هم من يطلق عليهم بجدارة أصحاب «الصيت ولا الغنى».. هم الذين يعملون فعلا لله وللوطن. شقى وتعب طول الليل والنهار.. ساعات عمل إضافية ولف شوارع مصر كعب داير والمحصلة 300جنيه فى الشهر.. هؤلاء هم الذين أنفقوا «دم قلبهم» للحصول على شهادات جامعية مرموقة يفيدون بها المجتمع وأثقلوها بالدورات التدريبية فى مجال تخصصهم للدخول إلى سوق العمل عالى المنافسة ولكن مع أول اختبار فعلى على أرض الواقع اصطدموا بالحقيقة المرة وعرفوا أنهم مهما تعبوا فى عملهم ومهما حاولوا أن يثبتوا أنفسهم سيحصلون على راتب قيمته ثابتة لا تتغير 300 جنيه فقط لاغير. نرمين ماجد (26 عاما) قالت لى: كان حلمى منذ نعومة أظافرى أن أعمل صحفية لما لهذه المهنة من قيمة فى نظرى وتأثير فى المجتمع.. وبحماس الشباب طرقت باب كل الصحف والمجلات أردت أن أبدأ الحياة العملية وأمارس عملى كصحفية بشكل مهنى.. أتعلم من شيوخ المهنة واكتسب خبرات لا حصر لها.. كنت أخلق لنفسى عالمًا ورديًا اكتشفت أننى أعيش فيه بمفردى وألا علاقة له بواقعنا المرير.. اصطدمت بفكرة أننى يجب أن أعمل بدأب وأهب كل عمرى ووقتى للمهنة التى لم تعطنى سوى ملاليم لا تكفى حتى ثمن البنزين الذى أنفقه فى استهلاك سيارتى.
أفقت على حلم مزعج هو أنه يتعين على أن أظل أعمل لمدة سنوات وسنوات حتى «ربنا ينفخ فى صورتى وأتعين» فى الجريدة القومية التى أعمل بها وطوال تلك الفترة يتم محاسبتى بنظام المكافأة أى أنه يتم حصر عدد الموضوعات أو الأخبار التى كتبتها طوال الشهر ويكون معادلها المادى يتراوح ما بين 180 إلى 360 جنيهًا بعد خصم الضرائب طبعا!!.. قلت مش مشكلة الأمل فى التعيين.. وجدت أنه لما أتعيين هايكون مرتبى حوالى 305 جنيهات بالتمام والكمال ولو حصل وبقى فيه علاوة هايزيد مرتبى ليصل تقريبا إلى 380 جنيهًا. مش بالذمة حرام.. فعلا صدق اللى قال الصيت ولا الغنى!!!
أما إسلام إبراهيم (23 عاما) حديث التخرج فى كلية الحقوق جامعة عين شمس دفعة 2010 وبعد أن أدى خدمته العسكرية التى دامت لمدة عام بدأ ممارسة عمله كمحام فى أحد مكاتب المحاماة حيث يعمل «تحت التمرين» يقول: بما أننى أعد حديث التخرج فإنه قطعا ليست لدى الخبرة فى هذه المهنة، ولذلك فإن كبار المحامين يحتاجون لأمثالنا للتعلم واكتساب الخبرة ولمتابعة سير قضايا المكتب، ولذلك فأنا أحصل على 300 أو 400 جنيه راتبا شهريا كبدل انتقال للعمل، حيث إن طبيعة عملى تتطلب منى الذهاب بشكل يومى إلى النيابات لمتابعة التحقيقات والمحاكم لمتابعة سير القضايا.. وهذا قطعا راتب هزيل ولا يكفى حتى مصاريفى الشخصية ولكن «الموضوع محتاج صبر شوية» حتى أتعلم أصول المهنة وأكتسب المزيد من الخبرات، وبالتالى وقتها سأصبح «محامى شاطر» وسيكون بوسعى أن أؤسس مكتبا خاصا بى.. وهذا الأمر ينطبق علىّ وعلى زملائى فى العمل حتى من أتموا العام فى المكتب ونستطيع أن نقول إنهم تعمقوا فى المهنة وتشربوا أصولها فهم أيضا لا يحصلون على راتب كبير فهو بالكاد قد يصل إلى 1000 جنيه أو يزيد عنها بالقليل والحمد لله أن أهلى يتفهمون طبيعة المهنة ويساعدوننى ويتكفلون بجزء من مصاريفى.
