مدعوما بأزمة اقصادية خانقة.. نجح الدولار فى زيادة أعباء الأسرة المصرية بعد أن ارتفعت قيمته أمام الجنيه المصرى فى السوق السوداء وبدأ سعره فى ارتفاع بشكل تدريجى داخل البنوك بسبب نقصه فى السوق المصرية وعدم تلبية حاجات المستوردين، مما دفعهم للبحث عن حلول فى السوق السوداء وهو ما يمهد لارتفاع الأسعار..جاء إعلان البنك المركزى عن الاحتياطى النقدى وانخفاضه بنحو 700 مليون دولار عن الشهر الماضى حيث كان يبلغ 17.7 مليون دولار تقريبا وأصبح الآن 17 مليارا فقط، خاصة أن حجم الاحتياطى أصبح مثقلا بسداد أقساط الديون وتوفير السلع الأساسية من قمح ومواد تموينية وسلع استراتيجية وتوفير العملة لمستوردى السلع الأساسية. ارتفع سعر الدولار منذ أسبوعين حتى وصل إلى سبعة جنيهات فى البنوك بعد أن كان 6.29 جنيه أما فى السوق السوداء فارتفع بشكل تدريجى من 7.20 إلى أكثر من 7.50 فى الوقت الذى بدأت فيه بعض شركات الصرافة ادخاره لحين زيادة سعره لاسيما أن أى عطاءات استثنائية سيقوم بها البنك المركزى ستنتهى سريعا نظرا لحاجة المستوردين الشديدة للعملة الخضراء فى حين كان قرار رفع رسوم الإغراق على استيراد الحديد عاملا محفزا على استيراده فساهم ذلك فى تقليل المعروض من العملة الخضراء فى السوق السوداء، فى الوقت الذى باتت فيه مفاوضات حزمة المساعدات الاقتصادية الجديدة من الدول الخليجية غامضة.
∎ مافيا الدولار
شدد إسماعيل طنطاوى الخبير الاقتصادى على ضرورة التصدى لمافيا الدولار والقضاء عليها، خاصة من خلال عدد من شركات الصرافة التى تبيع الدولار بأسعار أكثر من المعلن فى البنوك من أجل جمعه من الأسواق وزيادة الضغوط الاقتصادية على مصر، معتبرا هذه التصرفات بمثابة حلقة من ضمن حلقات الضغوط الخارجية التى تمارسها بعض الدول لإرهاق مصر اقتصاديا وسياسيا.
وتابع طنطاوى: إن الوقت الحالى يستلزم تشديد الرقابة على شركات الصرافة للحد من الإتجار فى الدولار فى السوق الموازية، مطالبا الحكومة بضرورة تفعيل قانون لغلق شركات الصرافة المخالفة أو اعتماد تغيير العملة من البنوك فقط وذلك تماشيا مع الظروف السياسية والاقتصادية التى تشهدها مصر.. وطالب طنطاوى بضرورة وضع ضوابط على الاستيراد من أجل توفير العملة الصعبة، خاصة أن بعض المستوردين يجلبون بضائع ليست مصر فى حاجة إليها وأغلبها مفتقر للجودة ولا يمكن استخدمه فى شىء مفيد فضلا عن وجود البديل المحلى له وكل ذلك استنزاف للدولار وضغط على المواطن المصرى.
وقال طنطاوى إن أى دولة خليجية لديها هيئة للرقابة على البضائع المستوردة وأى عيوب يتم اكتشافها ترفض الشحنة فورا ولذلك تجد أى بضائع مستوردة لديها القدر الكافى من مواصفات الجودة وهو ما يحد من ظاهرة استيراد السلع الرديئة وإنهاك الاحتياطى النقدى المصرى.
∎ مشاكل متوقعة
أكد سعيد عبدالخالق الخبير الاقتصادى أن مشاكل الدولار متوقعة بسبب الآليات الخاطئة المتواجدة حاليا والتى يدفع ثمنها الجيل الحالى بداية من عجز الميزان البترولى، فقد كنا فى الماضى نقوم بتصدير البترول ولكن اليوم نستورده بشراهة لتوفير الاحتياجات الأساسية وهو ما يعنى استهلاكا أكثر للدولار، كما أن استيراد السلع الأساسية مثل القمح والمواد التموينية ارتفع بشكل كبير لتوفير الاحتياجات المحلية فى الوقت الذى قلت فيه السياحة وزادت الصادرات وتحويلات المصريين للخارج بنسبة طفيفة لا تلبى متطلبات الدولة.
