هموم المُعبرين عن الهموم! فتحت انتخابات نقابة الصحفيين المصريين والزخم الذى تميزت به الباب واسعاً للحديث عن هموم وآمال الصحافة المصرية والصحفيين المصريين فى اللحظة الراهنة، أما الهموم فهى كثيرة ومتنوعة وثقيلة، وأما الآمال فهى كثيرة وتليق بتاريخ وحجم الصحافة المصرية.. فى هذا الملف نقترب من عدد من هموم الصحافة المصرية، ولعل أولها هو المستوى المتدنى لأجور الصحفيين المصريين وانعكاس ذلك على أدائهم المهنى، مع ملاحظة أن الصحفى المصرى ظل حتى بداية السبعينيات صاحب ثانى أعلى دخل فى الدولة بعد الوزراء، ومن الهم الاقتصادى والمعيشى إلى الهم المهنى حيث نرصد أشهر عيوب الأداء المهنى للصحفى المصرى وهى عيوب ظهرت نتيجة للضغوط المختلفة.. والهدف بالطبع هو مقاومة هذه العيوب.. وتداركها.. من ضمن الهموم أيضاً والتى تشترك فيها الصحافة المصرية مع غيرها تراجع معدلات التوزيع ومنافسة شبكات الإنترنت والبرامج التليفزيونية للصحافة المطبوعة، ومن الهموم الخاصة بالصحافة المصرية سنجد تآكل المدارس الصحفية التاريخية وبهوت ملامحها فضلاً عن أننا ننفرد بأول حوار مع نقيب الصحفيين مكرم محمد أحمد بعد فوزه، وهو ليس حوار تهنئة بقدر ما هو حوار هموم نضع فيه هموم المهنة على طاولته ونحفزه على أن يبدأ الحرب.. هموم الصحافة والصحفيين ليست شأناً فئويا، ولكنها شأن عام.. خاصة أن الصحفيين الذين عبروا عن هموم كل الفئات كانوا يخجلون من التعبير عن همومهم. فقراء فى بلاط صاحبة الجلالة! على خلاف ما تصوره المسلسلات والأفلام السينمائية فأجور الصحفيين المصريين حالياً أكثر من «مزرية» ورغم أن دخل الصحفى ظل حتى السنوات الأولى من السبعينيات واحداَ من أعلى الدخول فى الدولة المصرية، إلا أن الوضع الآن اختلف بدرجة كبيرة، والصحفيون القابضون على جمر المهنة والمتفرغون لها.. يعانون من تدنى معدل الأجور، مما يؤثر على الأداء المهنى بصورة كبيرة فى تدنى الأجور أيضا يشمل الرواتب الأساسية لرؤساء تحرير الصحف القومية، فضلاً بالطبع عن الصحفيين من مختلف الأجيال. ممتاز القط - رئيس تحرير أخبار اليوم- يرى أن تحسين أوضاع الصحفيين لا يمكن أن يتم بتحديد هيكل عام للأجور فى المؤسسات الصحفية، لأنها مؤسسات غير تابعة للدولة، ولا لأى قطاع من قطاعات الأعمال، وبالتالى كل جريدة تختلف عن الأخرى فى أرباحها، والمرتبات تحدد بها حسب الأرباح، وتحسين أوضاع الصحفيين واقعياً لا يتم إلا بعمل المؤسسات على تطوير نفسها وتحسين دخلها وتنمية مواردها بالبحث عن مجالات أخرى لها علاقة بالصحافة تستطيع من خلالها أن تحقق أرباحا أكثر. يضيف القط: إن هناك معوقات داخل المؤسسات القومية خصوصاً.. أهمها أن هناك عددا كبيرا جداً من العاملين بها من المعينين لا يفعلون شيئاً، والمؤسسة ملزمة بدفع رواتبهم.. مثلاً مؤسسة أخبار اليوم بها 6500 صحفى ومحرر وإدارى وعامل، سدس هذا العدد يكفى لإنجاز العمل، فهذا العدد الكبير غير فاعل ويمثل إعاقة كبيرة فى مسألة رفع الأجور. القط يؤكد رفضه التام لأن يعمل الصحفى مستشاراً لوزير، وهو لا يمانع فى ذلك فى حال أن يخلع رداء المؤسسة ويأخذ إجازة من الجورنال، لأنه أن ظل فى عمله الصحفى سيتناقض مع المهنية فى تغطيته لتلك الوزارة.. لكن الصحفيين وصلوا لهذا الحال نظراً لأن أجورهم تكاد تقترب من أجور عمال التراحيل، فى حين أن مرتب الصحفى قديماً كان يزيد على مرتب الوزير. ويقول: لابد أن يهتم رئيس التحرير بزيادة الإعلانات لأنها مصدر رئيسى للدخل وستعينه بشكل أساسى على رفع الأجور، وأنه لا مانع لديه من أن يعمل الصحفى فى الإعلانات وأن يأتى بها لأن ذلك سيزيد من