أما دكتور أحمد محرم جراح عظام فهو طبيب شاب دفعة 2007 تخرج فى كلية الطب جامعة القاهرة حاصل على الماجيستير فى جراحة العظام أى مساعد إخصائى متزوج ولديه طفلة صغيرة يقول: أعمل فى مستشفى الحوامدية العام وأحصل على مرتب قيمته 380 جنيهًا وفيما يتعلق بالحوافز فهى ليست بصفة منتظمة تكون بالإضافة إلى المرتب حوالى 1060 جنيهًا.. أما النوبتجيات فتكون بإجمالى 061 جنيهًا وهى تكون عبارة عن 4 نوبتجيات فى الشهر قيمة الواحدة منها 40 جنيهًا وهى تكون 24 ساعة فى الأسبوع.. قطعا هذا أقل بكثير من الراتب الذى نستحقه كأطباء قضينا نصف عمرنا فى الدراسة والأبحاث والتحضير للرسالات.. المهم لم يتسن لى أن أفتح عيادة خاصة بى نظرا لارتفاع تكاليف هذه العملية ولكن استطعت أن أجد لى مكانا فى أحد المستشفيات الخاصة.
ولا أخفى عليك أن ذلك الوضع السيئ الذى يعانيه أطباء مصر يجعلنا لا نستطيع أن نوفى احتياجات أسرنا.. فأنا مثلا متزوج ولدى ابنة رضيعة قطعا أحتاج إلى مصروفات كثيرة للغاية وراتبى فى المستشفيين العام والخاص لا يكفينى فألجأ قطعا إلى أبى.
الوضع سيئ على الكل لذلك قررت أن أجد فرصة عمل خارج مصر.. سأسافر إن شاء الله خلال فترة قصيرة.
أريد أن أقول شيئا أن لو أنا جمعت مرتبى كله سأجد أنه حوالى 1000 جنيه فى حين أنه لو قارنت أى شخص آخر فى نفس ظروفى ويعمل فى السعودية أو دول الخليج سنجده يحصل على ما يعادل 15 ألف جنيه مصرى ويضاف إلى ذلك أن ساعات عملى هناك ستكون 6 ساعات فقط بمقابل 15 ألف جنيه؟! أى أن شهر هناك = سنة وثلاثة أشهر من عملى فى مصر.. فقطعا لازم نسافر ونترك البلد أكيد.
وبالنسبة لوفاء أبوالمكارم (33 عاما) متزوجة وحاصلة على ليسانس الآداب قسم اللغة العبرية جامعة عين شمس وتعمل مترجمة لغة عبرية بالهيئة العامة للاستعلامات تقول: أعمل منذ أكثر من عشر سنوات فى الهيئة العامة للاستعلامات وأعمل كمترجمة عبرى.. لى 5 نوباتشياط بالأسبوع كل منها 6 ساعات عمل.. وكان راتبى هزيلاً للغاية لم يتجاوز ال500 جنيه ولكن بعد الثورة زاد ووصل إلى 1400 جنيه، أما من هم حديثو التعيين فأصبح راتبهم لا يتجاوز ال1100 جنيه لأنه عندما كان الدكتور عصام شرف رئيسا لوزراء مصر فى الفترة الانتقالية وضع ما يسمى بالحد الأدنى للحوافز الذى لم يكن موجودا من قبل فى الهيئة.. ونحن الآن لسنا راضين عن رواتبنا لأننا كنا تابعين لوزارة الإعلام وكانت ظروف عملنا هى نفس ظروف عمل زملائنا فى مبنى التليفزيون، ومع ذلك لم تتساو مرتباتنا بهم فكانوا يحصلون على رواتب أعلى بكثير منا ولم نحصل على المميزات التى يحصلون عليها.. الآن قيل إن الهيئة تابعة لرئاسة الجمهورية وعندما سألنا عن الامتيازات التى سنحصل عليها جراء تبعية الهيئة للرئاسة قيل إنها تبعية بالاسم وعلى الورق دون وجود التزامات بامتيازات