبالفعل وجده البطرك وفى اليوم المحدد طلب سمعان أن يقوم كل مسيحيى مصر بالصوم والصلاة، وأن يقوم هو بالصلاة لنقل الجبل ولكن دون أن يعرف أحد.. وبالفعل قام بذلك وانتقل الجبل أمام أعين الخليفة وأمام الجميع الذين عظموا الله ولكن «سمعان» اختفى منذ ذلك الحين وقيل إنه اتخذ لنفسه مغارة للصلاة داخل الجبل وقد تحولت تلك المغارة إلى كنيسة فيما بعد. • شفاء ابنة محمد على أما القصة الثانية أو الأسطورة التى يتحاكى بها أقباط مصر ومسجلة بكتب التاريخ: فقد حدثت فى بداية القرن العشرين حيث سجل لنا توفيق اسكاروس وهو من أهم المؤرخين الأقباط، فى كتابه «نوابغ الأقباط ومشاهيرهم» سيرة أحد الأساقفة الأنبا صرابامون وقد كان أسقف المنوفية والمعروف «بكرامته ومعجزاته». وتحكى الروايات عنه أن معجزاته تحدت الموت حيث كان يصلى إلى الله و«يتشفع» فيقيم الأموات، وقد التقى المؤرخ بشخص يسمى «يواقيم بك منصور» كان الأخير قد مات وهو طفل، وبعثت به الحياة عندما صلى له الأنبا صرابامون. أما القصة الأشهر فى حياة «الأنبا صرابامون» فهى عندما استدعاه، الوالى محمد على، حيث مرضت زهرى باشا ابنته، وزوجة أحمد بك الدفتردار، ولم يستطع أحد علاجها، فطلب حضوره، واستطاع بالفعل شفاءها باسم الله، وفرح محمد على بشفاء ابنته وحاول مكافأة الأنبا صرابامون.. فاعتذر الأخير ومجد الله، وطلب من محمد على أن يرعى مصالح الأقباط، وبالفعل بدأ محمد على الاستعانة بالأكفاء من الأقباط فى دواوين الدولة، وأصبح للبابا مكانة عظيمة. • العائلة المقدسة وأماكن مباركة من أهم المزارات المسيحية المباركة.. كنيسة العذراء بالمعادى وكنيسة العذراء بدير المحرق بأسيوط، الأولى تعتبر من أقدم الكنائس، حيث يقول التقليد الكنيسى المتوارث بأن العائلة المقدسة قد حلت بموضعها المقدس فى أثناء هروبها إلى أرض مصر من هيرودس ملك الرومان الظالم الذى كان يريد قتل السيد المسيح وهو طفل، حيث أخذت العائلة مركبًا فى النيل من المعادى إلى الصعيد، وقد ذكر ذلك فى ثلاثة مصادر تاريخية موثقة.. ويقال إن الكنيسة بها عتبة تعتبر مقدسة يتبارك بها الناس حيث كانت موضعاً للسيد المسيح. أما كنيسة العذراء بدير المحرق، فيقول التقليد الكنسى بأن مذبح تلك الكنيسة كان قد أقيم ببعض الحجارة السوداء التى كان ينام عليها السيد المسيح، وإنه عندما أعيد بناء تلك الكنيسة حاول الأساقفة توسيع المذبح، واستخدام حجارة أخرى إلا أن العامل الذى حاول القيام بذلك شلة يده وقد ظهرت السيدة العذراء لأسقف أسيوط وقالت له إن «ابنى» قد قام بتدشين المذبح وإن تلك الحجارة مقدسة، وقد أصبح دير المحرق هو القدس الثانى للمسيحيين الإثيوبيين حيث كانوا يحضرون للحج به سنويًا. • عبدالناصر وظهور العذراء!! المعروف أن عهد عبدالناصر كان من أفضل العهود للمسيحيين فى مصر، خاصة من أبناء الطبقة الوسطى مثلهم مثل إخوانهم