وأضاف عبدالخالق: إن طلب حزمة مساعدات اقتصادية من الدول الخليجية مرة أخرى ستكون مسكنا إضافيا ولكن المرض لا يزال موجودا ويزداد ضراوة مع مرور الوقت لأن حجم الديون الخارجية سيرتفع فى حين ستطالب الدولة فى المستقبل بسداد أقساط هذه الديون وهو ما يمثل إرهاقا للأجيال القادمة.
وتابع عبدالخالق قائلا: إنه حان الوقت كى نحاول التفكير فى المشاكل الاقتصادية التى تعانى منها مصر بطرق غير تقليدية مثل ضرورة طرح مشاريع كبرى للاكتتاب بين المواطنين لجذب الرأى العام نحوها والتخفيف من الضغوط الاقتصادية التى تحاصر الدولة والمواطن لاسيما أن الوقت الحالى باتت فيه المشاكل الاقتصادية أكثر تفاقما وهو ما تستغله بعض الجماعات والدولة التى لا تريد الخير لمصر.
وشدد عبدالخالق على ضرورة تشجيع السياحة فى المستقبل كمورد مهم للعملة الصعبة والبحث عن حلول أقل تكلفة لأزمة الدولار على المدى القصير لحين استعادة السياحة لعافيتها لأنها كانت المورد الرئيسى لضخ العملة الصعبة إلى مصر وكانت لها فعالية كبرى مع صادرات السلع وتحويلات المصريين فى الخارج وقناة السويس.
وأضاف عبدالخالق إن فكرة العطاءات الاستثنائية التى يقوم بها البنك المركزى لضخ العملة الصعبة باتت مثل الحلول المؤقتة لأن مصر حاليا مطالبة بسداد أقساط الديون فضلا عن ارتفاع الدين الداخلى بشدة نيتجة الإفراط فى استخدام أدوات الدين المحلى مثل أذون الخزانة التى تمولها البنوك من خلال ودائعها.
وأشار عبدالخالق إلى ضرورة العمل من أجل إيجاد فرص عمل للشباب وذلك للتقليل من ظاهرة البطالة والتى تؤدى فى النهاية إلى زيادة معدلات الاستهلاك وتباطؤ فى عجلة الإنتاج.
∎ خلفيات سياسية
أكد الدكتور جهاد عودة أستاذ العلوم السياسية أن ظاهرة الدولرة بدأت تعود للظهور من جديد من خلال ادخار المواطنين للدولار كقيمة ترتفع بمرور الوقت فى حين لا تزال الحكومة مكتوفة الأيدى أمام الأزمات الاقتصادية المتلاحقة يكون لها مردود سياسى.
وأشار عودة إلى أن هناك تحديات اقتصادية أمام الحكومة يجب أن تنفذها بداية من تخفيض حجم الدين الخارجى وتوفير السلع الأساسية للمواطنين ومواجهة ارتفاع الأسعار، لذا فإن تفاقم أزمة الدولار سيحد تنفيذ تلك التحديات خاصة أن هناك عمليات مضاربة على الدولار يدفع ثمنها المواطنون البسطاء والذين يتحملون السلع المستوردة بأسعارها المرتفعة نتيجة ارتفاع تكلفة جلب العملة الصعبة للمستوردين.. وأضاف عودة إن مصر بها الخبرات الاقتصادية الكبيرة ولكن لا أحد يعلم لماذا لم يتم استغلالها حتى الآن فى الوقت الذى تلجأ فيه الدولة للاستدانة الداخلية والخارجية.
وأشار عودة إلى أن هناك استغلالا سياسيا من جانب المعارضين للنظام الحالى للدولة للأزمة الاقتصادية التى تعيشها مصر وهو الأمر الذى يجب البحث له عن حلول سريعة تخفض من تأثير الأزمة على المديين القصير والطويل.. واختتم عودة حديثه بأن القوانين الرادعة لكل من يتلاعب بحاجات المواطنين هى الحل الأمثل للأزمة خاصة أن العملة الخضراء تعتبر هدفا استراتيجيا لكل من يريد تخريب الاقتصاد المصرى سواء داخليا أو خارجيا فى حين تقف الحكومة فى موقف المتفرج لكل ما يحدث فى السوق، خاصة أن طرح البنك المركزى لعطاءات استثنائية أصبح غير مجد فى الوقت الحالى نظرا لارتفاع ميزان الطلب عن المعروض من العملة.