دخله ودخل مؤسسته شريطة أن يلتزم الحياد فى منطقه وفى نقل الحقيقة. الصحفى - من وجهة نظر القط - الذى لا يعمل خارج مؤسسته لا يستطيع أن يعيش براتبه، وبالتالى يجب على كل مؤسسة أن توظف محرريها المتفرغين فى كل إصداراتها.. فمثلاً أن يعمل صحفى أخبار اليوم فى آخر ساعة، وأخبار الحوادث وغيرهما من الإصدارات. ويضيف: هناك شائعات كثيرة حول مرتبات رؤساء التحرير فى حين أن مرتبى لا يكاد يصل إلى ضعف مرتبى قبل أن أكون رئيس تحرير، ومعظمه يكون بدلا وليس أساسى المرتب ولا تتجاوز 6700 جنيه فى الشهر.. وأكون سعيدا جداً فى اليوم الذى تكون لدى فيه جلسة مجلس إدارة لأننى سأتقاضى بدل حضور، وأنا كرئيس تحرير لا آخذ أى نسبة من الإعلانات، ولكن نحاول تحسين الأجور بأن يصرف لكل محرر أرباح سنوية توازى 12 شهرا من راتبه. يضيف القط أنه منذ توليه رئاسة تحرير أخبار اليوم عمل على زيادة مرتبات الصحفيين بحيث تصل لدى عشرات المحررين إلى 2000 جنيه فى الشهر، لكن مازالت هناك مشكلة أن كل الوظائف الإدارية والتحريرية من رؤساء الأقسام ومديرى التحرير ليست لها موارد مالية، ولكن هناك علاوات استثنائية، فلابد أن تتغير اللوائح فى تلك الجزئية، وأن يتحمل رئيس التحرير العبء الأكبر فى تحسين دخل صحفييه والحفاظ على كرامتهم وتحسين أوضاعهم. لو جئنا للأهرام سنجد مصدراً مقربا من رئيس تحرير الأهرام يؤكد أن مرتبه حوالى 4000 جنيه «أربعة آلاف جنيه» وأن كل ما يحصل عليه من الأهرام حوالى 20 ألف جنيه فقط فى الشهر! فى حين قال أسامة سرايا: إن مرتبات رؤساء التحرير أصبحت أقل بكثير مما يتقاضاه مذيعو التليفزيون، وأنه داخل الأهرام حاول زيادة مرتبات الصحفيين وأعضاء مجلس التحرير ورؤساء الأقسام ومضاعفتها بنسبة 300%، ويرى أن الحل فى أن يختار رئيس التحرير مجموعة من الصحفيين الذين يحتاجهم وعلى درجة عالية من الكفاءة والموهبة ويضاعف مرتباتهم ويعطيهم بدل تفرغ مناسبا يعينهم على حياة كريمة.. ويقول سرايا أنه تولى رئاسة تحرير الأهرام ووجد عشرات الصحفيين ممن يعملون فى الإعلانات ومستشارى وزراء وفى القنوات الفضائية، ووجد هذا الوضع قد ترسخ فلم يكن من الممكن محاربتهم فى أرزاقهم، وأنه ليس من المنطقى التعامل مع هذا الأمر بمنطق الإزالة والهدم ولكن بالتدريج، لأنه أصبح أمرا واقعا، كما أن المؤسسات تحتاج للإعلانات وأن عمل الصحفى فى أكثر من مكان وعدم تفرغه أثر على قراءته وبالتالى أثر بشكل كبير على المادة الصحفية المكتوبة ومستوى التعبير، لكنه فى نفس الوقت فتح له أفقا أكبر فى العلاقات والمصادر. يضيف سرايا: إن مهنة مستشار الوزير ليست بنت هذا العصر، محمد حسنين هيكل كان مستشار رئيس الجمهورية، وكاتب خطابات الرئيس، وهو رئيس تحرير الأهرام.. ويتفق سرايا مع القط فى أن المعوق الأساسى لتطوير رواتب الصحفيين فى المؤسسات الحكومية هو الأعداد الكبيرة للموظفين الذين لايحتاجهم فى العمل، ولكنه مضطر لدفع رواتبهم، فالأهرام لديه 15 ألف موظف.. يحتاج لنسبة قليلة منهم فى العمل، وأجر المحرر المبتدئ لديه يتراوح بين 400 إلى 500 جنيه والمتدرب من 300 و400 جنيه. الأستاذ محمد على إبراهيم - رئيس تحرير الجمهورية - يقول: إن راتب الصحفى المعين فى الجمهورية يصل إلى 500 جنيه، وأن هذا المبلغ لا يفى بأى من متطلباته، فى حين أن أجر الصحفى قديما كان أفضل ثانى أجر فى الدولة، وأن هذا التدهور حدث لأن الراتب ظل ثابتاً فى حين تغيرت القيمة مع ظهور كوادر جديدة مثل الأطباء والمحاسبين والقضاة والمهندسين، لذلك لابد أن يتغير قانون النقابة ويتم إضافة البدل 610 جنيهات إلى أساسى الرواتب، وتحسب سنوات