منذ قديم الأزل ومصر هى بلد العجائب فعلا وواقعاً وليس مجازاً ولا خيالاً.. فقديماً ضمت أرضها عجيبتين من عجائب الدنيا السبع القديمة «الهرم الأكبر ومنارة الإسكندرية» كبرهان على الإعجاز البشرى لأهلها وقد ظل الهرم الأكبر - العجيبة الوحيدة الباقية من العجائب القديمة - شاهداً ودليلاً على أن بلادنا وناسنا متميزون ويستحقون كل تقدير لأنهم متفردون ومختلفون عن الآخرين..ويبدو أن القدر كان كريماً مع مصر فلم تقتصر العجائب على الماضى فقط بل امتدت للحاضر.. والحمد لله أن منحنا الله العمر لنرى بأنفسنا ونكون شهوداً على عصر جديد من العجائب التى تتحقق على أرض مصر.. ولعل المشهد الأول فى زمن العجائب المعاصر قد بدأ مع 52 يناير 1102 أى منذ ما يقرب من سنة ونصف.. حيث انطلقت ثورة للشعب لتغيير الواقع الذى فرضوه علينا لمدة 03 سنة بالتمام والكمال وكان من المتوقع أن يطول ويورثون الأرض وما عليها للوريث إلى ما شاء الله فإذا بأولادنا يطلقون من على الإنترنت صافرة بداية التغيير ويتجمعون فى الشوارع والميادين فى جميع أنحاء الجمهورية يطالبون بالحرية والكرامة فإذا بدمائهم الطاهرة وإصاباتهم الغائرة يزحزحون العرش ويطيحون بالنظام ويزلزلون الأرض من تحت أقدام من ظنوا أنهم خالدون فيها إلى الأبد وأنها دامت لهم فإذا بالشعب الذى يعد أعظم عجائب هذا الوطن بحق يطيح بنظام الاستبداد فى 18 يوما لتبدأ بعد ذلك مرحلة جديدة من العجائب...حيث نستفتى على 9 بنود لتغيير الدستور.. فيصدر المجلس العسكرى إعلاناً دستورياً من 36 بندا ليكون دستوراً للبلاد فى هذه المرحلة الانتقالية!! وبدلاً من أن يكون الدستور أولاً يطالب البعض كإحدى العجائب بالانتخابات أولاً.. وبالفعل تتم الانتخابات البرلمانية ليكتسح التيار الدينى أغلبية مقاعد البرلمان ويجىء برلمان الثورة أبعد ما يكون عن الثوار كعجيبة أخرى فى بلد العجائب.. وينشغل نوابه بقضايا الخلع والختان وسن الزواج وينسون العدالة الاجتماعية..أما اللجنة التأسيسية للدستور الذى تعثر الاتفاق على أعضائها المائة عدة شهور إلى أن صدر قرار من المجلس العسكرى بتعيينهم وليس انتخابهم فهى عجيبة أخرى..وتظل عجيبة العجائب هى الانتخابات الرئاسية حيث يتراجع حزب الحرية والعدالة عن قراره السابق فى عدم الترشح للانتخابات الرئاسية وبدلاً من أن يرشح واحدا.. يرشح اثنين وحيث يتقدم السادة الذين كانوا جزءاً من النظام السابق لسباق الرئاسة ويحاول مجلس الشعب أن يتدارك الموقف بقانون «مسلوق» للعزل السياسى للفلول.. فإذا بالمحكمة الدستورية تقضى بعدم دستوريته.. وتظل العجيبة الموجعة للملايين هى انقسام رفقاء الميدان وعدم اتحادهم وتبادل الاتهامات فيما بينهم فتنقسم الأصوات وتذهب ريحهم ويظل على المشهد المرشحان اللدودان.. «مرسى وشفيق» وتبدأ حرب الاتهامات والتشكيك.. والحملات الدعائية والإعلانية تبلغ مداها ثم يتم الإعلان عن حل البرلمان لنفاجأ بأننا بعد عام ونصف من الثورة إننا شعب بلا دستور.. ولا برلمان.. ولا حكومة فعالة بل مجرد حكومة تسيير أعمال.. وإذا بنا بدولة اقتصادها منهك.. وأمنها مهدد نخوض انتخابات رئاسية معظمنا يذهب لصناديق الاقتراع وهو يعصر على نفسه صندوق ليمون ليختار بأيدٍ مرتعشة ما بين الموت غرقاً أو حرقاً ومن يكرهه أقل ومن هو سيئ وليس الأسوأ.. وهانحن ندخل مرحلة جديدة مع الإعلان المبدئى لفوز د. محمد مرسى لنجد كثيرا منا يفرح ليس لفوز مرشحه ولكن لخسارة المرشح الآخر لتظل سلسلة العجائب مستمرة..ولكن ربما يظل لدى البعض منا أمل فى أن يكون هناك شىء ما من الثورة قد يكون لايزال مستمراً بدلاً من أن تكون مهددة بأنها قد ذهبت إلى الأبد