لم يقم الاسلام علي اكتاف المترفين في الحياة هذا ما تميزت به النبوة تاريخيا عن الافكار والنظريات والفلسفات الوضعية إنها إيمان وعمل وفكر وفعل نظرية وتطبيق بالاضافة إلي انها توافرت علي القضية الأولي والأهم وهي استرداد إنسانية الإنسان واخراجه من عبادة العباد الذين نصبوا أنفسهم علي رؤوس الأشهاد إلي عبادة الله وحده لا شريك له ومن جور القوانين الوضعية إلي عدل الاسلام ومن ضيق الدنيا إلي سعة الدنيا والآخرة ولعل أهم ما قام به الاسلام بعد توحيد الله وخلاص البشرية من عبادة الأوثان وعبادة ما دون الله هو هموم الإنسان علي وجه البسيطة. إن سبب جهاد الاسلام تاريخيا كان الإنسان وقضايا الإنسان ومصير الإنسان وتحرير الإنسان من العبودية البشرية والارتقاء به إلي عبادة الله وكانت غاية الدين هي اقامة الحياة الطيبة أي ان الدين للحياة في المعاش والمعاد قال تعالي: امن عمل صالحا من ذكر أو أنثي وهو مؤمن فلنحيينه حياة طيبة( النحل:95). لذلك فإن دعوات ومحاولات عزل الدين عن الحياة وإبعاده عن هموم الناس وجعله شأنا شخصيا وأمرا فرديا مجاله ضمير الإنسان, هو تدمير لشخصية الانسان وفجوة بين فكره ومعتقداته. والذين يفهمون التدين علي انه انسحاب من الحياة وابتعاد عن هموم الناس ومعالجة مشكلاتهم وقضاياهم. والذين يفهمون ان غاية ما في التدين هو أداء الصلاة والصيام والحج.. الخ بعيدا عن المساهمة في قضاء حاجات الناس ومعالجة مشكلاتهم ومجاهدة الظلمة والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر فإن فهمهم بحاجة ايضا إلي إعادة المراجعة والتقويم ولو صاموا وصلوا وحجوا وزكوا يبقي إيمانهم منقوصا. وبحسب درجة الوعي الاسلامي تضيق الظواهر السلبية وانحسار الفهم وتتسع وهي في النهاية لون من العلمنة الاسلامية علي يد أهله وعزله عن الحياة ليصبح شأنا فرديا وعلاقة بين الفرد وربه بعيدا عن هموم الناس وهذا مبتغي الظلمة ومحل تشجيعهم. ومما لاشك فيه أن الرسول عليه الصلاة والسلام كان دائم الانتصار والالتصاق بالفقراء والمساكين يعتبرهم كيان المجتمع وأدوات انتاجه وكان يقول عليه الصلاة والسلام اهل تنصرون وترزقون إلا بضعفائكم؟!ب( رواه البخاري عن سعد بن أبي وقاص). والفقراء عدة الانتاج وسواعده في السلم وعدة الدفاع ورجاله في الخوف والحرب في الوقت الذي كان صلي الله عليه وسلم فيه يعتبر ان الانفصال عن الناس والانغماس في الرقه والترف طريق السقوط والانقراض. ويحذر من الكبر الذي هو ابطر الحق وغمط الناسب( رواه مسلم عن ابن مسعود) وأن الفسق والبطر سبب الدمار قال تعالي اوإذا أردنا أن نهلك قرية وأمرنا مترفيها ففسقوا فيها فحق عليها القول فدمرناها تدميراب( الإسراء:16). إن المسلم الحق هو الذي يلتصق بهموم الناس لا يغادرها ولا ينفصل عنها متأسيا بالرسول القدوة صلي الله عليه وسلم في قوله اأحب العباد إلي الله تعالي أنفعهم لعيالهب( رواه عبدالله في زوائد الزهد عن الحسن مرسل وحسنه الشيخ الألباني في صحيح الجامع).