سعى ميليشيات الدعم السريع لتقسيم السودان تهديد مباشر للأمن القومي المصري رسائل حاسمة للسيسي خلال لقائه البرهان تؤكد ثوابت موقف مصر الداعم لوحدة السودان وسيادته تعتبر وحدة السودان إحدى أهم ركائز الأمن القومي المصري، ليس فقط بحكم الجغرافيا والحدود المشتركة، بل لأن السودان يمثل العمق الاستراتيجي الجنوبي لوادي النيل، وأصبحت هجمات ميليشيات الدعم السريع على بعض المدن خطرًا كبيرا يهدد بانقسام السودان، وهو ما يعد تهديدًا مباشرًا للأمن القومي المصري، بأبعاده الأمنية والمائية والاقتصادية والإقليمية. لم تعد الحرب في السودان صراعًا داخليًا محدود التأثير، بل تحولت إلى أزمة إقليمية تمس الأمن القومي لدول الجوار، وفي مقدمتها مصر، فصعود ميليشيات الدعم السريع كقوة عسكرية اقتصادية مستقلة عن مؤسسات الدولة السودانية وسعيها لفرض مناطق نفوذ بالقوة يهدد بتحويل السودان من دولة موحدة إلى كيان مفكك تحكمه الميليشيات، بما يحمله ذلك من تداعيات مباشرة على أمن واستقرار وادى النيل. لذلك فإن هناك أهمية شديدة للقاء الذي جمع منذ أيام الرئيس عبدالفتاح السيسي مع الفريق أول ركن عبدالفتاح البرهان رئيس مجلس السيادة الانتقالي السوداني، حيث تطرقت المباحثات بينهما إلى مستجدات الأوضاع الميدانية في السودان، وكانت رسائل الرئيس السيسي حاسمة، حيث أكد دعم مصر الكامل للشعب السوداني في مساعيه لتجاوز المرحلة الدقيقة الراهنة، مشددا على ثوابت الموقف المصري الداعم لوحدة السودان وسيادته وأمنه واستقراره، مؤكدًا استعداد مصر لبذل كل جهد ممكن في هذا السياق، بالإضافة إلى اتفاق الجانبين على أهمية تكثيف المساعي الرامية إلى تقديم الدعم والمساندة للشعب السوداني في ظل الظروف الإنسانية القاسية التي يواجهها جراء النزاع الدائر، مع التشديد على ضرورة وقف الجرائم التي ترتكب بحق الشعب السوداني الشقيق ومحاسبة المسئولين عنها. وخلال اللقاء أعرب البرهان عن تقديره لمساندة مصر المتواصلة للسودان ولمساعيه لإنهاء الأزمة الراهنة، مؤكدًا أن ذلك يعكس عمق العلاقات الأخوية بين البلدين. مصر والسودان يرتبطان بحدود برية تتجاوز 1200 كيلومتر، وهو ما يؤكد أن استقرار السودان شرط أساسي لأمن الحدود الجنوبية لمصر، وقد شكّل السودان − تاريخيًا − حائط صد طبيعيا أمام الفوضى القادمة من العمق الإفريقي، كما كان شريكًا رئيسيًا فى حماية وادى النيل وضمان استقراره، ولذلك فإن أي اضطراب أو انهيار فى الدولة السودانية لا يبقى داخل حدودها، بل يمتد مباشرة إلى الداخل المصري، خاصة أن جوهر الأمن القومي المصري يرتكز على نهر النيل، والسودان يمثل الحلقة الأهم في مسار النهر سياسيًا وجغرافيًا، ولذلك فإن وجود دولة سودانية موحدة وقوية يضمن تنسيقًا استراتيجيًا في ملف المياه، وموقفًا تفاوضيًا متماسكًا في مواجهة التحديات الإقليمية، بالإضافة إلى منع استخدام الانقسام السودانى كورقة ضغط ضد مصر، وفي حال تفكك السودان يضعف هذا التنسيق، وتنشأ مواقف متضاربة تصب في مصلحة أطراف إقليمية أخرى. وتسعى ميليشيات الدعم السريع إلى تقسيم السودان، بعد تحولها − بمساندة بعض القوى الإقليمية − من قوة مساندة للدولة السودانية إلى كيان موازٍ للدولة، ففى البداية كانت ميليشيات الدعم السريع تشكيلا أمنيا مساعدا للدولة، ثم تحولت فيما بعد إلى قوة عسكرية اقتصادية مستقلة، تمتلك مصادر تمويل ذاتية (خصوصًا الذهب) وشبكات تهريب عابرة للحدود، ونفوذ قبلى وإقليمى خارج إطار الدولة السودانية. فقد نشأت ميليشيات الدعم السريع خارج الأطر التقليدية للمؤسسة العسكرية، وتطورت تدريجيًا إلى كيان مسلح يمتلك مصادر تمويل مستقلة، أبرزها السيطرة على مناجم الذهب وشبكات