الخبرة، فمثلا بعد 5 سنوات يتم رفع الراتب، ويقول أنه لايوافق على ظاهرة الصحفى الذى يعمل بالإعلان، ولكنه تولى رئاسة التحرير ووجد الوضع كذلك، لكنها ظاهرة سيئة، حيث خلط الإعلان بالتحرير، وأنه يعالج ذلك بأن يكلف شخصا آخر بالعمل عندما يرى أن الصحفى الذى يعمل بالإعلانات يؤدى أداء غير مهنى، وهو أيضا لايوافق على عمل الصحفى كمستشار لوزير إلا فى حال أن يكون الصحفى يغطى وزارة ويعمل مستشارا لوزير وزارة أخرى غير تلك التى يغطى أخبارها. يضيف إبراهيم أنه يتقاضى 4515 جنيها فى الشهر، بالإضافة إلى أن أكبر راتب لديه بين الصحفيين لايتعدى 1500 جنيه. سعيد عبدالخالق - رئيس تحرير الوفد- يرى أن الحل فى تخصيص كادر للصحفيين مثل كادر القضاة وكادر الشرطة، ولكن هذا يصعب تحقيقه لأن الشرطة والقضاء لها جهة واحدة تصرف عليها، بينما الصحف كل صحيفة تتحمل أعباءها المالية حسب حجم أرباحها وحسب ميزانيتها، ويقول أن الصحفى المبتدئ المتدرب لديه يحصل على مكافأة بين 200 و350 حسب عمله، بينما تصل رواتب بعض الصحفيين فى الوفد من 1300 إلى 2000 جنيه. إذا انتقلنا للصحافة الخاصة سنجد الأوضاع متفاوتة.. ففى جريدة الدستور تعد الأوضاع فى الأسوأ؛ ففى الدستور يظل الصحفى يعمل لمدة قد تتجاوز عامين ولايأخذ فيها مليما واحدا، فبعد العامين قد تتراوح الرواتب من 200 إلى 300 جنيه، حتى يتم التعيين، وبعد التعيين يتم إجبار الصحفيين على دفع التأمينات كاملة، فالدفعة التى عينت منذ عامين على عقد 225 جنيها يخصم 90 جنيها من 225 الأساسى للتأمينات، أما الدفعة التى عينت على 500 جنيه لأن النقابة أصبحت تشترط ذلك فتم الاتفاق معها على خصم التأمينات كاملة، واضطر المحررون للموافقة على ذلك لرغبتهم الشديدة فى التعيين.. كما تتحدد الرواتب والمكافآت هناك وفق اعتبارات مختلفة فهناك من تصل رواتبهم إلى 1200 جنيه فى حين تتراوح رواتب المغضوب عليهم بين400 و500 جنيه مع الخصم. فى المصرى اليوم يختلف الوضع، حيث يتقاضى رئيس تحرير المصرى اليوم ما يقرب من 50 ألف جنيه، بالإضافة إلى نسبة الإعلانات، فى حين لايقل راتب المبتدئ أو المتدرب هناك عن 1300 جنيه، بينما تنقسم رواتب المعينين إلى شريحتين، الشريحة الأولى من 2000 جنيه إلى 3000 جنيه، والشريحة الثانية من 4000 إلى 5000 جنيه. أما فى الشروق فتتراوح رواتب الصحفيين من 1500 إلى 2000 جنيه فى الشهر، والمبتدئ من 750 إلى 1000 جنيه، ومسئولى الأقسام من 3000 جنيه إلى 4 آلاف. وفى اليوم السابع المحررون غير المعينين تتراوح رواتبهم من 800 جنيه إلى 1000 جنيه، والعاملون بموقع اليوم السابع من 1200 إلى 1600 والعاملون فى الجورنال الأسبوعى من 1000 جنيه إلى .1500 وفى الأهالى لا يزيد أجر المحررين عن 500 جنيه، فى حين تتراوح أجور الصحفيين من 200 جنيه إلى 300 جنيه فى الشهر. وفى مؤسسة نهضة مصر للطباعة والنشر يشتكى المحررون من أن أكثر من نصفهم لم يحصل على رواتبهم، وأن هذا يتكرر بحجة أن هناك أزمة مالية طاحنة فى الجورنال. وتلك الأزمة تكررت فى 2005 و,2006 حيث تأخرت الرواتب لمدة 6 شهور، ويتم التعامل هناك على كشف الإنتاج والتعيين صورى على عقد 170 جنيها، هذا العقد لايقبل بالنقابة، وتتراوح رواتب المحررين من 700 إلى 800 جنيه، وقد تصل إلى 1200 جنيه لمسئولى الصفحات. الباحث أحمد النجار عضو مجلس النقابة السابق يقول أنه أنجز مشروعا كاملا عن أجور الصحفيين فى ,2005 كان قد اشترط فيه أن يكون الحد الأدنى 1800 جنيه، ولكن فى ظل معدلات التضخم عدل الحد الأدنى الذى لا تقبل النقابة دونه إلى 1500 جنيه، حتى يستطيع الصحفى أن يعيش حياة كريمة.؟