من مؤسسة الرئاسة أو حتى بمساواة بأجور العاملين هناك. وتضيف وفاء قائلة: «الهيئة العامة للاستعلامات هى ذات طبيعة خاصة ولها ميزانية كبيرة جدا، ولكن مشكلتنا مثل مشكلة العاملين فى كل مؤسسات الدولة أنه لا توجد مساواة فى توزيع الأجور والذى يسحب من ميزانية الهيئة هى المكاتب الإعلامية للهيئة الموجودة بالخارج، حيث إنه يخرج من عندنا مستشاريون إعلاميون للعمل بمكاتب الهيئة بالخارج ويحصلون على مرتبات خيالية، أما داخل الهيئة فرواتبنا هزيلة.. فلك أن تتخيلى أن يحصل موظف الهيئة على راتب حوالى 1400 أو 1500 جنيه وزميلى مجرد أنه سافر للعمل بمكتب الهيئة بالخارج يحصل على 15 ألف استرلينى أو دولار وأحيانا يزيد على ذلك.. نعم تلك الوظيفة تصنف على أنها دبلوماسية.. ولكن فرص السفر غير متكافئة حيث إنه يتم تسفير أناس بأعينهم.
الخلاصة أننا من أكثر الهيئات ذات المرتبات الضعيفة بالدولة.. وفى الحقيقة أن العاملين بالهيئة من الرجال أو النساء لا يعتمدون على المرتب الذى تمنحهم إياه الهيئة.. فهناك العديد من النساء بالهيئة هن العائل لأسرهن ومنهن من يعملن عملا إضافيا إلى جانب الهيئة.. فمنهن من تعمل معلمة تعطى الدروس الخصوصية ومنهن من يعمل فى شركات خاصة أو مترجمات ببعض الصحف.. أما الرجال فاستحالة.. فالهيئة ليست بالنسبة لهم عملهم الرئيسى ولا يعتمدون عليها فى الأساس وإذا قارنا ما يحصلون عليه من عملهم بالخارج سنجد أنهم سيفضلون أن يحصلوا على إجازة من الهيئة للتفرغ لعملهم الخارجى الذى يدر عليهم دخلا كبيرا.
فاطمة رضوان (33 عاما) وتعمل معلمة دراسات اجتماعية للصف الرابع الابتدائى فتقول: «أنا حاصلة على ليسانس التربية جامعة عين شمس وأعمل فى إحدى المدارس الحكومية والحقيقة إننى حتى الآن لم يتم تعيينى فى المدرسة رغم أننى أعمل بها ما يفوق ال 7 سنوات.. والحقيقة إننى لم أستطع أن أترك المدرسة وأنتقل إلى مدرسة أخرى خاصة حتى لا أضيع فرصتى فى التعيين رغم أننى حتى لو تم تعيينى بعد تطبيق الكادر الجديد للمعلمين فسيكون راتبى الشهرى 056 جنيها فقط.. أنا الآن أعمل بالحصة حيث تكون تكلفة الحصة حوالى 57 قرشا وأنا أعطى فى اليوم مابين 7 أو 9 حصص وفى بعض الأشهر تتم محاسبتى بنظام «الشيفت» الذى يساوى 4 جنيهات وبذلك يتراوح راتبى ما بين ال200 و250 جنيهًا.. هذا إلى جانب كونى أمًا ل 3 أبناء فى مرحلة التعليم الابتدائى ويحتاجون إلى مصاريف كبيرة للغاية غير أننى أساهم مع زوجى فى مصروفات المنزل.. قطعا راتبى قليل ولكنى أحاول التحايل عليه بأن أعطى دروسا خصوصية لطلبة مدرستى والمدارس المجاورة مما قد يساعدنى بعض الشىء على المعيشة حيث إننى أحصل من خلال هذه الدروس على حوالى 700 أو 800 جنيه شهريا.. والحمد لله أتمنى أن أتعين حتى يزيد راتبى وأستطيع أن أربى أبنائى بشكل جيد.