التهريب العابرة للحدود، ومع اندلاع الصراع لم تكتفِ هذه القوات بمواجهة الجيش السودانى، بل انتهجت سلوكًا قائمًا على فرض الأمر الواقع، عبر السيطرة على الأقاليم وتدمير مؤسسات الدولة وارتكاب انتهاكات واسعة بحق المدنيين، وهو ما يعكس مشروعًا يتجاوز الصراع العسكرى إلى تفكيك السودان نفسه. ميليشيات الدعم السريع لا تسعى إلى إعلان تقسيم رسمي للسودان، بل تعتمد استراتيجية أكثر خطورة تقوم على فرض مناطق نفوذ مستقلة، وإنشاء اقتصاد موازٍ قائم على الذهب والتهريب، وإضعاف السلطة المركزية وتحويلها إلى كيان شكلي، ويؤديى هذا النموذج عمليًا إلى سودان مفكك، بلا جيش وطنى موحد، وبلا قرار سياسى مركزى، وهو ما يمثل تقسيمًا فعليًا للدولة دون إعلان، حيث يعتمد هذا النموذج على فرض مناطق نفوذ مستقلة في غرب البلاد، وإدارة اقتصادات محلية قائمة على الذهب والتهريب، وإقامة علاقات خارجية غير رسمية، وإضعاف السلطة المركزية وتحويلها إلى كيان شكلى، وبمرور الوقت ينتج عن هذا الواقع سودان بلا مركز سياسى موحد، ودون جيش وطني جامع، وبلا سياسة خارجية واحدة، وهو ما يعادل عمليًا تقسيمًا فعليًا للدولة. وفي حال حدوث ذلك سيكون له انعكاسات مباشرة على الأمن القومي المصري، أهمها تهديد الحدود الجنوبية، لأن تفكك الدولة السودانية يخلق فراغًا أمنيًا يسمح بانتشار تهريب السلاح، والهجرة غير الشرعية، والجريمة المنظمة، وهو ما يشكل تهديدًا مباشرًا للأمن المصري. كما أن استمرار الصراع يدفع بموجات نزوح متزايدة نحو مصر، بما يحمله ذلك من أعباء على الخدمات العامة، والبنية التحتية، وسوق العمل، والأهم من ذلك الإخلال بالتوازن الإقليمى، لأن تحويل السودان إلى ساحة صراع يفتح الباب أمام تدخلات إقليمية ودولية، ويجعل مصر في مواجهة غير مباشرة مع تداعيات الفوضى بجنوب حدودها. وإذا كان الأمن القومي المصري يرتبط ارتباطًا عضويًا بنهر النيل، فإن السودان يمثل الحلقة الجغرافية والسياسية الأهم في مسار النهر، فهو دولة ممر ومشاركة فى إدارة مياه النيل، كما أن التنسيق المصري السوداني عنصر حاسم فى مواجهة أى تهديدات مائية، وغياب دولة سودانية موحدة يضعف الموقف التفاوضى لمصر في القضايا المائية، ولذلك فإن استقرار السودان جزء لا يتجزأ من أمن مصر المائي. كما يمثل السودان حاجزا أمنيا واستراتيجيا، لأنه يشكل منطقة عازلة طبيعية أمام امتداد الفوضى من القرن الإفريقى، فالسودان خط دفاع غير مباشر ضد الإرهاب، والجريمة المنظمة وشبكات تهريب السلاح والبشر، وانهيار الدولة السودانية يعنى تحوّل هذه التهديدات إلى الحدود المصرية مباشرة. ولذلك فإن وجود جيش سوداني وطني قوي يسهم فى ضبط الحدود المشتركة، ومنع تسلل الميليشيات، بينما يؤدي أي صعود لقوى مسلحة غير نظامية داخل السودان إلى خلق فراغ أمني يهدد التوازن العسكري الإقليمي. فالسودان بالنسبة لمصر ليس جارًا عاديًا، بل عمق استراتيجى حيوى، واستقراره شرط مباشر لأمن الحدود والمياه والاقتصاد والإقليم، ولذلك فإن أى تهديد لوحدة السودان أو دولته المركزية يُعد تهديدًا مباشرًا للأمن القومي المصري. ولكل ذلك فإن الرؤية المصرية تنطلق من مبدأ ثابت، وهو أنه لا استقرار فى السودان دون دولة مركزية وجيش وطنى موحد، وأن شرعنة قوات الدعم السريع أو إدماجها سياسيًا دون تفكيك بنيتها الميليشياوية يعني تكريس نموذج خطير في الإقليم، يقوم على تقويض الدولة لصالح السلاح والاقتصاد غير المشروع، وهو ما يشكل تهديدًا مباشرًا وطويل الأمد للأمن القومي المصري، ومن ثم فإن الحفاظ على وحدة السودان ودعم مؤسسات الدولة الوطنية ليس موقفًا سياسيًا مجردًا، بل ضرورة استراتيجية تمليها اعتبارات الأمن القومي المصري.