المسلمين من الطبقة ذاتها، غير أن التقليد الكنسى يحتفظ لعبدالناصر بما هو أكثر من تحقيق المساواة بين أبناء الشعب مسلمين ومسيحيين وهو مؤرخ أيضًا بالصحف المصرية. أهم حادث معجزى فى تاريخ الكنيسة القبطية كان حادث ظهور السيدة العذراء فى مساء يوم الثلاثاء الثانى من إبريل سنة 1968 فى عهد البابا كيرلس السادس. حيث ظهرت السيدة العذراء بشكل روحانى نورانى على قباب كنيسة الزيتون المسماة باسمها، وكان هذا هو أطول ظهور للسيدة العذراء سواء فى وقت الظهور، أو فى عدد الليالى المتعاقبة. وقد كان هذا الظهور المعجزى حادثاً عالمياً، جعل توافد مسيحيى العالم على مصر من الشرق والغرب، وقد كتبت الجرائد المصرية والعالمية عن الحادث، وأعلنت الحكومة المصرية عن اتخاذها جميع الإجراءات من أجل استقبال وفود المسيحيين القادمة من البلدان الأخرى لمشاهدة الحادث المعجزى، وقيل إن ظهور العذراء مريم جاء برسالة سلام وفرح وطمأنة للمصريين خاصة بعد النكسة، وأن تلك الرسالة تبعثها من مصر الأرض التى عاش بها المسيح.. وقد أكدت جريدة الأخبار وقتها أن الدولة المصرية أقرت ظهور السيدة العذراء، وتواردت أخبار أخرى بأن الرئيس جمال عبدالناصر قد ذهب بنفسه إلى حدائق الزيتون ورأى الظهور وكان بصحبته حسين الشافعى سكرتير المجلس الإسلامى الأعلى وقتها، وأمر بإزالة الجراج وتجميل المكان من أجل الوافدين، وإنشاء فندق سياحى ومستشفى بالمنطقة. والمعروف أن أول من رأى الظهور هم عمال جراج هيئة النقل العام فى طمونباى. ويحفظ التقليد الكنسى قصة أخرى للزعيم عبدالناصر، حيث يقال إنه بعد تولى عبدالناصر حكم البلاد، طلب البطريرك البابا كيرلس مقابلته لعدة مرات وفشل فى اللقاء حيث كان عبدالناصر يعتذر، إلى أن توسط أحد أبناء الكنيسة وكان على علاقة جيدة بعبدالناصر فى تحديد موعد للقاء وذهب البابا كيرلس للقاء عبدالناصر إلا أن الرئيس استقبل البابا استقبلاً جافاً جداَ. وبعد ذلك بعدة أيام، جاء الصديق المشترك منزعجًا طالبًا البابا فى أمر مهم.. لكن البابا كان فى خلوة روحية، ورفضت السكرتيرة إزعاجه ولكن الصديق أكد لهم أن الرئيس جمال يريده على وجه السرعة وكان بالفعل الرئيس يريده لأن ابنته قد مرضت ولم يستطع أحد علاجها وكان البابا كيرلس معروفاً عنه الصلاة المجزية، وفوجئ الرجل بالبابا يخرج من خلوته دون أن يعلم بمجيئه قائلاً: دعنا نذهب للرئيس لرؤية ابنته وشفيت ابنة جمال عبدالناصر بعد صلاة البابا كيرلس ومنذ تلك اللحظة أصبح الرئيس والبابا صديقين. وهناك قصة أخرى أكثر تداولاً تقول بأن صلاة البابا كانت من أجل شفاء عبدالناصر نفسه حيث «شلت يده» بعد ذهاب البابا غاضبًا.. وتظل المعجزة حدثاً خارقاً للطبيعة لمن يؤمنون بها وتظل الأسطورة شاهد عيان على حادث حقيقى بطعم الخيال. ولكن الشاهد الأكيد هو أن أقباط مصر عاشوا معا مسيحيين ومسلمين على هذه الأرض. •